قال الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، إن المحاكم تعج بطلبات الإذن بزواج القاصر، مؤكدا أن الأرقام الرسمية لا تعبر عن حجم الظاهرة، نظرا لوجود حالات لا تقوم بالتبليغ. وقال الداكي، خلال كلمة له ضمن ورشة تنسيقية بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إن المحاكم تلقت سنة 2019 ما يعادل 27623 طلبا للإذن بزواج القاصر (تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2019)، "ما يجعل الظاهرة مقلقة ومستأثرة باهتمامنا"، وفق تعبيره. وأردف رئيس النيابة العامة: "إذا كنا كقضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل السوسيو ثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، فإننا بالمقابل مسؤولون عن عدد الأذونات الممنوحة؛ وهو الأمر الذي يسائلنا جميعا، ويدعونا إلى عدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه، والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل. كما أن الوضع يسائل كافة المتدخلين في حماية الأطفال لتكثيف الجهد للحد من الظاهرة". وتابع المسؤول ذاته: "الأرقام الرسمية المعلنة ليست دائما حقيقية، ولا تعكس الواقع، فهناك حالات لزواج القاصر لا تظهر للعيان ولا تدخل في الأرقام الرسمية، كزواج الفاتحة وزواج 'الكونترا' وغيره؛ ما استدعى تخصيص جانب من الدراسة لبحث ميداني للوقوف على الانعكاسات السلبية لهذه الزيجات، وكذا مصير الحالات التي منحت الإذن بالزواج". وأشار الداكي إلى أن "إعداد رئاسة النيابة العامة هذه الدراسة ينبع من حرصها على تقديم معطيات علمية حقيقية ودقيقة حول زواج القاصر، ليتسنى لها تقديم تصور شامل حول الظاهرة واقتراح حلول واقعية لها"، وأضاف: "كما أن رئاسة النيابة العامة تؤمن دائما بعدم جدوى العمل الفردي والمقاربة أحادية الجانب، فموضوع زواج القاصر هو ظاهرة اجتماعية يتداخل فيها القانوني بالاجتماعي بالاقتصادي بالديني بالثقافي... وبالتالي فالمقاربة القانونية أو القضائية وحدها لن تكون مجدية، بل إنها ليست الأساسية مقارنة بباقي فضاءات التدخل، كالمدرسة والصحة والإعلام والمجتمع المدني وغيرها من الفضاءات المعنية بقضايا الطفل في بلادنا؛ لذا كان لزاما علينا الاشتغال معا وإشراك جميع المتدخلين في هذا النقاش الهام". ونبه المتحدث ذاته إلى أن "قضايا زواج القاصر من القضايا ذات الراهنية الكبرى في المجتمع، لتأثيرها المباشر على حق الطفل في الحياة والنماء والرفاه والسلامة الجسدية والنفسية، وغيرها من الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية ذات الصلة"، وذكر بأن "المغرب بصفته دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج وغيرها، وتماشيا مع التزاماته الدولية، لاءم قانونه الوطني وحدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة شمسية كاملة كقاعدة عامة، غير أنه وضع استثناء على ذلك كغيره من الدول وسمح بزواج من لم يبلغ السن القانوني، وأخضعه لمجموعة من الشروط، وأهمها أنه جعل الإذن بيد القضاء ومنحه سلطة تقديرية في منح الإذن من عدمه، مع إصداره مقررا معللا يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة للإذن بعد الاستماع إلى الأبوين والاستعانة بخبرة طبية أو بحث اجتماعي، وذلك توجها من المشرع نحو حماية الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى في ذلك". يذكر أنه في إطار تنزيل مقتضيات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، وتفعيلا لاتفاقية التعاون المنبثقة عنه والموقعة بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، وبتعاون مع منظمة الأممالمتحدة للطفولة – "اليونسيف"، تنظم رئاسة النيابة العامة على مدى يومين بمراكش لقاء تنسيقيا يضم قضاة النيابة العامة وممثلين للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكشآسفي، لتدارس أنجع السبل لنجاح خطة العمل من أجل الوقاية من زواج القاصر للحد من الهدر المدرسي.