الساعة تشير إلى الثانية عشر زوالاً أمام باب إحدى المؤسسات التعليمية بالرباط، تجمعات هنا هناك لآباء وأمهات التلاميذ وهم ينتظرون خروج أبنائهم من المؤسسة. لا حديث لهؤلاء النسوة إلا عن الدخول المدرسي ومصاريفه الثقيلة، خصوصاً وأنه تزامن مع شهر رمضان، حيث تحكي كل واحدة منهن عن معاناتها مع هذا الدخول بكل ما يتطلبه من ملابس جديدة وواجبات التسجيل ومصاريف لا يمكن ضبطها. أما التلاميذ، فهم بدورهم مجتمعون في فضاءات المؤسسة ينتظرون أساتذتهم لكي يسجلوا واجباتهم الضرورية للدراسة ويحاولون استغلال هذه الفرصة ليتجاذبوا أطراف الحديث حول العطلة الصيفية الماضية، لكن حديثهم يختلف عن حديث آبائهم وأمهاتهم، فهم يسترجعون ذكريات العطلة الصيفية وكيف قضاها كل واحد منهم بطبيعة الحال داخل جو من المرح والضحك عكس الجو الذي يتحدث فيه أمهاتهم وآباؤهم الذي يتسم بنوع من عدم الارتياح والقلق والتفكير فيما هو قادم أمامهم من مصاريف يومية ودراسية لا طاقة لهم بها. أسر تعاني وإذا كان الدخول المدرسي بما يتطلب من مجموعة من المستلزمات كالحقائب، والدفاتر، والكتب، والبذل المدرسية... إلخ.. تحتاج إلى مصاريف باهضة، فإن تزامنه مع شهر رمضان، إضافة إلى ما تم إنفاقه على العطلة الصيفية التي أضحت هي الأخرى ضرورة خاصة للأطفال الذين أسعفهم الحظ ولم يضطروا للخروج للعمل لتدبير مصاريف الدراسة، أثقل كاهل الأسر، خصوصاً إذا استحضرنا غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطنين. تقول نعيمة الإبراهيمي (40 سنة، أرملة أم لأربعة أطفال، وتقوم بالخدمة في البيوت) "دائما وفي كل سنة يشكل الدخول المدرسي لنا عبئاً ثقيلاً ولا أقوى على دفع مصاريفه، الغالب الله".. هذه المرأة، ورغم أنها أرملة، فإنها تحاول قدر إمكانها توفير مستلزمات أولادها الأربعة وإن اشتد عليها الأمر هذه السنة مع تزامن رمضان، تضيف نعيمة "أنا جئت اليوم لأحصل على محفظة لابنتي لأنني سمعت أنهم يوزعون المحافظ والكتب، وْدَبَا مَعْرْفْنَاشْ وَاشْ غَنْشْدُوهَا وْلاَ لاَ". أما حفيظة الوافي (49 سنة، أم لثلاثة أولاد) فعبرت هي الأخرى عن معاناتها إزاء الدخول المدرسي الحالي تقول "أنا ربت بيت وزوجي متقاعد، هَادْ العام جَا صْعِيبْ علينا حِيتْ جَا مع رمضان.. مَالْقِينَا كِينْدِيرُو وَاشْ نْقَابْلُو رمضان وْلاَ لْكْتُوبَا". هناك صنف آخر من الناس عندما يقترب الدخول المدرسي يلجؤون إلى الاقتراض من المؤسسات البنكية لتغطية مصاريف دراسة أبنائهم، يقول أحمد العربي (45 سنة) "عندما يقترب موعد الدخول المدرسي أعلم أن المصاريف اليومية تكثر، فأحاول اللجوء إلى مؤسسات الاقتراض التي بدورها تستغل ضعف القدرة الشرائية للزبون وتقدم له القرض بالفائدة التي تراها مناسبة لها، مضيفاً "هناك من الأسر من يخلق لها الدخول المدرسي مشكلاً كبيراً حيث تتكون الأسرة من عدة أبناء يدرسون، بمختلف الأسلاك التعليمية ابتدائي وثانوي و جامعي، وبالتالي يعجزون عن توفير متطلبات أبنائهم خصوصاً إذا تزامنت المناسبة مع مناسبات أخرى كما هو الشأن هذه السنة مع شهر رمضان". المكتبات "خَاوْيَة عَامْرَة" المكتبات في بداية هذا الشهر تكون مملوءة بالآباء والأمهات وهم يقتنون اللوازم المدرسية لأبنائهم. لكن الأمر هنا يتعلق بالمدارس الخاصة، لأنها تبتدأ عملها في اليوم الأول من شهر شتنبر، أما المدارس الحكومية فغالباً ما تستأنف عملها في الأسبوع الأخير من هذا الشهر نفسه. يقول صاحب إحدى المكتبات المتواجدة بالرباط "في الأول كان الإقبال كثيراً، خصوصا أصحاب المدارس الخاصة الذين يبدؤون في أوائل شهر شتنبر. لكن بعد ذلك بدأ الإقبال ينقص لأن المدارس الحكومية ما تزال متأخرة والتلاميذ الذين يتابعون دراستهم بالمدارس الحكومية لم يسجلوا بعد مستلزماتهم الدراسية". دخول مدرسي مرتبك لا تزال مجموعة من المؤسسات التعليمية تعاني ارتباكاً واضحاً على مستوى استقبال التلاميذ وتسجيلهم وأيضا على مستوى التحاق الأستاذة. إحدى المؤسسات التعليمية بمدينة الدارالبيضاء نموذج من المؤسسات التي تعرف ارتباكاً على مستوى التسجيل وكذلك على مستوى حضور التلاميذ والأساتذة على حد سواء، يقول محمد اللغميش، أستاذ العلوم الفيزيائية بهذه المؤسسة "هذه المؤسسة تعرف ارتباكاً كبيراً في تدبير هذا الدخول، فجزء كبير من الأساتذة مثلاً لم يتسلموا استعمالات الزمان، هناك مواد يوجد بها خصاص في الأساتذة، أما التسجيل فيسير بوتيرة بطيئة، حيث لم يتجاوز إلى اليوم 50 بالمائة". هذه المؤسسة لم يقف الارتباك بها عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى حذف مجموعة من المواد التي تعتبر أساسية في تكوين التلميذ خصوصا أصحاب التوجه العلمي، حيث تم إلغاء التفويج في الجذع المشترك علوم، يقول اللغميش معلقا على هذا القرار"إلغاء التفويج كارثة بالنسبة للتكوين التجريبي لأنه يصعب على الأستاذ في قسم يظم 45تلميذاً أن يقوم بتجربة واضحة أمام التلاميذ، لأن الأدوات التجريبية ضعيفة وبالتالي من المستحيل أن يلاحظ التلميذ التجربة سواء قام بها الأستاذ أو مجموعة من التلاميذ، بمعنى آخر فإن الحس التجريبي يفقد عند التلاميذ على مستوى الدارالبيضاء".كما تم إلغاء مادتين أخرتين من نفس المستوى (الجذع المشترك)، ويتعلق الأمر بمادة الترجمة ومادة الفلسفة، وفي هذا الإطار اعتبر محمد اللغميش هذا الإلغاء من شأنه أن يضر بالتلميذ باعتبار أن مادة الترجمة تزود التلميذ بمفاهيم علمية بلغة أخرى والتي يمكن أن تساعده في التعليم الجامعي خصوصاً أن الجامعة تدرس فيها المواد العلمية باللغة الفرنسية، في حين هي معربة على المستوى الثانوي.نفس الشيء بالنسبة لمادة الفلسفة، لأنه حسب اللغميش، إذا لم تدرس في الجذع المشترك سيجد التلميذ صعوبة كبيرة في استيعابها في السنوات الأخرى، وهو "ما ستكون له تداعيات خطيرة على التلميذ".