على الرغم مما عرفه مفهوم السياسة، منذ تلمسه لأولى خطواته بمهده اليوناني، وإلى ما انتهى إليه اليوم من حال ومآل أثقلته مساحيق السياسيين تملقا تارة واستعراضا للقوة تارات أخرى، مرورا بكل التعاريف والمدارس التي استفاضت في تطويع المفهوم وفق توجهات أشخاص وسياقات تشكيل تكتلات سياسية. ومع تنامي الحرص على لَي عنق السياسة وإخضاعها لرغبات ونزوات الكائنات الانتخابية، من خلال الاجتهاد في استحداث مفاهيم أخرى ظرفية/موسمية/مرحلية، يتم إلحاقها بمفهوم السياسة حتى تكون -لهذه المفاهيم المستحدثة- شرعية الوجود والتداول، وتحميلها مسؤولية تبرير ما يقع ويحدث من طرف السياسيين وحتى أشباههم. في ظل هذه المتغيرات التي يعيش على وقعها مفهوم السياسة في عموميته، أرى أن مسؤولية الفاعل السياسي تتمثل أساسا في تسليط الضوء على مساحات العتمة في تداول المفهوم وكذا الفاعلين والمفعول بهم فيها. ذلك أن العوالم الخفية للسياسة أكبر وأكثر سلطة من تلك الظاهرة، وما يسمح السياسي لنفسه ومن يوجد تحت "إمرته" القيام به من أمور يجرمها القانون وتنكرها الإنسانية ويحرمها الشرع، ويجد له أكثر من تبرير يعاكس بالكل والمطلق ما يصرح به في خطاباته وتصريحاته وما يردده من شعارات وقيم ومبادئ مُفترى عليها، والثابت أن هذه الازدواجية واحدة من التمظهرات التي تعكسها التعاريف والمفاهيم الملحقة بالسياسية من أنها فن الممكن وأن الغاية تبرر الوسيلة... وإذا أردت تقريب الصورة أكثر بين العوالم الظاهرة والأخرى الخفية للسياسة، وأبرز أكثر الخطورة التي تشكلها على الفرد والمجتمع وبنية Dark الدولة ومؤسساتها، فإنني سأقارن الوجه المظلم للسياسة بال" الويب المظلم.web"- #فكما أن الانترنيت_المظلم هو فضاء كل الجرائم وكل المعاملات الخارجة على القانون، كونه عالما سفليا تباع فيه ذمم الناس وتجار في مآسيهم وأرواحهم بأرخص ثمن، كيف لا ونحن نعلم أنه في المساحات المظلمة تبرز السلوكات المتنافية والأخلاق والقيم والمبادئ المصرح بها علنا، ويصبح لكل شيء ثمن حتى أبشع المعاملات والجرائم. فبنفس البشاعة والانتهازية، تتفاعل الأحداث وتتشابك الخيوط في الانتخابات التي تجسد في وجهها السمج مجموع الأنشطة غير المشروعة مثل: الاتجار في البشر – الرشوة – الاحتيال – الابتزاز – العنف اللفظي والجسدي والتآمر، باعتبارها الوجه البشع للسياسة وفنائها الخلفي والمظلم. وبذات منطق #الويب_المظلم، يسمح الغول الانتخابي لنفسه، تحت مصوغات وتعاريف عدة، بالمتاجرة بضمائر بالبشر وذممهم وحاجتهم وآمالهم وآلامهم أيضا... غول انتخابي لغته الوحيدة هي بكم؟، راميا بكل الشعارات الرنانة في أقرب كيس قمامة، طالقا العنان لوحشيته الأصيلة في شخصيته ومكنوناته ونزواته بكل أنانية وسادية. لكن تبقى المفارقة المؤلمة بين # الدارك_ويب و# الانتخابات، باعتبارها الوجه المظلم للسياسة، هي أنه في الأولى لا يمكنك أن تكتشف بسهولة هوية المتعاملين ولا موقعهم الجغرافي ولا حجم وقدر سيطرتهم على الخيوط ومدى نفاذهم لملفات الحسابات والمعطيات العالية الحساسية، أما في الثانية فيمكنك بقليل تبصر وتتبع ورصد وتحليل من كشف الوجه البشع للسياسي/الانتخابي العَفِن، وتعرية حقيقة البرك الآسنة التي يغرق فيها بقدر كبير من الانتهازية والأنانية وتعمده الخروج الماجن عن القانون وقلب الطاولة على الإطارات الحزبية والمنهجية الديمقراطية متى شكلت عقبة أمام مصالحهم الفردانية...