أكد الباحث المغربي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية الدكتور محمد ضريف أن التقابل بين الإسلام والغرب لم يعد قائماً على الأرض بعد أن أصبح الإسلام مكونا أساسيا من مكونات الغرب، وتحول في كثير من الدول الأوروبية إلى الديانة الثانية بعد المسيحية. وأوضح الدكتور ضريف في تصريحات خاصة ل "قدس برس" تعليقاً على الندوة الدولية التي انطلقت أشغالها أمس السبت بالعاصمة المغربية الرباط حول "الإسلام والغرب"، التي ينظمها مركز طارق بن زياد بتعاون مع المؤسسة الألمانية كونراد أديناور، أن الندوة لا ترتبط بمستجدات العلاقة بين الإسلام والغرب بمفهومه العام. وقال: "لا أعتقد أن ندوة "الإسلام الغرب" التي ينظمها مركز طارق بن زياد ذات علاقة بمستجدات العلاقة بين الإسلام والغرب أو ما يتصل منه بموقف سويسرا من المآذن، وإنما الموضوع قديم بالنسبة لمؤسس المركز حسن أوريد، فقد سبق له منذ سنوات أن أصدر كتيبا صغيرا عنوانه "الإسلام والغرب"، بحكم أنه قضى فترة في الولاياتالمتحدةالأمريكية مستشاراً سياسياً للسفارة المغربية في الرباط، وزاوية تناوله للموضوع كانت عادية. وأعتقد أن هذا النوع من التقابل بين الإسلام والغرب لم يعد قائما على الأرض، لأن الإسلام أصبح موجودا في قلب الغرب وتحول إلى الديانة الثانية في كثير من الدول الأوروبية بعد المسيحية، وهناك تطور للجاليات الإسلامية في أوروبا، وهناك اجتهادات جديدة تخص الجالية الإسلامية في الغرب، ولذلك تناول هذا الموضوع تحت هذا العنوان أصبح متجاوزا، وهناك مصطلحات جديدة كحوار الأديان وحوار الثقافات أصبحت أكثر دقة من الإسلام والغرب. ولا أرى أن موضوع الندوة ليس مرتبطا بوضع آني وإنما هو يندرج ضمن نشاط مبرمج للمركز". وأشار ضريف إلى أن ندوة مركز طارق بن زياد للدراسات لا تعكس توجها رسميا للدولة على اعتبار الصداقة القديمة التي بين العاهل المغربي الملك محمد السادس ومؤسس المركز حسن أوريد، وقال: "لقد كانت الندوة جزءا من برنامج للمركز، وهو مركز محدود الأثر والتأثير، صحيح أن أحد أصدقاء الملك وهو حسن أوريد قد أسس هذا المركز في إطار اهتماماته الفكرية، وكان هدفه الأول دراسة أوضاع الأمازيغ في المغرب، وظهرت في فترة من الفترات أطروحات حول اعتماد الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، لكن عمل المركز تأثر بوضع مؤسسه حسن أوريد الذي ابتعد عنه عندما كان ناطقا باسم الحكومة ثم واليا لكنه عاد إليه بعد ذلك قبل أن يبتعد عنه مجددا بعد تعيينه مؤرخا للمملكة". وعما إذا كان الحديث عن الإسلام والغرب في مركز طارق بن زياد للدراسات يعكس توجها للدولة بهدف عدم ترك الإسلام بيد الجماعات الإسلامية، قال ضريف: "لا بد في هذا السياق من التمييز بين مستويين: المستوى الأول ويتصل بالأبعاد الحضارية والثقافية والقيمية، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالإسلام الرسمي، وهي مسألة مرتبطة بالتطبيع بين الإسلام والغرب بالمفهوم الحضاري للكلمة، أي أن يغير الغرب موقفه من الإسلاموأن يحترمه، وهذه مسألة لا يمكن تداولها إلا من زاوية رسمية، وهنا يتم تجاوز الخلافات الإسلامية الإسلامية. أما المستوى الثاني فهومحكوم بأبعاد سياسية داخلية، ويتصل بهوية من يمثل الإسلام ومن يتحدث باسمه". وذكر أن مسألة تمثيل الإسلام في المغرب محسومة لصالح "إمارة المؤمنين" ممثلة في الملك محمد السادس، وقال: "بالنسبة للدستور المغربي يعتبر أن الملك هو أمير المؤمنين، وهو من يمثل المسلمين، وقد كان الحسن الثاني يخاطب الغرب باعتبار أنه يمثل المسلمين، وضمن هذه الرؤية كان الصراع بين المغرب وإيران عبارة عن صراع بين مرجعيتين إمارة المؤمنين في المغرب ومرجعية الولي الفقيه في إيران، وكان المغرب يقدم نموذج الإسلام المرتكز على التسامح والاعتدال، وكان الحسن الثاني يرسل رسائل إلى الأمة الإسلامية بهذا المعنى، ورسالة القرن عام 1980 أكبر دليل على ذلك، وقد تم استقبال بابا الفاتيكان في المغرب والحوار معه على هذا الأساس، أي باعتباره حوارا بين الغرب المسيحي والإسلام". وأشار ضريف إلى أن مسألة الشرعية الدينية للعاهل المغربي تكاد تكون محسومة، وأن الخلاف حول تأويل النص الديني بدأ يتم حسمه لصالح إمارة المؤمنين، وقال: "المؤسسة الملكية تحرص على احتكار تمثيل الإسلام وتأويل النص الديني، وصراعها مع الجماعات الإسلامية ليس على مستوى التمثيل، فهناك إجماع بين كل الجماعات الإسلامية على أن الملك هو أمير المؤمنين، لكن الخلاف هو حول احتكار التأويل الديني، فالملك يعتبر نفسه هو من يحتكر التأويل الديني، وهنا يبرز الخلاف بينه وبين بعض الجماعات الإسلامية التي تخالفه في ذلك دون المساس بمشروعية الملك الدينية، لكن حتى هذا لا يمثل موقف جميع الحركات الإسلامية، فحركة التوحيد والإصلاح المرتبطة بحزب العدالة والتنمية وحركة الشبيبة الإسلامية التي كانت تشكك في الشرعية الدينية للملك راجعت موقفها، وحاى ما يقال عن جماعة العدل والإحسان وكونها لا تعترف بالشرعية الدينية للملك فهو محل نظر". وأضاف: "يظل المشكل الوحيد هو مع التيار السلفي الجهادي الذي لا يعترف بمشروعية الأنظمة العربية القائمة، وعمليا في المغرب لم نرصد مواقف واضحة لرموز التيار السلفي الجهادي بهذا الخصوص، بل فإن السلفيين المعتقلين الذين كانوا يطالبون بالإفراج عنهم وينفون التهم الموجهة إليهم، أرسلوا قبل أسبوعين رسالة إلى العاهل المغربي يخاطبونه فيها باعتبار أنه كلفه الله بتسيير شؤون المغاربة، لذلك فالشرعية الدينية للملك محسومة في المغرب والتشكيك فيها لا نسمعه إلا من خارج المغرب"، على حد تعبيره. وكانت أشغال الندوة الدولية حول "الإسلام والغرب" التي ينظمها مركز طارق بن زياد للدراسات بالتعاون مع المؤسسة الألمانية كونراد أديناور قد انطلقت في العاصمة المغربية الرباط أمس السبت بمشاركة مفكرين وباحثين مغاربة وأجانب لمناقشة آفاق العلاقة بين الإسلام والغرب على ضوء الأحداث المستجدة وإشكالية تجديد الخطاب الديني في العالم الإسلامي، خاصة في المجال السياسي. ونقل مصدر إعلامي مغربي رسمي عن مدير مركز طارق بن زياد، حسن حافظي علوي، قوله في الكلمة الافتتاحية للندوة، أن طرح هذا الموضوع مجددا أملته عودة المواجهة من خلال تيارات تغذي الحقل السياسي في الغرب للتشكيك في ولاء مسلمي الغرب لبلدان الإقامة وممارسات استفزازية بالغرب (الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتشويه صورة الإسلام، والاستفتاء الذي يحظر بناء المآذن في سويسرا وغيرها). وأضاف إنه "لا يجب اختصار العلاقة بين الإسلام والغرب في الصراع الذي يراه البعض حتميا"، مؤكدا على وجود "ترابط بين غلو الغرب وتحيزه ضد القضايا الإسلامية واشتداد عود التطرف"، وعلى الحاجة "لتوسيع رقعة مشتركة وتذويب الخلافات على أساس المساواة والعدل وتشجيع الحوار" بين الجانبين، كما قال.