بعد أيام سيحل الموسم الدراسي الجديد ، وستتحمل الأسر مصاريف جديدة ، من كراسات وكتب وأقلام وغيرها ،مع ما يناسب من ألبسة وأحذية والقائمة قد تطول أوتقصر حسب عدد الأطفال وعددالمدرسين. وستخرج أبواق قديمة متجددة تدعي أنها في خدمة البلاد وأنها هيأت الجو والفضاء المناسبين لنجاح الموعد الدراسي. وستعطى أرقام الممدرسين بالملايين ونفقات الدولة على القطاع بالملايير. وستعرض منجزات الوزارة المعنية بالقطاع رغم الضغوط المالية والعوائق الهيكلية. سيتغنى القائمون على التعليم العمومي بمجهواتهم لتحسين أداء ومردودية القطاع، وسيتبادل أصحاب القطاع الخاص التهاني على ما أنجزوه . لكن مارأي العديد من الأسر في هذا الخليط ؟ وما هو ردها على من يدعي بأن المغاربة سواسية أمام القانون ؟ "" لكي يكون المواطنون سواسية أمام القانون خاصة في مجال العقوبات يجب أن ينطلقوا من نفس القاعدة ، وأن يمروا من نفس المسار وأن يستفيذوا من ذات الأدوات، وهذا أمر مسلم به عقليا . ومثالنا اليوم ينطلق من الواقع المزري الذي وصل إليه التعليم في بلدان عربية. هذا التعليم الذي أظهر عجز القائمين على سياسة المجتمع. سواء من الناحية القانونية أو السياسة التعليمية وارتباطها بالشغل. ورغم ما تدعيه الحكومات بأن التعليم هو بوابة التنمية بما يمد جميع القطاعات بالموارد البشرية المؤهلة، فإن الحكومات تنظر إليه كطاع مكلف ومرهق للمزانيات الدول. فوجدت الحل في خلق التعليم الخاص إلى جانب التعليم العمومي . التعليم الخاص أول بداية للتعليم الخاص كانت مع تعليم أبناء الجاليات، سجل فيه أبناء أعيان البلد وأبناء الطبقة البورجوازية ، وشيئا فشيئا بدأت بعض الأسر الموسرة تبحث لأبنائها عن مقاعد ضمن مؤسسات خاصة تتميز بما تتميز به المؤسسات التعليمية لأبناء الجاليات . فظهرت أول نواة لشبكة لمؤسسات تعلمية خاصة ، سارعت الدول لتشجيعها، وفتح المجال أمام الراغبين في خلق مؤسسات تعليمية خاصة ، ومدها بكافة المساعدات والإعفاءات التشجيعية . وفي ظرف مدة وجيزة استطاع هذا التعليم أن يجلب إليه زبائن ولو من الطبقات الفقيرة . ليس السبب متعلق بالتسير والتذبير فقط ولكن مايشاع من حسن التربية والتعليم كذلك. وأصبح هذا القطاع هو ملجأ الكثيرين بدعوى أنه يحقق الأهداف التعليمية المرسومة من طرف إدارة المؤسسة ومن الوزارة المعنية. ويحقق الجودة المطلوبة نتيجة حسن العناية والرعاية بالمتعلم وكذلك حسن اختيار المناهج والبرامج. ويتفوق على التعليم العمومي بإدارجه اللغات الحية الفرنسية والإنجليزية في السنوات الأولى للتعلم. ولقد أصبح بهذه المدخلات يشكل ليس فقط منافسا للتعليم العمومي ولكن أحد عوامل القضاء عليه.فالتعليم الخاص هو تعليم على رأسه صاحب المشروع، ويساهم في العملية التعليمية شباب في الغالب موجزون ،لم يجدوا غير منصب التعليم بمدرسة خاصة بعد انسداد كل الآفاق أمامهم. كما يساهم فيه أساتذة من التعليم العمومي تحت عنوان(ساعات إضافية). التعليم العمومي أو التعليم الوطني والذي تتكلف به الدولة وتسهر عليه ، يسير من طرف أطر تسهر الدولة على تكوينهم وتعيينهم ، وصرف الأجرة لهم. وهو تعليم مفتوح أمام أبناء المواطنين مجانا. وتمنح شواهد للتلاميذ أو الطلبة بعد إتمام تعليمهم معترف بها. كما يجب التذكير بأن عددا كبيرا من تلاميذ التعليم الخاص يلتحقون بالتعليم العمومي (اختياريا). من رواد هذا التعليم في السنوات الأخيرة أبناء الطبقات الفقيرة خاصة في الطور الابتدائي. كما أنه لا يحضى بنفس الامتيازات التي تمنح للمؤسسات الخاصة،والتي تسير بطريقة المقاولة ، أي أنها دائما تبحث عن الربح. ومن أجل ذلك فهي تعتمد على الاشهار، والاشهار ينطلق من ما تحققه المدرسة من نجاح التلاميذ. هذا النجاح هو ما يدفع العديد من الأسر الفقيرة لتسجيل أبنائها في التعليم الخاص رغم ما يكلفه هذا التعليم من عجز وصعوبات للأسر المعوزة لكن فقط لتنافس وتبحثعن كان آمنلأبنائها رغم الأضرار المادية الجسيمة. تلاميذ التعليم العمومي الباقون في مجملهم يعانون من عدة مشاكل تتخلص في سوء الرعاية من طرف أسرهم. هذا لا يستني أسرا أخرى تقوم بواجباتها وهو ما يفسر صمود التعليم العمومي أمام التعليم الخاص لحد الآن. بداية حل وبداية مشاكل الحل يتلخص في أن الدولة وجدت ضالتها ،فبخلقها التعليم الخاص الموازي للتعليم العمومي ، لم تعد في حاجة لتكوين أطر جديدة، بل سعت لتسريح البعض منهم ، كما أنها لم تعد في حاجة لبناء مؤسسات تعليمية وتزويدها بالأطر، أو العتاد. وفي الأخيرة لم تبق المسؤولة المباشرة عن المؤسسة التعليمية الخاصة والتي تسير تحت نظام مقاولاتي. هناك تخفيف على ميزانية الدولة، وهوربج لا يستهان به. فصار المواطن الذي يشتكي مرارا من غلاء المعيشة ، وينظم المظاهرات ، يساهم طوعا في خفض العناء على الدولة ليتحملها هو. قد تكون زيادة في بعض المواد الغذائية بقروش معدودة، ورغم ذلك يحتج المواطن الضعيف، بينما يصرف الأضعاف المضاعفة على أبنائه في المدرسة الخاصة في وقت أبواب المدارس الحكومية مفتوحة . السؤال لماذا إذن يقبل المواطن أداء تعليم أبنائه ويتخلى عن المجانية ؟ ما الأسباب؟ في الواقع هناك عدة أسباب ، منها على سبيل المثال ، تفرد المدارس الخاصة بتعليم الأطفال منذ السنة الثالثة من العمر، تفردها في تعليم اللغات الحية ، تفردها في الضبط ، فالمدرس عبارة عن عامل في مقاولة ، بقاؤه فيها مرتبط بمدى مردوديته وعطائه. لكن هناك أسباب أخرى بدأت تدفع الأسر لتسجيل أبنائهم في التعليم الخاص ، وهي غير أخلاقية ، ولا ترتبط بحقل التعليم بصلة. إنها ظاهرة نفخ النقط . فالتلميذ في التعليم الخاص قد يحصل في الباكلوريا وفي المعدل العام ما يناهز 19 او 18 /20 وهو أمر غير مقبول في تعليم يحترم نفسه ، قد يقبل بتلميذ أو عشرة تلاميذ بأن يحصلوا على مثل تلك المعدلات ويكونوا بذلك ظاهرة غير مستقرة، لكن أن يحصل غالبية التلاميذ في التعليم الخاص على معدلات بين 19 و14 على عشرين هذا أمر غريب يضرب دمقرطة التعليم في الصميم . كيف يعقل أن تسجل أسر أبناءها في قسم الباكلوريا بمبلغ 2000 درهم شهريا على الأقل وحتى يتمكن ابناؤها من ولوج إحدى الجامعات في الداخل أو الخارج ، بسبب نفخ النقط المراقبة وغيرها؟ أين سيذهب أبناء التعليم العمومي الفقراء والذين يعتمدون فقط على قدراتهم، لا ساعات إضافية ولا نفخ نقط ، رغم أنهم ممتازون وقد تجد من بينهم من حصل على معدلات جد حسنة في جل المواد؟ لما وجدت الدولة لنفسها الحل ، وخلقت التعليم الخاص ، فإنها بالمقابل خلقت مشاكل للطبقات الفقيرة. فحتى في ميدان التعليم أصبح من العبث التحدث عن المساواة وتكافؤ الفرص، كيف يطالب المسؤولون بنفس الجودة بينما هناك فارق كبير في الامكانات وحتى في معايير التقويم بين التعليم الخاص والعمومي؟ فتلميذ الطبقة الموسرة بفضل المال تتاح له إمكانات التعليم بالمجان بحجة ما حصل عليه من معدل(مغشوش) بينما يحرم أبناء الفقراء الذين كان على الدولة إنصافهم والدفاع عن حقوقهم. الفقير اليوم مطالب إن هو أراد أن يواصل تعليمه أن يسجل اسمه في إحدى المعاهد التي تتطلب مصاريف وهمية، هي بالنسبة لأبناء الأغنياء أو الطبقات الموسرة ممكنة . ما هذا المنطق الأعرج؟ لقد أصبحت جامعاتنا تحت حجة الانتقاء الدارويني(البقاء للأقوى) ترفض تسجيل الطلاب الحاصلين على معدلات بميزة. وهم من تلاميذ التعليم العمومي بينما تلاميذ التعليم الخاص والقادرين على متابعة تعليمهم بقدرات أبائهم ،تمنحهم الجامعة مقاعد وبمعدلات مغشوشة. ولذلك نطالب الوزارة برفع الحيف عن الطلاب المتضررين بعملية الانتقاء لأنها لم تكن منطقية منذ انطلاقتها، فالنقط والنتائج لم تكن تخضع لنفس المعايير. كانت هناك نقط ومعدلات لمن يدفع أكثر. والمتضرر هو ابن الفقير الذي لم يتابع لا دروس إضافية ولم يسجل في مدارس خاصة للحصول على معدلات من فئة 19 إلى 14 على عشرين.كان حري بالوزارة أن تنتبه لهذه المشاكل فتسن قوانين تحقق التكافؤ الحقيقي بين كافة التلاميذ وتعتمد نظام الامتحان النهائي. وقتها نقول: عند الامتحان يعز المرء أو يهان. سيقول آخر نحن لا نريد أن نهين أحدا. أجيبه أهناك إهانة أكثر من أن يرفض تسجيل طالب في جامعة تحت ذريعة الانتقاء المغشوش منذ الانطلاقة؟ ففي إطار الديمقراطية نأمل في أن تتاح فرصة التعليم أمام الطالب في الجامعة التي يريدها.و في انتظار أن تعيد الوزارة النظر في نظام الامتحانات والتي يجب أن ينطلق إليها الطلاب من قاعدة واحدة، لا جهوي ولا مراقبة ولا يحزنون، تلك هي المساواة الحقيقية. وحتى لا نقضي على آمال شريحة عريضة من أبناء الفقراء المجدين والنبهاء. نأمل أن تبقى الجامعات الوطنية مفتوحة أمام الجميع لا أمام من لهم الوسيلة والفضيلة فقط ، وأمام من هم قادرون على شراء المعدلات ومقاعد الجامعات بمقدماتهم وآلياتهم المادية. http://muthasan.maktoobblog.com