ماذا وقع؟ دفعت عقود متتالية من الحرمان والتهميش سكان افني ايت باعمران إلى التمرد على سياسة دولة تناوبت على إذلال أجيال متعاقبة منهم، ودفعتهم إلى العيش في أوضاع حاطة بالكرامة الإنسانية. واستمرارا للمسلسل النضالي الذي بدأ منذ 2005 استأنف شباب المدينة يوم 18 غشت 2008 حلقة جديدة من نضالهم لأجل مطالبهم المشروعة. فبعد أن أمهلوا السلطات أكثر من شهرين بعد قمع اعتصام الميناء دون أي استجابة لمطالبهم، عاد شباب المدينة صباح ذلك اليوم لتنظيم اعتصامهم من جديد عبر إغلاق الطريق المؤدية لميناء المدينة محاصرين أزيد من 100 شاحنة محملة بالثروات السمكية للمنطقة متجهة صوب الأسواق الوطنية والدولية، فيما لم تتمكن حوالي 56 شاحنة أخرى ببلدة ميراللفت، القريبة من افني، من الدخول بعد أن رفض السائقون دخولها خوفا من تكرار سيناريو أحداث السبت الأسود. "" وقد استعملت القوات القمعية المتواجدة بكثافة، القنابل المسيلة للدموع لتشتيت الاعتصام والتجمعات الاحتجاجية التي ضمت عددا كبيرا من الشباب، فيما توافدت على المدينة تعزيزات أمنية إضافية قادمة من تزنيت وأكادير ومراكش وكلميم، مستعملة (كما حدث في السبت الأسود) المؤسسات التعليمية كمقرات لها، وحاصرت على الفور مختلف الأحياء السكنية، وخاصة بجبل بولعلام والذي حوصر بالكامل، وعادت الحواجز الأمنية لتسد المنافذ المؤدية إلى المدينة في جميع الاتجاهات، في صورة مماثلة لما وقع بالمدينة في السابع من يونيو الماضي. ورغم الحصار القمعي المضروب على مختلف الأزقة والشوارع المؤدية إلى منطقتي بولعلام والمنطلق، فقد استمرت مواجهات الدفاع الذاتي للسكان ضد القمع الهمجي للأجهزة الأمنية منذ صبيحة الاثنين إلى غاية ليلة الأربعاء 20 غشت. وكعادتها لم تبادر الدولة لفتح حوار مع الشباب المعتصمين قصد تلبية مطالبهم الاجتماعية بل استنفرت ترسانتها القمعية من شتى المدن لتبطش وتنكل بالجماهير الغاضبة، كما قامت بحصار قمعي مكثف لبعض أحياء المدينة خاصة حي بولعلام المناضل والجبل المجاور له. وإلى حدود الآن مازالت المدينة لليوم الخامس منذ انطلاق الأحداث تعيش في حالة حصار أمني شامل ومداهمة منازل النشطاء المبحوث عنهم محمد امازوز مناضل أطاك المغرب ومحمد سالم الطالبي عضو جمعية ماربيكينيا وإبراهيم العوينات مناضل فرع جمعية المعطلين) ومطاردة عدد أخر من المناضلين والمناضلات قصد اعتقالهم كما جرى لمناضل اطاك المغرب حسن أغربي المعتقل بمنزله صباح الثلاثاء. الوزير بنموسى والجنرالات منتشون بالقمع في ظل استمرار القمع الوحشي للشباب المعتصمين قام صباح الثلاثاء 19 غشت وزير الداخلية شكيب بنموسى رفقة بعض المسؤولين الحكوميين بزيارة استعراضية لميناء سيدي إفني، حيث وصف المعتصمين بكونهم "جماعة فوضوية من مثيري الشغب" مركزا على تطمين رجال الأعمال والشركات الذين وعدوهم بحماية مصالحهم. وبعد ذلك توجه لتيزنيت منظما اجتماعا أمنيا ضم إلى جانب عامل الإقليم وعدد من المسؤولين و جنرالات الجيش والقوات المساعدة والدرك والأمن الوطني. كما لوح على عادة الدولة المغربية بأن "استتباب الأمن" هو شرط إنجاز المشاريع التنموية المبرمجة والتي سيراها الجميع في أكتوبر القادم. وبهده السلوكات يبين وزير الداخلية أن الدولة المغربية لا تكترث لمآسي الجياع والمهشمين بإفني، بقدر ما تكترث لمصالح المافيات المرتبطة بالصيد البحري وأن الحل الوحيد هو التنكيل القمعي بهؤلاء المناهضين للتهميش والإقصاء الاجتماعي. ولم ينس السيد الوزير أن يتبجح بالقبض على احد " قادة" الاحتجاج (مناضل اطاك المغرب حسن اغربي) ويتوعد الباقين بلائحة المطلوبين. وفي حقيقة الأمر لا حاجة له لذلك ما دامت زيارته نفسها (التي دامت بضعة دقائق) متزامنة مع قمع مكثف للمتظاهرين بالشوارع لتأمين مرور موكبه الوزاري، كما انه دليل على الرصيد الشعبي لهذه الدولة. منتشون، لكن متناسين أنهم عراة... ألا يعلم السيد الوزير أن مشروع بناء ميناء سيدي إفني (الذي احتضن زيارته الاستعراضية) قد تمت برمجته منذ المخطط الخماسي (81- 1985) وصادق مجلس النواب على اعتماداته المالية التي بدأ تقليصها من سنة لأخرى. فقد تم رصد 120 مليون درهم في البداية لشطره الأول ولم يتم إنجازه في الآجال المقررة له، وأعيد إدراجه ضمن مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية 88-1992 وبعده ضمن مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسنوات 2000-2004. إلا أنه على المستوى الواقعي لم يتم تنفيذ ذلك إلا في أكتوبر 1989 تاريخ الشروع في استغلاله ولم تنطلق أشغال الشطر الثاني إلا في يوليوز 1999 ليدشنه الملك في 14 غشت 2000، أما كلفته المالية النهائية فكانت 180 مليون درهم للشطر الأول و148 مليون درهم للشطر الثاني، ومازال شطره الثالث ينتظر عقودا أخرى لتنفيذه على أرض الواقع. ألا يعلم السيد الوزير أن الصورة المزرية لميناء إفني تقنيا وطوال المسار الزمني لتنفيذ شطري إنجازه والنهب الكبير للميزانية المرصودة له، أدلة واضحة على الاستهتار بساكنة هذه المنطقة، ناهيك عن كون البحارة وكل شغيلة الميناء (الذين يدعي دفاعه عنهم بوجه المعتصمين) يعملون في شروط استغلال شبيهة بالقرون الوسطى. ألا يعلم السيد الوزير أن دولته وعدت جماهير إفني أكثر من مرة بتلبية مطالبهم الخمس منذ 2005، فأين تبخر الشطر الثالث من أشغال الميناء ؟ لماذا تم إيقاف الطريق الساحلية في طانطان بعد إنجاز 40 كلم منها (وهي نفسها رديئة على المستوى التقني) منذ يناير 2006؟ أين هي الوعود التي وعد بها ممثلو الحكومة المغربية في بروتوكول موقع مع مجموعة أطاك المغرب بإفني بمعية الإطارات المحلية حول تطوير جودة الخدمات الصحية والتجهيزات والطاقم الطبي لمستشفى المدينة حيث حددت تاريخ مارس 2007 من اجل تنفيذ الوعود التي تضمنها البروتوكول المذكور. أين هي الوعود بتشغيل العاطلين؟ ألا يستحي السيد الوزير من أن دولته قامت بقرعة لحوالي 1000 طلب من أجل تشغيل 8 شباب في مناصب السلم 1 يوم 30 ماي 2008، وكانت السبب المباشر للاعتصام الأول أمام الميناء؟ ألا يعلم السيد الوزير أن المواطنة عصامي عزيزة توفيت في 24 شتنبر 2007 أثناء الولادة بعد أن توفيت شقيقتها مريم عصامي قبل سنة أثناء الولادة أيضا بمستشفى إفني، بسبب تردي خدماته سواء بالإهمال أو قلة التجهيزات الطبية أو قلة الطاقم الطبي؟ ألا يعلم السيد الوزير أن الطفل ابوراس عبد الرحمان توفي بسبب لسعة عقرب سامة بميراللفت لان المرافق الصحية لحكومة السيد الوزير لم توفر لهذا الطفل علاجا بسيطا لانقاذه من الموت؟ كيف يكون نصيب الجماهير الغاضبة بإفني هو القمع في حين يكون نصيب الأثرياء والمافيات هو إغداق الأعطيات... أفلا يعلم السيد بنموسى أن دولته منحت بمرسوم صادر في الجريدة الرسمية (عدد 4809 بتاريخ 03 يوليوز2000 / 30 ربيع الأول 1421) بقعا أرضية لرجال الأعمال بأثمنة بخسة (درهم ونصف للمتر المربع) منذ التسعينات وإلى حد الآن لا يوجد بتلك البقع لا منطقة صناعية ولا هم يحزنون؟ فكيف يجيز السيد بنموسى وعزيز أخنوش لنفسهما القول بأن عدم استتباب الأمن هو سبب تأخر المشاريع التنموية لفائدة السكان؟ إنها مهلة زمنية ممتدة ليس فقط منذ السبت الأسود وليس فقط منذ 2005 بل تمتد إلى سنة 1969 أي حوالي 40 سنة كلها ألم يستتب فيها الأمن - بالمعنى الذي تقصدونه طيلة سنوات- لتنفيذ مشاريعكم الورقية. ألا تخجل هذه الدولة من وضع مدينة يتحدث سكانها عن أن الخدمات الاجتماعية قبل 1969 (مستشفى بمواصفات جيدة – مؤسسات تعليمية – حديقة حيوانات – دور سينما - جريدة محلية – إذاعتين محليتين..) في المرحلة الاستعمارية أحسن من الأوضاع البئيسة التي وجدوا فيها أنفسهم في ظل مرحلة الاستقلال؟ إغلاق طريق الميناء... شكل غير مشروع!!! تتحدث الدولة وأبواقها الإعلامية عن الشكل النضالي الذي نظمه شباب إفني باعتصامهم في الطريق المؤدية للميناء عن كونه شكلا نضاليا غير مشروع، دون أن يطرحوا السؤال الحقيقي، هل عدم الاستجابة لمطالب السكان سلوك مشروع؟ هل تقديم الوعود للسكان دون تنفيذها سلوك مشروع؟ وهل عدم محاكمة الآمرين بالقمع ومداهمة المنازل واغتصاب النساء والتنكيل بالناس في البيوت والشوارع ومقرات الأمن سلوكات مشروعة؟؟؟ إن شباب إفني انتظروا أزيد من ثلاث سنوات وانتظروا أكثر من شهرين بعد أحداث السبت الأسود دون أن يرى في الواقع أي استجابة فعلية لمطالبه الاقتصادية والاجتماعية، فماذا عساهم يفعلون غير الاعتصام في الطريق كوسيلة للضغط عبر إغلاق ميناء تستفيد من ثرواته السمكية شركات كبرى ومافيات مدنية وعسكرية، ولا يتركون لسكان المدينة إلا البؤس والإقصاء الاجتماعي. ماذا سيفعل هؤلاء الشباب وقد تظاهروا بشكل سلمي يوم السابع من غشت 2008 ليذكروا الدولة بالتزاماتها وليهددوا بتنفيذ الاعتصام أمام الميناء إن لم تتم الاستجابة للمطالب، لكن دون جدوى. فكيف ستستجيب الدولة لمطالبهم إن لم يوقفوا المصالح الاقتصادية للمافيات التي تحميها؟ يتحدث هؤلاء عن أن الاعتصام بطريق الميناء يضر بالمصالح الاقتصادية للمنطقة و بتنميتها ويتظاهر بالدفاع عن خيرات البلد البحرية التي فسدت والخسائر الجسيمة التي يسببها الاعتصام. وبغض النظر عن كل هذا الهراء نطرح السؤال: من يفسد فعلا الثروات السمكية؟ وهنا نورد مقتطفا من بيان نقابة بحارة الصيد الساحلي بالجنوب لتعرية هذا الادعاء: "الحقيقة أن أكبر مسبب للخسائر على جميع الأصعدة، ومنها البحر، هو الدولة نفسها. فالثروة السمكية تتعرض لاستغلال فاحش وهمجي وتسيير عشوائي، مما يسبب ضياع آلاف الأطنان منه كل سنة، فكثيرا ما تُرمى في عرض البحر محاصيل صيد الأنشوبا والسردين بعد تعذر بيعها، كما تُلقي جبايات السردين بسواحل الداخلة بشكل دوري عشرات الأطنان من سمك القرب وسركَالا، وتعيث الأساطيل الأجنبية العديدة فسادا في بحار المغرب منذ عقود. كما يسبب ضعف البنيات التحتية في ضياع السمك، إما بتحويله لدقيق السمك أو رميه في البحر، هذا بينما يطالب سكان سيدي افني بإنشاء وحدات صناعية لتحويل السمك. ومن أكبر أوجه ضياع ثروات البحر أنه لا يستفيد منها سوى لوبي صغير، سواء في الصيد الساحلي أو بأعلى البحار، يتحكم بالسوق، بما فيها السوق السوداء، باستعمال كل أنواع التحايل واستشراء الرشوة والغش في الوزن، مما يسبب في ثراء فاحش لسماسرة بينما تظل اليد العاملة في هذا القطاع فقيرة ومهددة بالموت والتشرد. وأكبر دليل على ذلك، أن متوسط استهلاك المواطن المغربي للسمك لا يتعدى 8 كيلوغرام، وأكثره من السمك لرخيص، نظرا لانعدام القدرة الشرائية، بينما يشتريه رجال صناعة السمك بأثمان زهيدة." أما الاعتصام بالطرقات فليس شكلا جديدا إذ مارسه قبل شباب افني جماهير مناطق أخرى من المغرب وبلدان اخرى. فقد بلغ استعماله مستوى عظيما ببعض البلدان مثل الأرجنتين، حيث نشأت منذ أواسط التسعينات حركة معطلين (البيكيتيروس) وسيلتها النضالية الأساسية الاعتصام بالطرق. كما استعمل هذا الشكل النضالي ببعض مناطق المغرب (استعماله من طرف المعطلين والطلاب بعدد من المناطق المهمشة، نساء اغبالو نيسردان ( 65 كلم شرق خنيفرة) اللائي اعتصمن يوم 17 سبتمبر 2007 بالطريق الجهوية 503 وقطعنها بالحجارة من اجل مطالبهن الاجتماعية). لهذا يشكل اعتصام شباب ايفني على طريق الميناء شكلا نضاليا يغني رصيد الحركة الاحتجاجية بالمغرب. شباب إفني...حركة اجتماعية حقيقية تعكس انتفاضة سكان افني أيت باعمران بصورة جلية النتائج الاقتصادية والاجتماعية لاندماج بلادنا في صيرورة العولمة الرأسمالية حيث أن سياسات الدولة متجهة نحو التخلص من المرافق والخدمات العمومية وتفويتها للقطاع الخاص ونحو تحرير الأسعار وإلغاء دعم المواد الأساسية مما يعني أن النتيجة ستكون ارتفاع وتيرة الإفقار الجماهيري لقطاعات عريضة من السكان. إلا أن النتيجة التي لا يكترث لها العديدون هي أن العولمة الرأسمالية تعمق الفوارق بين "المغرب النافع" و "غير النافع" حيث أن هذا الأخير بالنسبة للدولة "عديم المردودية" من الناحية الاقتصادية، وبالتالي لا ضرورة للبنيات والخدمات الأساسية. وسينتج عن ذلك ليس فقط التهميش والإقصاء لشرائح اجتماعية بل لمناطق بكاملها. هذا هو الأساس الاقتصادي والسياسي لظهور وتوسع للنضالات الاجتماعية بالقرى والمراكز الحضرية الصغرى للمغرب "غير النافع" (طاطا ، بوعرفة ، إفني – أيت اورير- أيت بلال – تالسينت...) ونتيجة لطبيعة النسيج الاجتماعي لأغلب هذه المناطق فإن الدور النضالي لن يكون للنقابات والأشكال التنظيمية المعروفة. فبسبب كون أغلب شرائح السكان مهمشين ومقصيين من الإنتاج الصناعي والفلاحي، ستبرز الحركات الاجتماعية كمعبر نضالي عن المطامح الاجتماعية والديموقراطية لهؤلاء. إذ لم تعد الهجرة نحو المدينة أو نحو الخارج متنفسا اقتصاديا كافيا للحفاظ على حد أدنى من عيش السكان وبالمقابل لم تعد بدائل الجمعيات التنموية كافية لتضميد الجراح التي تنتجها السياسات الاقتصادية النيوليبرالية. إلا أن الحركة الاجتماعية لسيدي افني بالنظر لهذا الأساس الاقتصادي الاجتماعي امتلكت خصوصيات وإضافات نوعية للحركة الاجتماعية بالمغرب. فهي حركة امتدت زمنيا منذ 2004 بانعقاد المنتدى الاجتماعي المحلي إلى الآن، وذلك عكس الحركات الاحتجاجية الأخرى (باستثناء بوعرفة) حيث أن هذه الحركات لم تمتد لمدة زمنية مماثلة. الإنغراس الجماهيري الواسع للحركة حيث أن المشاركة في النضالات غير مقصورة على نخبة الإطارات الجماهيرية بل يشارك فيها أغلب المواطنين. الدور النشيط للنساء ومشاركتهن الواسعة دور الإضرابات العامة، ورغم كونه محدودا حيث لا يشكل ضغطا اقتصاديا لأنه يمس فقط صغار التجار، لكن دوره يكمن في رسم صورة إجماع جماهيري على الأشكال النضالية والمطالب الاجتماعية. كون هذه الحركة حسمت مع أسطورة القمع البوليسي. فمنذ البداية (7 غشت 2005) أبدعت الجماهير أشكالا للدفاع عن نفسها في مواجهة القمع دون أن تمس هذه الأشكال الدفاعية ممتلكات السكان ومنازلهم وسياراتهم...الخ، ولكنها موجهة ضد أفراد الأجهزة الأمنية مباشرة. انتهاجها أشكالا نضالية جريئة أبرزها الاعتصام أمام الميناء للضغط الاقتصادي على الدولة والطبقات المحظوظة التي تمثلها. رغم تعدد البنيات التنظيمية المؤطرة للنضالات تسود عموما وحدة ميدانية للجميع رغم الاختلافات. إبداع مجموعة أشكال للفضح الإعلامي خاصة عبر الأنترنت (موقع اليوتوب الشهير)، و أيضا تحرك الجالية الباعمرانية بالدول الأوربية عبر وقفات احتجاجية أمام السفارات المغربية للفضح والتشهير بقمع الدولة المغربية لمواطنيها. إن الحركة الاجتماعية بسيدي افني على غرار بوعرفة التي تقاطع جماهيرها أداء فواتير الماء لمدة تقارب ثلاث سنوات، تمد مناضلي الحركة الاجتماعية بعموم المغرب بأشكال النضال والتنظيم الفعلي القمين باستمرار الحركة، و تعطي الدرس لمناضلي النخبة على أن النضال المنغرس في أوساط الشعب الكادح وحده القادر على تغير ميزان القوى مع الطبقات السائدة ودولتها. إلى أين ؟ إن الدولة طيلة المسلسل النضالي لجماهير إفني أيت باعمران منذ 2005 زاوجت بين القمع الوحشي للحركة والبحث المستمر عن وكلاء لها داخل الحركة الاحتجاجية يقومون بدور لجمها. لكن هذه السياسة المزدوجة لم تنجح إلى الآن ، فلا القمع استطاع شل الحركة الاحتجاجية والقضاء عليها، ولا خطة خلق وكلاء كانت ناجحة. فالجماهير المحتجة تعرف في الميدان مناضليها الأوفياء كما تعرف حقيقة الأعيان ووكلائهم المستعملين للجم الحركة من الداخل. أمام فشل هذه السياسة، وأمام كون الدولة لا إرادة في تلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية للسكان (ليس لأسباب متعلقة بالميزانيات) ولكن للتأكيد الدائم لأساطير هيبة الدولة وأن المخزن لا يمنح المطالب تحت الضغط، وخوفا من توسع الاحتجاج إلى مناطق أخرى سيشجعها على الانضمام إلى الاحتجاج انتصار جماهير إفني في تحقيق مطالبهم عبر النضال المباشر وليس بالملتمسات والرسائل إلى المسؤولين. لكن ماتتهرب منه الدولة اليوم، واقع غدا لا محالة. فجماهير إفني بالنظر إلى واقع التهميش والإقصاء لن تتوقف نضالاتها إلى إن استعملت الدولة أسلحة فتاكة تزيل المدينة بأكملها من الخارطة. أما الاعتقالات فلن تحرف النضال الاجتماعي عن النضال من اجل المطالب نحو مطلب إطلاق سراح المعتقلين بقدر ما ستفضي إلى اقتران النضال من اجل المطالب الاجتماعية بالنضال من اجل الحريات ومن أجل ديمقراطية حقيقية، وهو ما يساهم في رفع وعي الكادحين ويمنح مضمونا برنامجيا لتطلعاتهم الديموقراطية. لذلك فالدولة طال الزمن أو قصر، مطالبة بالاستجابة للمطالب الاجتماعية للسكان وإطلاق سراح المعتقلين وإلا فهي لا تقوم سوى بإطالة زمن المجابهة بينها وبين جماهير إفني مهما ملأت من الزنازن بقادة حركتها، وهي مهزومة في النهاية طالما استمرت عزيمة النضال وتوسعت نحو المجابهة المركزية لكافة الكادحين والكادحات.