توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    «كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    نظام العالم الآخر بين الصدمة والتكرار الخاطئ.. المغرب اليوم يقف أكثر قوة ووحدة من أي وقت مضى    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    حارس اتحاد طنجة الشاب ريان أزواغ يتلقى دعما نفسيا بعد مباراة الديربي    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    افتتاح 5 مراكز صحية بجهة الداخلة    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بنكيران: مساندة المغرب لفلسطين أقل مما كانت عليه في السابق والمحور الشيعي هو من يساند غزة بعد تخلي دول الجوار    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مناقشة البرنامج الحكومي أمام أعضاء مجلس النواب ... أحمد الزيدي في مرافعة تاريخية باسم المعارضة الاتحادية

رأى أحمد الزايدي أن ربح رهان الدستور لم ولن ينتهي بانتخابات 25 نونبر، وأن الاصلاح العميق الذي اعتمدناه لا يجب أن ينسينا أن المشاركة السياسية لاتزال ضعيفة، وأن ملايين المغاربة غير مسجلين في القوائم الانتخابية وأن أكثر من نصف المسجلين لم يصوتوا، وأن انتظارات الشارع كبيرة فللديمقراطية ثمنها وكلفتها. وأكد رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب في إطار مناقشة التصريح الحكومي، يوم الثلاثاء الماضي، أن اختيار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للمعارضة ليس اختيارا ذاتيا، بل نعتبره ضرورة وطنية أملتها العديد من العوامل، منها احترام رأي الناخبين المغاربة وكذلك توخي الوضوح السياسي في المرجعيات، وتجنبا للخلط الذي يخلق الالتباس في المشهد السياسي ولدى الرأي العام، ويهز ثقته في السياسة والمؤسسات، كما أن هذا الاختيار يأتي مساهمة من الاتحاد في تيسير انبثاق مشهد حزبي وسياسي واضح، مبني على تقاطبات واضحة تتأسس بدورها على مرجعيات مشتركة، كما شدد على ضرورة التمييز بين معارضة الحكومة والانخراط الواعي والفاعل في السيرورة الإصلاحية التي أنتجتها.
«أود في البداية أن أوضح باسم فريق الاتحاد الاشتراكي أن مداخلتنا هاته لن تقف عند حدود التصريح الحكومي بل سنحاول من خلالها، إبراز السمات الأساسية للمرحلة وحجم التحديات المطروحة للإجابة عن الأسئلة التي يتداولها الرأي العام في ارتباط مع الدينامية التي يعيش المغرب، هذا الرأي العام الذي ينتظر أجوبة مقنعة ومواقف واضحة تعكس دور مختلف الفرقاء في مرحلة ما بعد دستور فاتح يوليوز والانتظار مركز بالأساس على التطلع الى أجوبة ترتبط بمعيشه اليومي، وبمدى قدرة النخبة السياسية ومدى قدرة هذه الحكومة على ربح الرهانات الكبرى للبلاد.
وإذا كان ردنا على البرنامج الحكومي سيذهب مباشرة إلى العمق وإلى الأهم, فإننا سنتوقف كذلك عند دور الاتحاد الاشتراكي الذي قاد مرحلة التناوب التوافقي وشارك في الحكومتين المتتاليتين وانضبط لنتائج صناديق الاقتراع في محطة التناوب الثاني التي وضعته في المعارضة، فما هي طبيعة المعارضة الاتحادية اليوم؟
قبل ذلك دعوني أجدد لكم السيد رئيس الحكومة التهنئة على الثقة الملكية التي حظيتم بها أنتم وفريقكم الحكومي متمنيا لكم النجاح في مهامكم وآملا أن توفوا بالوعود التي على أساسها حصل حزبكم على المرتبة الأولى التي مكنته من قيادة الائتلاف الحكومي.
إننا في الاتحاد الاشتراكي نعتبر هذا التعيين تجسيدا لإرادة الناخبين واحتراما لمقتضيات الدستور ورسالة قوية الى المجتمع وإلى كافة السلط والأحزاب مفادها أن المغرب دخل عهدا جديدا وأن الجميع مطالب باحترام الدستور والتقيد بمقتضياته.
إن حكومتكم تعد بذلك ثمرة إعمال مقتضيات الدستور الجديد والإصلاحات التي اعتمدها المغرب، وهو مسلسل كان الاتحاد الاشتراكي من صانعيه الأساسيين وسيظل فاعلا فيه من موقع المعارضة مدافعا عن تجذير الإصلاحات وداعما لكل الاقتراحات والمبادرات الحكومية الإيجابية التي تسير في هذا الاتجاه ولكل السياسات العمومية التي تتوخى تحقيق مكاسب جديدة للشعب المغربي مضطلعا بالدور الدستوري والسياسي والاجتماعي الموكل إليه كقوة سياسية يسارية حداثية وديمقراطية. لقد ربح المغرب الرهان الدستوري في إطار من السلاسة والتشاور والحوار في محيط إقليمي متوتر. وقد اجتمعت إرادة جلالة الملك محمد السادس الذي كان مبادرا واستباقيا وتوقعيا ومنصتا لمطالب الرأي العام وإرادة القوى السياسية الحية الديمقراطية والجادة من أجل تحقيق هذا الهدف الذي جسده بالخصوص دستور فاتح يوليوز متوجا سلسلة إصلاحات سياسية ومؤسساتية تراكمت على مدى عقدين من الزمن واكبها مسلسل إنمائي مجسدا في أوراش غير مسبوقة.
إن ربح هذا الرهان ليس غاية في حد ذاته ,بل يتعين أن يكون منطلقا لمسيرة إصلاحية جديدة ولجيل جديد من الإصلاحات تنزيلا لمقتضيات الدستور ومواكبة لإعماله بما يوطد دولة المؤسسات ويضمن حقوق جميع المغاربة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأساسا بما ييسر المشاركة السياسية والاستقرار والأمن اللذين يعتبران شرطين لا محيد عنهما للتقدم والتنمية. إن ربح رهان الدستور لم ولن ينتهي بانتخابات خامس وعشرين نونبر لمجرد ان هذا الحزب أو ذك فاز بالانتخابات ولم يعد يجادل في سلامة العمليات الانتخابية. إن العمل الصعب هو الأتي . لنتريث بعض الشيء . ان الإصلاح العميق الذي اعتمدناه لا يجب ان ينسينا ان المشاركة السياسية ما تزال ضعيفة وان ملايين المغاربة غير مسجلين في القوائم الانتخابية وان أكثر من نصف المسجلين لم يصوتوا وان انتظارات الشارع كبيرة . فللديمقراطية ثمنها وكلفتها.
إن حرصنا على ان تأخذ كل تشكيلة سياسية المكانة التي وضعتها فيها صناديق الاقتراع هو ما جعلنا نأخذ موقعنا الصعب في المعارضة. ونقول الصعب لأننا خبرناها أكثر من غيرنا. إن معارضتنا اليوم ليست اختيارا ذاتيا، بل نعتبرها ضرورة وطنية أملتها جملة عوامل:
1 - اخترنا المعارضة احتراما لرأي الناخبين المغاربة.
2 - اخترنا المعارضة توخيا للوضوح السياسي في المرجعيات وتجنبا للخلط الذي يخلق الالتباس في المشهد السياسي ولدى الرأي العام ويهز ثقته في السياسة وفي المؤسسات.
- اخترنا المعارضة مساهمة منا في تيسير انبثاق مشهد حزبي وسياسي واضح مبني على تقاطبات واضحة تتأسس بدورها على مرجعيات مشتركة.
وفي هذا الصدد يتعين التمييز بين معارضة الحكومة والانخراط الواعي والفاعل في السيرورة الإصلاحية التي أنتجتها.
- واخترنا المعارضة يقينا منا بأنها ستشكل مساهمة فعالة في توضيح المشهد السياسي. فإذا كانت الحكومة الحالية يمينية محافظة على الأقل على المستوى السياسي والثقافي, فإن ذلك لا يتلاءم مع انتمائنا إلى المدرسة الاشتراكية الديمقراطية والحداثية.
- واخترنا المعارضة لأننا نعتبر أن المغرب دخل مرحلة التناوب الثاني بأغلبية جديدة وفي مقابلها يتعين ان تكون معارضة قوية خاصة وان الدستور الجديد يمنحها مكانة لا تقل أهمية عن الدور الموكول للحكومة في التنزيل السليم للدستور وتطوير الممارسة الديمقراطية.
- واخترنا المعارضة سادسا لأننا مارسنا المسؤولية في ظل مناخ صعب ومعقد يتسم من جهة بهامشية الصلاحيات الدستورية وبثقل منطق التوافقات وأمام الحجم المهول للخصاص الاجتماعي والفساد السياسي الاقتصادي في ظرفية وصفها الملك الراحل بالسكتة القلبية, فإنه بالرغم من كل الجهود الإصلاحية والارادوية التي قدناها بمنطق المصلحة الوطنية منذ حكومة التناوب وقمنا بمتابعتها والتي لا شك إنها قادت بلادنا الى ولوج لحظة إعادة تأهيل شامل اقتصادي واجتماعي، فإنها في المقابل جعلت حزبنا يؤدي الثمن غاليا على مستوى الانتخابات وعلى مستوى شعبيته وتمثل وظيفته الإصلاحية لدى الفئات الشعبية والوسطى.
- وأود أن أوضح من جهة ثانية مسألة أساسية هي في نفس الوقت بمثابة تعهد أمام الشعب المغربي الذي يدرك بأن المعارضة الاتحادية لم ولن تكون من أجل المعارضة تتوخى إنجاح التجربة المغربية وجعلها في مستوى طموحات الشعب المغربي. معارضتنا ستكون معارضة مواطنة، وقوة اقتراحية تروم تقويم اختلالات السياسات العمومية والحفاظ على مكتسبات الشعب المغربي في مجال الحريات العامة والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحصين الديموقراطية، ومواصلة الأوراش الكبرى. سننخرط في كل ما هو إيجابي من مبادرات ومشاريع وإجراءات حكومية. وكل انحراف عن هذا الاتجاه سيلقى منا معارضة قوية داخل وخارج البرلمان. وإننا صادقون في انخراطنا وتعاملنا.
إن الانسجام مع هذا الاختيار بما يعنيه من وضوح وتشبث بثقافة الحوار والشفافية يجعلنا لا نتردد في التذكير ببعض معالم المعارضة الاتحادية وإسهاماتها عبر محطات في سجلات التاريخ السياسي والاجتماعي للمغرب الحديث. إن التذكير يعني بالضرورة وحول اختلاف فكري وعقائدي يتعلق بالمرجعيات والتوجهات وأيضا بالمدرسة السياسية. و التذكير هنا هو أيضا رفعا لكل لبس وجوابا لمن اعتبر معارضتنا اليوم هي من أجل الراحة والاستجمام وهو الموقف التي اعتبره الاتحاديون قواعد وقيادات،تجاهلا للتاريخ و خروجا عن اللياقة وعن طبيعة العلاقات السياسية التي يتعين أن تسود بين مكونات الحقل الحزبي المغربي.
إننا إذ نشكر لكم السيد رئيس الحكومة تشبثكم القوي بالرغبة في التحالف مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من أجل المشاركة في الحكومة، نقدر عاليا هذه المبادرة ونقدر فيها اختيار الاتحاد الاشتراكي من منطلق إدراككم نبل مبادئه وقيمه الوطنية، ونعتبر الموقف اعترافا بدور الاتحاد في زيادة الإصلاحات الهيكلية بالبلاد، إننا نعتبر في هذا الإطار أن نجاح المغرب يكمن في جزء منه في الوضوح. وتوخيا لذلك اخترنا موقعنا الطبيعي في هذه المرحلة.
ونحن نعيش أجواء المد الديموقراطي في المنطقة العربية بآماله وإحباطاته، بهيجانه وكابحاته، جمعتنا كهيئات سياسية وفاعلين لحظة الدفاع عن النص الدستوري الجديد عبر الاستفتاء والدعوة إلى التصويت عليه. وجمعتنا قناعات أذكر منها على الأقل ثلاث:
1 - استعجالية إعادة الاعتبار للسياسة والعمل الحزبي وتيسير مشاركة المواطنين في العمل السياسي.
2 - إفراز حكومة تنبثق من صناديق الاقتراع نتيجة انتخابات غير مطعون فيها.
3 - تشكيل حكومة سياسية بتوجهات واضحة تضع حدا لممارسات نعتبرها من مخلفات الماضي ومشهد سياسي وحزبي واضح في تحالفاته وتموقعات أطرافه.
ومع كامل الأسف, فإن ما سمعناه في هذه القاعة أمس يكاد يوحى بأن الديموقراطية ابتدأت فقط مع نتائج انتخابات 25 نونبر. إن مواقف مثل هذه تدعو للسخرية وهي تنكر للشراكة السياسية التي عبر عنها رئيس الحكومة. إنها إنكار وإنكار مضاعف لتضحيات أجيال من المناضلين الشرفاء في الزمن الصعب من أجل الديموقراطية يذكر التاريخ جيدا انتماءاتهم وقناعاتهم لمجموع الإصلاحات المحققة منذ حوالي عقدين من الزمن, إنه لمن الخطأ القول بأن الإصلاح في المغرب بدأ مع حركة المد الديموقراطي العربي، ذلك ان استنتاجا مثل هذا لا يعكس تمثل المسؤولية من موقع رجال الدولة. إنه على الأقل بالنسبة للاتحاد الاشتراكي أمر مردود لأنه كان الحزب المبادر في المغرب الى المطالبة رسميا بالإصلاحات الدستورية والسياسية قبل حوالي عامين على بدء الشارع العربي في المنطقة المطالبة بالديموقراطية. نعم إن الحراك العربي وامتداداته المغربية قد سرعن من وثيرة الإصلاحات, لكن المؤكد كذلك أن النضال من أجل الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية وهي إصلاحات تأسست على التراكم والتدرج عبر أجيال. إننا نهنئ الشعوب العربية التي تخلصت من الاستبداد, ولكننا نهنئ أنفسنا على ربح رهان الإصلاح في إطار استمرارية الدولة ووحدة الشعب والوطن في ظل الملكية الديموقراطية الدستورية.
السيد رئيس الحكومة لا بد أن نصارحكم ونحن في مناخ دستوري بالقول إن حكومتكم جانبت التقيد الدقيق بمقتضيات الدستور. فقد سمح البعض من أعضائها لنفسه بأن يشرع في ممارسة مهامه ويأخذ الالتزامات باسم البلاد قبل نيل ثقة مجلس النواب وهو مقتضى دستوري -أي نيل الثقة- يتعين احترامه.
إن الأمر لا يتعلق بمسألة شكلية أو مسطرية كما حاول البعض التقليل من أهميتها, بل إن احترام الشكل ونص الوثيقة الدستورية هو جوهر وروح الإصلاحات المبنية على سمو الوثيقة الدستورية.
وسواء تعلق الأمر بحالات التنافي أو عملية تنصيب الحكومة فإن الدفاع عن الشكل والمساطر كان دفاعا عن روح ومنطق النص الدستوري.
لقد حدثت خروقات للدستور حرصنا على التنبيه إليها في حينها ولسنا في حاجة إلى من يعطينا كاتحاديين أشباه دروس في الدستور وفي الرصانة إذ أن في حزبنا من الطاقات ما يغنينا عن هكذا اجتهادات, وإذ أن على من يريد الاجتهاد أن يتجنب القذف والعموميات وأحكام القيمة وإذ أن على من سقف بيته من زجاج ألا يقذف بيوت الناس بالحجارة. نتساءل معكم هل نحن في حاجة إلى التذكير بأن الشعوب تضع الدساتير لتحترمها وتنضبط لها ولتنظم العلاقات بين مكوناتها وليس لتضعها لتزيين الرفوف أو من أجل إعطاء الانطباع للآخر على أننا نتوفر على دستور. الدساتير هي الفيصل في الأنظمة الديموقراطية وإن من الدساتير طبعا ما هو ديموقراطي وما هو استبدادي وما هو في منزلة من المنزلتين، وفي الفرق بين هذه الأنماط يكمن الفرق بين الأنظمة الديموقراطية والأنظمة الشمولية غير المأسوف عليها.
ملاحظات عامة:
إذا كنا قد أكدنا باسم المعارضة الاتحادية أننا لن نكون اليوم كما لم نكن من قبل من زبناء الأحكام الجاهزة, وبالتالي لن نحكم على هذه الحكومة إلا بعد إعطائها الوقت الكافي, فإن ذلك لن يمنعنا من إبداء الملاحظات الأولية التالية بعد ان استمعنا إلى برنامجكم :
الملاحظة الأولى: نعتقد جازمين أن الانتظارات الشعبية التي فجرها الحراك الإقليمي من أجل الديموقراطية جعلت من التغيير شعارا مركزيا للمرحلة، لكننا لم نلمس في البرنامج التي قدمتموه أمامنا معالم هذا التغيير، وهو ما نعتبره إخلالا بالتعاقد والوعود التي قدمتموها للمغاربة، في حملتكم الانتخابية.
لقد فاجأت الحكومة الرأي العام ببرنامج يندرج في منطق استمرارية انتقائية مفتقرة إلى الوضوح، إذ لم نعثر في البرنامج على إجراءات كبرى وإستراتيجية تجعلنا نطمئن إلى أن التغيير الذي يريده المغاربة سيحصل. بالفعل. وأن ثمة من الطموحات ما سيطبع عمل هذه الحكومة؛ بل حتى لغة التصريح خانتها البلاغة أمام مأزق التناقض. والتناقض أن من كون خصومكم بالأمس هم حلفاؤكم اليوم فأي إرث ستحاكمون؟
الملاحظة الثانية وهي مركزية: لقد أغفل البرنامج تشخيص الأوضاع الوطنية الراهنة ومواطن العجز والخصاص سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فكان ان انعكس ذلك على مضمونه وعلى الأهداف التي تضمنها, إذ جاء متسما بالعمومية وعدم التدقيق في صياغة الأهداف بدون أولويات، كما أغفل الالتزامات التي تقدمت بها أحزاب الائتلاف الحكومي إبان الانتخابات وتجاهل السياق الدولي والإقليمي الراهن. وقد كان من المنطقي، ونتيجة لما سبق ، أن يغيب البرنامج الجدولة الزمنية للإنجاز وتحديد الوسائل البشرية والمادية ومصادر التمويل.
إن هذه العناصر الأساسية لا نجدها في تصريحكم وقد عدنا إلى التصاريح الحكومية السابقة فوجدنا أن التركيز على هذه المبادئ شكل أهم عناصر النقاش.
السيدات والسادة أرجو أن تتبعوا معي مضمون الكلام التالي: «تصريح السيد الوزير الأول يفترض أن يتضمن البرنامج الذي تعتزمون تطبيقه كما ينص على ذلك الدستور، هذا التصريح يتعين أن يعكس من جهة الالتزامات البرنامجية التي تقدمت بها أحزاب الحكومة إبان الانتخابات، كما يتعين أن يتضمن من جهة أخرى تصورا دقيقا للحلول المقترحة لمشاكل البلاد، والمستجيبة لانتظارات الشعب، فإلى أي حد تحقق في تصريح السيد الوزير الأول ما كان وعودا انتخابية؟ وإلى أي حد يمكن أن يكون ما ورد في هذا التصريح التجاوب المطلوب مع مشاكل البلاد وتطلعات الشعب؟» هذا الكلام ليس لنا إنه ما قاله رئيس فريق العدالة والتنمية في مناقشة التصريح الحكومي في 2007 وأنتم في المعارضة. فما رأيكم اليوم؟
الملاحظة الثالثة: أما الملاحظة الثالثة فتتمثل في مفارقة يمكن أن نسميها «بمحدودية هذا التناوب» ذلك أن تحالف حزب العدالة والتنمية المعارض إلى حدود 25 نونبر مع الحزب الذي كان يقود الحكومة. هي إشارة كافية إلى تكريس وضعية الاستمرارية الراكدة وإلى عدم الاستجابة إلى تطلعات المغاربة في التغيير. وفي جميع الحالات ألا تعتبرون أن هذا سيكون مبعث التباس سياسي لدى الرأي العام الوطني, خاصة وقد بنيتم فوزكم على أنقاض الحكومة السابقة التي تتحالفون اليوم مع جزء كبير من مكوناتها.
الملاحظة الرابعة: وتتمثل في فقر البرنامج الحكومي وافتقاره للنفس السياسي الذي يجعله يعطي الدفعة الضرورية للدينامية السياسية، خاصة بافتقاده للأرقام والمؤشرات وآليات التمويل والتنفيذ والمتابعة وعدم تحديده للأولويات والجدولة الزمنية للإنجاز على المديات القصيرة والمتوسطة والبعيدة مما جعله يفتقد للطموح والجرأة السياسية التي ترتبط في الأصل بالقدرة على تحمل المسؤولية؛
الملاحظة الخامسة: تتمثل في خلو برنامجكم من التحليل ولو لنماذج قطاعية أو لملفات صعبة بطبيعتها على النحو الذي يمكنكم من تحديد التحديات على اعتبار أن تشخيص الحالة هو الممر الإجباري لتحديد الأولويات ورصد الإمكانات الضرورية لمواجهتها, خاصة وقد ركزتم في حملاتكم الإعلامية والانتخابية على قضايا بعينها نحن نشاطركم الرأي في وضعها كأولويات. فمثلا كنا نأمل أن الشعار المركزي الذي تصدر أولويات برنامجكم «محاربة الفساد والحكامة والعدالة الاجتماعية» سيطبع البرنامج الحكومي، والحالة إنه حتى هذه الشعارات قدمت بشكل باهت حتى أصبحت في نفس مستويات باقي مكونات البرنامج على عموميتها؛
الملاحظة السادسة: تتمثل في تغييبكم أو إغفالكم أو لنقل تجنبكم للتحليل العلمي للواقع الملموس أي للإكراهات المالية والاقتصادية وكيفية تجاوز تداعياتها على البلاد خاصة من خلال التدبير الجيد، الذكي والمبدع للموارد المالية والبشرية ولإمكانيات البلاد المحدودة .
لقد تجاهل برنامجكم على سبيل المثال الظرفية الدولية المتسمة بأزمة مالية واقتصادية خانقة من تداعياتها الانكماش غير المسبوق منذ الأزمة الكبرى لعام 1929 الذي تعاني منه اقتصادات أهم شركائنا في أوروبا الغربية على وجه التحديد، وإننا لم نفهم بكل صدق تجاهل جانب حاسم كهذا في تصريحكم.
الملاحظة السابعة: تتمثل في أن البرنامج الحكومي أمام هذه الاختلالات جاء مفتقدا إلى الرؤية الواضحة والمقنعة للنموذج وللمشروع المجتمعي الذي ستشتغل عليه الحكومة والنتيجة أن البرنامج جاء عبارة عن لائحة من المتمنيات وحرص على أن لا ينسى أي فئة لتجنب النقد وربما من اجل جبر الخواطر عوض أن يكون برنامجا حقيقيا ومتأصلا يتسم بالتميز يعكس ويجسد بالخصوص حجم الوعود التي قدمت للناخبين المغاربة من قبيل الرفع من الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهما، ومعدلات النمو إلخ.
السيد رئيس الحكومة،
لا نخفيكم ونحن نتابع الخطوات الأولى لهيكلة حكومتكم بأن بعض الممارسات والاختيارات لم تكن في مستوى الآمال التي زرعها الدستور الجديد في شريان الحياة السياسية الوطنية. فبالإضافة إلى ما اعتبرناه خروقات دستورية سجلنا مجموعة من المنزلقات.
ولعل من أولى منزلقات الائتلاف الحكومي هو ضعف تمثيلية النساء في الحكومة (سيدة واحدة من بين 31 وزيرا). إننا نرى في هذا الأمر تراجعا خطيرا عن المكاسب التي حققها المجتمع المغربي في ما يرجع إلى قضايا النوع الاجتماعي عامة: فهو أمر مخالف لروح وفلسفة الدستور في حديثه عن الإنصاف في أفق المناصفة، وهو تراجع ، ونقض، لمكاسب مدونة الأسرة وما تلاها من إصلاحات لفائدة نساء المغرب وإعمال حقوقهن. وهو في المقام الثالث غير متناسق حتى مع خريطة مجلس النواب في ما يرجع إلى نسبة النساء (حوالي17 %) وخريطة الجماعات المحلية 3428 امرأة بنسبة حوالي 12 % ومع إجراءات التمييز الإيجابي. إنها إشارة سلبية إلى المجتمع المغربي وإلى الخارج.
إننا وكأننا أمام هذا الموقف بصدد تراجع عما تحقق في مجال إدماج المرأة ومشاركتها السياسية وفي تولي المسؤوليات العمومية، ولم نجد تفسيرا لذلك سوى الطبيعة المحافظة لهذه الحكومة.
إن المبررات التي دفع بها الائتلاف الحكومي لإقناع الرأي العام بهذا التراجع، غير مقنعة وغير مبررة إطلاقا في مسألة أساسية بالنسبة للمجتمع المغربي وللرأي العام الوطني الذي رأى في الأمر كبحا للدينامية التي شهدتها البلاد على هذا المستوى. إننا نسائلكم من الآن عن دوافع هذا التراجع/ المنزلق ونسائل بالأساس رفاقكم في ائتلافكم الحكومي، والذين فاجئوا الرأي العام، في سابقة أولى في السياسة، بالمطالبة بتعديل حكومي، حتى قبل نيل الحكومة ثقة مجلس النواب، من أجل ضمان تمثيلية أكثر للنساء. أليس هذا من غرائب هذا التحالف؟
إننا ننبه وسننتظر مواقفكم خاصة وأن الامر يتعلق بمؤشر تعتمده المنظمات الدولية والتكتلات الاقتصادية والسياسية كمعيار لنجاعة السياسات الوطنية، نتطلع إلى استدراك هذا المنزلق المنحرف عن سياق الإصلاح والتحديث بتمكين الكفاءات النسائية من تولي المسؤوليات أو التحلي بالشجاعة والإعلان عن موقف الحكومة إن كان لها موقف مخالف.
الهندسة الحكومية:
السيد رئيس الحكومة،
أما ثاني المنزلقات السيد رئيس الحكومة، فيتمثل في تضخم مكونات الحكومة. في هذا الصدد دعونا نصارحكم مرة أخرى بأنكم لم توفوا بوعودكم وأنتم في المعارضة بخصوص القطع مع ممارسات الماضي. واسمحوا لي ان أقرأ عليكم فقرة من نص مداخلة فريق العدالة والتنمية وهو في المعارضة في مناقشة التصريح الحكومي في عام 2007 . يقول الأستاذ مصطفى الرميد رئيس الفريق آنذاك مخاطبا الوزير الأول السيد عباس الفاسي: «هاهي حكومتكم ثلث أعضائها وزراء غير منتمين سياسيا بعضهم فرض فرضا على أحزاب سياسية وبعضهم بقي بدون أحزاب مما جعلها لا هي بالحكومة السياسية ولا بالحكومة التكنوقراطية، بل هي شيء من هذا وذاك وهو ما يصعب تصنيفها وتحديد هويتها.
هاهي حكومتكم تتضمن من جملة ما تتضمن استوزارا شكليا لا معنى له سوى أنه يترجم منطق الترضيات وتوزيع الغنيمة، خاصة بعد أن تضخم عدد أعضائها ليصل خلافا لوعودكم إلى حدود 33 وزيرا بدون مسوغات ولا مبررات معقولة، وكل ذلك لا يمكن إلا أن يكون رسالة سلبية للمواطنين تضاف إلى رسائل أخرى نخشى أن تزيد في تكريس الأزمة.
هل من وضوح أكثر من هذا السيد رئيس الحكومة للتعبير عن تركيبة حكومتكم على لسان رئيس فريقكم السابق ووزير العدل الحالي؟
ودعونا أيضا نقف معكم، قليلا السيد رئيس الحكومة عند هندسة حكومتكم التي تطلب ثقة البرلمان اليوم ، ووقفتنا لا تمس ولا تعنى الأشخاص في شيء بل مهامهم الدستورية وارتباطها بالقطاعات التي يشرفون عليها، فمن جهة هناك مقتضيات المادة 87 من الدستور التي تنص على أن الحكومة تتألف من رئيس الحكومة والوزراء ويمكن أن تضم كتابا للدولة، مما يجعل التساؤل مشروعا حول مدى الالتزام بمنطوق المادة 87 وهنا نسائلكم عن وضع السيد الأمين العام للحكومة ووضع السيد وزير الدولة في هذه الهندسة, خاصة في ما يرجع إلى حضور مجلس الوزراء.
لقد انتقد حزبكم طيلة أربعة عشر عاما تضخم الحكومات، وطالما انتقدتم عدد وزرائها. وها أنتم تترأسون حكومة من 31 وزيرا نزولا عند منطق الترضيات الحزبية. إنه اختيار غير منسجم مع سياق الدستور الجديد، خاصة لجهة تنصيصه على إحداث عدد من هيئات الحكامة والهيئات الاستشارية اعتماده الحكامة كمفهوم مركزي في عدد مواده. وفي الوقت الذي شكلتم حكومة من 31 وزيرا شكل نظيركم اليميني في إسبانيا حكومة من 13 وزيرا فقط. إنكم تعلمون أنه كلما تضخمت الحكومات كلما بطء العمل كان بطء اتخاذ القرار وارتفاع النفقات غير المنتجة.
ومن جهة أخرى أدخلتم تعديلات على تسميات بعض الوزارات فالعدل أصبح مقرونا بالحريات والحالة أن الحريات هي معطى أو مكون أساسي فعلا من مكونات دولة الحق والقانون لكن بجانب مكونات أخرى لا تقل أهمية ? كحقوق الإنسان وغيرها- لقد أضفتم إلى قطاع السكن والتعمير -سياسة المدينة- لكن في المقابل لا نجد أثرا لسياسة إعداد التراب التي قطع المغرب فيها أشواطا هامة باعتبارها القاعدة لكل تنمية مجالية.
بنفس الرغبة في التعرف والفهم الجيد لمنظور الهندسة الحكومية وتوجهاتها نريد تفسيرا لجعل العلاقات مع المجتمع المدني من مسؤولية الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان ? والشؤون العامة مع الحكامة. ووزير منتدب خصيصا للميزانية.
أما ثالث المنزلقات فيتمثل في لجوء الأغلبية إلى مسطرة المواثيق والتعهدات. إننا إذ نتفهم حرص رئيس الحكومة على تماسك الأغلبية لا نفهم التجاءكم إلى التوقيع على ميثاق في شكل وثيقة تعاقدية خاصة أن الوثيقة في معظمها تتبنى حرفيا تصدير الدستور والحالة أن الدستور وافق عليه الشعب المغربي في استفتاء وطني وشرعنا في مرحلة تنزيله.
إن طرحنا لأشياء من هذا القبيل، تنبيه إلى تجنب خلق تقاليد بعيدة عن الديموقراطية.
ألا ترون السيد رئيس الحكومة أن إعداد ميثاق للأغلبية يعتمد نفس النص هو إعادة إنتاج النص الدستوري حيث تنص الوثيقة/ الميثاق في بندها العاشر على أن الأغلبية تعمل على إرساء رؤية موحدة تتم صياغتها وفق مقاربة تشاركية فمتى وكيف ستتم هذه الصياغة وفي أي أفق ؟
وإذا كنا نقدر تخوفكم خاصة على ضوء الذي جرى في نهاية عمر حكومة السيد عباس الفاسي من تراشق بين مكونين من مكوناتها والاتهامات المتبادلة بالتورط في قضايا خطيرة زعزعت ثقة الرأي العام في السياسة، فإننا نرى أن التوقيع على ميثاق بين مكونات الأغلبية ينم عن عدم الثقة التي يتعين أن تتوفر تلقائيا بين مكونات أي حكومة. فالميثاق الذي يجب أن يكون سياسيا وأخلاقيا يتعين أن يكون مع الشعب المغربي، مع مكوناته الإنتاجية وتنظيماته النقابية والمدنية، الميثاق يجب أن يتجسد في الوفاء بالوعود وليس بين مكونات حكومة يفترض أن الذي يجمع بين أعضائها هو البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تلتزم به أمام الشعب المغربي وأمام البرلمان.
الحكامة ومحاربة الفساد:
محاربة اقتصاد الريع:
إن من الملفات العاجلة المطروحة على حكومتكم والتي شكلت موضوع إثارة في برنامجكم الانتخابي ملف محاربة الفساد وإفساد الحياة العامة. وإذا كان غير خاف اليوم حجم الخسائر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يتسبب فيها الفساد والرشوة وعدم شفافية المعاملات، فإن الأساسي، بعد التشخيص، هو آليات مكافحة الفساد التي جاء التصريح بشأنها بعموميات. ونرى في المعارضة الاتحادية أن المدخل إلى هذا الورش هو إعمال مفهوم عدم الإفلات من العقاب وجعل القضاء النزيه يضطلع بدوره في هذا المجال وتشجيع الولوج إلى المعلومات وإلى الأخبار، وإعمال مفهوم المحاسبة وإقرانها بتحمل المسؤولية وإخضاع جميع المسؤولين لها.
لقد كنتم السيد رئيس الحكومة إلى حدود الأمس حذرين من الممارسات اللاديمقراطية في الانتخابات وهو ما اختفى نهائيا من برنامجكم بعد انتخابات 25 نونبر إن الفوز في الانتخابات لا يجب أن يكون مبررا للتغطية على واقع الاختلالات التي تعوق الانتخابات.
لقد ربحنا رهان تمكين البلاد من دستور متقدم في مقتضياته ، إلا أننا لم نربح مثلا رهان انتخابات حرة، ليس بسبب ممارسات إدارية هذه المرة ولكن بسبب ممارسات شبكات الفساد الانتخابي والسياسي، مما يجعلنا نشدد على أن ربح رهان الإصلاحات الدستورية ، لن يصبح فعالا إذا لم يكن مقرونا بتفكيك آليات الفساد السياسي والحزبي والإداري والتي تنتج طاحونتها الحيف وعرقلة الاستثمار والنمو وإنتاج الرداءة ومنطق المحسوبية والاتكالية واقتصاد الظل عوض منطق الاستحقاق والإنتاج والفعالية.
إن الفساد ليس مفهوما مجردا، بل هو واقع ملموس مستشري في الحياة العامة يكتوي بناره المواطنون، كما أن المفسدين ليسوا أشباحا بل هم المستفيدون من انتشاره وهم من يناهض الإصلاح والتغيير ويقاومون تقدم مسلسله هل نحتاج اليوم التذكير بأننا كأوفياء للقيم الديموقراطية حاربنا هذه الممارسات ليس في خطب منبرية بل وفي أرض الواقع/ الأمر لا يستقيم رئيس الحكومة بعبارات فضفاضة توهم بفتح ملفات الفساد والرشوة إن الأمر أخطر من ذلك سيتوجب فتح ملفات الفساد واقتصاد الريع بما فيها استغلال النفوذ وسوء استعمال السلطة إعمالا لمفاهيم المحاسبة والإنصاف والحكامة، وتشجيع الممارسات الجيدة في الإدارات والمؤسسات العمومية وتشديد الرقابة على صرف المال العام وعلى تفويت الصفقات وتشجيع مبادرات التحقيق والفحص والتقصي، تأكدوا وقتها أننا سنكون في مقدمة المنخرطين في أي إجراء من هذا القبيل.
تتعدد مظاهر الريع الذي أصبح وبالا على الاقتصاد الحقيقي المنتج للقيمة المضافة وللثروة والشغل والمدر للمداخيل العمومية. وتحالف الريع السياسي والاقتصادي وأضحى سلطة تتحكم في الثروة. ولسنا في حاجة إلى إفادتكم في هذا الملف بالذات فقطاعات كالمقالع (رمال- أحجار -رخام) والرخص (النقل البري والجوي) والاستثناء DEROGATION ورخص الصيد البحري والاستفادة من العقار العمومي كلها ظواهر ينتظر الرأي العام ماذا تفعلون إزاءها. فهل ستكون لحكومتكم الجرأة، السيد رئيس الحكومة لإفادة البرلمان والرأي العام بلائحة المستفيدين من هذه الامتيازات ووضع آليات استخلاص حقوق المجتمع.
الانتظارات والرهانات
إن الانتظارات المعلقة على هذه الحكومة كثيرة وكثيرة جدا وإن رهان إعادة الثقة للمؤسسات ومواجهة قضايا الشغل والسكن والصحة والتعليم واتخاذ قرارات جريئة وشجاعة سيلقي من جانبنا كمعارضة اتحادية كامل المساندة.
إن القرارات المتسمة نتائجها بالإصلاحات العميقة ذات المفعول على المدى الطويل تكون عادة قرارات غير شعبية لأن نتائجها غير آنية لكنها تظل قرارات استراتيجية لا محيد عنها لكل إصلاح.
إن إصلاح صندوق المقاصة وصناديق التقاعد وتعميم التغطية الصحية والمدرسة العمومية وعطالة الشباب كلها ملفات صعبة لا تحتمل الانتظار .
وتضاف إليها الإجراءات المرتبطة بالقانون المالي وفي مقدمتها تحدي عجز الميزانية وانعكاسات الأزمة الأوروبية على قطاعات النسيج والسياحة والعمال المهاجرين على أن هناك فضاء يكتسي صبغة الاستعجال ويجب أن نكون جاهزين للانخراط فيه ألا وهو الفضاء المغاربي بجانب الفضاء الإفريقي.
في مسألة الهوية المغربية وتعزيزها
لقد ربط التصريح الحكومي بين ثلاث مكونات خصص لها مكانة الصدارة في ترتيب القطاعات وأولويات البرنامج الحكومي:
- تعزيز الهوية الوطنية الموحدة. والتشبث بالمرجعية الدينية للمملكة. وربط عطاء السياسات الثقافية والإعلامية والفنية بمسألة تعزيز الهوية المغربية.
إننا نعتبر موضوع الهوية والتشبث بالمرجعية الدينية مسألة حسمت في إطار الدستور الجديد كما أن الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين يمارسها جلالة الملك حصريا (بمقتضى الدستور الفصل 41 ).
إن التنصيص على حصر السلطة الدينية في مجال إمارة المؤمنين نابع من الحرص على وحدة العقيدة والمذهب وضمان حرية ممارسة الشؤون الدينية (الفصل 3 من الدستور) إننا بهذه المناسبة نجدد التأكيد على ضرورة وضع المسافات الضرورية بين التدين وممارسة الشأن العام وعدم إقحام الدين في الشأن السياسي والحفاظ على وحدة المذهب والحرص على إبقاء المساجد والمؤسسات الدينية بعيدة عن شؤون السياسة، وأن تبقى أماكن العبادة منارا للعلم والوعظ والتطهر الروحي.
ولقد غيب البرنامج الحكومي وهو يتحدث عن مسألة الهوية أهمية تجذير قيم المسؤولية والعقلانية والعلم والاجتهاد التي ميزت تاريخ المغرب كما ميزت عصور النهضة في الحضارة العربية الإسلامية، وأغفل الحديث عن قيم أساسية كالحداثة والانفتاح والتطور.
ومن جهة أخرى تحدث البرنامج باقتضاب عن المكونات الأساسية للهوية المغربية، حيث اختزل الأمازيغية في كونها مجرد لغة والحال أن الأمازيغية تعتبر مكونا هوياتيا وثقافيا ولغويا وقيميا للإنسية المغربية وهي جزء من الرصيد الحضاري الوطني ومكونا أساسيا من مكونات الهوية المغربية إلى جانب الحضارة العربية وباقي الروافد اليهودية والإفريقية والأندلسية. إن هذا التنوع والثراء هو ما يميز المغرب وهو الذي طبع تاريخه القديم والوسيط والحديث والمعاصر وهو المرتكز الذي تبنى عليه اليوم الدولة العصرية المغربية.
السياسات الاقتصادية:
ورد محور التنمية الاقتصادية كباب ثاني في البرنامج الحكومي. ومن أولى ملاحظاتنا على ما ورد في هذا الباب، هو طابعه الانتقائي وغير الموضوعي ما ويعني تحكم الهاجس الحزبي والسياسوي فيه.
إننا نستغرب مثلا تغييب الحديث عن برامج ومخططات ناجحة في عهد الحكومات السابقة: كبرنامج «émergence» و «إنجاز» وو...
ومرة أخرى تتسم مقاربة الحكومة لهذا الشق بإبراز النوايا دون تشخيص مرقم للوضعية الاقتصادية والمالية ودون استجلاء للآثار والأهداف المتوخاة. هكذا جاءت المقاربة عائمة تعميمية خالية من منطق الأولويات الشيء الذي يحكم، شئنا أم أبينا، كل سياسة عمومية اعتبارا للاختلال القائم بين الإمكانيات العمومية المتوفرة والحاجيات الاجتماعية المتزايدة والتي يزيد من إلحاحيتها سياق الدمقرطة والطفرة المعلوماتية. واتساع الحاجيات وتعددها.
لقد افتقر البرنامج إلى المقاربة الأفقية التي من شأنها توفير الرؤية الشمولية العابرة للقطاعات القادرة على الربط في ما بينها وعدم تشتيت الجهد العمومي وتيسير الالتقائية بين البرامج العمومية والتي تعطي (أي الروية) للتدخلات العمومية القوة التي تمكنها من الحد أو على الأقل التخفيف من اختلالات المنطق القطاعي الذي يغيب بدوره التنسيق وتزمين التدخلات العمومية واللذين من شأنهما اقتصاد الجهد والإنفاق والوقت في تحقيق التنمية.
لقد أسس التصريح الحكومي تصوره الاقتصادي على تحديد أهداف جاءت وحدها مرقمة في هذا التصريح من قبيل تحقيق 5,5 % كمعدل سنوي للنمو الاقتصادي يمكن من تخفيض معدل البطالة إلى مستوى 8% في أفق سنة 2016 دون المساس بمعدل التضخم 2%.
إن قراءة اقتصادية لهذا التصور تطرح تساؤلات جوهرية تبين التناقضات المذهبية بين الأهداف المعلنة وعدم واقعيتها وابتعادها عن أي تحليل اقتصادي سليم.
أولا: إن اعتماد 5,5 % كمعدل سنوي للمرحلة ما بين 2012-2016 لا يجسد في حد ذاته هدفا طموحا من أجل تسريع وثيرة نمو الاقتصاد الوطني حيث إن قراءة في تطور الاقتصاد الوطني خلال 10 سنوات الأخيرة تبين تحقيق معدل سنوي للنمو يصل إلى 5 % . علاوة على ذلك فإن نسبة 5,5 في المائة لا ترقى حتى إلى متوسط المعدلات في البرامج الحكومية في أحزاب الائتلاف الحكومي حيث اقترحت العدالة والتنمية 7 في المائة والحركة 6 في المائة والتقدم والاشتراكية 6 في المائة وهذا إخلال كبير بوعد انتخابي ومؤشر على انعدام الواقعية لهذا الائتلاف.
ثانيا: ورغم هذا التطور الإيجابي الذي عرفه الاقتصاد الوطني خلال عشر سنوات الأخيرة فإنه بالنسبة لسنة 2012 يبقى تحقيق نسبة 5,5 % سرابا اقتصاديا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والتي ستؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني.
وفي هذا الصدد تثبت جميع التوقعات الاقتصادية المعتمدة من طرف صندوق النقد الدولي احتمال تراجع معدل النمو الاقتصادي في منطقة الأورو، أهم شريك اقتصادي للمغرب، إلى مستوى جد متدني لا يفوق 1,4 % وهي نسبة مرشحة للتفاقم السنة المقبلة نظرا لما تعرفه هذه المنطقة من اضطرابات مالية كبيرة سيكون لها وقع سلبي مهم على تطور مستوى الطلب الخارجي للاقتصاد الوطني.
ثالثا: إن العلاقة بين هدفي معدل النمو الاقتصادي 5,5 % ومستوى البطالة 8 % لا ترتكز على تحليل اقتصادي سليم. ذلك أن مجموعة من الدراسات الاستشرافية للاقتصاد الوطني تؤكد أن العلاقة بين مستوى النمو ومعدل البطالة لا تصبح إيجابية إلا إذا تمكن الاقتصاد الوطني ، وبكيفية بنيوية، من بلوغ معدلات سنوية للنمو تفوق 6,2 % تعطي للنسيج الاقتصادي قدرة على خلق فرص للتشغيل بحجم يمكن من تراجع حقيقي لمعدل البطالة.
رابعا: إن التحكم في مستويي التضخم والعجز الماليين المعبر عنها يدخلان في سياق اختيار سياسة تقشفية تحد من هامش التدخل نحو أي طموح إرادوي في ميدان النمو والتشغيل، وهو ما يؤكد تناقضات الرؤية الاقتصادية المقترحة من طرف الحكومة.
خامسا: إن البرامج الاقتصادية القطاعية التي تضمنها التصريح الحكومي لا تنطوي على أي توجه أو إجراء جديد يوضح قدرة الحكومة على تسريع وتيرة نمو الاقتصاد الوطني من أجل التشغيل.
وفي هذا الصدد لم يتضمن التصريح الحكومي أي برنامج طموح، ناجع وصريح لإنعاش الشغل بغض النظر عن اقتراح متواضع يهدف إلى خلق فرص للشغل داخل جمعيات المجتمع المدني. إن غياب تقييم صريح للسياسات العمومية المعتمدة في ميدان التشغيل (برامج إدماج، وتأهيل، ومقاولتي، وسياسة تحفيز الاستثمار في القطاعات الصاعدة) والاقتصار على مقاربة ديماغوجية واسعافية في التشغيل (emploi - assistance) يجسد أول اختيار مذهبي للحكومة من شانه تحريف المسار الذي ساهم في وضعه الاتحاد الاشتراكي والذي حاول عبره سن دينامية منتجة في التشغيل من خلال خلق فرص منتجة للشغل الذي ينتجه خلق الثروات.
سادسا: إن تهميش التصريح الحكومي لدور الصناعة والتكنولوجيات الحديثة في خلق فرص للتشغيل يجسد حيفا في تصور الحكومة للوظيفة المستقبلية لهذه القطاعات الصاعدة في ظل دينامية التشغيل
إن التصنيع من المرتكزات الأساسية لخروج العديد من الأمم من طور التخلف إلى مرحلة التقدم ومن طور التقليد إلى الحداثة. وإنكم، السيد رئيس الحكومة، تتوفرون في فريقكم الحكومي على الطاقات التي بإمكانها تقدير حجم أهمية التصنيع في إنتاج مناصب الشغل وتحويل التكنولوجيات وتحديث بنيات البلاد والرفع من المداخيل العمومية القارة والمضمونة من خلال الضرائب وإحداث ديناميات في قطاعات أخرى: النقل واللوجستيك والتجارة والتجهيز والتكنولوجيات الحديثة.
وقد همش البرنامج الحكومي قطاعا أساسيا تتزايد أهميته عبر العالم. ويتعلق الأمر بقطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال ومجتمع واقتصاد المعرفة والإعلاميات. إنها قطاعات المستقبل من حيث دورها الاقتصادي وإنتاج مناصب الشغل والتحديث وتيسير المعاملات وتكريس الشفافية وتيسير إنتاج المواطن.
- مساهمة في الناتج الداخلي الخام (3 % ومليون و15 ألف 1,15 منصب شغل في فرنسا عام 2010) فما يتوقع أن يساهم ب5,5 % من الناتج الداخلي الخام أي 129 مليار أورو في أفق 2015 وهو نمو تقوده بالخصوص التجارة الالكترونية ويتوقع أن يوفر 450 ألف منصب شغل إضافي .
في حين أن تنفيذ برنامج الميثاق الوطني للانبثاق سيكون له وقع هام في المغرب باستثمار 50 مليار درهم وإحداث ألف منصب شغل في أفق 2015.
- زيادة نجاعة وإتقان المقاولات والمقاولات الصغرى والمتوسطة
- دمقرطة المعرفة والولوج إلى المعلومة وتبسيط الحياة اليومية.
إنها قطاعات واعدة ومستقبلية تجاهلها البرنامج الحكومي فيما تفرض نفسها في زمن سلطة العوالم الافتراضية .
المقاصة:
لا شك أنكم تتذكرون السيد رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة ووزير المالية بالذات، كم كنا في الفريق الاشتراكي ملحين على إصلاح نظام الموازنة وتتذكرون بالذات تحذيراتنا في هذه القاعة بالذات منذ 2007 من انعكاسات اختلالات وتضخم هذا النظام على المالية العامة والاستقرار الاجتماعي. وقد حصل بالفعل ما حذرنا منه.
واليوم سنكون بجانب أي إصلاح يروم دمقرطة نظام المقاصة على النحو الذي يجعله يستهدف المستحقين والمحتاجين من الفئات الاجتماعية وعلى النحو الذي يحقق الأهداف التالية:
1 - تقليص الفوارق الاجتماعية
2 - جعل الفئات المحتاجة هي المستفيد من الدعم العمومي المرصود للمواد والخدمات في إطار صندوق المقاصة (إعمال آليات لنظام الاستهداف المباشر).
3 - إعمال مفهوم التضامن الاجتماعي
4 - أيجاد الآليات الضرورية لعدم استفادة غير المستحقين خاصة الشركات الكبرى المستعملة للمواد المدعومة
5 - ابتكار آليات لجعل المعوزين يستفيدون من الدعم من خلال خدمات اجتماعية كصيغة للتعويض (دعم لتعليم الأبناء والخدمات الصحية).
وفي المقابل لا يتعين التعامل بانتقائية في وقف الدعم لغير مستحقيه. ويتعين أن نكون حذرين من تحول اختلالات نظام المقاصة وتضخمه إلى أزمة بالنسبة للمالية العمومية وبالنسبة لعلاقة الدولة بالمجتمع. إننا نعيد التأكيد اليوم على أن نبل التضامن يقتضي جعل هذا النظام في خدمة الفئات الأكثر استحقاقا، ونعتبر أن نظام الاستهداف المباشر والدعم المالي المشروط بالالتزام بتدريس الأطفال على أساس اختيار الخريطة الوطنية للفقر يشكل إحدى آليات دمقرطة نظام الموازنة الذي تشوبه اختلالات مفجعة.
السيد الرئيس،
لقد تحدث البرنامج عن الإصلاح الضريبي وقاربه من زاوية اختزاله في موارد الدولة، وهذه مقاربة قاصرة وتقليدية إذ يتعين كذلك النظر إلى الإصلاح الضريبي من زاويتين:
1 - زاوية العدالة الضريبية ورفع الظلم الضريبي
2 - زاوية النجاعة الاقتصادية، إذ أن النظام الضريبي مطالب بالأساس بتيسير الاستثمار والتشغيل.
التعليم:
لقد جعل البرنامج الحكومي من مسألة تطوير وتفعيل البرامج الاجتماعية وضمان الولوج العادل للخدمات أولوية انتم محقون في إبرازها. ومنها التعليم والصحة والسكن .
إننا إذ نقول بأن الآمال لا ينبغي أن تكون مجردة في غياب الوسائل والبرامج فلإدراكنا الأبعاد السلبية لمثل هذه الحالات، فأنتم تعلمون أن المغرب يعيش على أبواب نهاية المخطط الاستعجالي الذي تحققت في ظله العديد من الإيجابيات خاصة في مجال توفير التجهيزات والوسائل إلا أنه لم يفلح في تحقيق الغايات الأكبر من التجهيزات وهي المدرسة العمومية إذ الموضوع بشكل أكبر تحدي تواجهه الدولة والمجتمع.
كنا ننتظر منكم الإعلان عن فتح ملف التقييم للوضع ووضع الإصلاحات التي توالت منذ عشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين موضع بحث في المجال التقيمي للعملية التربوية وفي مجال الاختلالات العمومية، أننا إما بمشروع ضخم كلف البلاد أزيد من 45 مليار درهم في عملية تمويل غير مسبوقة ويشتغل على 23 مشروعا وأحيط بعناية خاصة وتأتي الحكومة الجديدة لتعلن عن إجراءات تكاد في جزء كبير منها لا ترتبط بالمخطط.
إننا إما سؤال المسؤولية والمحاسبة في أكبر تجلياته وفي أكبر ورش مصيري عاشته وتعيشه بلادنا في التقائية مباشرة مع منظومة التشغيل وتشغيل الشباب حيث الآلاف يرزحون تحت جحيم البطالة إضافة إلى انتشار الأمية والهدر المدرسي.
الصحة:
كان من انتظارات الرأي العام وهو يتطلع إلى البرنامج الحكومي أن يستمع إلى تشخيص موضوعي لقطاع الصحة العمومية، والإجراءات العاجلة التي ستتخذها الحكومة في هذا الشأن، إد الأمر يتعلق بأمر لا يقبل التأجيل. فتدهور الخدمات الصحية للعمومية وتفشي الرشوة والمحسوبية في القطاع والنقص الحاد في الموارد البشرية وفي التجهيزات اختلالات وتتناقض والمجهود المالي العمومي الذي بذل خلال السنوات الأخيرة لفائدة القطاع إننا نتساءل عن إجراءات الحكومة في مجال الحد من الاختلالات المجالية في هذه الخدمة، فوارق بين المدينة والبادية وبين المركز والهامش، غياب خريطة صحية، ضعف حكامة القطاع، ضعف الرقابة على الخدمة ,تراجع كبير في جودة الخدمات المقدمة، هوة كبرى ومتزايدة بين القطاعين العام والخاص، ارتفاع مهول لكلفة العلاج وفي سعر الأدوية، إن حالة الاستعجال تفرضها الظرفية حتى لا يتحول الوضع إلى عامل اصطدام بين الدولة والمجتمع.
جميل أن تكون البرامج الحزبية الانتخابية طموحة وحتى ثورية، ولكن الخطير هو أن نطلقها لاستمالة الناخب أو نحقق الجاذبية لإطارنا السياسي فقط وهذا ما تؤكده وضعية بعض القطاعات.
إننا، السيدات والسادة نحذر من رفع سقف الوعود لأن الإحباط واليأس الذي يمكن أن يتولد جراء عدم الوفاء بها ستكون له عواقب وخيمة على نفسيات الناس وعلى ثقتهم في المؤسسات. فعندما نتحدث عن رفع الأجور في القطاع الخاص يتعين بالمقابل أن نضمن استمرارية المقاولة وتوسعها ونموها وتطويرها وزيادة قدرتها التنافسية، وعندما نتحدث عن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام فإنه يتعين تحديد مصادر التمويل.
إننا كديمقراطيين اجتماعيين لا يمكن إلا أن نصفق، لرفع الأجور، ولكننا مع كامل الأسف لم نرصد في برنامجكم مصادر وآليات إجراء من هذا القبيل لمناقشته.
سباق توليكم تدبير الشأن الحكومي:
إنكم محظوظون لكونكم تتولون المسؤولية الحكومية في سياق وطني مريح وملائم بالمقارنة مع سياق تنصيب حكومة التناوب الأول 1998: فأنتم تتوفرون على أغلبية مريحة لم تتوفر لأي حكومة سابقة في المغرب بعدد أقل من الأحزاب، كما أنكم وهذا هو الأهم تتولون الشأن الحكومي في ظل دستور جديد وبسلطات واسعة وإمكانيات مؤسساتية وقانونية واعتبارية يمنحها إياكم في مختلف المجالات.
إلى ذلك فإن حكومتكم مدعومة في سلطاتها وقدراتها بثمرات إصلاحات كبرى تحققت خاصة في العشرية الممتدة من 1998 إلى 2007. إنكم على سبيل المثال تقودون حكومة لا تتجاذبها التوترات السياسية الكبرى وليس على عاتقها تصفية أجواء سنوات الرصاص. ولم ترثوا أوضاع اقتصادية كانت قد وصلت حد الانهيار وهددت المغرب بانفجار اجتماعي تلافاه باختيار التناوب الذي كان منعطفا تاريخيا في المغرب المعاصر.
العلاقات الخارجية:
في موضوع العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للمملكة ,نعتقد أن لا اختلاف بين مكونات الشعب المغربي على أن إنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية يجب أن يظل متصدرا لعمل دبلوماسياتنا بمختلف أشكالها الحكومية والبرلمانية والحزبية والمدنية. وفي هذا الصدد نجدد التأكيد على أن اقتراح المغرب بشأن الحكم الذاتي في هذه الأقاليم والذي يحظى بدعم دولي متزايد، يشكل الحد الأقصى وأساس أي حل لهذا النزاع المفتعل.
إننا من مجلس النواب نوجه تحية إكبار وإجلال إلى القوات المسلحة الملكية بقيادة قائدها الأعلى ورئيس أركانها العامة جلالة الملك محمد السادس والمرابطة حماية للوطن كما نحيي قوات الدرك والأمن والقوات المساعدة والوقاية المدنية على استتباب الأمن وحماية المواطنين.
وفي هذه المناسبة نجدد مناشدتنا لأصحاب القرار السياسي في الجزائر إلى أخذ التحولات الجارية في المنطقة والعالم بعين الاعتبار وإعادة النظر في موقفهم المعادي لوحدة المغرب الترابية، والإسراع بفتح الحدود بين البلدين وتطبيع العلاقات ومد جسور التعاون وإنشاء المشاريع المشتركة الكبرى بما يستجيب لحاجيات الشعبين ولمنطق العصر ويخدم الاستقرار الإقليمي.
ويتعين ألا تنسينا قضية وحدتنا الترابية في الجنوب مطالبتنا بطرح قضية سبتة ومليلية والجزر الجعفرية باعتبارها آخر الثغور المحتلة في العالم. وفي هذا الصدد نجدد النداء إلى الضمير الإسباني الحي بإعادة قراءة التاريخ العريق والمشترك الحضاري والثقافي الذي نتقاسمه والاستجابة لمنطق التاريخ وفتح مفاوضات حول تصفية الاستعمار بالأراضي المغربية في الشمال.
خاتمة:
السيد رئيس الحكومة،
عهدنا فيكم الصراحة إلى حد الجرأة وأنتم تساهمون في تنشيط الحياة الحزبية والسياسية عموما.
نريد أن نعرف اليوم إلى أي حد تكبل المسؤولية أو تكاد تجفف منابع الجرأة التي هي الغائب الحاضر في التصريح الحكومي ,وبكل هدف فإن البرنامج المقدم إلينا لا يسعفنا أن نطلب منكم المحاسبة, كيف سنتحاسب بدون أرقام بدون أجندة بدون تصور واضح للأولويات, لذلك اكتفي معكم بعرض عناوين تحتاج لقرارات.
تنزيل الدستور: هل ستمارسون كامل مهامكم كرئيس للحكومة في الإشراف والوصاية على كل المصالح الوزارية للحد من التسيب وضغط مراكز النفوذ على القطاعات الوزارية.
- إسقاط الفساد: هل ستذهبون إلى أبعد الحدود بفتح الملفات الضخمة وتحريك المتابعات وتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب أينا كانت مستويات المتابعة.
- اقتصاد الريع: هل سيتم نشر لوائح المستفيدين من رخص الصيد البحري، المقالع، النقل، رخص الاستثناءات في الملك العام والخاص للدولة، أم أننا سنعيش على إيقاع أسطوانة دفاتر التحملات ونعتبر ما سبق غير معني.(اللي أدا شي أداه)
- المشروعية: هل ستخضعون كحكومة لضغوط جهات خارج الحكومة في قضايا هي من صميم اختصاصاتكم دستوريا.
- هل ستحال ملفات قطاعات كبرى على القضاء؟
- هل ستعملون على الحسم في ضبابية وتداخل الاختصاصات التي تضيع بينها المصالح أم أن كم حاجة قضيناها بتركها.
- هل ستبقى بعض المؤسسات العمومية الكبرى خارج التغطية إزاء الوزارات التابعة مبدئيا لها لأنها تعتبر أن لها تغطية خاصة
هناك عشرة الأسئلة من هذا القبيل تعرفون مجالاتها بالتأكيد وطرحنا لهذا الجزء منها ليس من باب التعجيز (بكل صدق) بل هو من صميم التغيير الذي نرى أنه ينبغي أن يشمل أيضا التمثيلية الوطنية أي مجلس النواب في العمل الرقابي إزاء الحكومة ليكون متسما بالمصداقية والجرأة اللازمة، ولننتقل نحن أيضا وهذا ما نتمناه عبر الدستور الجديد ننتقل من مستوى تصادم الأفكار والقناعات إلى امتحان الأفعال والنتائج.
- إننا مقتنعون بأن بلادنا انطلاقا مما راكمته من تطور ومن تجارب هي في حاجة اليوم إلى بناء نموذج تنموي جديد يضع الإنسان في صلب أولوياته وإعادة توزيع الثروات ومحاربة الفواق الاجتماعية والمجالية.
- إننا لا ننتظر أجوبة سريعة، إننا ننتظر تتبع الممارسة الحكومية وتقييم الأداء العمومي لمعايير الحكامة والمسؤولية والشفافية لن نتسرع في الحكم يقينا منا.
- إنكم مطالبون ببلورة نواياكم في صيغة التزامات محكمة قادرة على أن تصبح موضوعا للمساءلة والتقييم.?


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.