أقيمت صلاة المغرب ، فخرج الإمام من مقصورته ، لمحته غير مرتدي لجلبابه المغربي الأصيل، كما أنه حاسر الرأس ، فاصطف مع المصلين في الصف الأول ، فقلت في نفسي: ربما انتصب إمام جديد في المحراب ، استويت في مكاني وانتظرت تكبيرة الإحرام .. "" الله أكبر ..الله أكبر .. بسم الله الرحمن الرحيم .. ينبعث من مكبر الصوت الصافي قراءة للقرآن لم أسمع مثلها في حياتي ، غمرني خشوع و إحساس بالطمأنينة، و انبعث من قلبي دعاء صادق لمن كان سببا في تشنيف أسماع المصلين بهذا الصوت الندي، فتبين أن الإمام الراتب تم تعويضه في صلاة المغرب و العشاء والتراويح و الفجر بإمام جديد ... بعد التسليم جلست في مكاني دقائق معدودات فضولا مني للتعرف على الإمام الجديد؛ رفعت رأسي مصوبا نظري إلى المحراب، إذا بي تنتصب أمام عيني صورة شاب لا يتجاوز سنه العشرين سنة ، يبدو أن الموسى لم تمس ذقنه بعد ، زغيبات متناثرة ، قسمات وجهه توحي التقى ، نحيف القامة .. خرجت من المسجد و اتجهت لمنزلنا لتناول وجبة الإفطار ، لكن تناوشتني في طريقي بعض الخواطر ، منها أن تباشير مستقبل قريب تلوح في الأفق، تؤكد أن جيلا من الشباب المتدين وطئت قدماه أشرف مكان في الوجود ؛ الإمامة بجموع المصلين في أعظم شهر شهر رمضان الأبرك ، انتصبوا لقراءة رسالة القرآن من رب العاليمن، بأحلى صوت و أدق تعبير ، فوقعت قراءتهم على قلوب الناس المكلومة كالبلسم الشافي ، ولك أن تلقي نظرة على من يتقدم للإمامة بجموع الصائمين في صلاة التراويح، قد أجزم أن الشباب هم من يتقلدون هذا الوسام في هذا الشهر الكريم، و ما أدهشني عند صلاتي خلف هذا الإمام الشاب في صلاة التراويح ، هو جرأته على القراءة برواية ورش عن نافع من طريق الأصبهاني محاولا إسماع المصلين طريقا أخرى غير طريق الأزرق المتداولة بين أئمة المساجد ، لأنها مريحة من جهة المدود .. بحق عندما تجتمع كل هذه المواصفات في الإمام ، تسمع القرآن كأنه يتنزل على قلبك من جديد، في مشهد روحاني عجيب حيث يصطف الأطفال و الشيوخ ، و الذكور و الإناث، و الشباب و الكهول ، فالكل ترك وراء ظهره المسلسلات و البرامج الترفيهية واتى ملبيا نداء رسالة الرحمن .. في هذا اليوم الأول من صلاة التراويح ، تساءلت مع نفسي هل بحق يستشعر هذا الموكب الحاشد من الصائمين و الصائمات عظم الكلام الذي يسمعون و سيسمعونه طيلة هذا الشهر الكريم ؟ ووجهت السؤال لنفسي : هل أستطيع أن أسمع هذا الكلام الإلهي وكأنه يتنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ هذه الأسئلة جعلتني أتذكر كلمة للعالم المغربي الأصولي المربي رزقه الله الصحة و العافية الدكتور فريد الأنصاري حيث يقول (إن عظمة القرآن تتمثل أساسا في أنه "كلام الله رب العالمين") بمعنى هل عند سمعنا للقرآن نستحضر أن المتكلم هو الله .. الله رب العالمين.؟ هل نستحضر أنا و أنتَ / أنتِ ، أن كلام الله هو قول ثقيل ؟ [email protected]