يعرف المغرب انتخابات هامة في تاريخه السياسي خلال هذه السنة 2021، لتعزيز مساره الديمقراطي ومواصلة الإصلاحات التي دشنت منذ العهد الجديد ولا سيما بعد دستور 2011 الذي جاء في سياق الربيع الدمقراطي المغربي والآمال التي علقت عليه. وتتميز الانتخابات بعدة خصوصيات، منها جائحة كورونا وما خلفته من مآس صحية واجتماعية واقتصادية دوليا ووطنيا، وكذلك ما أبان عنه المغاربة من تلاحم وتضامن ومجهودات اجتماعية وصحية لتجاوز مواجهة آثار الجائحة وملحمة التلقيح شاهدة على هذا النجاح حيث يحتل المغرب الرتبة الأولى من حيث عدد الملقحين الذي تجاوز 3 مليون مواطن استفاد من التلقيح. كما أنه لأول مرة تنظم انتخابات برلمانية وجهوية وجماعية ومهنية في السنة نفسها لإفراز حكومة جديدة وتجديد مجلس البرلمان والجماعات الترابية. تجرى هذه الانتخابات ونحن على مشارف نهاية عقد من زمن ما بعد حراك 20 فبراير بإيجابياته وسلبياته، وقيادة الحكومتين من طرف حزب ذي مرجعية إسلامية لأول مرة في تاريخ المغرب والعالم العربي. حكومتا العدالة والتنمية حققتا إنجازات هامة تجلت في تنزيل الدستور والإشراف على البناء المؤسساتي للديمقراطية ووضع وإنجاز أوراش كبرى لإصلاحات اقتصادية (البنية التحتية مناخ الأعمال تعزيز الاستثمار العمومي دعم الاستثمار الخاص...) واجتماعية (تعزيز الجماعة الاجتماعية بأكثر من 100 برنامج المطلقات الأرامل المعاقين الطلبة...). غير أنه إذا كان جوهر هذه المرحلة هو ضمان الاستقرار المجتمعي وتجاوز هزات الريع والقيام بإصلاحات مؤسساتية وديمقراطية، فإن هذه العشرية عرفت استمرار الاحتلالات الهيكلية في الدولة والمجتمع. استمرار نمط الفساد والريع والتحكم في المشهد السياسي محدودية الإصلاحات في قطاعات التعليم والصحة والشغل والعدل. إذ بدأ الشارع وقطاع واسع من المغاربة يعيد طرح نفس الأسئلة والشعارات التي طرحت في 20 فبراير 2011. أعتقد أن المغرب في الحاجة لدورة جديدة من الإصلاحات والأوراش السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 1 الإصلاح بدون المشاركة والثقة في المؤسسات على الرغم من كل الإصلاحات التي حققتها بلادنا في مختلف الميادين إلا أنها لم تنعكس على مؤشر الثقة في المؤسسات وبخاصة المؤسسات التمثيلية (الحكومة البرلمان الجماعات)، فمختلف الاستطلاعات تؤكد ذلك بحيث أينما وجدت السياسة والأحزاب انخفضت الثقة، ويطول شرح أسباب ذلك التاريخية والسياسية. والمفارقة أن انخفاض الثقة يوازيه الطلب الواسع على المشاركة في القرار العمومي والشأن العام من طرف المجتمع نتيجة التحولات الديمقراطية (هرم شبابي التعليم الإعلام الإنترنت وسائط التواصل الاجتماعي). لذلك مهما أنجز المغرب من إصلاحات ستظل أزمة الثقة وارتفاع أسباب الرفض والراديكالية. 2 انفراج حقوقي مدخل لنجاح استحقاقات 2021 احتل المغرب في تقرير مراسلون بدون حدود الصادر أخيرا المرتبة 133 عالميا على مستوى حرية الصحافة بسبب عدد من الاختلالات والمحاكمات خاصة لعدد من الصحافيين. كما أن محاكمات معتقلي الحركات الاجتماعية (الريف جرادة...) خلفت جروحا اجتماعية وسياسية، فبالرغم من الحكمة الملكية بالتعويض عن عدد واسع من هؤلاء المعتقلين، فإن رهان الإنصاف والمصالحة وتجديده ما زال مطلبا ملحا في هذه السنة وأيضا تعزيز مسار حقوق الإنسان والحريات العامة المكرسة دستوريا. 3 تعزيز استقلالية الأحزاب والحكومة والمؤسسات المنتجة عرفت انتخابات 2016 مجزرة حقيقية للديمقراطية من خلال الذوبان السياسي لحزب أنشئ على عجل وأريد له أن يتصدر المشهد السياسي وتم توظيف مختلف الآليات المشروعة وغير المشروعة لذلك. كما تمت إعاقة تشكيل الأستاذ عبد الإله بنكيران الفائز رفقة حزبه بالانتخابات، الأمر الذي خلق جروحا ديمقراطية ببلادنا. كما أنه رغم الإصلاح الدستوري ل2011 والتوجه نحو ملكية البرلمان من خلال تعزيز مكانة البرلمان والحكومة، إلا أن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران صرح بكون هذه الأخيرة ما زالت على "قد الحال" وغائبة عن ملفات واسعة في تدبير القرار العمومي. الأمر نفسه على مستوى وضعية البرلمان والجماعات الترابية التي عاشت تدخلات من طرف بعض رجال السلطة للتحكم في أدائها واختصاصاتها بل وعرقلة مشاريعها المبرمجة، الأمر وصل في جوانب كثيرة إلى القضاء الإداري. وهو الأمر الذي يجب أن تتجاوزه بلادنا من خلال القطع من أساليب الماضي والعمل على ضمان استقلالية الأحزاب ونخبها والتحكم في المشهد السياسي ومخرجات العمليات الانتخابية والتسيس الكلي للحكومة المنتخبة. 4 تعزيز المكانة الجهوية واللامركزية وإنشاء وزارة للجماعات الترابية نص الدستور المغربي لسنة 2011 على أن تنظيم المملكة لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة، وارتكاز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر والتعاون والتضامن. كما نص على أن الولاة والعمال يعملون على تأمين تطبيق القانون وممارسة المراقبة الإدارية ومساعدتهم لرؤساء الجماعات الترابية. غير أنه وعلى الرغم من الإصلاحات الهامة التي عرفتها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية (مجالس الجهات والعمالات الجماعات)، وصدور ميثاق اللاتمركز الإداري والرفع من الموارد المالية للجهات بمقتضى قوانين المالية غير أن حضورها السياسي والتنموي لا يزال محدودا لاعتبارات التنافس بين المنتخبين والمعينين ولا سيما رجال السلطة، وضعف النخب السياسية المنتخبة، والبيروقراطية المفرطة في اتحاذ القرار داخل هذه الجماعات الترابية والحاجة إلى التأشيرة في كل القرارات الإدارية والمالية، على الرغم من النص الدستوري على مبدأ التدبير الحر، وهامشية الموارد المالية حيث لا تشكل سوى %3.6 من الناتج الداخلي الخام بحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول مالية الجماعات الترابية. وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على ثقة المواطنين في هذه الجماعات ومخرجات الانتخابات وعدم قدرتها على القيام بتنمية محلية وترابية حقيقية، إذ يظل الفرق شاسعا بين الانتظارات والمخرجات التنموية. الأمر الذي نرى معه أن المغرب في حاجة لمرحلة إصلاحية جديدة على المستوى الترابي، في ظل جهوية متقدمة والحاجة ماسة لوزارة الجهوية المتقدمة والجماعات الترابية، لمزيد من ضمان استقلاليتها وتعزيز مكانتها في المشهد المؤسساتي والرفع من مصادر تمويلها والحد من البيروقراطية الحادة من التنمية. 5 تعزيز الإصلاحات الاجتماعية ومواجهة أثار كورونا هناك شبه إجماع بالمغرب على أنه تم تحقيق تقدم ملموس في البنيات التحتية (الطرق القناطر المنشآت...)، لكن في المقابل هناك شبه إجماع أيضا على الحاجة لمزيد من تعزيز الإصلاحات الاجتماعية التي ما زالت تعرف خصاصا مهولا رغم المجهودات المبذولة: الصحة، التعليم، الشغل والحماية الاجتماعية، التي على الحكومة المقبلة أن تعمل على التنفيذ في الأجل المضروب في 2025، للثورة الاجتماعية الجديدة المعلن عنها من جلالة الملك في ما يخص الحماية الاجتماعية. إذا تم تحقيق ذلك بإذن الله، سيكون المغرب بالفعل أحدث تحولا تاريخيا في باب حماية المواطن المغربي وستتحسن بلا شك مؤشرات التنمية البشرية لبلادنا على المستوى الدولي. ومن جهة أخرى فإن جائحة كورونا خلفت مآس اقتصادية ومالية خاصة وأن القطاع المهيكل يعتبر السمة الغالبة بالقطاع الاقتصادي الوطني. فقد تراجعت الموارد الجبائية وانخفض رصيد احتياطات المعاشات وتفاقم عجز الميزانية ومعدل المديونية. الأمر الذي يتطلب استراتيجية عمومية لضمان التوازنات المالية واستدامتها وإطلاق الإصلاحات الهيكلية الكفيلة بالإقلاع الاقتصادي ومواكبة الاقتصاد والمقاولة الوطنية. هذه التحديات والصعوبات والإكراهات والإصلاحات المطلوبة والمستعجلة تتطلب إرادة جماعية من طرف الدولة والأحزاب والمجتمع، للعمل على تجاوز التحديات وإنجاز الإصلاحات لتجنب أي هزة اجتماعية محتملة خلال العشرية الحالية، وضمان زيادة المغرب قاريا وعربيا في منطقة مشتعلة ما زالت معالمها ومستقبلها غير واضحين ومفتوحين على كل الاحتمالات. وكذلك جعل مشاركة المواطنين واحترام إرادتهم في طلب الاختيارات المقبلة.