ننشر أشغال الندوة التي نشرتها مجلة نيشان والتي شارك فيها : "" عن الإسلاميين محمد الخلفي - باحث ورئيس تحرير جريدة "التجديد" عمر احرشان - باحث وعضو قيادي في جماعة "العدل والإحسان" عن العلمانيين أحمد عصيد – باحث نور الدين الزاهي - باحث وسيرها محمد ضريف – باحث متخصص في شؤون الإسلاميين نص الندوة "العلمانية تعني الإلحاد". هكذا تحدث أستاذ مادة التربية الإسلامية في إحدى ثانويات أجمل بلد في العالم. "العلمانية تعني إلغاء الدين من حياة الأفراد والتعامل بالعقل والعلم فقط"، هذا ما قاله شاب متعلم ومثقف لأحد أصدقائه... مثل هذه الأفكار -المغلوطة- وغيرها كثيرة في مجتمعنا. فمن جهة، يعتقد الإسلاميون بأن العلمانية غير صالحة للمغرب ولا للمغاربة وأن الإسلام هو حل شمولي يجمع بين الخاص والعام؛ ومن جهة ثانية، يعتقد الحداثيون والعلمانيون أن الدين شأن خاص وأن فصله عن السياسة والحياة العامة واحترام الاختلاف وحرية الأفراد، كل هذه أمور ستمكن المغرب من السير إلى الأمام بشكل أفضل. بإنجاز هذا الملف، لم نكن نهدف في "نيشان" إلى الاكتفاء بتفسير المفهوم بقدر ما اخترنا تحديد المواقف بين جبهتين لكل منها تصورها الخاص عن كيفية تسيير الشأن العام في المغرب. عند إنجاز هذه المواجهة، وقفنا على نقط الاختلاف الكثيرة التي تفرق بين الفريقين، وذلك نابع من تصور كلاهما لما يجب أن يكون عليه المجتمع. لكن، وخلافا لما كان متوقعا، فقد كشف النقاش كذلك عن نقاط مشتركة عديدة. "نيشان" تنقل نتيجة اللقاء... ولكم الحُكم الأخير. المحور الأول : علاش كنهضرو بعدا؟ شنو كتعني العلمانية بالضبط؟ هل تقتضي إقصاء الدين نهائيا من حياة الأفراد؟ هل هي صالحة فقط للغرب أم يمكن تطبيقها في المغرب؟ ضريف: ما هي العلمانية بالنسبة إليكم وهل هي منافية للإسلام؟ عصيد: العلمانية مفهوم يعتبر أنه من الممكن تدبير شؤون المجتمع بالعقل البشري المستقل، في مقابل من كان يرى أنه لا بد من وجود مرجعية سماوية أو دينية. في الفكر الإسلامي مثلا نجد من يتحدث عن السياسة الشرعية، أي تدبير شؤون الدولة انطلاقا من المرجعية الدينية؛ والسياسة العقلية عند عدد من الفلاسفة كالفارابي وابن رشد وآخرون. هؤلاء اعتبروا أنه من الممكن تدبير شؤون السياسة بالعقل المستقل، على أساس أن يكون هناك حكماء يسيرون شؤون الإنسان انطلاقا من قدرتهم على التفكير المنطقي والبرهان السليم. كخلاصة، العلمانية بالمفهوم المتداول اليوم هي تدبير شؤون الدولة والمجتمع انطلاقا من ثقافة الإنسان التي هي ثقافة أرضية واعتبار الدين والإيمان موضوعا شخصيا. بتعبير آخر، اتخاذ موقف محايد من الإيمان الديني وعدم اعتبار الدين من آليات ممارسة الحكم وتدبير شؤون تدبير المؤسسات. في نفس الوقت، العلمانية لا تقصي الدين من حياة الأفراد طالما يظل في المجال الخاص. احرشان: يتعلق الأمر بالعَلمانية نسبة إلى العالم، ماشي العِلمانية نسبة إلى العلم. وهو مفهوم نشأ في سياق فكري سياسي واجتماعي خاص، لم يقع عليه الاتفاق بعد إلا في كلياته، مما يجعلنا أمام عَلمانيات متعددة: علمانية جزئية تُبعد الدين عن المجال السياسي الضيق، لكنها مستعدة أن تتعايش معه في باقي المجالات المجتمعية الأخرى؛ وعلمانية شاملة متطرفة هي أقرب إلى اللادينية. لكن ينبغي أن نتفق على أنه من رحم العلمانية خرجت الفاشية والنازية؛ وينبغي أن نتفق أيضا أن العلمانية تتحالف أحيانا مع الاستبداد كما في تونس أو مع العسكر كما في تركيا. بالرجوع إلى السياق على المستوى التاريخي والسياسي والفكري لنشأة مفهوم العلمانية، سنلاحظ أنه ارتبط ببيئة مختلفة عن بيئتنا، فطبيعة الدين المسيحي بعد التحريف جعلت المسيحيين المتدينين أنفسهم يعتبرونه عقيدة ماشي شريعة. وهذا عكس ما نحن عليه في الإسلام؛ فهو دين شامل يشمل المجال الفردي والمجال المجتمعي؛ والأحاديث النبوية واضحة في هذا المجال: "الدين النصيحة"، "الدين المعاملة"... المفهوم نشأ إذن في سياق المعاناة من تحالف الكنيسة مع أنظمة الحكم المستبدة آنذاك. أما في النظام الإسلامي، وعلى مر التاريخ، فلم يتبع العلماء الحكام. لذلك، فالخلاصة التي أصل إليها هي أنه يصعب أن تستوعب العلمانية الإسلام ويصعب أن يستوعب الإسلام العلمانية. عندما نتحدث عن نماذج تطبيقية، ويقول البعض إنه يتخوف من إسلام الطالبان أو السعودية، أنا أقول إني أيضا أتخوف منها، تماما كما أتخوف من العلمانية التي تقيم الدنيا بسبب تلميذة وضعت الحجاب. يمكنني مثلا القول إني أفضل العيش في ألمانيا على الطالبان لأنه يإمكاني تأسيس حزب إسلامي في ألمانيا وليس بإمكاني ذلك في دولة الطالبان. في نفس الوقت، أمثلة دول الطالبان وغيرها التي يخاف منها العلمانيون لا تشكل إلا استثناءات شاذة مقارنة مع الإسلام الصحيح المعتدل. الزاهي: نحن نتحدث عن العلمانية كحدث تاريخي، وبالتالي فمن الطبيعي أن نتحدث عن علمانيات مختلفة لأن هناك سياقات سياسية واجتماعية وتاريخية مختلفة. ولكن لننحصر في التصور: العلمانية هي تصور لكيفية تدبير الشأن السياسي والمدني. لهذا التصور 3 أعمدة أساسية وهي: العقل والعقلانية المؤسساتية كمرجعية؛ الشأن السياسي هو شأن إنساني محض (وبالتالي لا يمكن للشأن السياسي أن يرتكز على مرجعية دينية)؛ والعِلم باعتباره تصورا للعلاقة مع العالم، وهي علاقة تدرك عقليا وتجريبيا وليس لاهوتيا أو ميتافيزيقيا أو أسطوريا. كما أن العلمانية ليست تجربة غربية فقط، لأنها وُجدت في العالم العربي، بغض النظر عن نجاحها أو فشلها فيه. لماذا نفكر باستمرار في الإلحاد، كلما تطرقنا في مجتمعنا للعلمانية؟ لأن المفكرين العرب الذين ناقشوا العلمانية جعلوا منها ذاكرة مغلوطة للمفهوم في حد ذاته؛ بعد ذلك، أصبحت العلمانية تُترجم باللادينية. وهذان مصطلحان نوقشا في الفكر العربي المعاصر وظلا مستمرين حتى بداية القرن العشرين. ثم، إذا كانت هناك علمانيات، هناك أيضا إسلامات متعددة. إسلام تركيا ماشي هو إسلام الطالبان ماشي هو إسلام المغاربة... الخلفي: يجب أن نميز أن الإسلام دين والعلمانية فكر. هناك فرق بين المستويين: الإسلام كدين يجيب عن أسئلة متعددة؛ أما العلمانية كفكر فهي تجيب عن سؤالين فقط: تدبير المجال العام والعلاقة بين المجالين الخاص والعام على أن يبقى الدين في المجال الخاص. أعتقد أن الإشكالية أعمق. نحن نفترض تعارضا بين العقل والدين. قد يكون هذا صحيحا بدرجة ما اتجاه تصورات دينية سادت في مرحلة تاريخية داخل أوربا، تورط فيها بعض رجال الكنيسة في مواجهة العقل. أي أن هذا الافتراض ارتبط بسياق تاريخي معين لا يمكن نفيه ولا يمكن تعميمه. لكنه لا ينطبق على المجتمعات الإسلامية. لا يمكن تعميم افتراض التعارض المطلق بين العقل والدين حتى نقول بأنه إما أن نختار المرجعية العقلانية أو المرجعية الدينية. كما أن التجربة التاريخية النبوية تقدم جوابا واضحا في هذا الأمر: التمييز بين المجال الديني التعبدي والمجال السياسي، بحيث أن ما صدر عن الرسول كرسول يُؤخذ به، وما صدر عنه كرئيس يُناقش. لدي رسالة للإخوة العلمانيين: يجب أن نفكر في العلمانية كجواب قدمه العقل البشري في مرحلة معينة في الغرب بالأساس، لتدبير العلاقة بين المجال الخاص والعام؛ هذا الجواب يعاني الآن من مأزق: ليس فقط عندنا، بل في الغرب كذلك. لا يجب أن نعتبر العلمانية كمقدس جديد. الدولة الإسلامية بطبيعتها ليست دولة تيوقراطية، دينية، بل هي دولة مدنية، وهناك مثال "وثيقة الصحيفة" التي أنجزها الرسول حين وصل إلى المدينة، وهي وثيقة تنظم العلاقات بين المسلمين والمشركين واليهود في المدينة. العلاقة التي كانت تربط هؤلاء كانت علاقة مدنية والدولة المدنية ترتكز على الاعتراف بالحق لكل المكونات في دينها الخاص. المحور الثاني: الدين والسياسة: أين الفصل؟ هل يحتاج المغرب إلى إمارة المؤمنين؟ ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في تسيير الشأن الديني؟ الإسلاميون بين السياسة والدعوة، أين توجد الحدود؟ ضريف: هل العلمانية احتواء للدين أم إقصاء له؟ هل نحن بصدد مناقشة فصل الدين والدولة أم الدين والسياسة؟ وهل يمكن الفصل بين العلمانية والديمقراطية؟ هل يمكن أن نتصور تجربة ديمقراطية غير مستندة إلى خيار العلمانية؟ عصيد: منذ مرحلة الاستقلال، استعملت السلطة في المغرب الدين على عدة مستويات، حيث استلهمت منه الشرعية التاريخية عبر مفهوم "الشرافة" والارتباط بالأدارسة من ناحية، واستعملته كآلية في الممارسة المباشرة للسلطة عبر الفصل 19 من الدستور الذي يتحدث عن إمارة المؤمنين. في العمق، إمارة المؤمنين ليست مؤسسة دينية، وإنما هي آلية تعطي صلاحيات مطلقة للحاكم لكي يكون بديلا للجميع. هناك فرقاء في الساحة (يساريون، إسلاميون، علمانيون...)، لكل منهم مشروع دولة أو تصور حول نمط الحكم الأمثل؛ لكن هؤلاء الفرقاء يتطاحنون فيما بينهم فتصبح السلطة بفضل إمارة المؤمنين هي البديل. حدث هذا مثلا في صراع إدماج المرأة في التنمية. حكومة اليساريين اقترحت خطة عارضها الإسلاميون. لم يكن هناك سبيل للتفاهم بين الفريقين، فشكل الملك لجنة ملكية، وأحدث التعديلات التي كان عدد من الإسلاميين يرفضونها. وهكذا، كسب النظام الملكي شرعية على حساب المتطاحنين في الساحة. هذا معناه أن الملكية تلعب دورا إيجابيا نسبيا في هذه الظرفية؛ لكنها رسخت الحكم المطلق وأحدثت مشكلة خطيرة؛ وهو أن القرارات الفوقية لا تغير الذهنية. وهكذا، أصبح لدينا نوع من المقاومة من طرف المجتمع الذي تسود فيه ذهنية متخلفة، لقرارات ديمقراطية اتخذتها الملكية في ظرفية معينة. أتفق شخصيا على دور ظرفي للملكية بسبب عدم تفاهم التيارات الموجودة في المجتمع وعدم قبولها لمبادئ الحوار الحضاري وتفضيلها للتطاحن عوض البحث عن ما هو مشترك. إذا كنت أقبل بأن الملكية هنا تلعب دورا إيجابيا نسبيا، فإنني لا أقبل اللعبة في مجملها لأنها من أكبر العوائق نحو الاستمرار في البناء الديمقراطي بشكل صحيح. من جهة، يقدم تيار من الإسلاميين أنفسهم على أنهم حماة للملكية التقليدية ولإمارة المؤمنين ضد اليساريين أو العلمانيين والسلطة تستعملهم بهذا الشكل؛ ومن جهة أخرى، يتشبث العلمانيون بالملكية التقليدية لأنها تحتكر الدين وتمنع الإسلاميين من احتكاره، وهذا أخف الضرر. كل هذا جعل الحياة السياسية المغربية حقيرة بفاعلين باهتين؛ وتنصب الملكية فيها نفسها على أنها الطرف الوحيد الفاعل فيه. لا أحمل المسؤولية للملكية، وإنما للأطراف المتطاحنة في الساحة التي لم تعط الأولوية لضرورة بناء حوار وطني راشد ومبني أساس على منطق التنازلات الحكيمة التي أؤكد عليها لأن بدونها لا يمكن الاتفاق على ما هو مشترك. التناقض الذي ينبغي الخروج منه هو التالي: كيف يمكن استعمال الدين في الدولة مع عدم الإكراه؟ في المغرب لا يمكن استعمال الدين بدون إكراه لأن الدولة المغربية تستعمله وتتبناه وتمارس الإكراه. أعتقد أنه من الصعب أن نجد نموذج دولة تتبنى الدين رسميا وتحميه وتمارس الرقابة عليه ولا تمارس الإكراه. بمعنى: ارتباط الدين بالسياسة يؤدي دائما إلى الاستبداد. : النظام السياسي في المغرب لا يقوم على أساس ديني؛ النظام السياسي يوظف الدين. لهذا أجد أن من أولوياتي في المرحلة أن أنزع عن هذا النظام صفته الدينية. هناك أربعة أمور أساسية في صفة إمارة المؤمنين: لا تمنح امتيازات، لا تعفي من المحاسبة أو المساءلة، لا تخول احتكار التأويل بالنسبة للنص الديني ولا تلغي المعارضة. لا يمكن لإمارة المؤمنين أن تكون قيدا ضد الفاعلين في المجتمع ولا يمكن أن تكون جواز مرور للحاكم. بالنسبة لي، من الأفضل يلا حيّدو هاد الصفة. الإسلام ليس في حاجة إلى نظام يبين له السياق الصحيح؛ الإسلام معطى متجدر في هذا المجتمع، أي واحد بغا يوظفو ماغاديش ينجح وأي واحد بغا يتجاوزو، غادي ينعازل. الفصل 6 من الدستور يقول بأن دين الدولة الإسلام، ولكن من منظور معين الدولة نفسها لا تحترمه وتحتكر مؤسسة العلماء، في حين أن قوة العلماء هي استقلاليتهم عن الدولة وعن الحكومة. القاضي يلا ماكانش مستقل ويحكم بما يمليه عليه ضميره، ما كيبقاش قاضي، كيولّي أجير. اليسار تقوى بمؤسسات الدولة، بينما الإسلاميون تقووا بمؤسسات المجتمع. الزاهي: المسألة الحاسمة التي أعطت القوة لإمارة المؤمنين هي الشكل الذي حصل به المغرب على الاستقلال. الحركة الوطنية المغربية بخطابها السلفي، عكس مجتمعات أخرى، لم تحصل على الاستقلال بثورة أو بالتفكير في دولة حديثة، وإنما برفع دعوى قضائية ضد الحماية، على أساس أنها مست بالسلطان بصفته ملكا وبصفته أمير المؤمنين حامي الملة والدين. أرفض هذا التصور لأنه أنتج أكبر كذبة في تاريخ المغرب، وهي أن تاريخ تأسيس الدولة والملكية المغربيتين قام بتلازم مع الإسلام. إمارة المؤمنين كمؤسسة لا شرعية لها داخل الدولة الحديثة؛ والمشكلة المطروحة والمشتركة بين عدد من الإسلاميين واليساريين حاليا في المغرب هي تحييد الدين من قلب الدولة (بمعنى جعله محايدا)، على أساس أن إمارة المؤمنين ليست دينية وإنما دينية / سياسية. طيب، لنذهب بالمبدأ إلى أبعد حدود. يجب إذن أن يخرج الدين من المجال السياسي بشكل عام وأن يصبح أمرا خاصا؛ وأن تكون حرية المعتقد مضمونة والدولة توفر حماية هذه الحرية. بغيتي تدير كنيسة ديرها طبقا للقانون، ولكن ما تجيش تدير دعاية للتبشير المسيحي. مشكل إمارة المؤمنين هو حضورها المكثف داخل الفعل السياسي العام. هناك مسألة أخرى مهمة: بأي حق تعطي دولة حديثة الحق لأمير المؤمنين كي يتدخل في الأحوال الشخصية؟ القداسة شيء، ومجال السياسة شيء آخر. المفارقة الكبرى التي تخلقها إمارة المؤمنين هي أن عندنا دولة بجوج ريوس: دولة الإمامة، ودولة الكفالة. وبما أن دولة الإمامة والقداسة ما يمكنش توكل الخبز وأن دولة الكفالة تعيش عجزها الشامل، فهي تستقي أسسها الشرعية من دولة الإمامة. فتصبح لدينا دولة برأسين. البعض يعتبر أنه بفضل دولة الإمامة لم يتمكن الإرهاب والإسلام المتطرف من المغرب. أنا أقول: لو أن دولة الكفالة، الدولة الحديثة، تقوم بدورها على أحسن وجه، لكسبنا أكثر من ذلك ولكان المجتمع المغربي يعيش لحظات أحسن، ماشي فقط على المستوى الديمقراطي والسياسي، بل أيضا على المستوى الاجتماعي ومستوى القيم الكبرى ونمط العيش. الخلفي: هناك توجه عام في المغرب نحو التدين، والدولة معنية بتدبير هذا التوجه. إقرار الحجاب باسم الدين مرفوض تماما كما أرفض منع الحجاب باسم العلمانية. نقطة الخلاف الكبيرة بين الإسلاميين والعلمانيين هي تحييد الدين. نحن نرى أن للدين دورا في الحياة العامة كما له دور في الحياة الخاصة ونرى أن هذا الدور لا يتم عبر الإكراه. يجب التمييز بين الملكية كنظام يرتكز على الدستور وإمارة المؤمنين. إمارة المؤمنين نظام وليست مجرد صفة؛ نظام يقوم على البيعة، والبيعة علاقة تعاقدية. في نفس الوقت، القداسة مرتبطة بالملكية وليست مرتبطة بإمارة المؤمنين. هناك مؤسسات غير موجودة في الدستور، ينبغي دسترتها من أجل إصلاحها لتفادي الازدواجية بين النظام الملكي الدستوري ونظام إمارة المؤمنين. قضية المدونة مكنت الملك أمير المؤمنين من ممارسة التحكيم، وهذا أحد العناصر التي تعطي مشروعية للنظام في الوضع الحالي. لكن المدونة أحيلت على البرلمان ونوقشت فيه، وهذا نمط من أنماط دسترة إمارة المؤمنين. الأخيرة تملك القدرة على أخذ مبادرات متقدمة على باقي الفاعلين؛ ولكن في نفس الوقت، إمارة المؤمنين في المغرب، كالملكية الدستورية، هي ابنة مجتمعها. فيما يتعلق بالسياسي والدعوي، أعتقد أن هذا تقدم كبير، لأننا لا نتكلم عن السياسي والديني بل السياسي والدعوي. للسياسة مجالها وللدعوة مجالها. عندنا في المغرب أزيد من 40 ألف مسجد لا يجب أن تدخل في إطار الحملة الانتخابية. لا يمكن تحويل خطبة الجمعة (التي يؤديها حوالي 6 ملايين مغربي) لتصبح مجالا للتنافس الانتخابي. الحزب السياسي المدني قد ينطلق من مرجعية إسلامية ويناقش قضايا الشأن العام بمنطق الشأن العام والسياسات العمومية أما الداعية، فيمارس الدعوة في ميدانه. المحور الثالث: مصدر التشريع: الدين أم العقل؟ هل حقوق الإنسان والديمقراطية متنافيان مع الإسلام؟ هل يجب أن يعتمد القانون المغربي على الشريعة أيضا أم على القوانين الوضعية فقط؟ وماذا عن حرية الاعتقاد؟ ضريف: ترتكز الدولة الحديثة على ثلاث أسس: أساس سياسي هو الديمقراطية، أساس قانوني هو تطبيق القانون الوضعي بدل الشرائع الدينية، والأساس الثالث هو أساس حقوقي: ضمان مجموعة من الحقوق بما فيها حرية الاعتقاد. ما رأيكم؟ عصيد: عندما قرر الأوربيون العلمنة، طرحوا قبل ذلك شعارا: كفى من الحروب والاقتتال. السبب الرئيسي الذي دفعهم إلى اختيار العلمانية كنمط في تسيير شؤون الدولة هو الحروب التي اندلعت بسبب الدين بالإضافة إلى تاريخ الكنيسة وتحالفها مع الأنظمة واضطهادها للناس. هذا درس مهم في التاريخ وأعتقد أنه الجوهر، لأننا اليوم عندما نلقي نظرة على العالم الإسلامي، نجد أن بؤر التوتر والاقتتال مرتبطة بتيارات تعتبر أنها تستند إلى مرجعية دينية. العنف الآن في العالم أصبح مرتبطا بالانتماء إلى الدين أو استلهام مرجعية دينية، وهذا يزيدنا تأكيدا على ضرورة أن نقرأ مرة أخرى هذا الدرس. العلمانية في الغرب نجحت لأنها أنهت الاقتتال وبدأت مرحلة نهضة حقيقية وصلت بهذه الدول إلى مستوى متقدم من القوة والرقي الحضاري. تاريخ الاستبداد باسم الدين طويل وهو من تقاليدنا العريقة. 14 قرنا من تاريخ الإسلام كلها استبداد. أما فيما يخض ما قاله أحرشان عن العَلمانية أو العِلمانية، فهذا غير صحيح. من أهم ما أدى إلى العلمنة في أوربا الثورات العلمية، الاكتشافات الكبرى، انتشار جامعات مستقلة عن الكنيسة... لقد خاض الطلبة إضرابات وحروبا لكي ينتزعوا الجامعة من يد الكنيسة، بحيث أصبحت لهم قدرة على التفكير والتحليل مستقلة عن المرجعية الدينية. في الواقع، يحاول الإسلاميون إبعاد العلمانية عن العلم كأنها لا علاقة لها بالعقل أو أنها كتصور لا ديني أو ضد الدين، بينما العلمانية لا تمانع مطلقا في التدين الشخصي للفرد وتعتبره حقا. بالنسبة لي، مفهوم المواطنة يعني أن هناك أفرادا لهم حقوق وعليهم واجبات يتمتعون بها بغض النظر عن دينهم ولونهم وجنسهم ونسبهم. لا يمكن أن يكون الدين شرطا للمواطنة إلا في الدول الدينية؛ الدين جزء منها، يمارس كحق من الحقوق لا غير. على الإسلاميين التنازل عن فكرة "المؤمن أفضل من غيره" وأن الإسلام منظومة شمولية كاملة تؤخذ كلها أو تترك كلها. بالنسبة لي كمثقف علماني، لا يمكنني أن أتخلى عن الأمور الكونية في الإسلام لأنها إنسانية، لكن لا يمكنني أن أقبل أمورا موجودة في الإسلام لأنها ترتبط بأشخاص عاشوا قبل عصرنا بأزيد من ألف سنة. كذلك العلمانية، لا ينبغي أن تطرح كنظام شمولي أو نموذج دولة مطلق، لأنها نسبية ودنيوية أرضية، ليست مقدسة. وهذه قوة العلمانية، أنها تتطور بتطور المجتمعات وتحولها. المشكل ماشي عند العلماني، المشكل عند الإسلامي الذي يعتبر بأن لديه مرجعية مطلقة مهما توالت القرون فهي لا تتبدل وتبقى نفس الحلول ونفس النصوص ونفس القوانين. احرشان: هل نحتاج للعلمانية في البلدان الإسلامية؟ هل سبق لأحد أن قال: "أنا أمارس السياسة انطلاقا من مقدس؛ اجتهادي السياسي هو فتوى دينية أو قرار بتفويض إلهي"؟ على مستوى العلم، ليس هناك تعارض مع المنظومة الإسلامية؛ على مستوى العقل، الاجتهاد هو الأساس الذي بني عليه الإسلام في الأصل لأن النص الشرعي القطعي الدلالة والقطعي الثبوت نسبته قليلة جدا مقارنة مع الباقي. إذا عدنا إلى أصول الفقه، سنجد أن الاجتهاد هو الأصل. يلا مشينا بهاد المعيار، تلقائيا كتأكدو ليا بأن حنا ما محتاجينش للعلمانية. تبريرات نشوء العلمانية في مجال آخر غير موجودة عندنا. نحن لا ندعو إلى دولة دينية بتفويض إلهي أو التدبير بقرار مطلق بل إلى دولة مدنية الشعب فيها مصدر السلطة. بالنسبة لمرجعية التشريع، أرى أن عصيد يتخوف من المرجعية الشمولية. المرجعية خاصّها تكون شمولية وإلا غادي نولّيوْ فانتقائية. المشكل ماشي هو أن تكون شمولية بل أن تكون منغلقة والمرجعية الإسلامية غير منغلقة. أنا أقول إن الإسلام هو مرجعية التشريع. في نفس الوقت، أعتقد أن المسلم الذي يقيم في فرنسا يجب أن يحترم علمانية الدولة الفرنسية لأنه يمثل أقلية. باختصار، أنا أدعو إلى دولة مدنية بمرجعية إسلامية الشعب فيها هو مصدر السلطة، الحاكم يستمد ولايته من الأمة بالانتخاب بناء على تعاقد، القرار السياسي حق للأمة، الممارسة السياسية فعل بشري ليست معصومة ولا مقدسة مبنية على أساس الاجتهاد، الحريات الفردية والجماعية مكفولة (الاعتقاد، الرأي، التنظيم، التعبير...)، المساواة على أساس المواطنة. ما دون ذلك، على مستوى البرامج، ماشي مشكل يلا انطلقتي من مرجعية علمانية وأنا من مرجعية إسلامية، الشعب هو اللي كيحسم، وماشي بالعنف. أنا مصر أنه لا يمكن دمج العلمانية في الإسلام أو الإسلام في العلمانية. الممكن هو أن كلا منا بمرجعيته، يمكن أن نبحث عن صيغ للقاء المشترك والعيش المشترك على أساس هذه البنود. وملّي نطلع أنا، ممكن ما ندوّزش قانون الإجهاض، ولكن بشرط عمري ما نمس حريتك فالرأي، فالاعتقاد، فالتنظيم... بالنسبة لي، الشريعة إذن هي المصدر الأساسي للتشريع؛ مع التمييز بين المجال الدعوي الذي لا يجب توظيفه في السياسة ومجال تدبير شؤون الدولة كمسألة إنسانية لا تدخل عليها القداسة. الأمر الأساسي هو حماية حرية الآخر كي يمارس حقوقه في التنظيم والتعبير والتعبئة... لا يمكن أن نتفق على التنميط ببرنامج واحد، وهذا ما يحدث الآن: هناك برنامج الدولة والجميع ينخرط فيه. ما دون ذلك، على مستوى البرامج، ملّي تنجح، العيب عليا يلا قلت نوقفو هاد العملية الانتخابية ونعاودوها. بطبيعة الحال، فإن فوز أي فريق منا سيجعل الآخر يحس بالظلم. العيب أن واحد ينجح والآخر يقلبها سلاح. في نفس الوقت، لا أعتبر الاجتهاد الذي أقدمه في الشريعة مقدسا؛ بل أقدمه على أنه اجتهاد، وعليك أن تجتهد أيضا، والحسم للشعب. الخلفي: هناك مصادر للتشريع. ونحن نطالب بإعادة الاعتبار للشريعة كمصدر للتشريع. لكل مجتمع ثوابته، ومنها نستنبط ما يسمى بمرجعيات صياغة القوانين. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتحدث عن الثوابت في إطار تدبير الحريات. من القواعد التي يجب أن يحترمها الاجتهاد في صياغة القوانين اعتمادا على الشريعة، هناك المبادئ العامة، كالحريات وعدم الإكراه؛ ثم هناك المصلحة، ف"حيثما كانت المصلحة فتم شرع الله". الإمام الشافعي أعطى فتاوى في مصر، وأخرى مختلفة في العراق لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال. أما بالنسبة لمن يسألون عن تطبيق الحدود، فهي مرتبطة بسياق معين وأتركها للاجتهاد. أنا كحزب سياسي لا أدخل في هذه الاجتهادات، أنا أشجعها ولا أتدخل فيها. وظيفة الحزب ماشي هي الإفتاء، هاديك مسؤولية العلماء. بشكل عام، في الفقه، هناك مرجعية إسلامية اسمها: "شرع من قبلنا"؛ كما لا يمكننا أن نتجاهل قضية حرية المعتقد. أنا، كمسلم ماشي كإسلامي، أعتبر الأمر محسوما: حرية الاعتقاد من العناصر القوية التي جاء بها الإسلام. القرآن كامل ما فيهش عقوبة معينة لمن غير دينه؛ حتى الحدث النبوي الذي أورد حد المرتد، فإن الحديث فيه عن "المارق عن دينه المفارق للجماعة"، أي أن الأمر يرتبط بسياق سياسي معين، ما يسمى بالخيانة العظمى. السؤال الآن هو: كيف نؤسس المواطنة، دون أن نضع الإنسان المسلم بين خيارين: إما الإسلام أو ماشي الإسلام؟ هذا النموذج هو الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل، أما الأمثلة التي يتخوف منها العلمانيون، فهي لا تتعدى حالات شاذة. في الدولة الحديثة، المواطنة ارتباط بالتراب، ماشي بالجنس أو العرق أو الدين أو اللون. أريد كذلك أن أضيف أن المشكل مرتبط أكثر بالعالم العربي من العالم الإسلامي، والدليل دول مثل ماليزيا والبنگلاديش وأندونيسا ونيجيريا والسينگال وغيرها. وجود عجز في الديمقراطية في العالم العربي غير مرتبط بالإسلام بل لأسباب أخرى أهمها التبعية للغرب، الثقافات السائدة والتقاليد... المحور الرابع: الحريات الفردية أم الأخلاق العامة؟ أين يتوقف المجال الخاص وأين يبدأ المجال العام؟ هل يجب أن تخضع مادة "التربية الإسلامية" لمراقبة لإفراغها من النصوص الحاثة على العنف والكراهية والتفرقة؟ هل يجب وضع حدود معينة للإبداع؟ ضريف: لاحظنا أن اصطدام المجالين الخاص والعام قد يؤديان إلى أعمال عنف وشغب. هل هاتان المرجعيتان متنافيتان أصلا أم هناك مجال للتقارب؟ الخلفي: هل توقف العنف بإقرار العلمانية في أوربا؟ توقف شكل من أشكال العنف، وأنتجت العلمانية بعد ذلك عنفها، وأكبر دليل هو الحرب العالمية الأولى والثانية. الفضاء الأوربي أنتج الفكرة الماركسية التي أنتجت وأصلت فكرة العنف الثوري والطبقي. العلمانية حلت شكلا من أشكال العنف، ولكنها شكلت جوابا في مرحلة تاريخية كان لها سلبيات في أوربا. أما الآن، فالحديث والتفكير هو في ما بعد العلمانية. ثم أن الكرامة والعدالة قيم لم تبدعها العلمانية. العلمانية أخذت جزءا منها وصاغت منه نموذجا معينا في تدبير المجال العام والمجال الخاص. مشكلة العلمانية أنها تشترط تأليه العقل، وهناك فرق بين أن يكون الإنسان عقلانيا وأن يؤلّهَ عقله. لماذا نضيق ما هو واسع؟ العلمانية هي تحييد الدين من الحياة العامة؛ ها حنا قمنا بتحييده؛ والثمن هو صعود نزعات عرقية كما حدث في ألمانيا. الحل ليس في وصفة اسمها العلمانية. حرمة الإبداع لا تمس. حرية التعبير مكفولة، وإلا، كيفاش الواحد يصوت وهو خايف يعبر على رأيو؟ مبدأ نبذ العنصرية ومبدأ احترام الأديان مضمونان مع تفادي الاستفزاز. المثال الذي يطرح بكثرة هو الإفطار في رمضان في فضاء عمومي. بالنسبة لي حين يحدث ذلك في المغرب أعتبره استفزازا، بينما لا أراه كذلك حين أكون في بلد أغلبية سكانه غير مسلمين. الحياة الخاصة لها حرمتها، رغم أن المشكل عندنا يحصل حين يكون هناك تقاطع بين المجالين. أي أنه ليس من حق أي شخص أن يراقب شخصا آخر إن كان يصلي أم لا مثلا. حرمة الممتلكات الخاصة مضمونة والقانون هو الذي ينظم المجال العام. حين شاهدت الشريط المتعلق بأحداث القصر الكبير مثلا، أحسست بالاستفزاز. ولكن في نفس الوقت، ماشي أي واحد ينوض يضرب بالحجر لأن هناك قانون؛ واللي عندو ممارسات شاذة يمتانع عن أي سلوك مستفز في المجال العام. المطلوب أن العلمانيين يتخلاو على فكرة أن العلمانية هي الحل. لا يمكن تحييد الدين في مجتمعات متدينة. عصيد: عندما نتحدث عن تدبير الاختلاف، يجب أولا الاعتراف بوجود ناس مختلفين. الإسلاميون، في خطابهم، يعتبرون المجتمع واحدا وأن المرجعيةَ مرجعيةُ شعب بثوابت؛ لكن هذه الثوابت ليست مشتركة. في الديمقراطية وفي العلمانية، ينبغي احترام الآخر كما هو ليس كما أريده أن يكون. إذا تحدثنا عن برنامج بمرجعية ما، فليس هذا ما يطرح المشكل بل طبيعة المرجعية نفسها. إذا كانت مرجعيتك لا تقبل الاختلاف، فمن الصعب أن تقوم ديمقراطية. هذه أمور عانينا منها عبر قرون وما زلنا نعاني منها. الديمقراطية مافيهاش الشعور بالظلم بالنسبة للأقلية لأن حقوقها مضمونة؛ غادي نشعر بالظلم في حالة وجود حكم يهضم حقوق الأقلية. أعتقد أن قضية الثوابت يجب أن تناقش لأنها ليست بالضرورة ثوابت الآخرين. نحن في مجتمع ليس متجانسا. وبسبب عدم تجانسه، بسبب اختلاف الناس فيه، العلمانية هي الحل. لأنها تحترم الجميع بغض النظر عن مشاربهم وديانتهم ومعتقداتهم وتضمن حقوقهم جميعا. المشكل ليس في الدين من حيث هو دين بل في قراءته. هنا تطرح مسألة الحريات. الحريات مدنية وليست مطلقة، إذن هي محدودة لأنه ليس من حق أي أحد أن يكون حرا لدرجة المساس بحق غيره. حين يقول شخص ما بأن حريتك تستفزه، فلا يمكن بناء الديمقراطية لأن الأخيرة تعني قبوله كما هو لا كما ينبغي أن يكون. ليس من حقنا أن نضع حدودا للحرية ما لم تمس حرية الآخرين. هذا يستلزم مناقشة بعض الجزئيات أحيانا: التدبير المعقلن للمؤسسات، واحترام الحريات، وفصل السلط، سمو القانون وأولويته، مساواة الناس أمامه، والمساواة في حقوق المواطنة. هذه هي الشروط التي تشكل أساس البناء الديمقراطي وهي أيضا أسس علمانية كونية لا ترتبط بدين معين. بمعنى، قد تختلف الديمقراطية من بلد إلى بلد في بعض التلوينات الجانبية، ولكن لا يمكن أن تخل بأساس من هذه الأسس. حين يقول الإسلامي إنه يقبل الديمقراطية وإن الصوت للشعب وللأغلبية، فهذه ليست ديمقراطية، لأن صوت الأغلبية ليس إلا تقنية من تقنيات الديمقراطية. الأساسي هو الأسس التي ستعتمد عليها الفئة التي تحصل على الأغلبية وتصعد إلى السلطة في تدبير شؤون الناس. هل ستقر قوانين فيها ظلم لمن تعتبرهم أقليات؟ أم أنك ستقر قوانين علمانية وديمقراطية تحترم الجميع؟ بمعنى، هل إذا وصلنا الإسلاميون إلى السلطة في المغرب، سيفرضون تعليما إسلاميا محضا في المؤسسات التعليمية؟ هناك مقررات مدرسية كثيرة فيها دعوة للعنف والعنصرية، وفي كتاب للتربية الإسلامية دعوة إلى قتل من لا يمارس الشعائر الإسلامية وهذا خطير. أعتقد أن الأساسي هو احترام هذه الأسس ماشي تصويت الأغلبية لأنه مجرد تقنية. في إيران لا تزوَّر الانتخابات، ولكنه بلد بعيد بسنوات ضوئية عن الديمقراطية لأن هناك سلطة فوق الرئيس المنتخب وهي سلطة المرشد. ما قيمة انتخابات نزيهة في غياب القواعد الكونية الديمقراطية؟ الإشكالية الثانية أن العلمانيين يعطون نماذج حية، بينما الإسلاميون يتحدثون عن النص والمثال، حين نتحدث عن نماذج إسلامية فاشلة، يعتبرونها حالات شاذة لأن هناك الإسلام الصحيح. أين هو هذا الإسلام الصحيح منذ 14 قرن؟ كيف يمكن للإسلاميين اليوم أن يحققوا ما فشل في تحقيقه 14 قرنا من الأجيال؟ احرشان: نحن ندعو لنموذج دولة مدنية فيها تدبير للمجال العام مبني على حق المعارضة، حق الأقلية، حق الأغلبية، وحق كل التيارات السياسية. دولة مبنية على قواعد أخذناها من الديمقراطية. هذه القواعد تخول لنا مسايرة القانون، على أن تكون هناك دولة مؤسسات، وتوازن بين السلطة والمسؤولية، احترام للحريات واحترام مضمون لحق الأقلية؛ بشرط أن نعتبر أن الحريات الفردية لا تعني الغابة وأن الأخلاق العامة ماشي تنميط، لأن في تنميط المجتمع استبداد. أنا أتخوف من فكرة العلمانيين القائلة بأنه إما أن تسود أفكار العلمانية أو لا شيء. عليهم أيضا أن يبذلوا مجهودا لكي نخرج من منطق الثنائيات. لكل منا تخوفاته، لكن قدرنا أن نعيش في أرض واحدة. ما يطمئنني هو أن المجتمع ما عنديش فيه مشكل حيت عارف راسي أنا اللي غادي نطلع. الإبداع كذلك لا يجب أن تفرض عليه قيود، لكن المفروض أن نحمي الإبداع، ولكي نحميه، يجب أن نحرره من دعاة العبث والإثارة. هناك أناس يعجزون عن تصريف الكبت، فيفعلون ذلك في قوالب إبداعية. خاص رقابة ذاتية عند المبدع، ماغاديش يدير إبداع يدير تفرقة. الزاهي: الإبداع أساسا تفجير للمكبوت. بالنسبة لجماعة "العدل والإحسان"، فأنا أعتقد أنكم إذا حذفتم عبارة "بسم الله الرحمان الرحيم" من خطابكم، فأنتم تتحدثون باسم الماركسية. لِنَكُن واضحين: ليس هناك اتفاق بين الإسلاميين والعلمانيين. إذا كان الحزب الإسلامي يقول بأنه لا يفتي وأن ذلك من تخصص العلماء، فهذا سيجعل منا دولة كإيران. الديمقراطية مشروع؛ كيف نحميه؟ واش كاينة إمكانية الاتفاق على مشروع سياسي حداثي، يقوم على الديمقراطية بجميع أبعادها؟ هذه هي الضمانة الوحيدة التي تضمن أننا لن نعود إلى الوراء. هذا المشروع الحداثي الديمقراطي عماده الديمقراطية، استقلالية المجال السياسي عن كل المرجعيات الإيديولوجية الكلّيانية، يرتكز على القانون والمؤسسات؛ ويرتكز على العقل الذي يعتمد بدوره على مبدأ نسبية جميع المعارف الدينية وغير الدينية، وعلى مبدأ أساسي: تاريخية السلطة السياسية التي تجعلها من أخطاءها تستفيد. هذا هو المبدأ الذي يجب أن يؤطر المدرسة والمجال العمومي والنقاشات وجميع المؤسسات. هناك أشياء يجب الاتفاق عليها على أمد بعيد كي نؤسس لهذا المشروع الديمقراطي: الفضاء العام والتعليم والحريات الفردية وحرية المعتقد ما يتقاسوش مهما كانت المرجعية الفائزة. يعني ماشي يطلع الإسلامي يمشي يبدل المقررات المدرسية. لماذا لا ندرس للتلاميذ تاريخ الديانات، بدل تعليم إسلامي محض فيه نبذ ورفض للآخر؟ هكذا فقط يمكننا أن نضمن المسيرة إلى الأمام، ما عدا ذلك، ما نبقاوش نحلمو بالتوافق. هذا مجتمع، ماشي حليقة ديال الطلبة. يعني يلا مشا كتهدم حياة ديال أجيال جاية .