أعلن بيان صادر عن الديوان الملكي، مساء الاثنين 15 أبريل، في رد ،اعتبره المراقبون متسرعا ،عن رفضه "بشكل قاطع"، لكل المبادرات الساعية إلى توسيع مهمة "مينورسو" (البعثة الأممية في الصحراء)، في إشارة إلى مسودة القرار الذي تعده الولاياتالمتحدةالأمريكية لتقديمه أمام مجلس الأمن في 20 أبريل الجاري. وكان من الحكمة حسب نفس الخبراء العارفين بصناعة القرارالسياسي الأمريكي ان يكتفي البيان بما خلص اليه، طبقا للأعراف الدبلوماسية ولتقنية المناورة السياسية، في مبادرة حليف استراتيجي، تحتوي في مضمونها معطيات يمكن استغلالها لاحراج الجزائر التي لن تقبل مراقبة حقوق الانسان بتندوف في ظل التداعيات هناك وتعرية ادعاءات البوليزاريو في موضوع حقوق الانسان. وخلص البيان إلى أنه "في كل الأحوال٬ فإن المملكة المغربية٬ القوية بإجماع كافة مكونات الأمة حول الوحدة الوطنية والوحدة الترابية٬ تظل على ثقة في حكمة أعضاء مجلس الأمن الدولي٬ وقدرتهم على إيجاد الصيغ الملائمة لحماية المسلسل السياسي من أية انحرافات تكون لها انعكاسات وخيمة على استقرار المنطقة". من الغريب أن يفاجأ أحد، لأن الشواهد والمؤشرات لاحتمال تطور الموقف الأمريكي ازاء ملف الصحراء كانت معروفة من زمن طويل.ونبهنا لها في وقتها ، ولسنا الوحيدين ،كتابة في الصحف وفي لقاءاتنا الخاصة مع أطراف نافذة(..)داخل وخارج المغرب. بحكم مهام مكتبي للاستشارات الدبلوماسية، أشارك في ملتقيات تحضرها جمعيات للمجتمع المدني وأحزاب سياسية غربية ، اغلبها تساند أطروحة الجزائر و جبهة البوليزاريو ،واتوصل بتقارير متعددة في الموضوع، وما أثار انتباهي ، هو الغياب الشبه التام لوجهة النظر المغربية ومقاربتها في ملف الصحراء ، سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي أو البرلماني أو على مستوى المجتمع المدني.. النتيجة لا يمكن أن تكون غير سلبية ولصالح الطرح الانفصالي، وفقط سفاراتنا وقنصلياتنا هي التي تتوفر على الخريطة الكاملة للمغرب.خارجها لا يؤمنون سوى بالتصنيف الأممي.هذا ما أكده لي السيد خنفر وضاح مؤسس قناة الجزيرة وغيره في ندوة مشتركة بمعرض الكتاب بالدار البيضاء وليس بالجزائر العاصمة.ولم أتذكر أن أحدا تعرض لهذه التصريح الخطير. وهناك ما هو أخطر.أغلب من يدعون هواية الدبلوماسية الموازية من زعماء أحزاب و برلمانيين وجمعيات المجتمع المدني المغربي يجهلون ثقافة الغرب الديمقراطية وخاصة صناعة القرار السياسي الأمريكي.وليتهم وحدهم من لا يتقنون هذا المعطى الذي أعتبره مفتاح النجاح في العمل الدبلوماسي.بل يشاركهم في "الجهل" خبراء في العلاقات الدولية.والحقيقة أن لا علاقة لهؤلاء "الخبراء" بالدبلوماسية المغربية في ابعادها القومية والافريقية والاسلامية والأوروبية والأمريكية والدولية.. سوى الخير والاحسان. قراءة سريعة لملاحظات بعض هؤلاء "الخبراء" وزعماء الأحزاب المغربية ، على هامش بلاغ الديون الملكي الأخير خير دليل .هم أقرب لتجديد الولاء لقضية وطنية تحظى بالاجماع الوطني دون حاجة للمزايادات السياسية تحت الضغط .وهذه حقيقة لم يعد في مقدور أحد أن يجادل فيها. ماذا عن وزارة الخارجية المغربية؟ لم أكن أريد ان أتذكر هذه المؤسسة و منافسة رأسيها (الوزيرين الاسلامي العثماني والاستقلالي العمراني) .فقد قلت وكتبت ما فيه الكفاية أو هكذا أعتقد. لكنني اجد نفسي مضطراالى الكلام، لأني أخشى من عدة محاذير: 1-اخشى ان يعودا الوزيران الى الثرثرة واظهار العضلات على قادة أمريكا، كما فعلا مع مواطنها السيد كريستوفر روس ، ممثل الامين العام للأمم المتحدة في الصحراء، في مرحلة طلب رحيله غير الموفقة. 2-أن هناك عناصر قد تغريها وضعية المغرب الحرجة لتصفية حسابات قديمة مع المخزن والاستقواء بالخارج 3-اصدار فتوى المجلس العلمي الأعلى المثيرة للجدل ، تُحرّم على المواطنين المغاربة المسلمين حُريّة العقيدة،تعتبر موقفا خطيرا لا يخدم ملف صحرائنا امام المنتظم الدولي في هذه المرحلة الحرجة، فضلا عن كونها انتهاكا لأبسط الحقوق والحريات المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.وهدية بليدة لأعداء وحدتنا الترابية. ماذا نريد؟ بلاغ الديوان الملكي أجاب بصيغة غير معتادة في الأعراف الدبلوماسية عن قلق الجهة الرسمية وقراءتها "المتسرعة"حسب الراقبين لأهداف المبادرة الأمريكية. الآن وقد "قدمت واشنطن رسميا مسودة القرار المقبل لمجلس الأمن حول الصحراء ويتضمن تكليف قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان، وهو ما جعل المغرب يعلن "حالة طوارئ دبلوماسية" في محاولة لاحتواء هذا القرار وتبعاته التي تعتبر ضربة قوية لمصالح المغرب في هذا النزاع" حسب مصادر اعلامية و دبلوماسية متنوعة. ما العمل؟ هناك وجهات نظر أخرى رغم اجتهادات مستشاري الملك ومن حضر على عجل الى الديوان الملكي من زعماء سياسيين لالتقاط صورة الرضى.وكنا نظن انهم فهموا رسالة الربيع العربي وتضحيات حركة 20 شباب فبراير المباركة.والذي حدث ان ازدحامهم وابتساماتهم العريضة لالتقاط الصورة أنساهم خطورة اللحظة وهيبة المكان.وهو أمر يدعو الى الشفقة لما وصل اليه المشهد السياسي المغربي. أسباب موضوعية تدعو لعدم القلق من المبادرة الأمريكية قصة صدام المغرب مع أمريكا في ملف الصحراء طويلة ولا يتسع المجال لرواية تفاصيلها.. الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد أن تتقارب أكثر مع الجزائر والمنتظم الدولي بعد موجة الربيع العربي، ولكن من غير الابتعاد عن المغرب وليس على حسابه بأي حال .وهذا مكسب واتجاه استراتيجي يجب تقويته وتأكيده بأدوات العصر و قراءة رهاناته،قراءة صحيحة،بعيدا عن ضغط المرحلة وصفعة مفاجاءة المبادرة الأمريكية. لنا أوراق كثيرة تتقاطع مع اجندات الرئيس براك أوباما.قد يكون مفيدا استعمالها في مقاربة بمنطق الربح المتبادل، ، بعد قراءة مسودة القرار الأمريكي وخاصة الفقرة المتعلقة بلاجئ مخيمات تندوف بالجزائر.وقد كان البلاغ ذكر الى أن المغرب اتخذ "إجراءات إرادية من أجل النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها على كافة ترابه. وفي هذا الإطار٬ يندرج بصفة خاصة٬ تعزيز استقلالية الآليات الوطنية لحقوق الإنسان وتوسيع انفتاح المغرب على الإجراءات الخاصة للأم المتحدة٬ مستجيبة بذلك لانتظارات المجتمع الدولي٬ وخاصة مجلس الأمن".وهذا مكسب يطرب المغرب ويرعب الجزائر وضيفها الصحراوي المغربي اللاجئ بتندوف. قلق المغرب ،سوف تغطيه مجهوداته في مجال حقوق الانسان، فضلا عن روابطه التاريخية مع أمريكا و المصالح الاقتصادية المشتركة التي تتجاوز تجادبات المشهد السياسي المغربي-الجزائري والتناوبات السياسية في أمريكا وفرنسا، الحليف الاستراتيجي الذي لن يكون من الحكمة ،احراجه بطلب الفيتو المستحيل المنال في موضوع يبقى هامشيا، رغم خطورة تداعياته على مستوى احتجاجات الانفصليين المرتقبة بصحرائنا. ويلزم أن نرفع عما يجري صفتين: أن يكون "صدامنا" مع أمريكا ،صداما دبلوماسيا.ثانيهما، أن يكون صداما مدفوعا اليه ،أو تم لحساب جهات أجنبية(جزائرية بالتحديد).وأغلب التحليلات تدور حول التفسيرين. وتفسير تآمري كهذا، لا يصمد أمام استقلالية القرار الأمريكي. إن الأمريكان، حسب تقارير دبلوماسية ،سيشكلون مفتاحا لحل ملف الصحراء في علاقته مع مستجدات أخطار الارهاب في المنطقة، ومبادرتهم ستكون أكثر من معطى جديد في معادلة قديمة.وسيبقى الأمر في دائرة المفاوضات ولن يتجاوزه الى الاعلان عن قطيعة بين المغرب وأمريكا واطراف الصرع الاقليمية(الجزائر وجبهة البوليزاريو أساسا). لكن الأكيد هو أننا لم نعد أمام استثناءمغربي ومقاربة مفضلة.فالأحداث الحالية تجسد تحولا عميقا في المنطقة وعلى مستوى الأممالمتحدة.وهذه التغييرات هي جارية منذ زمن طويل، لكنها ظلت مغيبة من طرف جهات لها مصلحة في استمرار الصراع المغربي-الجزائري(..). هل ستتمكن هذه الجهات، وخاصة منها المغربية، من التقاط الرسالة والانخراط في دينامية الأممالمتحدة والقوى العالمية ام لا؟وهل ستصبح فاعلا وحاملا لمشروع السلام في المنطقة أم لا؟ ختاما.. أتصور –وهذا أهم اسباب تفاؤلي – وهو تصور غيري من كبار العارفين بأسرار صناعة القرار السياسي الأمريكي ،ان مراكز القرار المغربية وعقلائها، سوف يقولون، لقد التقطنا الرسالة ،وأدركنا مضمونها ،وسوف ننخراط في دينامية الأممالمتحدة والقوى العالمية وسوف نتصرف بما يحمي سيادتنا بدبلوماسية العصر وموازن قواته.. والبداية بمبادرة مغربية هجومية تتبنى التقرير الأمريكي وتوصيته لمراقبة حقوق الانسان بمخيمات تندوف بالجزائر، عبر اتصالات مع دبلوماسيين من روسيا والصين وفرنسا، باعتبارهم يشكلون دول مجموعة أصدقاء الصحراء الدائمي العضوية بمجلس الأمن . * دبلوماسي مغربي سابق [email protected]