كشف الحسن الداكي رئيس النيابة العامة أن المحاكم تعج بطلبات الإذن بزواج القاصر، فقد تلقت، على حد قوله، سنة 2019 ما يعادل 27623 طلبا للإذن بزواج القاصر حسب تقرير رئاسة النيابة العامة. وأوضح الداكي في كلمة له بمناسبة الورشة التنسيقية بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن هذه الأرقام جعلت رئاسة النيابة العامة تضع موضوع زواج القاصر في صلب اهتمامها، منذ شروعها في ممارسة مهامها بعد استقلال السلطة القضائية. واعتبر المتحدث ذاته أن الأرقام والمعطيات المذكورة تجعل من الظاهرة مقلقة ومستأثرة باهتمام النيابة العامة، مضيفا أنه ورغم أن القضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات، إلا أنهم بالمقابل مسؤولون عن عدد الأذونات الممنوحة، ما يدعو، على حد تعبيره، لعدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل، كما أن الوضع يساءل، حسب الداكي، كافة المتدخلين لحماية الأطفال لتكثيف الجهد للحد من الظاهرة. وأشار رئيس النيابة العامة أن المغرب بصفته دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج وغيرها وتماشيا مع التزاماته الدولية، لاءم قانونه الوطني وحدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة شمسية كاملة كقاعدة عامة، غير أنه وضع، على حد قوله، استثناء على ذلك كغيره من الدول وسمح بزواج من لم يبلغ السن القانوني، وأخضعه لمجموعة من الشروط. وأوضح الداكي أن أهم هذه الشروط أنه جعل الإذن بيد القضاء ومنحه سلطة تقديرية في منح الإذن من عدمه، مع إصداره مقررا معللا يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة للإذن بعد الاستماع للأبوين والاستعانة بخبرة طبية أو بحث اجتماعي، وذلك توجها من المشرع نحو حماية الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى في ذلك. وأكد المتحدث ذاته أن مشروع رئاسة النيابة العامة المتعلق بإنجاز دراسة تشخيصية حول موضوع زواج القاصر، تهدف إلى الوقوف على الحجم الحقيقي للظاهرة، فالأرقام الرسمية المعلنة، على حد تعبيره، ليست دائما حقيقية ولا تعكس الواقع، مشيرا إلى وجود حالات لزواج القاصر لا تظهر للعيان ولا تدخل في الأرقام الرسمية كزواج الفاتحة وزواج "الكونترا" وغيرها. وأشار الداكي إلى أن ذلك استدعى تخصيص جانب من الدراسة لبحث ميداني للوقوف على الانعكاسات السلبية لهذه الزيجات، وكذا مصير الحالات التي منحت الإذن بالزواج. واعتبر أيضا أن رئاسة النيابة العامة تؤمن دائما بعدم جدوى العمل الفردي والمقاربة الأحادية الجانب، فموضوع زواج القاصر، حسب الداكي، هو ظاهرة اجتماعية يتداخل فيها القانوني بالاجتماعي بالاقتصادي بالديني بالثقافي، مؤكدا أن المقاربة القانونية أو القضائية وحدها لن تكون مجدية بل إنها ليست، على حد تعبيره، الأساسية مقارنة بباقي فضاءات التدخل كالمدرسة والصحة والإعلام والمجتمع المدني وغيرها من الفضاءات المعنية بقضايا الطفل في بلادنا. وأبرز الداكي أهمية اتفاقية التعاون بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، التي تفتح، على حد قوله، المجال للاشتغال بمقاربة تشاركية للتصدي للهدر المدرسي باعتبار تلازمه مع ارتفاع حالات زواج القاصر. كما شدد على ضرورة تسليط الضوء على هذه الظاهرة واقتراح أنجع السبل للوقاية منها وتسخير كل المعطيات القانونية والاجتماعية المتاحة لتحقيق ذلك، خاصة وأن التجربة بجهة مراكشآسفي، حسب الداكي، منطلق للعمل قبل التعميم على باقي الجهات.