حذر الشيخ عبد الباري الزمزمي الداعية الإسلامي وعضو مجلس النواب المغربي، من مخاطر انتشار التشيع في المغرب، ودعا في حديث أجرته معه «الشرق الأوسط» المسؤولين المغاربة، وخاصة العلماء إلى التصدي للمد الشيعي قبل استفحاله. وفند الزمزمي النائب الوحيد المنتمي لحزب «النهضة والفضيلة»، ذي المرجعية الاسلامية، ادعاءات أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، التي تضمنها احد تسجيلاته الصوتية الأخيرة، والتي برر فيه سقوط ضحايا مدنيين في عمليات «القاعدة» بالحكم الشرعي المتعلق بمسألة التترس. ووصف الزمزمي، هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في الولاياتالمتحدة، وغيرها من العمليات التي استهدفت مدنيين في الدارالبيضاء ومدريد ومدن عالمية اخرى، بأنها تشكل ظلما وغدرا لاستهدافها مدنيين آمنين. واعتبر الزمزمي عمليات «القاعدة» في العراق فتنة يتوجب على المسلمين تجنبها لأنها موجهة ضد مسلمين في سياق إذكاء النعرات الطائفية والعصبية. وتناول الزمزمي أيضا تقييمه لتجربته النيابية، ووجهة نظره في مسألة توحيد الحركات الإسلامية في المغرب. وفي ما يلي نص الحوار الذي جرى في الدارالبيضاء. "" برر الظواهري سقوط ضحايا مدنيين في عمليات «القاعدة» بالحكم الشرعي المتعلق بمسألة التترس. ما رأيكم في هذا التبرير، وهل ينطبق ذلك على عمليات «القاعدة» في المغرب؟ هذا حق أريد به باطل. فعمليات «القاعدة» سواء في المغرب أو أميركا أو إسبانيا أو بريطانيا وغيرها من الدول، كلها عمليات موجهة ضد مدنيين آمنين، ولا مجال للحديث فيها عن التترس. التترس شرعا يعني أن هناك معركة بين جيش إسلامي يدافع عن بلد مسلم، وجيش عدو يهاجم ذلك البلد المسلم، فيقوم الجيش العدو باستعمال فئة من المدنيين المسلمين كدرع بشري ليمنع الجيش الإسلامي من ضربه. في هذه الحالة أجاز الفقهاء سقوط ضحايا من تلك الفئة جراء عمليات الجيش الإسلامي، التي تستهدف ضرب جيش العدو، استناداً إلى مبدأ «أخف الضررين». أما في عمليات «القاعدة» فلا ينطبق عليها هذا المبدأ بتاتاً، بما في ذلك الهجوم على برجي (مركز التجارة العالمي) في نيويورك عام 2001. فتلك العمارتان كانتا عبارة عن سوق تجارية يعمل فيها أشخاص من مختلف الجنسيات، ولم تكن هناك قواعد عسكرية ولا تترس. ويقال إن مئات المسلمين سقطوا جراءها. لذلك فإن العمليات التي تقوم بها «القاعدة»، وتستهدف المدنيين الآمنين في أحيائهم السكنية وأسواقهم، تعتبر ظلما وغدرا. وماذا عن عمليات «القاعدة» في العراق؟ الخلل الذي وقعت فيه «القاعدة» هو أنها أشهرت الحرب على العالم كله. فهي تضرب أميركا وأوروبا والبلاد الإسلامية. وهذا انتحار، لأن «القاعدة» مهما كان لديها من قوة فإنها لن تستطيع أبدا أن تواجه العالم بهذه الطريقة. إن القتال الشرعي، هو الذي يكون في أرض المعركة، ويهدف إلى مقاومة جيش الاحتلال في فلسطين أو العراق أو أفغانستان أيضا. أما ما نراه الآن، وبصفة خاصة في العراق، حيث اختلط الحابل بالنابل، وأصبح المسلم يسخر لقتل أخيه المسلم انطلاقا من الطائفية والعصبية، فالسنة يقتلون الشيعة، والشيعة يقتلون السنة، فهذه فتنة. والحكم الشرعي في مثل هذه الحالة هو أن على المسلم أن يجتنب الفتن وأهلها، وألا يساهم في تزكيتها وإشعالها. وفي عمليات «القاعدة» التي تستهدف المدنيين الآمنين، الأمر سيان، سواء تعلق الأمر بمسلمين أو غير مسلمين، فهي تبقى عمليات غير شرعية ومدانة. الفتنة الطائفية لم تعد محصورة في العراق، بل أصبحت تهدد استقرار المنطقة ككل. فما هو وضع المغرب، وهل هو في منأى عنها؟ لا يمكن لأي كان أن يدعي أنه في منأى من التأثر بهذه الفتنة. وبالنسبة للمغرب، نحن نعلم أن هناك الآن انتشاراً للشيعة. والشيعة ينشرون مبادئهم ويسعون لاستقطاب الشباب خاصة. وهنا يجب على المسؤولين أن يحذروا كل الحذر، وكما قال الله سبحانه وتعالى «يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم»، فأخذ الحذر هنا واجب، ويجب استئصال بذرة الفتنة قبل أن تكبر، لأن منبت الفتنة هو تعدد الطائفية، وتعدد الفئات في البلد الواحد. الآن، ينتشر المذهب الشيعي في شمال المغرب، وفي كثير من مناطق البلاد. وتأتي العدوى إلى مدن الشمال بشكل خاص من أوروبا، ومن ثم تنتشر في باقي مدن المغرب. أصبح لدينا في المغرب ممثلون للفئات الشيعية، فمن لبنان لدينا من يمثل حسن نصر الله، ولدينا من يمثل حسين فضل الله. إذن، هذا إنذار بالخطر، وإذا تكاثر الشيعة في المغرب سنعرف نفس ما يعرفه إخواننا في المشرق. ما هو تقديركم لحجم التغلغل الشيعي في المغرب، وما هي الفئات المستهدفة؟ حجمه بالتدقيق ما زال غير معروف، لأن العمل جار في الخفاء وليس في العلن. إنما الظاهر أنه يتغلغل في أوساط الشباب بصفة خاصة، مستغلا قصور تفكيرهم وثقافتهم، وتغلب العاطفة لديهم. فدعاة الشيعة يستغلون لدى الشباب إعجابهم بمواقف إيران وحزب الله السياسية، فيجعلونهم ينساقون للتشيع من دون تفكير، ومن دون حتى مناقشة مبادئ التشيع، متوهمين أن تلك المواقف نابعة من مبادئ الشيعة. حجم الظاهرة في المغرب غير معروف. لكنها بدأت تأخذ في مدن الشمال حجما مقلقا بحكم قربها من أوروبا، حيث تشيع آلاف المغاربة. ولكن إذا كان العدد الآن قليلا، وبقيت لهم الفرص والمجال مفتوحين فإنهم سيتكاثرون في المستقبل، وهذا أمر طبيعي. إذن، أنتم تدعون لاستئصال البذرة قبل أن تنمو؟ أنا لا أقول بمواجهة ذلك بالعنف، بل المواجهة بالفكر والحوار، بمعنى أن يتفرغ العلماء لمحاورة هؤلاء المتشيعين. ليس بالضرورة المحاورة المباشرة، ولكن عبر خطب الجمعة وتنظيم ندوات ومحاضرات. بمعنى أنه يجب أن يكون هناك اكتساح للميدان بكل الوسائل، بما فيها وسائل الإعلام، بدل التزام الصمت. علينا أن نوعي الشباب بضرورة التفريق بين مبدأ الشيعة وبين مواقف الدول السياسية. وضعت الحكومة المغربية أخيراً خطة للتأطير الديني للجالية المغربية بالخارج. هل ترون أن هذه المبادرة مجدية لمواجهة هذه الأخطار؟ المشكلة التي تواجهها مثل هذه المبادرة هي أن المغاربة في الخارج لا يثقون بحكومتهم ومسؤوليهم. فكل ما يأتي من المغرب مرفوض عندهم، حتى الوعاظ الذين تبعثهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى أوروبا في رمضان، لا يحصل لهم إقبال من طرف أفراد الجالية، ويعتبرون أنهم يرومون فقط تلميع صورة المغرب. كما أن الجاليات المغربية بالخارج لديها حرية التصرف، فليس هناك من يتحكم فيها أو يوجهها، لذلك تختار ما يليق بها من ميولات. وما هو السبب في ذلك؟ لأنهم بكل بساطة معجبون بمواقف إيران تجاه أميركا وتحديها لها. وهذا يجعلهم يميلون إلى إيران. نفس الشيء بالنسبة لمواقف حزب الله في لبنان، ومقاومته مدة شهر أو أكثر للجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى التصريحات النارية لحسن نصر الله. كل ذلك يجعل الجالية المغربية بالخارج معجبة بالشيعة، الامر الذي يجعلها تتوهم أن سبب هذه المواقف هو مذهب الشيعة. بيد أنهم بسبب قصور نظرهم لا ينظرون إلى أن الشيعة في العراق يضعون يدهم في يد الأميركيين. إذا كنتم لا ترون جدوى من خطة الحكومة للتأطير الديني للجالية المغربية في أوروبا، فما هو البديل في نظركم؟ أرى أنه يجب أن يتوجه علماء متنورون أكفاء إلى هذه الجاليات، ويجلسوا معها ويحاوروها. هذا هو الاسلوب الذي قد يجدي ويعطي ثماراً ناضجة. أما غير ذلك من تخطيط أو منهاج أو برنامج، فلن يحظى بالقبول لدى الجالية المغربية. وبالتالي يجب على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية أن تهيئ العلماء الأكفاء وتبعثهم ليتابعوا تحركات علماء الشيعة الذين ترسلهم إيران إلى أوروبا ليردوا عليهم، ويفندوا ما يقولون للمغاربة هناك. لكن ما تقوله هو ما يهدف إليه مخطط الحكومة للتأطير الديني للمهاجرين، من خلال تشكيل مجلس علمي موجه للجالية المغربية بالخارج. ويندرج هذا المخطط في إطار سياسة إعادة هيكلة الشأن الديني في المغرب. فما هو رأيكم في هذه السياسة، وهل بدأت تعطي أكلها بعد أربع سنوات من إطلاقها داخل المغرب؟ المشكلة في سياسة تأطير المجال الديني في المغرب تكمن في انعدام الكفاءة وانعدام العلماء الذين يحملون علما شرعيا صحيحا، ولهم ثقافة شرعية كاملة ومتينة. هؤلاء الأكفاء قليلون جدا في المغرب. فالوزارة تعتمد على رجال التعليم الذين تخرجوا من كليات الدراسات الإسلامية وغيرها، فهم الذين يكونون المجالس العلمية التي تعتبر العمود الفقري لهذه السياسة. وهؤلاء لهم قصور شديد في العلوم الشرعية وفي الثقافة الشرعية. لهذا أقول إنه يجب تكوين كفاءات، قبل الحديث عن التأطير أو التغيير أو البرمجة. فإذا كانت هناك كفاءات علمية حقيقية صحيحة، نجد أنفسنا امام المثل القائل «أرسل حكيما ولا توصه». فرجل العلم الذي لديه علم متين يحسن التصرف من دون أن توجهه وزارة الأوقاف، وتقول له افعل ولا تفعل. لهذا نرى أن هذه الخطة لا نلمس لها أثرا. انظر إلى المساجد يوم الجمعة، خطباء المساجد يخطبون ولا يستفيد الجمهور من خطبتهم شيئاً، مع أن الخطبة وسيلة ممتازة لتوعية الشعب، لأن المساجد تكون غاصة يوم الجمعة. ان الخطب التي تقرأ في صلاة الجمعة، لا تعالج قضايا الساعة التي يعيشها المسلمون، مثل قضايا السلفية الجهادية، وقضايا الإرهاب، وغيرها من المشاكل التي يتخبط فيها الشعب. فالخطيب يصعد إلى المنبر فيتكلم إلى الناس من السحاب، يخاطبهم عن قضايا لا تهمهم ولا تعنيهم لا في دينهم ولا في دنياهم. كأنه جاء من التاريخ، وعاد إليه بعد انتهاء صلاة الجمعة. لهذا أقول يجب إعداد الكفاءات، وإعداد العلماء الراشدين الحكماء. هؤلاء هم الذين يمكن أن يصلحوا مجال الأوقاف ويعطوه حيوية، ويعطي ثماره من بعد ذلك. ما هو سبب هذا القصور في الكفاءات في نظرك، وكيف يمكن تداركه؟ التكوين. على كل حال ما زالت بقية في المغرب من العلماء الأكفاء الحكماء، ويجب أن يكلف هؤلاء بتوعية وتكوين جيل من العلماء الراشدين الحكماء الذين يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم في هذا الشأن. انتخبت في سبتمبر (ايلول) الماضي عضوا في مجلس النواب. الآن، بعد نحو 10 أشهر ما هو تقييمك لهذه التجربة؟ بالنسبة لي، عمر التجربة الفعلية في البرلمان قصير. فالدورة الأولى للبرلمان دامت ثلاثة أشهر، وانتهت في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، تلتها مرحلة فراغ وتوقف، تلتها دورة اخرى تشريعية. هذا بالنسبة للبرلمان، أما بالنسبة لي، فإن مشكلتي في البرلمان تكمن في أنني وحيد. فأنا الممثل الوحيد لحزب النهضة والفضيلة. لذلك ليس لدي فريق برلماني. وفي البرلمان لا يمكن للمرء أن يقوم بعمل بارز، إلا إذا كان لديه فريق نيابي او منتميا الى فريق نيابي. حتى العمل في اللجان النيابية لم يكن متاحا لي في الدورة السابقة. فعندما دخلت إلى البرلمان، طلبت الانضمام إلى لجنة الشؤون الخارجية والإسلامية، فلم أتلق جوابا من رئيس مجلس النواب، كما أنني منعت من الكلمة في الجلسة الاستثنائية التي عقدها البرلمان لمناقشة قضية مدينتي سبتة ومليلية، اللتين تحتلهما إسبانيا في شمال المغرب، عندما زارهما ملك إسبانيا. ثم إن عمل البرلمان المنتج هو الذي تقوم به أحزاب الغالبية. الأعضاء المنتمون لأحزاب المعارضة يفوق عددهم المائة، ومع ذلك لا يقدمون شيئا إلا الصراخ والعويل. هذا كل ما تقوم به المعارضة في البرلمان، لأن القرارات والمشاريع كلها تمر بالتصويت، والتصويت دائما يكون لصالح الغالبية. ما هي الفرق التي تعتبرها الأقرب إليك داخل البرلمان، والتي يمكن أن تتحالف معها؟ مسألة التحالف هنا تقوم على ما يمكن تحقيقه، وليس على اساس من هو الأقرب إلي. فالانضمام سيكون بالطبع إلى الفريق الذي يمكن التعامل معه من أجل السعي إلى نتيجة مثمرة وملموسة. هل يقع الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الاسلامية، ضمن هذا النطاق؟ لا، لأن حزب العدالة والتنمية سبق لي أن تقدمت في انتخابات 2002 بطلب الانضمام إليه للترشح باسم الحزب، فاعتذروا وتلكأوا، ولم يكن لديهم استعداد للقبول بي ضمن صفوفهم، وأنا أعرف خلفياتهم، وأعرف ما وراء ذلك. ولهذا لا يمكنني الآن الانضمام إلى فريقهم بعد ان سبق لهم رفض عضويتي في الحزب. إذن ما هو الحزب الذي يمكن أن تتعامل معه؟ ليست لدي الآن فكرة معينة. أين وصل شعار التقريب بين الحركات الإسلامية في المغرب؟ في نظري ان الحركة الإسلامية القائمة في المغرب، والعاملة فعلا هي حركة التوحيد والإصلاح (جماعة قريبة من حزب العدالة والتنمية). فهي حركة كبيرة، ولها مشاريع وبرامج، وتتحرك على الأرض. وهناك أيضاً جماعة العدل والإحسان. غير أن هذه الأخيرة يتعذر عليها أن تتفق مع أية حركة أو جماعة أخرى من الحركات الإسلامية، سواء حركة التوحيد والإصلاح أو غيرها من الحركات، لأن «العدل والإحسان» هي في الواقع زاوية لها شيخ ولها مريدون. والشيخ يريد أن ينضم إليه كل من يعمل في الساحة الإسلامية. ولهذا فإن الشيخ عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان، سبق له في عقد السبعينات من القرن الماضي أن دعا إلى وحدة الجماعات الإسلامية، لكنه في الواقع كان يدعو إلى الوحدة تحت مظلته. لذلك فهو لم يتلق جوابا على هذه الدعوة، لأن الناس لا يمكن أن ينضموا إلى جماعة وإلى مبدأ وإلى مؤسس. الوحدة تكون عبر الدعوة إلى كلمة سواء، إلى التفاوض حول منهج وحول برنامج، هذه دعوة معقولة. أما أن تدعو الناس إلى الانصهار في جماعتك فهذه دعوة مرفوضة أساسا. لهذا لا يمكن لحركة العدل والإحسان أن تتفق أو تتوحد مع أي جهة من الجهات الأخرى، لأنها تريد أن ينضم إليها غيرها من الفئات ومن الحركات الإسلامية. وياسين ليس لديه أي استعداد للوحدة مع أي أحد. وماذا عن باقي الجماعات غير «التوحيد والإصلاح» و«العدل والإحسان»؟ الحركات الأخرى عبارة عن جمعيات أو حلقات لا تكاد تذكر لصغر حجمها ولقلة أفرادها.