خلفت العطلة الصيفية تبعات مادية، أثقلت كاهل الأسر المغربية محدودة الدخل، وبمجرد استجماعهم لأنفاسهم حل ضيف عزيز، هو شهر رمضان الذي تكثر فيه المصاريف وترتفع فيه الطلبات والأسعار، وموازاة مع هذا الشهر حل الموسم الدراسي الجديد الذي انتظره التلاميذ بشوق كبير إلى مقاعد الفصول والتحصيل. وفي ظل تجمع هذه المناسبات الثلاث تكاثر الضغط المادي على الفئات المحدودة الدخل التي لاتجد بدا من سلك طريق الاقتراض، كسبيل للخروج من الضائقة المالية المتفاقمة وذلك بهدف تغطية المصاريف المتعددة التي تطبع هذه المناسبات. تزامن انتهاء العطلة الصيفية إذا مع بداية شهر رمضان والدخول المدرسي، يخلق ضغطا ماديا خصوصا إذا كان أفراد الأسرة كثرا، حيث يرى بعض الآباء أن الأولوية لواجبات تسجيل الأبناء وشراء الكتب والملابس، أما شهر رمضان فهو شهر العبادة والتقرب إلى الله، وليس شهر الاستهلاك كما يرى البعض. تعرف مختلف الأسواق بالمملكة، سواء منها الحضرية أو القروية، رواجا كبيرا مع حلول شهر رمضان الأبرك، حيث يكثر الإقبال على استهلاك مجموعة من المواد، لكن موازاة مع ذلك على العائلات أن تقصد المكتبات قصد شراء لوازم المدرسة للأبناء، فيتوزع مصروف العائلات بين المعيشة ومصاريف الدخول المدرسي وتصبح السيولة المادية غير كافية لتلبية الطلبات المتزايدة. في جولة لنا بمجموعة من الأسواق الشعبية شاهدنا الإقبال الكبير على المواد الإستهلاكية وكيف يصبح المرء حائرا حيال الأثمنة المرتفعة للكتب. مائدة الإفطار أم تعليم الأبناء؟ في حي العكاري الشعبي بمدينة الرباط صادفنا السيدة خديجة، أم لأربعة أطفال، تقول هذه السيدة: إننا نحار ما بين ملء مائدة الإفطار أم شراء المقررات والكتب لأبنائنا خصوصا وأن الدخل محدود والأسعار في ارتفاع متواصل. فبمجرد انتهاء العطلة الصيفية التي استهلكت الكثير من مدخراتنا حل شهر رمضان ومعه الدخول المدرسي، مما يجعلنا أمام خيارات صعبة ؛ تعليم أبنائنا أو الإستمتاع بما لذ وطاب من «شهيوات رمضان»، لكنها تقول أنها ستولي الأهمية لتعليم أبنائها لأن شهر رمضان الكريم شهر للعبادة والتقرب إلى الله وليس شهر استهلاك كما يرى الكثيرون. أحمد في عقده السادس، موظف حكومي متقاعد وأب لخمسة أبناء، اثنان منهما طالبان جامعيان «كيف تتصورن أن راتبي سيوفر لأبنائي كل متطلباتهم مع بداية السنة الدراسية بل وكيف يمكنني أن أتدبر مصاريف شهر رمضان التي مافتئت تتصاعد سنة بعد أخرى، اضطر للعمل طوال السنة في حرف موسمية قصد توفير قدر من المال لهذه المناسبة، لأن راتبي لايكفي لتغطية كل هذه المصاريف، حيث علي أن أختار أحد الثلاثة، أما الاستمتاع بشمس العطلة الصيفية أو شراء لوازم الدخول المدرسي أو مواجهة مصاريف رمضان». الأسواق الشعبية سبيل الأسر المحدودة الدخل للإقتصاد: الكثير من الأسر، أو أغلبها بالأحرى، تقصد الأسواق الشعبية الشهيرة بالرباط كالتقدم والعكاري والقامرة وجي سانك» قصد التبضع وشراء ما يلزمها من مؤونة وأواني لهذا الشهر الفضيل، والسبب الذي لا يختلف فيه الكثير هو الأثمنة المناسبة التي يقترحها الباعة بهذه الأسواق وذلك رغبة من الأسر في توفير بعض المال الذي يشترون به لوازم دراسة فلذات أكبادهم. فاطمة 42 سنة، تقطن باليوسفية بالرباط ولها أربعة أبناء، موظفة حكومية «أقصد الأسواق الشعبية لأن أثمنتها معقولة عكس المحلات التجارية الراقية، وذلك رغبة مني في شراء ما يلزمني بأقل قدر ممكن، فأبنائي الأربعة يدرسون في مدارس خاصة وأنتم تعرفون قيمة الكتب التي تتطلبها هذه المدارس بالإضافة الى الملابس والمصاريف الأخرى الموازية، وأحيانا كثيرة اضطر إلى التقشف في معيشتنا اليومية حتى لانعجز عن توفير حاجيات الدخول المدرسي. أما العطلة الصيفية، فإني أرسل أبنائي عند جدتهم في البادية وهكذا أتفادى المصاريف الزائدة التي تستنزف مدخولي المحدود. عبدالرحمان 35 سنة، متزوج وأب لطفلين ويمارس مهنة حرة، صادفناه في المدينة القديمة بالرباط يشتري لابنيه الصغيرين ملابس جديدة للدخول المدرسي؛ كما ترون فكل شيء يعرف غلاء هذه الأيام، حتى ملابس الصغار باهظة الثمن، لكن ما من خيار، على اقتناؤها لأن ولداي ينتظرن هذه الفرصة للظفر ببذلتين جديدتين عز طلبها في باقي الأيام، وعلي أن أضحي ببعض من مصروف البيت لأوفر لابني ما يحتاجانه حتى لايحسا بنقص أمام باقي أقرانهما خلال الدخول المدرسي. ارتفاع الأسعار يجبر ذوي الدخل المحدود والمتوسط على اقتناء الكتب المستعملة: مع بداية شهر شتنبر تتحول بعض أرصفة الشوارع بمدينة الرباط الى مكتبة مفتوحة مزينة بالكتب من مختلف المستويات والمواد، يقصدها ذوو الدخل المحدود بحثا عن كتب مدرسية منخفضة الثمن مقارنة بأخرى مقتاة من المكتبة. وبسبب تزامن الدخول المدرسي مع شهر رمضان تم موسم العطلة الصيفية حيث، لا حديث إلا عن ارتفاع المصاريف وغلاء الأسعار، تضطر العديد من الأسر لشراء كتب مدرسية مستعملة، خصوصا إذا كان عدد المتمدرسين متعددا، وذلك بغرض تلبية الطلبات التي لا تتوقف على الكتب فقط، بل اللباس ومصاريف أخرى موازية. بيع الكتب المدرسية المستعملة تجارة يمارسها الأطفال خاصة، إذ يعمدون الى جمع الكتب المستعملة من زملائهم بأثمنة بخسة ويعملون على عرضها على الأرصفة، لتجد من يطلبها من الآباء والتلاميذ على حد سواء. كريم 17 سنة، بدأت تجربة بيع الكتب منذ سنتين، حيث قمت ببيع صديقي كتب المستوى الذي انتلقت منه الى آخر، وحصلت على مقابل لا بأس به، وبذلك استهوتني الفكرة، فدأبت مع كل دخول مدرسي على جمع الكتب المستعملة وعرضها في الشارع بهدف توفير قدر من المال يغطي نفقات كتبي وملابس جديدة أرتديها يوم ذهابي للدراسة. وتخضع تجارة الكتب لقانون العرض والطلب، فمع تزايد الضغط على الكتب ترتفع قيمتها وتنخفض بدنو الطلب عليها، والقاعدة العامة التي يتم الاحتكام إليها أنه يتم خفض نسبة محددة من ثمن الكتاب يتم التفاوض بشأنها بين البائع والشاري. ابراهيم جاء رفقة ابنه الذي يدرس بالقسم الثالث ابتدائي بحثا عن كتب مستعملة نظرا لقيمتها المنخفضة، ويتابع كلامه قائلا؛ إن الكتب تتغير كل سنة وأنا ملزم بشرائها كلما استجد مقرر أو تم إضافة كتاب جديد، قبل سنوات كانت الكتب تنتقل بين الإخوة، ولا يحتاجون سوى الى شراء الأقلام والدفاتر، لكننا اليوم نرى أنواعا عديدة من المقررات الدراسية التي لاهم لواضعيها سوى الربح غاضين الطرف عن أثمنتها المرتفعة وضعف القدرة الشرائية للمواطنين. من جهتهم يرى أصحاب المكتبات أن تجارة الكتب المستعملة تؤثر سلبا علي حجم مبيعاتهم التي تنخفض بحوالي 30% عن المستوى الاعتيادي. القروض هي الحل: في خضم الضغط المادي الهائل الذي تتعرض له الأسر المغربية ذات الدخل المحدود، تكثر الدعاية لمؤسسات القروض الاستهلاكية مستغلة حاجة الكثيرين الى السيولة النقدية لتغطية النفقات الإضافية، وذلك بعروض خيالية كما تفيد بذلك الملصقات الإشهارية التي تملأ جنبات الشوارع الرئيسية للمدن. هو شر لابد منه، لكن الفئات محدودة الدخل لا تجد محيدا عنه، في غياب من يقرضهم المال يجدون أنفسهم أمام بوابة مؤسسات القروض حاملين ملفات الطلبات، ليخربوا محملين بفوائد متراكمة، قد يعجزون عن الوفاء بردها. رشيد م، في أواسط الثلاثينيات، موظف بالقطاع الخاص وأب لطفل واحد، يجد عناء كبيرا في الموازنة بين مصاريف العطلة الصيفية والدخول المدرسي وشهر رمضان، فالمدارس الخاصة التي يدرس بها ابنه الوحيد تتطلب كتبا أو أدوات باهضة الثمن، ناهيك عن البذلات والمصاريف الأخرى، يقول «استنزفت العطلة كل مدخراتي حيث لم أعمل حسابي لرمضان وللمدرسة، ولذلك اضطررت الى الاقتراض حتى ألبي واجبات أسرتي الصغيرة في هذا الشهر الفضيل، وحتى لايحس ابني بأدنى نقص أمام أقرانه في الفصل.