عبد السلام ياسين يتحدى الإعلام المغربي بعد ثمان سنوات من صمت إعلامي يكسبه مهابة الاتباع وتطلع الفضوليين، طل عبد السلام ياسين على العالم من نافذة قناة "الحوار" اللندنية، بعد أن سدت أمامه قنوات الإعلام الرسمي بالمغرب، ورفضه إجراء حوار مع أي منبر إعلامي محلي أو دولي. الخروج الإعلامي الجديد لمرشد جماعة "العدل والإحسان" ضمن حلقات "مراجعات"، شكل فرصة إشعاع وتعبئة للجماعة بعد سلسلة المضايقات الأمنية، ووجود أنباء عن تدهور صحته، والاستعداد لاختيار خليفة له، وهو ما جعل الجماعة تحرص على تيسير مشاهدة الحلقات عبر موقعها الإلكتروني، وموقع المرشد أيضا لمزيد من التعبئة النفسية والإعلامية. "" وزاد من "توابل" التشويق لمتابعة الحلقات ما أخبرت به يومية "المساء" في الثاني من يوليو الجاري بكون بعض أعضاء الجماعة طلبوا من "عزام التميمي"، مدير قناة الحوار، ترك الشريط المصور للحلقات في عهدتهم؛ خوفاً من مصادرته من طرف السلطات المغربية في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، حيث وعدوه بتسليم الشريط في لندن، وكذلك كان.لكن بعد وصول شريط التسجيل إلى لندن بأمان وإذاعته لمدة شهر، يبقى السؤال ملحا حول أبعاد خروج مرشد جماعة "العدل والإحسان" الإعلامي. تجديد مواقف الجماعة وجاءت الحلقات الأربع لتقدم بوحا صريحا لزعيم إسلامي حول القضايا الدعوية والسياسية بالمغرب وموقف الجماعة منها، سواء من حيث نشأة عبد السلام ياسين وعمله المهني، أو انخراطه في السياسة؛ إذ ذكر عبد السلام ياسين مواقف الجماعة من "الملك العاض"، و"الخلافة على منهاج النبوة"، ونظرته للصوفية. وليست المرة الأولى التي تستضيف قناة الحوار شخصيات إسلامية بارزة في حركة العمل الإسلامي؛ فقد سبق أن أنجزت حلقات ضمن برنامج "مراجعات" للدكتور حسن الترابي، والغنوشي، وعصام العطار، وفتحي يكن، مع وجود أخبار عن تسجيل حلقات مماثلة مع عبد الإله بن كيران، القيادي في حزب العدالة والتنمية. ومن خلال الحلقات الأربع، حاول مدير القناة أن يحرج ضيفه لكشف معطيات وافية حول حياة الشيخ الصوفي، ومدى مراجعاته لأفكاره السابقة، غير أن المتتبع للحلقات يظهر أنها كانت مجرد عرض سيرة رجل من رجالات العمل الإسلامي بالمغرب أكثر منها "مراجعات" لمنهج العمل بعد تجربة أكثر من ثلاثين سنة (1976 تاريخ بداية العمل الحركي بالمغرب). وفي حديثه عن النشأة، أوضح ياسين أصله السلالي إلى قبيلة "أيت بهي" نسبة إلى "عبد الله أوبهي"، أحد خدام الدولة العلوية، ونسبته إلى الأدارسة مما يمنحه لقب "الشريف".وقال إنه "جاء على قدر لأب متقدم في السن وأم بربرية (شلحة)، كانا أميين"، مشيرا إلى مراحل دراسته في الزاوية أو "لحضار" بزاوية محمد المختار السوسي بحي الرميلة، ومسجد ابن يوسف بمراكش، وولوجه مدرسة المعلمين بالرباط، وظروف ترقيه الإداري. وفي محطات أخرى يكشف ياسين تفاصيل مثيرة حول شبابه "العادي"، وكونه كان "رجلا خبزيا" يهتم بتدبير الرغيف اليومي غير آبه بالسياسة، كما كان يحب "موسيقى بيتهوفن"، إلى أن حصل التحول الكبير في حياته و"يقظته القلبية"، وينخرط في سلك التصوف. وحول تحوله إلى الصوفية، التي التحق بها سنة 1965 بالزاوية البودشيشية، أكد ياسين أن "الصوفية ألحقت بها نعوت تربطها بالخرافة، غير أن معناها الحقيقي هو: الزهد في الدنيا، والتوجه إلى الآخرة". لكن بعد وفاة الشيخ الحاج العباس، سيغادر ياسين الزاوية "البودشيشية"؛ لأنها بدأت تفقد روح التصوف مبقية على شكلياته، حسب وجهة نظره. غير أن خصومه في الزاوية البودشيشية يروجون بين أتباعهم أن سبب مغادرته كونه "لم يؤذن له في التربية، كما لم يحترم توقيعه بمبايعة الشيخ حمزة ابن الشيخ عباس، الذي ترك وصية التوريث لابنه". في العلاقة بالمخزن والسياسة وتأتي لحظات الإثارة عندما يتحدث ياسين عن رسالته "الإسلام أو الطوفان"، التي وجهها للراحل الحسن الثاني، الذي ترحم عليه من خالص قلبه، وتأكيده مقولة: "لعن الله ساس ويسوس"، قبل أن يفاجأ المتبع لحلقاته بأنه لا يعترف ب"المُلك العاض"، سواء بالمغرب أو في العالم، متمسكا بالخلافة على منهاج النبوة: "نحن لا نعترف بشرعية الحكم العاض والجبري، وديننا وآخرتنا أحب لنا من كل شيء، ونحن نتمسك بالخلافة على منهج النبوة؛ استنادا إلى الحديث النبوي الذي يحاول البعض ربطه بالخرافة". واعتبر ياسين أن شعار "الله الوطن الملك"، شعار المغرب حاليا، يختزن نوعا من الشرك بإقران الوطن والملك باسم الجلالة، حيث قال: "إن من استغباء الناس والضحك على عقولهم القول إن شعار "الله الوطن الملك" من المقدسات، إننا وقتها نعبد ثالوثا ولا نعبد الله وحده، وهناك من عذب وسجن لأنه مس المقدسات". وفي تعليق على منع السلطات المغربية جريدتين أصدرهما منتصف الثمانينيات (1984) وهما: "الصبح"، و"الخطاب "، يقول ياسين: إن "نظام الحكم حقود وحسود، وأقولها عن دراية ومعاناة". وعلى مستوى العلاقة مع الفاعلين السياسيين، وصف مرشد جماعة العدل والإحسان اليسار المغربي من خلال تجربة الاعتقال في بداية الثمانينيات بأنهم "أنانيون"؛ لأنهم يرمون الطعام في القمامة دون تسليمه للآخرين، ويقول عن هذه المرحلة: "حضرت لأول مرة مجلس اليسار في السجن؛ لأني أردت أن أستمع لما يقولون، كانوا يتحدثون عن كل شيء، إلا الله ورسوله، فتعجبت من ذلك، وكانوا يبعثون إلى ببعض الطعام؛ لأنهم كانوا يحصلون على حاويات الأكل خاصة من جنوب المغرب الذي يملكون فيه أنصارا". وعن طبيعة العلاقة مع إخوانه الإسلاميين، أشار ياسين إلى محاولته توحيد مكونات الصف الإسلامي، مشيدا بدور أحمد الريسوني في ذلك، ليعقد مقابلة بين "الإحسان"، و"التنمية"، و"العدل"، و"العدالة"، مشددا على مبدأ الشورى، أما الديمقراطية في نظره فهي "نظام لاستعباد الناس، بخلاف الشورى"، موضحا أن جماعته أصبحت "دولة وسط المغرب" وفي غيره من البلاد، وهو ما يثير حنق الحاقدين. الدلالات السياسية للخروج الإعلامي وبغض النظر عن احتفاء الإعلام المغربي ومنتديات الإنترنيت بحلقات المراجعات، واقتناصها لبعض الإشارات السياسية والإعلامية التي أطلقها مرشد جماعة العدل والإحسان، يرى رشيد مقتدر، الباحث في شئون الحركة الإسلامية بالمغرب، أن الخروج الإعلامي لعبد السلام ياسين قدم مؤشرا قويا على أن حضور الجماعة ما يزال قويا ومؤثرا، خاصة بعد أن سرق خيار المشاركة السياسية، الذي دشنه حزب العدالة والتنمية (حركة التوحيد والإصلاح ضمنيا). كما أن إشاراته التربوية تحاول تصحيح بعض المنزلقات العقدية للجماعة بعد رؤيا 2006، والتي أساءت إلى الجماعة وأظهرتها بأنها صاحبة مشروع غير واضح يتداخل فيه السياسي بالخرافي، وهو ما استغلته السلطة وخصوم الجماعة أيديولوجيا وسياسيا لتحجيم دورها، والتشكيك في صدق طروحاتها السياسية. وعلى مستوى الخيار السياسي، يتابع مقتدر، أكدت تصريحات شيخ الجماعة استمرار خط الجماعة السياسي الاحتجاجي عن الوضع السياسي والفساد الاجتماعي، مما يبرر نوعا من الثبات في مواقفها السياسية، وأن المسار الانتخابي الجاري لا فائدة منه أمام غياب إصلاحات دستورية حقيقية. وفي السياق نفسه، يرى متتبع لعمل الجماعة -فضل عدم ذكر اسمه- أن الخروج الإعلامي هو إشارة إلى عافية مرشد الجماعة بعد أنباء تداولت مسألة خلافته في زعامة الجماعة، و"رد صريح على مراهنة السلطة في تغيير موقف الجماعة في علاقاتها بالنظام السياسي بالمغرب، وهو أمر غير وارد حاليا إلى حين أن تنضج بعض الأطروحات داخل الحركة، والتي ترى ضرورة المشاركة السياسية، وتيقنها من عدم جدوائية الانعزالية والمظلومية". والرسالة الواضحة من الخروج الإعلامي تؤكد أن العولمة الإعلامية مكنت جماعة العدل والإحسان ومرشدها التربوي من تخطي حدود الجغرافيا لمعانقة الحق في التعبير، بعيدا عن احتكار الإعلام الرسمي لتوجهات أحادية، وهو درس لا شك سيجعل خلايا الإعلام والأمن بالمغرب تنكب لدراسته، وإبداع وسائل جديدة لحصاره. عن إسلام اونلاين.نت