بسم الله الرحمن الرحيم (1) لا يفوتُ المراقبين لأحوال المغرب، بعد مرور إعصار الربيع العربي، وبالتحديد بعد تعيين الحكومة الأخيرة برئاسة السيد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعدودِ في التنظيمات الإسلامية، أن يلاحظوا ارتفاعَ منسوب الجرأة على الدّين وعلى الأخلاق العامة، بل على القانونِ نفسه، من قِبَل جهات محسوبة على اللادينيّين من الحداثيين، وخاصة في وجههم المتطرف، الذين أكدت انتخاباتُ نونبر2011 أنهم أقليةٌ هامشيّة في المجتمع المغربي المسلم، الذي أعطى للعدالة والتنمية المرتبةَ الأولى من بين الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، على ما عندي، أنا شخصيا، من اعتراضاتٍ ومؤاخذات وانتقادات وتحفظات بخصوص هذه الانتخابات وسياقاتِها ومتعلقاتها السياسية، بدءا بطريقة وضع دستور فاتح يوليوز، وانتهاء بتعيين حكومة السيد بنكيران في يناير2012. لكن موضوع مقالتي اليوم ليس حول الدولة المخزنية وما يتعلق بها من أمور دستورية وسياسية. المراقبون، ومنهم، بصفة خاصة، المهتمّون برصد تطورات العلاقةِ بين الإسلاميّين وخصومهم ومنافسيهم من اللادينيّين، بمعتدِلِيهم ومتطرِّفِيهم، لا يفوتهم أن يسجِّلوا، من خلال مناسبات وأحداث ووقائع عديدة، ازديادَ معدل الجرأة على الدين والأخلاق الإسلامية خاصة، وكأن هؤلاء المُجترئين، ومنهم ملحدون باتوا اليومَ معروفين عند المغاربة بأسمائِهم ومقالاتهم، يقصدون إحراجَ أو استفزاز الإسلاميين الموالين لحكومة السيد بنكيران وغير الموالين، ليقَعوا في الفخّ، فيعمدوا إلى الردّ بطريقة قد يعتبرها أعداءُ الإسلاميين المتربّصون عموما، وخصومُهم الإديولوجيّون والسياسيون بصفة خاصة، انتهاكا لحقوق الإنسان وقمعا للحريات، وفرضا لتفسير دينيٍّ خاصٍّ بجماعة معينة، وانتكاسةً سياسية وحقوقية، ورجوعا بالبلاد إلى الوراء، وغيرَ ذلك من التهم الجاهزة عند أعداء الإسلاميين وخصومهم. وكأن هذه الجهات المحرِّضةَ على الاجتراء على مقدسات الدين وأخلاقه وآدابه، باسم الحقوق والحريات، يريدون ضربَ عصفورين بحجر واحد: أولا، تثبيت هذه الممارسات المنحرفةِ المجتَرِئة على الدين والأخلاق على أنها مطلبٌ حقوقي اجتماعيّ مشروعٌ تم تحقيقه، ولا يمكن بأيِّ حال من الأحوال التفريطُ فيه مستقبلا. وثانيا، تسجيل أن هذا المكسبَ-أي الجراءة على الدين والأخلاق العامة- تم انتزاعُه في ظل حكومة يرأسها الإسلاميون، وهو ما يجعل هؤلاء الإسلاميّين يظهرون أمام عموم المواطنين في صورة مِن اثنتين، إمّا أنهم عجزوا عن مواجهةِ هذه الانحرافات، وهو ما يعني أنهم فشلوا في تحقيق بعض مما كان ينتظره المواطنون منهم، وخاصة في جانب هو لصيقٌ بهويتهم الإسلامية، أي الجانب العقدي والأخلاقي، وإمّا أنهم يُقرّون بأن هذه الانحرافات والانتهاكات والاجتراءات اللادينية هي حقوق حقيقية ومشروعة، ومن ثَمَّ فهم يجيزونها ولا يعترضون عليها. والإسلاميون في الصورتين معا خاسرون، ولا سيما على مستوى المصداقية والجدية في الدفاع عن ثوابت الإسلام وقيّمه. ويمكن أن أذهب إلى أبعدَ من هذا في النظر والتقدير والتحليل، لأني، عند تعميق النظر، لا أرى مستفيدا من هذا التحريض على الدين وانتهاك الأخلاق أكبرَ من الدولة المخزنية، التي هي صاحبة الأمر والنهي في شؤون البلاد، وما الحكومةُ والبرلمان وسائرُ المؤسسات إلا أدوات لخدمة سياساتها وتنفيذ قراراتها ومخططاتها. المخزن في هذه القضية رابح، في اعتقادي، من جهتين، لأنه، من الجهة الأولى، سيجعل الإسلاميّين يتحمّلون أمام المواطنين مسؤولية شيوع هذه الانحرافات والممارسات والخطابات المتطاولة على ثوابت الإسلام، اعتقادا وسلوكا، وسيجعلهم يظهرون بمظهر من لا يملك في مضمار الأخلاق والسلوك الاجتماعي الملتزم بآداب الإسلام إلا الكلام، وهو ما يترتّبُ عليه الحكمُ عليهم َبأنهم، كغيرهم من السياسيّين، حزبيون انتهازيون. ورِبْح المخزن من هذه الجهة تضمنه، من بين ضمانات أخرى، النسبةُ العالية للأمية المتفشية في المواطنين، الذين لا يستطيعون حيلةً-وهم المستضعفون المقهورون التابعون السامعون المطيعون- مع طاحون الإعلام المخزني، الذي يصبّحونه ويمسونه، أينما ذهبوا، وحيثما اتجهوا، في محيطهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي. هؤلاء المواطنون المطحونون مهيّأون، بل قُلْ مُخَدّرُون، بل قُلْ مُبَرمَجون ليصدّقوا ما ترمي لهم به آلة الدعاية والإعلام المخزني، وليبتلعوا ويهضموا كلَّ ما يمكُر به المخزن على خصومه ومعارضيه، وفي مقدمتهم الإسلاميون الذين لم يحتملهم المخزنُ بجانبِه إلا للضرورة، ولم يقبل التعاملَ معهم إلا على مضض، وإلى حين. والمخزن رابحٌ، من جهة ثانية، من تكاثر الاعتراضات والطعون على أصول الإسلام القطعية، وارتفاع مستويات المسّ بالأخلاق وابتذالِها وتناولها بالاستخفاف والاستهزاء، لأنه سيقدِّم دولتَه للعالَم المُراقِب، وخاصة للدول التي تؤازر سلطانَه وتضمن استمرارَه، وتحميه سياسيا واقتصاديا، على أنها دولةُ الحريات الحقيقية بامتياز، لأن الناس باتوا يتناولون المقدساتِ الدينية وما يتعلق بها من سلوكات وأخلاقٍ بكل ما يرونه من الانتقاد والتشكيك والاستهزاء من غير أن يُقمعوا أو تجرّمَ أفعالهم فيحاكموا ويعاقبوا. يدُ المخزن، في رأيي، ليست بعيدة عما يجري اليوم في ظل حكومة السيد بنكيران، بخصوص هذا الجانب المتعلق بالجرأة على المقدس الديني والسمت الأخلاقي، لأن تصوير الإسلاميّين للناس على أنهم بلا مصداقية، وأنهم فاشلون حتى فيما هو من صميم هويتهم السياسية، لا يمكن أن يصب إلا في صالح دولة المخزن، أولا وكثيرا، ثم في صالح اللادينيّين، ثانيا وقليلا. والذي يُرجّح عندي هذا الرأيَ هو التقاريرُ والأرقامُ والأخبار، التي كثُرت في ظل حكومة السيد بنكيران-بفعل فاعلٍ يعرف ماذا يريد- عن ازدياد الأنشطةِ التطبيعية المتنوعة مع العدو الصهيوني، وعن ازدياد نسبةِ استهلاك الخمور في البلاد، وعن إبقاء الوضعِ القانوني لحزبَيْ (الأمة) و(البديل الحضاري) جامدا، بل معلَّقا، وعن الجمود الحاصل في ملف معتقلي "السلفية" المظلومين، وعن مظاهرات الشباب العاطل، التي باتت شبه يومية في العاصمة وفي غير العاصمة، وعن الإعلام العمومي الذي لا يزداد إلا تماديا في البرامج الممعنة في المس بالأخلاق العامة، والتردّي في حمأة الخلاعة والمجانة، كما ظهر هذا جليا، مثلا، في البرنامج الذي بثته مؤخرا قناة(2M)، بمناسبة ما سُميَّ (عرض القفطان المغربي)، وعن مهرجانات السينما والموسيقى الخليعة خاصة، وعن مُنكر انتهاك حرمة رمضان بتعمّد الإفطار والناس صيام، وعن إعلان الشذوذ الجنسي والحديث عنه كما لو كان ظاهرة إنسانية سويّة، و عن المطالبةِ باحترام حقّ المرأة في أن تفعل بجسدها ما تشاء، وكيفما تشاء، وحيثما تشاء، وعن استشراء عدوى الإلحاد باسم حرية الاعتقاد، وعن غير هذه من الموضوعات والنشاطات والمَظْلمات(حقوق المظلوم) والآفات والمنكرات، التي يُقصد منها عمدا، في اعتقادي، توريطُ الإسلاميين، حتى الذين يوجدون خارج دائرة المؤيدين المشاركين، معنويا، على الأقل، في المسؤولية عن هذه الإخفاقات والانحدارات والمشكلات، لنزع المصداقية عنهم، وخاصة فيما يخص رصيدهم الأخلاقي الإيماني المعنوي. وكأن المخزنَ بهذا يهيئ لما بعد جولةِ الإسلاميين، بعد أن تنتهيَ صلاحيتُهم، أي يهيئ لحكومة مخزنية محضة، باسم الدستور والديمقراطية والانتخابات والحريات والشفافية والحكامة الجيدة، وما إلى هذا من شعارات وواجهات وخطابات تمويهية شارك في فرضها وترسيخها السيد بنكيران ومعه حزبُه وحركتُه وسائرُ إخوانه وأخواته، وهم واعون بما يجترحون، أو مخدوعون لا يشعرون، أو حالمون لا ينتبهون. وقد يكون القرارُ الذي اتخذه المجلسُ الوطني لحزب الاستقلال، مساء يوم السبت11ماي 2013، بالانسحاب من الحكومة، مقدمةً لبدء تنفيذ المخطط المخزني الجديد، الذي قد يكون من مقاصده البعيدة الاستغناءُ عن حزب العدالة والتنمية، وإبعادُه عن شؤون الدولة، والرجوعُ به إلى الوضعية السياسية التي كان عليها قبل 20 فبراير2011. (2) كنت أتحدث قبل قليل من زاوية النظر والتحليل السياسي، وأنتقل في هذه الفقرة إلى الواقع المعيش. الجرأةُ على الدين والقانون والعُرف باتت السمةَ الغالبة على سلوكات الأقلية المحسوبة على الحداثيين من أنصار الحريات الفردية المطلقة المُنكرَة الممسوخة، ودعاةِ ما يُسمَّى ب"المرجعية الكونية" الحقوقية. والمسلمون اليوم واعون بأن التلويحَ بالمرجعية الكونية إنما المقصودُ به الاعتراضُ على أن يكون للإسلام سلطان في مجتمع غالبيّتُه مسلمون معتزون بإسلامهم، ولا شأن لهم بمَنْ خالفهم من الملحدين والنصارى واليهود وغيرهِم من مختلف الملل والنحل، لأنهم يؤمنون بأن (لا إكرَاَه في الدّين) وأن الرُّشدَ قد تبيّنَ من الغَيّ، (فمنْ شاء فلؤمن، ومن شَاءَ فليكفرْ)، وأن (الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، وأنه (لا يأمنُ مكرَ الله إلا القومُ الخاسرون)، (والذين كفروا بآياتِ الله أولئك همُ الخاسرون)، وأنَّ (الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ). الجرأة على الأخلاق العامّة، في مجتمع مسلم، هي جرأة على ثوابت الدين وآدابه، لأن أعراف المجتمع المغربي الإسلامي، مهما تنوعت وتعددت، فإنها لا تخرج عما هو معلوم من الدين بالضرورة. ولا يمكن لمسلم، عادي فضلا عن عالم، أن يهضم، في يوم من الأيام، أن دينَه يُجيز للمرأة المسلمة، مثلا، أن تتعرّى للعموم، مهما كانت اللافتةُ التي يؤدَّى هذا التعري باسمها. في مجتمعات الدنيا كلِّها، الناس محتكمون إمّا إلى شريعة دينهم، وإمّا إلى نصوص قوانينهم، وإما إلى موروثات أعرافهم. وخارج هذا، فالإنسان حيوانٌ في غابٍ، لأن الذي لا يحتكم إلى شيء في حياته ونظامِ مجتمعه هو خارجَ الحضارة، بل هو فاتل في حبل الفوضى الاجتماعية، عن وعي أو عن غير وعي. فعندنا في المغرب قوانين وأعراف تستمدّ أساسها من الإسلام، حسب المناطق والجهات. وما قرأنا، ولا سمعنا، ولا حكى لنا أحد، أن في المغرب قانونا أو عُرفا يسمح بأن تتعرّى المرأة للعامة من الناس، بلْهَ أن تظهر عاريةً وهي تضاجع أجنبيا في فراش مشترك باسم الفن الدرامي السينمائي. ثم متى كان تعرّي المرأة المسلمة-أقول وأشدّد على صفة المسلمة- معدودا في الممارسات الفنية؟ مَنْ قال هذا، ومن قرّره، ومنْ فرَضه؟ قاله وقرّرَه وفرَضه المُغَّربون من بني جلدتنا، الذين يجري فيهم التقليد الأعمى للغرب مَجرى الدم في الشرايين. تعرّي المرأة في مكان عمومي، في الشارع أو على خشبة المسرح أو في شاشة السينما أو التلفزيون، يُعدّ إخلالا بالحياء العام، الذي ينص القانون المغربي على تجريمه ومعاقبة صاحبه أو صاحبته. والمعروف في المغرب المسلم أن المرأة التي تتعرّى للعموم هي خارجة عن الأخلاق العامة، ومن ثَمَّ فهي منبوذة في الذوق الاجتماعي العام، وإن أيّدها وشجعها وساندها ودافع عنها العالمُ كلُّه. فهذا مجتمع مسلم، له دينُه، وله قوانينُه، وله أعرافُه، وله آدابُه، وله أخلاقُه، ولا يمكن لداعِر، مهما كان سلطانُه السياسيُّ والإعلاميّ والثقافيّ والفني، أن يفرض على المسلمين ما يناقض دينَهم، ولا أن يسوّغَ لهم الفواحشَ والمنكرات التي عندهم فيها من الله ألفُ برهان وبرهان. المرأةُ في الغَرْب اليومَ لا مشكلة لها مع هذا المسخ الثقافي الفنّي الكوني، لأنها لم تعد تجد حرجا ولا غضاضة في أن تمارس الفاحشةَ الصريحةَ الغليظةَ أمام الكاميرات، ليشاهدها الملايين عبر العالم. بل، إن ممارسةَ حرفة البغاء أصبحت حقا مكتسبا من حقوق المرأة في معظم الدول الغربية. وهذه فرنسا/الأنوار، وهي المرجع الأساس والقبلةُ المقدّسةُ لغالبية مُغَرَّبِينا من النُّخب اللادينيّة المتطرفة، قد أقرّت منذ أيام (قانون الزواج للجميع)، أي أن اليوم، في فرنسا، من حق الرجل، قانونيا، أن يتزوج برجل مثلِه، ومن حقِّ المرأة أن تتزوج امرأةً مثلها. لكنَّ مشكلَتَنا مع هؤلاء اللادينيّين المُغَرَّبين المتطرفين أن فرنسا وضعَت قانونا لزواج الشّواذِّ بأغلبية برلمانية، وعليه فإن المواطنين ملزمون باحترام هذا القانون، لأنه أصبح تشريعا ملزما للجميع، بمن فيهم الذين عارضوه وخرجوا للشوارع للاحتجاج. وغدا، يُمكن أن تتبدّل موازينُ القوى السياسية لصالحِ منْ يرون اليوم بطلانَ هذا القانون ومخالفتَه للفطرة البشرية، ومعارضتَه لأعراف الأسرة الراسخة في المجتمع الفرنسي، فيصبح بإمكانهم، يومئذ، أن يقوموا بإلغائه أو تعديله. هذه هي قواعد الديمقراطية التي ارتضاها الناسُ لتنظيم اختلافاتهم، وتجنب الفتن التي يمكن أن تنجم عن غياب مرجعية قانونية يَفزَع إليها الناس عند اختصامهم وتضارب مصالحهم. وفي المغرب، عندنا، مثلا، قانون يجرّم الإخلال بالحياء في الأماكن العامة، وآخر يجرّم التطاول على الدين وانتهاك مقدساته، لكن، لا أحد ممّن بأيديهم سلطة المبادرة والمتابعة وتحريك الدعوى العمومية، يسعى إلى تطبيق مثل هذه القوانين، لأنها، ببساطة، قوانين لا توافق هوى المُغَرَّبين اللادينيّين، ومِن ثَمَّ فهي موجودة لذرّ الرماد في العيون، ليقال إن عندنا قوانينَ تمنع التعرّضَ لمقدسات المسلمين وأخلاقهم بما يسيء. فإن قام، مثلا، محام غيورٌ على دينه، ورفع دعوى يطالب فيها بتطبيق القانون، فإن القيامة ستقوم عليه، ومناحةُ اللادينيّين لن تجد من يُخمِد سُعارَها. إن الذين يتعاملون مع قوانينهم بالهوى والعصبية الإديولوجية العمياء، إنما هم يخرّبون بيوتهم بأيديهم، لأن المواطن، أيّا كان معتقدُه الدينيُّ ولونُه الإديولوجيّ، محتاج دائما إلى قانون يحترمه الجميع، لأن القانون هو تعبير عن إرادة الجماعة واختيارها وأخلاقها وأعرافها، وهو بهذا قابل للزيادة والنقصان، ونصوصُه ليست منزهةً أن يعادَ فيها النظر بالتعديل والتكميل والإلغاء، لكن بالطرق الديمقراطية، ووفق مقتضيات القانون ومساطِر التشريع المتبعة، بدءا باقتراح مشروع القانون، ثم مناقشته وتعديله والتصويت عليه، وانتهاء بالمصادقة عليه، وإقراره ليصبح تشريعا ملزما للجميع، مؤيدين ومعارضين. أما أن أقبلَ بالقانون ما دام في صالحي وصالح هواي، وإديولوجيتي، وحزبي، وقبيلتي، وطائفتي، وجماعتي، وعصابتي، وأرفضَه وأطعنَ عليه ما دام مخالفا لهواي، وجاريا على غير اختياري الإديولوجي، فهذه هي الفوضى القاتلة، التي يُحْكَم على أيِّ كيان اجتماعي ابتُليَ بها أن يظل في ضَنْك وعَنَتٍ واختلال واعتلال، لا يَعرِف طريقا إلى الاستقرار المحمود، والسلم المنشود، والمواطنة الحقّة. قوانينُنا، رغم ما عند الناس من انتقادات واعتراضات على كثير من نصوصها، هي مبنيّة في أساسها على أن دينَ الدولة هو الإسلام، بمعنى أن الإسلام هو عمودٌ أساسٌ من الأعمدة التي تقوم عليها هذه القوانين. ومع هذا المعطَى البديهي، فإن اللادينيّين، الذين علا صوتُهم كثيرا في ظل حكومة السيد بنكيران، لا يكُفّون عن الطعن في أصول الإسلام القطعية، التي لا علاقة لها بالخصومات السياسية، والتأويلات المذهبية، والاجتهادات الفقهية، كالصلاة، والصوم، والحلال البيّن، والحرام البيّن. وهم، بهذا الطعن، يقوّضون العمودَ الأساس الذي تنبني عليه قوانين بلدنا، ويسعون حثيثا في طلب الفتنة والخراب والدمار. أيها اللادينيّون المدافعون عن الفواحش والمنكرات، احترمُوا القوانينَ التي تنظم أمرَنا، وتشدّ لُحْمَتِنا، وتحفظُنا من التمزق والانهيار، ثم اجتهدوا لإقناع الناس بوجهة نظركم، وحِكمة آرائكم، وصلاحية مشروعكم، ثم خوضوا غمار الانتخابات-على علاّتها- مع الخائضين، متميِّزِين برايتِكم وشعاراتكم ومقالاتكم، أو متحالفين مشتركين متعاونين مع آخرين، وحاولوا أن تنالوا رضا الناس وتفوزوا بأصواتهم، ثم انظروا إلى أين ستصلون؛ هل سيستمع الناس إليكم، أم سيُعرضون عنكم؟ كم سيكون في الجماهير المُسْلمة مِنْ سامعٍ لمقالتكم، ومُقتنِعٍ بخطابكم، ومتحمس للاَدِينيَّتِكم، إن كانت عندكم الشجاعة، وصرّحتم منذ البداية بحقيقة معتقداتكم، وكشفتكم للناس عن موقفكم من الإسلام وأحكامه وآدابه وأخلاقه؟ أيها المدافعون، في المجتمع المسلم، عن الدعارة باسم الحرية والفن، أقنعوا الناس بمذهبكم، ثم غيّروا القوانينَ كما تشاؤون، وكما تشاءُ لكم معتقداتُكم وأهواؤكم وشياطينُكم. أما إن كنتم مُوقنين بأنكم ستظلون أقليةً هامشية وسط المسلمين، خاصتِهم وعامتِهم، وأنكم ستكونون دائما منبوذين مكروهين وأنتم تصرحون بعداوتكم لدين الغالبية، فلا أقلَّ مِنْ أن تستحيوا؛ ففي الحديث الصحيح، الذي يُؤمن به المسلمون مصدرا ثانيا من مصادر التشريع، بعد القرآن الكريم، أن (ممّا أدرك الناسُ من كلامِ النبوة: إذا لم تستَحْيِ فافعلْ ما شئت). وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. مراكش: 10 ماي2013