أوعمو: التقدم والاشتراكية قدم نماذج ناجحة للتدبير حاولت ترسيخ آليات الحكامة وتكريس العدالة المجالية أنس الدكالي: طموحنا على المستوى المؤسساتي كبير.. لكن لا يمكن تدبير الجماعات بمنطق الكراسي أكد عبد اللطيف أوعمو، رئيس بلدية تيزنيت ومستشار بالغرفة الثانية للبرلمان، أن حزب التقدم والاشتراكية له من الكفاءات والإمكانات الفكرية ما يمكنه من تطوير وإغناء العلاقة التكاملية بين الديمقراطية التشاركية والتمثيلية لما فيه مصلحة المواطن والمصلحة العامة للبلاد . وقال عبد اللطيف أوعمو، عضو الديوان السياسي للحزب، خلال لقاء مناقشة نظمه فضاء الأطر لحزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء، أول أمس السبت، حول موضوع «أزمة التدبير الجماعي وإشكالية الديمقراطية التمثيلية»، إن حزب التقدم والاشتراكية الذي يسير عددا محدودا من الجماعات استطاع، مع ذلك، تقديم نماذج للتدبير حاولت ترسيخ آليات الحكامة وتكريس العدالة المجالية. وتحدث أوعمو عن الفقر الفكري الذي يشكو منه موضوع الديمقراطية التشاركية، بصفة خاصة، وموضوع الجهوية بالمغرب، بصفة عامة، وعن غياب حوار وطني حقيقي يلامس الجوانب الحقيقية لاعتماد هذا المشروع، من أجل مباشرة الإصلاحات الكبرى وإرساء جهوية متقدمة. فالتركيز على إصلاح الجهة، يقول عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية الذي استعرض المجهودات التي بذلها للنهوض ببلدية تيزنيت، يعتبر «خطأ منهجيا ووهما لن يغير أي شيء مادامت الميزانية المقدمة لكل جهات المملكة لا تتجاوز نسبة 1 في المائة من الميزانية». فهذا المبلغ ورغم أهميته، يقول أوعمو، «لم يحسن ظروف عيش المغاربة ولم يحسن إنتاج الخدمة العمومية في الصحة والتعليم والتشغيل وفي الرواج الاقتصادي، في الوقت الذي يحصد فيه المغرب نتائج خجولة، تضعه في مراتب متأخرة لا توازي إمكانياته». ودعا أوعمو، في مداخلته المعززة بالبيانات والأرقام، إلى «التفكير في إصلاح اللامركزية بدل التمادي في تقديم الوهم للمغاربة» وإصلاح أنماط الانتخابات الجماعية بالشكل الذي «ينتخب فيه الرئيس من طرف المواطنين بشكل مباشر» والعمل على خلق «محاور جهوي للرئيس الجهوي يمثل الدولة»، منتقدا، في هذا السياق، بطء المشاريع المبرمجة على مستوى الجهات لارتباطها بالإدارة المركزية، ومشيرا إلى صعوبة بلورة مشروع جهوي موحد بسبب التباعد الفكري والجغرافي والقبلي لأعضاء المجلس. ولم يخف النقيب عبد اللطيف أوعمو استغرابه من عدم إيلاء موضوع الديمقراطية التشاركية والجهوية الموسعة ما يليق بهما من اهتمام ومتابعة، منتقدا ضياع الوقت الذي تم استهلاكه في التأويل والتردد، وداعيا إلى ربح الوقت والمضي قدما في تبني المشروع مادام المغرب قد قطع أشواطا مهمة في وضع تصورات موضوعية لإرساء نظام يرتكز بالأساس على جهوية موسعة. الأستاذ أوعمو رئيس بلدية تزنيت وعضو مجلس جهة سوس ماسة درعة، أرجع ثقته في بلوغ مستقبل واعد للديمقراطية التشاركية في المغرب، إلى دعائم متعددة، لكنه نبه إلى ضرورة اجتثاث العديد من المظاهر التي تحول دون بلوغ تسيير ديمقراطي تشاركي. وفي هذا الصدد٬ قال أنس الدكالي الأستاذ الجامعي وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إن «طموحنا على المستوى المؤسساتي كبير.. لكن لا يمكن تدبير الجماعات بمنطق الكراسي ولا يمكننا استساغة عدم بلوغ الهدف من الديمقراطية التشاركية المتمثل في استفادة العنصر البشري، رغم المشوار الذي قطعته هذه الديمقراطية التشاركية». وأبرز الدكالي، النائب البرلماني ومنتخب بمجلس مدينة الرباط، في مداخلة مركزة، خلال هذا اللقاء الذي أطره الأستاذ مالك الكتاني، أهم المحطات التي عرفتها الديمقراطية التشاركية بالمغرب٬ منها على الخصوص القانون المتعلق بالجهات٬ والميثاق الجماعي لسنة 2003، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية٬ والميثاق الجماعي المحين لسنة 2008، ثم الخطاب الملكي ليناير 2010 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية٬ الذي أكد على دور المجتمع المدني وضرورة تفعيل الديمقراطية التشاركية. ولمحاولة رصد أهم العقبات القائمة أمام الديمقراطية التشاركية، رغم هذا المشوار الإعدادي المتميز، يقول أنس الدكالي، من الضروري العودة بالزمن إلى التاريخ وإلى المشهد السياسي في مرحلة سابقة «استندت فيها الدولة على المركزية كأداة قوية في التحكم وتمركز السلطة كمعطى أملته التخوفات التي كانت سائدة آنذاك من تداعيات أمنية أو انزلاقات قد تفرق بدل أن توحد الصفوف». فإشكاليات مفهومي الدولة والأمة، جعلت المشهد والتاريخ المغربي، يوضح المتحدث، يتسمان ويرتكزان على المركزية التي لم تعد مجدية وذات فعالية مع الانفتاح الذي أصبح يعرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فالعولمة، يقول الدكالي، أملت على جميع اقتصاديات الدول «تغييرات جذرية في بنيتها دفعت الدولة إلى تنظيم الحياة الاقتصادية في ظل اقتصاد السوق الذي يعرفه العالم، وبرزت بالتالي الحاجة إلى مقاربة جهوية تجعل من المغرب بلدا يحتضن جميع مناطقه». ويمكن القول، بهذا الصدد، يضيف الدكالي، إن الخطاب الملكي لسادس نونبر 2008 شكل مرحلة حاسمة في تعزيز هذه المقاربة الجهوية من خلال دعوة الحكومة إلى إعداد ميثاق لللاتمركز الذي «يضمن توزيعا حقيقيا للاختصاصات بين الإدارة المركزية والمصالح اللامركزية، بيد أن واقع السياسة الجهوية، منذ إصلاح سنة 1996، لازال لم يأخذ بعين الاعتبار الميكانيزمات الحقيقية لجعل اللاتمركز أكثر شمولية في إعطاء بعد كبير للحكامة الترابية». من هذا المنطلق، يتوجب، بحسب المتحدث، «الإسراع في إعطاء دينامية حقيقية للإصلاح الذي شمل الميثاق الجماعي المصادق عليه سنة 2008 عبر منح صلاحيات واسعة للمؤسسات الجهوية: المجلس الجماعي والإدارة المحلية»، مشددا على أنه لكي تكون تدبيرات هذه المؤسسات في المستوى المطلوب، «يجب تقييم عملها عبر تعزيز آليات الشفافية والمساطر القانونية لكي تصبح اللامركزية أداة تجعل من كل جهة قوة اقتصادية منتجة لا مستهلكة، تعبد الطريق لجهوية موسعة تكون الفاعل القوي لحكامة ترابية متجددة يكون الرابح الأكبر فيها هو العنصر البشري». وفي حديثه عن الديمقراطية الحقيقية التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية في مسطرة أدبياتها، قدم أنس الدكالي العاصمة الإدارية كنموذج للمدينة التي لا يجب، بحسبه، أن تكون فقط «المدينة المحورية في رسم المسار الفكري أو السياسي للمواطن»، بل يجب منح جهات أخرى الفرصة لكي تكون هي الأخرى «أقطابا ومرآة عاكسة لمغرب أكثر ديمقراطية وأكثر فعالية». فكل جهة مغربية، يقول الدكالي، لها خصوصيات «قد تجعل منها قطبا رائدا في المجالات التي تلائمها... فهناك جهات قد تكون قطبا تكنولوجيا عالميا، وجهات أخرى قد تؤسس لنمو فلاحي قوي. فالنظرة الشمولية يجب أن تكون مبنية على رؤية واقعية لخاصيات أي جهة». ولم يخل لقاء فضاء أطر حزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء، بعد مداخلتي عبد اللطيف أوعمو وأنس الدكالي، من نقاش ركز على عدد من القضايا المرتبطة بموضوع الديمقراطية التشاركية وواقع التدبير الذي يظل، بحسب خلاصات هذا اللقاء، «بعيدا عن الطموحات»٬ حيث شددت الأسئلة والملاحظات، بالخصوص على ضرورة ضبط المعجم المتعلق بالديمقراطية التشاركية والحوار٬ وكيفية الاستفادة من التجارب المقارنة٬ والتعمق في بحث ودراسة مقترحات حزب التقدم والاشتراكية وبعض الأحزاب الأخرى وأطراف المجتمع المدني ذات الصلة بهذا الموضوع. وتناولت النقاشات التي كانت تتخللها مداخلات توضيحية وجيزة لعبد اللطيف أوعمو وأنس الدكالي، هذه العلاقة من زوايا المرتكزات والقواعد الدستورية والمفاهيم المرجعية المرتبطة بالمجتمع المدني وبالديمقراطية التشاركية وبالحياة الجمعوية٬ ومبادئ وآليات وتجارب الحوار المجتمعي والتشاور العمومي، محاولة تقييم الخلاصات ومدى تطبيقها على أرض الواقع.