في مجتمعنا ، يتعامل "الكبار" مع ماضيهم بشكل غريب ، ويتعاملون مع الحاضر أيضا بشكل غريب . الكبار طبعا هم أولائك الذين وصلوا إلى أواسط العمر ودخلوا في مرحلة الكهولة. "" هؤلاء عندما تسأل أحدهم كيف كانت أخلاق الشباب في عصره يجيبك بكل افتخار أن الشباب وقتذاك كانوا مربيين مزيان وكايحشمو . وإذا سألته عن رأيه في شباب اليوم يجيبك بشكل أوتوماتيكي أنهم فاسدون ، ويفتقرون إلى الأخلاق الحميدة التي كانت تتمتع بها الأجيال السابقة.
الكثيرون لا يريدون أن يعترفوا بأن العالم يتطور بسرعة هائلة ، ويريدون أن يكون جيل اليوم وجيل الغد والجيل الذي سيليهما نسخة طبق الأصل لجيل الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي . كل الذين يفكرون بهذا المنطق المعوج عليهم أن يغيروا عقلياتهم حتى تنسجم مع روح القرن الواحد والعشرين ، وإلا غادي يبقاو عايشين خارج التاريخ المعاصر!
طبعا يجب علينا أن نتفق على أنه لا بد أن تكون هناك اختلافات بين جيل وآخر ، ولا بد أن يكون هناك صراع بين الأجيال ، ولكن أن يصل الأمر إلى حد المطالبة بأن يكون جيل اليوم فوطوكوبي ديال جيل الخمسينات من القرن العشرين ، الذي لا يشاهد التلفزيون ولا يستمع إلى الإذاعة إلا في مناسبات نادرة ، فهذا هو الحمق بعينه!
"الكبار" يصفون شباب اليوم بمنعدمي الأخلاق ، لأنهم يرتدون ملابس غير محتشمة ، ويربطون علاقات مفتوحة على كل شيء بين الجنسين ، ويشاهدون أفلام الخلاعة على القنوات الفضائية ومواقع ألإنترنت ، ويدخنون السجائر المحشوة بالحشيش ويتعاطون المخدرات بكل أشكالها وأنواعها . هادشي كاين فعلا .
ولكن حتى لو افترضنا أن الشباب المغربي اليوم على هذه الدرجة من السوء والفساد ، ولم يعد هناك ولو شاب أو شابة صالحة" ، فمن المسؤول عن ذلك أيها "الكبار"؟
أنتم بطبيعة الحال هم المسؤولون . فهؤلاء الشباب لم يسقطوا من السماء ، ولم يقطر بهم السقف ، ولم ينبتوا من الأرض ، بل جاؤوا إلى الحياة بسببكم ، وما ترونه اليوم من انحلال وفساد أخلاقي وكل الأشياء الأخرى التي تثير حنقكم أنتم مسؤولون عنها بالدرجة الأولى ، لأنكم أهملتم هؤلاء الشباب عندما كانوا أطفالا صغارا ، وما زلتم تهملونهم إلى اليوم ، وعوض أن تهتموا بهم تفضلون الجلوس على أرصفة المقاهي وتضييع الوقت في الثرثرة والنميمة وتتبع الغادين والرائحين على الطريق .
إذا كانت أخلاق شباب اليوم فاسدة إذن كما تزعمون أيها "الكبار" ، فلا تلوموا هؤلاء الشباب ، ولكن لوموا أنفسكم ، فأنتم أولى باللوم والتوبيخ .
ثم إن هناك مسألة أخرى لا يجب أن ننساها ، وهي أن "الكبار" عندنا بمجرد أن يتجاوز عمر أحدهم خمسين عاما "كايدير عقلو" ، ويتحول إلى "رجل صالح" معصوم من الخطأ ، ولا يريد الاعتراف بكل المصائب والزلات التي اقترفها في مرحلة شبابه . وحتى إذا كان الجيل الأول لا يرتكب فظاعات أخلاقية مثل التي يرتكبها شباب اليوم ، فليس لأنهم يتمتعون بأخلاق حميدة ، غير ما عطاتهومش الوقت وصافي . فالزمن الذي عاشوا فيه هو الذي فرض عليهم ذلك ، على اعتبار أنهم لم يكونوا يشاهدون التلفزيون ، ولا يعرفون ما هو الانترنت ، والعلاقة بين الجنسين في ذلك الزمن البعيد لم تكن مفتوحة بالشكل الذي توجد عليه الآن . لو كانت كل هذه الأشياء متوفرة لهم لفعلوا ما لا يفعله شباب اليوم ! يالله ، بغيتو غير الزكير هاهو!
وهذا طبعا لا يدل على أن هؤلاء "الكبار" الذين ينددون بفساد أخلاق شباب اليوم يتمتعون هم بأخلاق حميدة حتى بعد قطعهم للشوط الأول من أعمارهم . فمنهم من ما زال يمارس الجنس أو الزنا ، باش نكونوا واضحين مزيان ، مع فتيات في عمر حفيداته ، ومنهم حتى من يتجرأ على هتك عرض الأطفال الصغار . وأعرف واحدا عمره في بداية السبعينات ، ترك زوجته وأبناءه في الخارج حيث كان يقيم كمهاجر ، وهو الآن يعيش هنا في المغرب داخل شقته رفقة "خادمة" يفتخر بأنها تسهر على خدمته بالليل والنهار! الخدمة ديال النهار راها باينة بطبيعة الحال ، والخدمة ديال الليل راكم كاتعرفوها كاملين!
واحد آخر من هؤلاء "الكبار" ، وهو في الخمسينات من العمر ، لا يعجبه العجب ولا الصوم في رجب . الشغب الذي يمارسه الأطفال في الزقاق يثير أعصابه ، واللباس القصير الذي ترتديه الفتيات يجعله يصف ما يحدث بواحدة من علامات الساعة . وقبل أيام علمت أنه حصل على قرصين مدمجين يحتويان على ... أفلام خليعة ! قد تكون قدرته الجنسية تأثرت كثيرا بفضل سنوات العمر الطويلة ، لذلك أراد أن يزيد من قوتها بمشاهدة تلك الأفلام حتى تظل حياته الحميمية مع زوجته مستمرة ، وهذا من حقه طبعا ، لكن ليس من حقه أبدا أن يصف لباس الفتيات القصير بواحدة من علامات الساعة ، وهو يشاهد أفلام الخلاعة . مشاهدة هذه الأفلام من طرف رجل في الخمسينات من العمر هي اللي واحد من علامات الساعة ديال بصح!
لا أحب أن أتحدث عن الحياة الخاصة للآخرين ، لكني في المقابل أرفض أن أصمت عن الحق ، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام .
إذا كانت أخلاق جيل اليوم فاسدة ومنحلة ، فهذا لا يعني أبدا أن أخلاق جيل الأمس كانت حميدة . وإذا كان العالم يتطور اليوم بهذه السرعة المذهلة فعلى "الكبار" أن يضاعفوا من اهتمامهم بالصغار والشباب ، فالمسؤولية الأولى والأخيرة على رقابهم تقع ، إذا كانت أخلاقهم حميدة فهم المسؤولون ، وإذا كانت منحلة وفاسدة فهم المسؤولون أيضا . وعليهم أن يضعوا دوما في أذهانهم حديث الرسول عليه الصلاة والسلام حيث يقول : كلكم راع ، وكل راع مسؤول عن رعيته.
فالمشكل ليس في سراويل الدجينز ، ولا يكمن في الموسيقى والتلفزيون والانترنت ، ولكن يكمن في انعدام من يربي هؤلاء الشباب على أن لا يفعلوا أشياء مخلة بالأخلاق بالموازاة مع الرقص والغناء.
إذن كفى من توجيه أصابع الاتهام واللوم إلى الشباب أيها "الكبار" ، وعوض أن تفعلوا ذلك يجذر بكم أن توجهوها إلى صدوركم ، فهذا هو المكان المناسب الذي يجب أن توجه إليه.