عند الحديث عن المغرب، تلوح في الأفق صور جباله الأطلسية ووديانه السخية ومدنه العتيقة. وإذا كانت معظم المدن المغربية تعرف بقصورها وأسوارها فمدينة ورزازات تشتهر بقصباتها التي تعد كل واحدة صفحة يفوح بها عبق الماضي وأريج الزمن العابر. قصبة تلوات بإقليم ورزازات، تعني بالأمازيغية مكان التجمع واللقاء، أسست على يد محمد إيبيبط في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبعد وفاة مؤسسها انتقلت القصبة إلى ملكية عائلة الكلاوي التي أشرفت على استكمال بنائها وإعطائها جمالية تبرز واضحة من خلال رونقة روعة هندستها، مما يجعلها مفخرة للمغرب فقد صنّفت ضمن إطار الموروث الحضاري الإنساني الذي يشهد له بالجودة العالية. بُنيت القصبة بمكان مرتفع يشرف على الأراضي المجاورة سنة 1860، لكنها بناءها تطور سنة بعد أخرى بازدياد ثروة أهل الكلاوي ونفوذهم، خاصية تلوات تكمن في استعمال الحجارة وهي تجاوزت طابعها الدفاعي لتصبح مكانا للترفيه والراحة لضيوف عائلة الكلاوي نظرا لوفرة المياه بهذه المنطقة. إن قصبة تلوات نموذج لمدينة مصغرة بأكملها، روعيت في بنائها التقاليد العريقة للعمران المغربي. تتكون من دروب متفاوتة الأطوال ومداخيل مقوسة ومزخرفة بالحرير والفسيفساء كما حرس الكلاوي على تزيين غرفها بالزليج المنحوت فغرفة الاستقبال آية في الروعة والجمال بأبوابها و نوافذها المصنوعة من خشب العرعر، وسقوفها التي تحتوي على أجمل أبهى ما يشمل عليه النقش المغربي من خشب الأرز المزوق بأزهى الألوان. هندسة تجمع بين الحس الجمالي الأندلسي والذوق الأمازيغي إذ يعتبر هذا العمل من أفضل ما أنتجه ما يزيد عن 300 حرفي محلي ومبدعين من كافة أنحاء المغرب لمدة خمس سنوات من العمل الدؤوب. وتعتبر القصبة تحفة تصارع الزمن، فبعد استقلال المغرب عرفت ركودا و تقهقرا كبيرين فالإهمال يبدو واضحا، بالرغم مما تمثله من ثروة تاريخية وحضارية عظمى فإنها تبقى غائبة عن المطبوعات والكتب السياحية التي تعرف بالمؤهلات السياحية للجنوب المغربي. إشكالية أخرى تعترض استمرارية هذا الموروث الثقافي وهي الصناعة السينمائية، فالمنطقة عرفت تصوير العديد من الأفلام ذات الصيت العالمي، هذه الأفلام استغلت هاته القصبات كديكور لكنها لم تساهم في عملية ترميم و إعادة تأهيل هذا الموروث الحضاري رغم كونها شغلت يد عاملة مهمة داخل المنطقة. لم تكن قصبة تلوات لفرد واحد أو عائلة، بل كانت ولا تزال ملكا لأمة بكاملها تمثل ذاكرتها وتختزل تاريخها لذا من الواجب صيانتها وترميمها لتبقى معلمة بينة تشهد على ما عرفته المنطقة من عز ورقي وما جاد به الصانع من روعة وإتقان.