وجدة .. انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    لحسن السعدي يترأس اجتماع مجلس إدارة مكتب تنمية التعاون    بيت مال القدس تستعرض حصيلة 2025 وتعلن أولويات عمل 2026    الكاف يعلن عن شراكات بث أوروبية قياسية لكأس أمم إفريقيا    توقيف الأستاذة نزهة مجدي بمدينة أولاد تايمة لتنفيذ حكم حبسي مرتبط باحتجاجات "الأساتذة المتعاقدين"    موجة البرد : مؤسسة محمد الخامس للتضامن تطلق عملية إنسانية للأسرة بالحوز    أسماء لمنور تضيء نهائي كأس العرب بأداء النشيد الوطني المغربي    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    كالحوت لا يجتمعون إلا في طاجين !        الشرطة الأمريكية تعثر على جثة المشتبه به في تنفيذ عملية إطلاق النار بجامعة براون    البورصة تبدأ التداولات على وقع الأخضر    "فيفا" يعلن تقاسم السعودية والإمارات المركز الثالث في كأس العرب    حمد الله: "الانتقادات زادتني إصرارا على التألق.. والله جلبني لهذه الكأس في سن ال35 ليعوضني عن السنين العجاف مع المنتخب"    تقرير: المغرب من أكثر الدول المستفيدة من برنامج المعدات العسكرية الأمريكية الفائضة    "الصحة العالمية": أكثر من ألف مريض توفوا وهم ينتظرون إجلاءهم من غزة منذ منتصف 2024    رئاسة النيابة العامة تقرر إلزامية الفحص الطبي للموقوفين تعزيزا للحقوق والحريات    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب أفغانستان    نقابة المكتب الوطني للمطارات تضع خارطة طريق "لإقلاع اجتماعي" يواكب التحولات الهيكلية للمؤسسة    رئاسة النيابة العامة تؤكد إلزامية إخضاع الأشخاص الموقوفين لفحص طبي تعزيزا للحقوق والحريات (بلاغ)    "الكان" يربك حسابات الأندية الأوروبية    جلالة الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني المغربي الفائز ببطولة كأس العرب    ملك الأردن يقرر منح الجنسية للمدرب جمال السلامي وهذا الأخير يؤكد استمراره مع "النشامى"    استمرار تراجع أسعار النفط للأسبوع الثاني على التوالي    حمداوي: انخراط الدولة المغربية في مسار التطبيع يسير ضد "التاريخ" و"منطق الأشياء"    الرباط تحتضن مقر الأمانة الدائمة للشبكة الإفريقية للوقاية من التعذيب    كيوسك الجمعة | ودائع الأسر المغربية تتجاوز 959 مليار درهم    ترامب يوقف برنامج قرعة "غرين كارد" للمهاجرين    نادي الإعلام والدراسات السياسية بكلية الحقوق المحمدية : ندوة علمية لمناقشة الواقع الإعلامي المغربي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    هياكل علمية جديدة بأكاديمية المملكة    انخفاض الذهب والفضة بعد بيانات التضخم في الولايات المتحدة    المحافظة العقارية ترفع رقم المعاملات    إدارة ترامب تعلّق قرعة "غرين كارد"    فرض رسوم التسجيل في سلك الدكتوراه يثير جدلاً دستورياً وقانونياً داخل البرلمان    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    طقس الجمعة.. أجواء باردة نسبيا وصقيع بالمرتفعات    البرلماني رفيق بناصر يسائل وزير الصحة حول العرض الصحي بمدينة أزمور والجماعات المجاورة    شبهة تضارب مصالح تُقصي إناث اتحاد طنجة لكرة اليد من قاعات التدريب    معدل ملء حقينة السدود يناهز 33٪    الدولة الاجتماعية والحكومة المغربية، أي تنزيل ؟    أسفي بين الفاجعة وحق المدينة في جبر الضرر الجماعي    الحكومة تُغامر بالحق في الصحة: إصلاح بلا تقييم ولا حوار للمجموعات الصحية الترابية    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    المهندس المعماري يوسف دنيال: شاب يسكنه شغف المعمار .. الحرص على ربط التراث بالابتكار    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    متحف اللوفر يفتح أبوابه جزئيا رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب    خبراء التربية يناقشون في الرباط قضايا الخطاب وعلاقته باللسانيات والعلوم المعرفية    الموت يفجع أمينوكس في جدته    مركز وطني للدفاع يواجه "الدرونات" في ألمانيا    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقاحة متقنّعة
نشر في هسبريس يوم 12 - 05 - 2011

تعرّي المرأة أمام عموم الناس، في مجتمع دينُه الإسلام، هو دعارة لا غبار عليها، مهما كانت الأعذار والتأويلات والتسويغات، ومهما طبّل الأنصار المدافعون وزمّروا، وطاروا ونزلوا.
هل يكون هذا السلوكُ الداعر فنّا؟
للنصارى دينُهم وأعرافُهم، وللمسلمين دينهم وأخلاقُهم ، وللملحدين دينُهم وطقوسُهم وممارساتُهم، وللحيوان غرائزُه وعاداته. وليس هناك ما يقنع المسلم العادي البيسط، بلهَ العالمَ المتخصص، بأن تعرّيَ المرأة "المسلمة" أمام الجمهور، على خشبة المسرح، أو في شريط سينمائي، أو في الشارع، هو فن مقبول وفعل محمود، إلا أن يتعلق الأمرُ بفرض أمر بالحديد والنار، وبالدعاية الصاخبة ليل نهار، كما تفعل دولتنا المخزنية، في هذه الأيام، مع مهرجانها "موازين"، حيث تصر على تنظيمه رغم الاحتجاجات الشعبية الواسعة، ورغم الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد. إصرار مخزني مرضي يكشف طبيعةَ الاستبداد الجاثم على قلوبنا وحجمَه وخطرَه.
أقول هذا الكلام بمناسبة رجوع الممثلة (لطيفة أحرار) إلى التعري "المسرحي"، وإصرارها على أن الأمر يتعلق بفن جميل لا يفهمه ولا يتذوقه الذين يعارضونه ويرفضونه.
فعند هذه المرأة التي يُعجبها أن تتعرّى أمام الناس، وقد مات فيها الحياء، أن التعرّيَ، في عرضها، ليس إلا جزءا من كل، وعلى نقادها الرافضين أن يحكموا على العمل كاملا، لا على مشهد مقطوع عن سياقه. ثم تقول، إن على نقادها، أولا، أن يشاهدوا العرض قبل أن يحكموا عليه.
دفاع واحتجاج أوهى من بيت العنكبوت.
وعندي أن هذا الدفاع من الممثلة المتعرية هو إمعانٌ في الجرأة، وإصرار على أنها على حق، وإن رفض عملها المسلمون جميعا.
يكفيني، يا امرأة، تلك الصورة/اللقطةُ التي نشرتها وسائل الإعلام من تعرّيك "المسرحي"، حيث تظهرين ملقاة على الخشبة بملابسك الداخلية فقط، لأحكم بأن عملك ذاك لا علاقة بالفن، وأن الأمر يتعلق بسلوك داعر فاحش مخل بالحياء، حقّه الرفض والإدانة.
هذا ما يقوله المسلم العادي، والفقيه المتضلع، والعرفُ والتقاليد والأخلاق والآداب العامة في مجتمعنا.
إنك تتحدثين بلغة الفن، لأنك لُقِّنْت ذلك تلقينا، وهو تلقين قائم، في أصله، على انحرافات ومغالطات، فضلا عن جهل فظيع بالدين الإسلامي، ونظرة إلى الذات تمتاز بنرجسية مرضية وثقة تجاوزت حدود التواضع والاعتدال. ثم هناك الإعلام المؤيد المصاحب، الذي لا يني يسلط الأضواء، ويسوق الأمثلة والمبررات، حتى يقرر في نفوسنا أن الأمر يتعلق بفن جاد "حداثي"، ما زلنا، نحن المسلمين، متخلفين أن نصل إلى استيعابه وامتلاك ناصية أدواته، وأن امرأة، كلطيفة أحرار، التي تجرأت وتعرّت أمام الناس، هي نموذج فريد وثمين، لا يعرف أصالة معدنه، وعلو قدره إلا آحاد النقاد النبغاء من أهل المعرفة والاختصاص!!
لم يكن التعري، ولن يكون أبدا، فنا محترما ومقبولا في المجتمع الإسلامي، الذي يحافظ على ذوقه وأخلاق نشئه، إلا عند الفاسقين (البورنوجرافيين)، الذي يتحركون، بالليل والنهار، لا يفترون، من أجل فرض أخلاق اللادينية الدوابية المنحطة.
إن مما جرّأك، يا امرأة، على جمهورك المسلم، الذي لا يتعدى العشرات من الغافلين التائهين المستَلَبين، وأيضا، من المُغرَّبين المطحونين، تربيتُك وتكوينك والأيدي التي صنعتك، والتي جففت منابعك الأخلاقية الإسلامية، وفي مقدمتها خلُقُ الحياء، وهو، في ديننا، شعبةٌ من شعب الإيمان، كما ورد في الحديث الصحيح.
أنا هنا لست واعظا على طريقة الوعاظ، الذين تعرفين أو تسمعين بهم، وإنما أنا هنا متحدث وناقد من زاوية الفن، الذي تزعمين السلوك على هديه، والإبداع في محرابه.
تعري المرأة، أو تعرِيَتها في الرواية المقروءة مثلا، هو استفزاز مباشر لغريزة بهيمية في الإنسان، إلا أن يكون هذا الإنسان ممسوخا، أو مخدّرا، أو معتوها، أو خارجا عن أصله الطبيعي.
والعُري بهذا المعنى لا ينفك يوحي بالفراش أو ما في معنى الفراش؛ فهو إذن "فن" فراشي، إن كان لا بد من وصف مثل هذا العمل بأنه فن.
فأي إبداع تبدعه المرأة الجارية في هذا السبيل غير سلوك الطريق السهل نحو "الشهرة"، التي تعمي النساء اللواتي على شاكلة لطيفة أحرار.
ما أسهلَ أن تتعرى المرأة، يا لطيفة، ولكن ما أصعب أن تستر جسدها وتتحلى بالأخلاق الفاضلة، في عالم لم يزل يُحرضها ويستغلها ويستضعفها حتى أحالها سلعةً رخيصة مبتذلة، يتاجر بها التجار، ويحلبها المستغلون الفجار.
نعم، للجسد لغة وسحر وجمال، لكن في اتجاه آخر مناقض تماما للاتجاه الذي تردّيت فيه. واعلمي أن الجسد، في ثقافتنا الإسلامية، له حرمة وقيمة وحقوق وجلال، والمرأة التي تستخف بحرمة جسدها، وتنتهك حقوقه، وتدنس جلاله، إنما هي امرأة فاقدة لأهم الصفات التي تكون بها المرأة امرأة، ومن ثم فإن إطلاق اسم المرأة عليها لا يكون إلا من قبيل المجاز.
يا سيدتي المُتعرّية، الحقُّ والأصل في الفنون، ، كيفما كان نوعها، أن تسموَ بالنفوس، لا أن تنحط بالغرائز إلى الحضيض الداوبي.
هناك في الغرب، اليوم-والغربُ مثالُ حداثيينا ومُغَرَّبينا من كل الألوان والوظائف والاختيارات- فواحشُ ومنكرات ودعارة، تشيع بين العموم باسم الفن، ومن هذه الفواحش أفلامُ الدعارة المكشوفة(البورنوجرافي)، التي لها نجومُها ومهرجاناتها وعشاقها وزبناؤها.
وماذا بين التعري على خشبة المسرح، ولو جزئيا، أو الظهور مع أجنبي في مشهد سينمائي فاحش، وبين البورنوجرافيا؟ ليس بينهما، في اعتقادي، إلا مسألة الوقت، ريثما يتم إعدادُنا، شيئا فشيئا، لتقبل الأمر على أنه فن وحرية واختيار وحقّ وغيرُ ذلك من شعارات الحداثيين المتطرفين، الذين لا يقبلون، في مجتمعنا المسلم، بأقلَّ من شيوع الفاحشة صراحا مراحا، بوجهها الحقيقي، لا تتخفى وراء الأستار، ولا تتوسل بعنوان من العناوين، ولا تتزيّى بزيٍّ غير زيها الحقيقي الأصيل. وعندئذ، عاشت الحداثة، وعاش أنصارها، وعاشت الفاحشة، وعاش مُواقعوها وأبواقُها وسدنتُها من الإنس والجان.
لا يقبل الحداثيون اللادينيون المتطرفون بأن تظل الفواحشُ والمنكرات محبوسة في الملاهي الليلية والنوادي الخاصة، بل همهم، بالليل والنهار، أن تصبح ممارسةً طبيعية ومقبولة في المجتمع، بكل طبقاته ومستوياته ومكوناته. ولهذا، نرى هذا السعي الحديث، في الزمن، للتطبيع مع السلوكات الداعرة تحت عدة لافتات، ومنها لافتةُ المسرح؛ والويلُ كلُّ الويل لمن يحتج أو ينتقد أو يُدين، لأن التهمة جاهزة، والأحكام جاهزة، والإعلام الحداثي المتطرف جاهز.
أيتها المرأة المتعرِّية المتحدِّية المستهتِرة المتجرّئة، إن التعري واحد في معناه، في كل زمان وفي كل مكان، ولا سبيل أمام هذه الحقيقة البشرية الكونية الأبدية إلى التفلسف وتشقيق الكلام واستظهار دروس السيد الحداثي المتنور المحفوظة عن ظهر قلب.
إن التعريَ من المرأة المسلمة أمام جمهور في مجتمع مسلم هو سلوك داعر بكل المعاني، سواء تجلى هذا التعري في مشهد واحد أو في عدة مشاهد.
إن كشف جسد المرأة واحد في مبناه ومعناه- ولا ننسى أننا نتكلم في سياق ديننا الإسلامي وثقافتنا الإسلامية وأخلاقنا الإسلامية، حتى لا يقولن جاهلٌ إن للعري قيمة فنية كونية يجب الاعتراف بها. وحينما يحصل هذا التعري في مكان عمومي، فإن الذوق المسلمَ يمجّه، والأخلاق الإسلامية العامة تنكره، والعرف الاجتماعي يأباه، سواء أكان هذا التعري في أول العرض، أم في وسطه، أم في آخره.
والمسلم، بعقيدته وأخلاقه وحيائه، لا يحتاج أن يقرأ مشهد التعري في علاقته بما يسبقه من المشاهد وما يتبعه، لأن التعري، أخلاقيا واجتماعيا ونفسيا، سلوك مستقل بذاته، دال لوحده من غير حاجة إلى غيره من العناصر والمعطيات.
التعري، في جملة، سلوك داعر ممجوج، ومظهر فاحش منكور.
يا هذه، وسيرا على منطقك، هل يمكنك أن تتصوري ذاتا منقسمة إلى شطرين اثنين ليس بينها اتصال ولا تبادل مشاعر وانفعالات، شطر أول مخصوص للتذوق الفني، مستغرق في تأمل الجسد العاري، وتموجات حركاته، وجمالية لغته، لا يهمه غير الجمال المحض، وإن كان المضمون فاسدا، وشطر ثان منشغل بالدين وأخلاقه وآدابه، مهتم بفضائل الإحسان في الدنيا وهموم المصير في الآخرة؟
بتعبير آخر، هل يمكنك أن تأتيني ببشر من الناس الحقيقيين، وليس الافتراضيين، يمكن أن يكونوا على الشكل الذي وصفته، ذواتُهم منقسمة شطرين لا تواصلَ بينهما مطلقا؟
فإن أمكنك أن تجيبي عن سؤالي بنعم، فأنا مُعترف لك بأن المرء المسلم يمكنه أن يستمتع بالجسد المتعري أمام العموم من غير أن يحس بأدنى حرج، لأن دينه، في لحظة الاستمتاع، يكون غائبا، فلا يمكنه أن يتدخل، ولا أن ينصح، ولا أن يعترض، ولا أن ينتقد ويرفض!!
الإنسانُ، كل إنسان، ومنذ كان الإنسان، ذاتٌ واحدة لا تتجزأ، وكيانٌ نفساني عاطفي متكامل ومعقد لا مكان فيه للانفصال والانقطاع والاستقلال، إلا في حالات المرض أو المسخ والاختلال الخارج عن الطبيعة.
فالأخلاقُ، عند من له أخلاق، لا يمكن أن تتخلف، مهما كان الموقف السلوكي، ومن ثم فهي حاضرة بأثرها، سلبا أم إيجابا، في تقويم المواقف والاختيارات، وتمحيص العواطف والانفعالات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.