عادت السلفية التونسية لخلق الجدل من جديد، وبالضبط تنظيم أنصار الشريعة، أحد أكبر وأقوى التنظيمات الدينية هناك، فبعد مواجهات دامية بين مريديها وبين الأمن التونسي بسبب منع مؤتمرهم الثالث في القيروان، وبعد بياناتها النارية بقصم ظهور أعداء الدين، ظهر جليا أن تونس ما بعد الثورة ليست هي تونس قبلها، وظهر جليا أن المغرب الكبير ما قبل الربيع الديمقراطي لا ينتمي إلى ذاك الذي كان قبل إحراق البوعزيزي لذاته، خاصة وأن هناك فاعلا جديدا، اسمه السلفية، لا تكتفي بصنع الحدث في بلاد كل منها، بل ترتبط فيما بينها بعدة علاقات وروابط تثير الكثير من الأسئلة. الاثنين 14 ماي 2012..الحدوشي والكتاني يُمنعان من دخول التراب التونسي، يُبقيان محتجزيْن لساعات طوال بالمطار، ورغم احتجاج سلفيين أتوا لمناصرة الشيخين المغربيين، إلا أن الأمن التونسي أصر على إعادتهما للمغرب بسبب ما قال عنه "دواع أمنية" في ليلة كاد أن يتسبب فيها شيخا السلفية المغربية باحتكاك جديد بين السلفيين وقوى الأمن التي دخلت بعناصر كثيرة.. الأربعاء 15 نونبر من ذات السنة..أبو حفص يُمنع هو الآخر من دخول التراب التونسي، السبب "دواع أمنية" مرة ثانية، غير أن الرجل لم يستسلم وعاد ليكرر محاولة الدخول يوم التاسع من دجنبر..لتتكلل بالنجاح ويستنشق الشيخ السلفي هواء تونس.. عمر الحدوشي وحسن الكتاني تلقيا دعوة لإلقاء بعض الخطب من مؤسسة القيروان الإعلامية التابعة لملتقى أنصار الشريعة بتونس، وهو تيار محسوب على السلفية الجهادية، أما محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) فقد تلقى دعوة من شيوخ تونسيين لكي يقوم بإصلاح ذات البين بين حزب النهضة والتيارات السلفية، غير أن هذه الدعوات قد تخفي وراءها الكثير من الأسرار، فهناك في تونس، حاول سلفيو ما بعد الثورة تغيير ما يرونه منكرا بأيديهم، فهاجموا دور الدعارة والحانات والمراقص، واندلعت مواجهات خطيرة عندما احتج سلفيون أمام السفارة الأمريكية بسبب الفيلم المسيء للرسول(ص)، كما أقدموا على حرق مركز للشرطة شمال تونس، مما يجعل من السلفية الجهادية التونسية حاضرا مجيدا لعديد من الأحلام التي كانت تراود نظيرتها المغربية في تونس.. من هم السلفيون التونسيون؟ كيف تتنوع أطيافهم؟ ما هي علاقتهم بشيوخ السلفية الجهادية المغربية؟ هل هي فعلا علاقة تكوين وتعليم على مراجعة الأفكار والابتعاد عن العنف كما يُقال؟ أم هي إعادة أمجاد السلفية الجهادية المغربية التي كانت ترى في العمل المسلح ضرورة شرعية عاجلة؟ كيف ينظر السلفيون التونسيون لشيوخهم المغاربة؟ ثم هل راجع السلفيون المغاربة أفكارهم عن قناعة أم أنه لا توجد هناك مراجعات أصلا؟ السلفية التونسية..بين العلمية والجهادية.. كان النظام البوليسي لبنعلي علمانيا متشددا لدرجة أن المتدينين وغير المتدنيين كانوا يحلقون لحاهم قبل حتى أن تظهر، فتم تجفيف المنابع الدينية وحُوصرت الحركات الإسلامية وزُج بأعضائها في السجون أو تم طردهم خارج البلاد، لذلك، لم يكن غريبا، أن تعرف تونس انفجارا في أعداد السلفيين بعد نجاح الثورة، ولم يكن من العجب أن تظهر الأعلام السود واللباس الأفغاني والنقاب في شوارع تونس، فالسلفيون انتظروا هذه اللحظة التاريخية طويلا، ولن يسمحوا لأي كان بمصادرة حريتهم من جديد.. غير أن السلفية التونسية ليست واحدة، فهي أشكال وأنواع، أبرزها السلفية العِلمية التي تؤمن بالعمل السياسي وباللعبة الديمقراطية، والسلفية الجهادية التي ترى أن الديمقراطية رجس من عمل الشيطان وأن الحكام العرب كفار، وبالتالي ضرورة حمل السلاح. التقينا في تونس بعلي المجاهد، أمين عام حزب الأصالة السلفي وواحد من ممثلي السلفية العلمية، حيث يرى أن حزبه يأتي كرد على حركة النهضة التي تدعي الإسلام في حين أن توجهاتها أقرب إلى العلمانية، ف"المسلم لا فصل عنده بين الدين والدولة، والإيمان لا يكتمل إلا بتطبيق شرع الله" هكذا يقول المُجاهد الذي جاهد في وقت سابق بالشيشان وفلسطين، مستطردا بأن الديمقراطية أصلها باطل، على اعتبار أن اليونانيين الذين أصٌلوها خلقوا الفوارق الاجتماعية، غير أنهم يأخذون داخل الحزب من الديمقراطية الأمور الإيجابية كالحرية وكالشورى التي تجد أصلا لها في الإسلام، مادام فقيها شهيرا كابن تيمية، يقول المجاهد، حثٌ العباد على العمل السياسي. وقال المجاهد إنهم يتبعون الإسلام بشكله الحقيقي، غير أنهم يعيشون عصرهم، فإن كان الجهاد في نظرهم واجبا في الأراضي المحتلة، فالدعوة باللسان والبيان هي التي عليها أن تسود بالبلدان العربية المستقلة، مضيفا بأن الانتخابات هي الكفيلة بتقريبهم من الشعب مادام التونسيين سيصوتون عليهم-أي السلفيين- بكثافة في الانتخابات القادمة، غير أن الرجل الذي التقيناه في مؤتمر جمع الإسلاميين باليساريين في تونس، اتهم بعض أفراد السلفية الجهادية بالاختراق من طرف المخابرات بمن فيهم رموزهم الكبرى، وبأن أزلام النظام السابق يدفعون لبعض الشباب كي لا يحلقوا لحاهم قصد الإساءة للسلفيين. كي تنتقل إلى الحديث مع وجوه من السلفية الجهادية التونسية، عليك أن تكون صبورا ملحا، فشيطنتهم من طرف الإعلام التونسي، وإسقاط الإنسانية عنهم، أمور جعلتهم يترددون كثيرا في الحديث مع الصحافة التي تُحور كلامهم وتقول عنهم أشياء لم يقولوها، يقول زياد أبو الربيع، سلفي من هذا التيار، الذي تحدث لنا كيف أن الديمقراطية كافرة مادامت تحرف شرع الله بأن تجعل حكم الشعب للشعب في حين أن الحكم يرجع لله وحده الذي يملك خاصية التشريع دون غيره، فإخوان زياد يريدون الخلافة على منهاج النبوة، ويرون أن العمل عليه أن يكون مقرونا بالدعوة والجهاد، وإن كان هذا الأخير مؤجلا في تونس بالنظر إلى أن أرضها أرض دعوة. السلفية الجهادية التونسية، حسب زياد، تصر على تطبيق الحدود كما جاءت في الشرع، وترى أن العِلمانية كُفر وبالتالي فالرئيس المرزوقي كافر وأمر محاربته بالسلاح وارد رغم أنه مستبعد لقياس المصالح والمفاسد، كما تقدم عدة بدائل شرعية لعملية الديمقراطية، من بينها مجلس الحل والعَقد الذي لا يترشح فيه سوى أُولي العلم، أو أن يوصي الحاكم بحاكم جديد، أو أن يُحمل السلاح في وجه الحاكم المسلم كما فعل بنو عباس مع بني أمية، أي أنه من الجائز أن يتم الانقلاب المسلح على حاكم مُنتَخب، ويستطرد زياد من أنهم يتفقون جملة وتفصيلا مع تنظيم القاعدة، وسوف يمنعون الخمور ويفرضون الحجاب ويوقفون المهرجانات الغنائية إن استلموا الحكم، وسيحاولون إلغاء جميع الحدود بين الدول العربية والإسلامية لأنها أمة واحدة عليها أن تتوحد تحت راية حاكم واحد. السلفية التونسية والمغربية..ماذا يريدان من بعضهما؟ عندما دعت جمعية القيروان الكتاني والحدوشي لإلقاء بعض المحاضرات، لم تكن تحتاج، حسب ما ذكرته لنا مصادر مطلعة من داخل هذه الجمعية، من الشيخين المغربيين أن يعلما أفرادها كيفية التحرك الميداني، فالسلفية الجهادية التونسية قادرة على رسم مخططاتها الداخلية بعقول مريديها، ولا تحتاج لتجربة مغربية لم تكن أصلا بالتجربة المميزة والناجحة على المقاس الذي يريده أبناءها بتونس، على اعتبار أن الحدوشي صرح أكثر من مرة قبل وبعد سجنه بمخالفته لأفكار العنف ضد المسلمين وبعدم مسؤوليته عن تفجيرات 16 ماي الإرهابية، ونفس الحال بالنسبة للشيخ الكتاني الذي تحدث بأن تلك الهجمات كانت مدبرة. الشيخ أبو عياض واحد من أكبر رموز السلفية الجهادية التونسية وواحد من المبحوث عنهم في قضية السفارة الأمريكية عندما تمت مهاجمتها، أصدر في ذلك الوقت بيانا شديد اللهجة يندد فيه بمنع الكتاني والحدوشي من طرف حكومة النهضة التي وضعت اسم الشيخين في قائمة الممنوعين من دخول تونس، وأوصى زملاءه في جمعية القيروان بإرسال فرقة من السلفية التونسية إلى المغرب قصد الاعتذار للشيخين، متحدثا عن أن الحكومة التونسية تريد استفزاز شباب السلفية بمنع شيخين وصفهما ب"أهل العلم وقادة الإسلام في هذا العصر" في حين أنها تستقبل شيخا سلفيا آخر يخدم مخططاتها هو محمد الفيزازي الذي ترضى عنه "النهضةط نظرا للتراجعات الكبيرة التي قام بها حسب تعبيره، وهو تقريبا نفس موقف أبو زياد عندما أشار للاحترام الكبير التي تكنه السلفية التونسية اتجاه الحدوشي والكتاني. وقد كان غضب أبو عياض ظاهرا في ذلك الفيديو، خاصة عندما تحدث عن أن الحدوشي والكتاني كانا سيضيفان جرعات معنوية كبيرة لشباب السلفية التونسية، وذلك عندما كانا سيقدمان بعض الدروس في المذهب المالكي وفي العقيدة وكذلك في اللغة، موضحا بأن هذا الشباب لا يحتاج لمن يعلمه المنهج، ولكن فقط لمن يستفيد منه في رسم الأفكار وتوضيح بعض الأمور. المتأمل لفكر الحدوشي، يدرك أن الرجل يقترب كثيرا من فكر أنصار الشريعة التونسي، خاصة وهو ينفي في تفاعلاته مع زملائه داخل العالم الافتراضي، أن يكون قد تراجع عن مواقفه السابقة، ويمكن أن نستدل على ذلك بدعمه لتنظيم القاعدة حتى بعد خروجه من السجن، رده القوي على المختار لغزيوي في مسألة الحرية الجنسية بضرورة إقامة الحد عليه، معارضته الكبيرة للديمقراطية ثم شعبيته الكبيرة في الكثير من المواقع الجهادية، مما يظهر أن الحدوشي يتفق معهم في الأصول، ويختلف معهم في التكتيك، أي أن الرجل يتفق مع أنصار الشريعة في نسقها العام وفي أهدافها القاضية بالحكم يوما ما في تونس، وهو ما جعلهم يوجهون إليه الدعوة أكثر من مرة ويصرون على استقباله رفقة الكتاني، رغم أنه يختلف معهم في طريقة الوصول لهذه الأهداف كما سنرى لاحقا. "شخصيا أريد من التيار العنيف داخل السلفية أن يراجع أفكاره" هذا هو ما يقوله القيادي السلفي محمد عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبو حفص، الذي التقيناه بمؤتمر الجاحظ بالعاصمة التونسية بعدما تمكن من العبور مؤخرا، حيث أكد لنا أن سبب المنع الأول لم يكن سوى خطأ في البيانات وهو ما أخبره به الرئيس الغنوشي شخصيا، فقضية أبو حفص مختلفة عن قضية الكتاني والحدوشي بالنظر إلى طبيعة الجهة الداعية. ويتابع أبو حفص بأن هدفه من الإصرار على الحضور إلى تونس هو التعرف على التجربة الإسلامية بهذا البلد وليس بالتحديد الالتقاء بالسلفيين الذين لم تكن له معهم أية اتصالات كبيرة، رغم أنهم انتقدوه بشكل كبير بسبب الموقف الذي أعلنه على إذاعة موزايك عندما قال إن الطريقة الوحيدة للسلفية كي تؤثر في القرار هو المشاركة السياسية. وهنا يتحدث إدريس الكنبوري، المحلل المغربي المختص في الجماعات الإسلامية، بأن السلفية الجهادية التونسية تُعد ظاهرة جديدة في تونس بدأت مع سقوط النظام السابق كغيرها من التيارات الإسلامية التي كانت تعاني من قمع بنعلي، وبأن 'أنصار الشريعة' أكبر جماعات السلفية الجهادية ترى في تجربة الشيوخ السلفيين المغاربة نموذجا للإتباع، خاصة وأن هؤلاء يتميزون بنضج وبخبرة عكس زملائهم التونسيين، بينما في الجانب الآخر، يحاول الشيوخ المغاربة دعوتهم إلى التهدئة والوسطية وعدم الدخول في مواجهات مع السلطة الجديدة لكي لا يتكرر ما حدث بالمغرب سنة 2003، حسب رأي المتحدث ذاته. هل باستطاعة السلفية المغربية قص جناح حماسة نظيرتها التونسية؟ يمكن أن نفهم الحماس الزائد للسلفية التونسية بالنظر إلى السنوات الطويلة التي قضاها مريدوها في الظل، ليكتشفوا بعد خروجهم منه أن الشعب التونسي اختار إسلاما سياسيا وليس تيارات سلفية لا تؤمن بالعمل الديمقراطي، وهو ما ردت عليه السلفية الجهادية ببيان ناري ترفض فيه الحكومة والرئيس، بل سعت لإثبات ذاتها بعدد من السلوكيات التي وصلت إلى حد العنف، حيث نصبت نفسها أحيانا شرطة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تغيره باليد والسيوف. التجربة السجنية التي تعرض لها السلفيون المغاربة حملت الكثير من المتغيرات خاصة أن هناك منهم من تنكر لاسم السلفية وزعم أنه لم يكن يتصف به قط، كمحمد الفيزازي الذي أخبرنا بأن مسألة تغيير القناعات تسري في العالم كله وليس فقط من يُحسبون على السلفية، أما أبو حفص، فهو مقتنع بالانتخابات التي ستؤدي إلى العدالة حتى لو كان أصلها هو العلمانية، على اعتبار أنها تحقق مناخا من المساواة يقضي على الفساد والاستبداد. حاولنا الاتصال بالشيخين عمر الحدوشي وحسن الكتاني لأخذ وجهة نظرهما حول الموضوع، لكنهما رفضا الإدلاء بأي تصريح حوله، وهو الأمر الذي يعود، حسب مصادر مطلعة، إلى عدم رغبتهما في تعكير المياه بينهما وبين السلفية التونسية، وإلى السعي إلى الإبقاء على خيوط قوية بينهما بالنظر إلى الواقع الجديد لتونس ما بعد بنعلي، والذي أتاح للفكر السلفي الظهور مجددا عكس ما هو الحال عليه بالمغرب. غير أن فيديو كان قد سجله الحدوشي قبل أيام ووضع رابطه على موقعه يتحدث فيه عبر الهاتف مع سلفي تونسي، يوضح بالملموس أن الرجل المغربي متذمر بشكل ما مما تقوم به السلفية الجهادية في تونس من أعمال عنف، حيث نصحها بالخروج مع حزب النهضة في مسيرات ضد العلمانيين المنتقدين للحكومة، مستعينا في إقناعهم -أي شباب السلفية الجهادية التونسية- بعدد من الأحداث التاريخية الإسلامية. وتحدث الحدوشي في الفيديو بأن على السلفية التونسية أن تشتغل بالتي هي أحسن وليس بالتي هي "أخشن"، وأن لا تحاول "استسلاخ" التجربة المغربية الفاشلة التي كانت تريد تغيير المنكر باليد، فكانت النتيجة أزيد من سبعة آلاف سلفي في السجن، حيث يقول لهم في إطار أحداث السفارة الأمريكيةبتونس والتي اعتقل على إثرها الكثير من سلفييها:" ما فعلته النهضة شنيع و لكن ما يراد بتونس أشنع فإن استنصرتكم - النهضة - في الدين فعليكم النصر، لا بد أن تجلسوا إلى مشايخكم و تتحاوروا مع حركة النهضة، أقل ما تفعلوه أن تسكتوا عنها في هذه المرحلة، فما يحصل في تونس اليوم هو ما حصل في المغرب منذ سنين: لا للعنتريات و لا لإسقاط المشايخ لا للتصرفات الفردية..أخشى على مولود تونس من الإجهاض بفعل التصرفات الفردية من البعض". في نفس الإطار، يشدد أبو حفص على أنه سيحاول الالتقاء بالسلفيين التونسيين رغم كل الانتقادات التي وجهوها إليه، وسيحدثهم عن فقه الأولويات، وعن ضرورة مراجعة بعض أفكارهم لكي يندمجوا مع مجتمعهم، وكذلك بالابتعاد عن التنظيمات المتشددة الذي قد يؤثر في أفكارهم للتنسيق في عمليات عنيفة، على اعتبار أن كل عمل مسلح في بلاد المسلمين وحتى بلاد الكفار، يؤكد أبو حفص، له مفاسد كبيرة قد تؤدي إلى مزيد من التطويق الأمني لظاهرة السلفية. ولئن كان موقف أبو حفص من السلفية الجهادية التونسية هو التعامل باللين ومحاورتهم، فالفيزازي هاجمهم بشكل حاد، وتحدث عن أنهم "يهذون" وليس بينهم عالم واحد ولا مقدرة لهم على إقامة الدولة الإسلامية، ناصحا الشيوخ المغاربة بالابتعاد عن هؤلاء "المجرمين" مادامت النية التي يتعاملون بها معهم، قد تكون سببا لمضايقات جديدة يتعرضون لها من طرف السلطات. ويعتقد الكنبوري أن السلفيين المغاربة لديهم بعض القدرة في إقناع أصدقائهم الجهاديين التونسيين بمراجعة مواقفهم ولو أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الحكومة التونسية التي تنتظرها استحقاقات كبيرة، وهو ما عبرت عنه آمال عزوز عضو المجلس التأسيس التونسي عن حزب النهضة، عندما أكدت لهسبريس أن الحكومة ستتخذ تدابير أمنية حازمة لمواجهة التطرف الديني بتونس إن استمر في أعمال العنف، لكنها لن تعمد إلى قمع مواطنين تونسيين يعبرون عن آرائهم مهما كان نوعها. الإسلام السياسي..هل يكون نهاية السلفية الجهادية؟ وصول حركة النهضة إلى الحكم في تونس، الإخوان المسلمون في مصر، وكذلك حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة المغربية، أثار نقاشا حاميا حول الإسلام السياسي ودوره في تقويض التيار المتشدد، ما دامت الشعارات الإسلامية التي تحملها مثل هذه التنظيمات، تجعلها قريبة من الشعوب العربية التي تثق نسبة مهمة منها في الخطابات الأخلاقية إضافة لقوة تنظيم الأحزاب الإسلامية خلافا لنظيرتها اليسارية التي تعاني بعض التفرقة. ولئن ساند حزب النور السلفي الإخوان المسلمين في مصر وصوت لصالح دستورهم، بل أن واقع مصر بعد سقوط نظام مبارك حوٌل السلفيين من محرمين الديمقراطية إلى مشاركين في العملية الانتخابية التي أوصلتهم للمقاعد البرلمانية، وإن تفتت خيوط السلفية المغربية بشكل كبير بعد سنة 2003، وإعلان أحد رموزها محمد الفيزازي عن قرب تشكيله لحزبه الجديد القريب من مرجعية حزب بنكيران، فإن السلفية في تونس انقسمت فيما بينها بشكل كبير، فقرر بعضها تجريب حظه في اللعبة الديمقراطية، بينما لا زال جزءها الأكبر "أنصار الشريعة" يرفض بشكل قاطع شيئا اسمه الانتخابات. آمال عزوز ترى أن الفكر الإنساني يتطور مع التاريخ، ومن الممكن جدا أن تغير السلفية الجهادية التونسية آراءها بالنظر إلى تونسالجديدة التي تقوم على المؤسسات وعلى احترام حقوق الإنسان، مثلما تطورت حركة النهضة التي كانت في بداياتها خلال سنوات السبعينات تميل إلى التشدد في بعض الأمور،"فالتطرف العلماني للنظام السابق أدى إلى تطرف ديني سلفي، واعتدال الحكومة الحالية سيؤثر على أفكار السلفية التي ستتحول نحو الإيجابي"، وهو رأي يرى الكنبوري يرى عكسه ما دام ميل التيار الإخواني بتونس إلى الاعتدال يقابله نزوح سلفي نحو التشدد، لأن هذا الأخير يعتقد أن الاعتدال تفريط بسبب شدة التركيز على الجوانب العقدية على مستوى الخطاب. من كل هذا وذاك، يظهر أن السلفية المغربية-التونسية في علاقة متعددة الجوانب والفصول، ومهما حاول الطرف المغربي ممارسة تأثيره على التونسي للتهدئة والدخول في علاقة ودية مع حركة النهضة ولو إلى حين حتى يتسنى لأنصار الشريعة الوصول إلى الحكم كما يريدون، فإنه قد يتأثر كذلك بالحماس التونسي وقد تعود بعض أفكار ما قبل 2003 لتطفو على السطح، خاصة وأن المغرب لم يتسامح بشكل قطعي مع المعتقلين السلفيين الذين لا زالت المئات منهم ترزح في السجون المغربية بسبب أحداث إرهابية يقول شيوخ السلفية إنهم استخدموا فيها كأكباش فداء بدل اعتقال المسؤولين الحقيقيين..