ليس هناك من شك في أن المادة والوظيفة التي يقدمها الدعاة الجدد لا تختلف من حيث أصولها ومصادرها وأهدافها عما تقوم به الحركة الإسلامية من أدوار في المجتمع، فالتربية والدعوة وتنمية القيم الإسلامية في نفوس الناس والمراهنة على تغيير سلوكهم في اتجاه مطابقته لهذه القيم تظل القاسم المشترك بين هذين الفاعلين الدينيين. لكن العديد من الباحثين لا يرون في بروز هذه الظاهرة مؤشرا من مؤشرات تقدم الحركة الإسلامية في وسائلها وطرق اشتغالها، لأن ظاهرة الدعاة الجدد تشكلت حسب العديد من الباحثين الاجتماعيين خارج رحم الحركة الإسلامية، فهل هي مرحلة من مراحل تطور الخطاب الدعوي داخل الحركة الإسلامية؟ أم أنها علامة من علامات انسداد المشروع الدعوي الحركي وانطلاق حركية دعوية جديدة من خارج الحركة الإسلامية؟ هل كيف تنظر الحركة الإسلامية المغربية لهذه الظاهرة؟ الدعاة الجدد بعيون مغربية لم تتعاط النخبة الحركية الإسلامية ولا الدارسون المتخصصون في شؤون الحركة الإسلامية المغربية مع هذه الظاهرة بالشكل التي تم التعاطي معها به في مصر والمشرق العربي، فالانتقادات التي توجهت إلى هذه الظاهرة وصنفتها ضمن الإسلام الناعم أو مودرن إسلام أو الليبروإسلامية أو الإسلام اللذيذ لم تكن لها صدى في المغرب، وربما كان للواقع المغربي بما يعرفه من منسوب عال من التماهي في القيم التغريبية، ولضعف آليات الحركة الإسلامية في التوغل في صفوف شرائح كثيرة من الشعب دور كبير في تحديد طبيعة الموقف من ظاهرة الدعاة الجدد، فحسب الأستاذ عمر أحرشان أحد قيادات العدل والإحسان، فهؤلاء الدعاة الجدد استطاعوا أن يصلوا إلى شرائح جديدة لم تستطع الحركة الإسلامية بوسائلها التقليدية أن تصل إليه وبهذا الاعتبار يضيف أحرشان: لا نملك إلا أن نتعامل معها بإيجابية وأن نعد كسبها رصيدا إضافيا للدعوة والحركة الإسلامية على السواء. كانت الحركة الإسلامية في السابق تعتمد دائرتين في الاشتغال الدعوي، دائرة الاستقطاب للالتزام ويخضع فيها المؤطر لمجموعة من البرامج والأنشطة التربوية لتنمية قيم الدين في نفسه وتعزيز الاستقامة في سلوكه، ودائرة الاستيعاب التنظيمي، حيث يتحول الملتزم بقيم الإسلام إلى عضو نشيط في الحركة يحمل قناعاتها وأطروحتها في التغيير. أما اليوم يقول رئيس حركة التوحيد والإصلاح يقوم هؤلاء الدعاة الجدد بدور إيجابي في الدائرة الأولى : دعوة الناس إلى التدين والاستقامة، فمطلوب من الحركة الإسلامية أن تدعم هذا الجهد وأن تتفرغ بشكل أساسي إلى دعوة المتدينين للانخراط في قضايا الأمة والقيام بالأدوار الرسالية. دعوة ومحاذير وإذا كان الدعاة الجدد قد تعترضوا لحملة عنيفة من الانتقادات سواء من قبل الإسلاميين أو العلمانيين واليساريين في مصر والمشرق، فإن الأمر في المغرب لم يتخذ نفس الصورة إلا ما كان من تحامل بعض الجهات الاستئصالية التي ترى في ما يقدمه هؤلاء الدعاة سندا ودعما للحركة الإسلامية. نحن نضعهم في موقعهم الذي اختاروه لأنفسهم، فهم دعاة، وليسوا علماء متخصصين في إصدار الفتاوى يقول عمر أحرشان، ومن الضروري يضيف القيادي في العدل والإحسان: أن يحرصوا على هذه المهمة وألا يقوموا بالدور الذي يفترض أن يقوم به العلماء. تميز واضح عند النخبة الإسلامية المغربية بين الوظيفة الدعوية والتي يمكن أن يضطلع بها الدعاة ومن لهم حظ متوسط من الثقافة الإسلامية، وبين وظيفة العلماء والتي تتطلب رسوخا في العلم وتصدرا للفتوى. الدكتور الطيب بوعزة يقول في هذا الصدد: هؤلاء دعاة، ويتقنون هذه الوظيفة باعتماد وسائل وطرق تواصلية حديثة، ومن المحذور أن يتحول دورهم إلى علماء يتصدرون الفتوى لا تريد النخبة الإسلامية المغربية أن تدخل في سجال كبير حول الكفاءة العلمية لهؤلاء الدعاة الجدد، وهل يمتلكون من العلم الشرعي ما يؤهلهم لخوض غمار الدعوة إلى الجمهور الواسع، فما دام هؤلاء حسب محمد الحمداوي: قد فهموا أن دورهم ينحصر بشكل أساسي في الدعوة، وفي مخاطبة شرائح واسعة من الشباب، فالظاهرة تبقى في عمومها إيجابية، ولذلك فهي تتطلب دعما وترشيدا لغة مغربية خاصة تبتعد عن استهداف الظاهرة، وتتعامل معها بإيجابية كبيرة، دون أن تتصالح مع عثراتها وسلبياتها. من الضروري أن ترشد هذه الظاهرة وأن تحصن من كل الأخطاء التي قد تؤثر على وظيفة الدعوة التي يقومون بها أو تحرف مسارها يلخص الدكتور الطيب بوعزة الموقف، فالانزلاق إلى مواقع إصدار الفتوى يضيف المتخصص في دراسة الظواهر الفينومينولوجيا وحضور البعد التجاري المرتبط بالنجومية تبقى من الأدواء التي ينبغي أن يحرص هؤلاء الدعاة على تحصين مسارهم منها. نفس الموقف يؤكده عمر أحرشان حين يقول هؤلاء ليسوا علماء، ومن الخطأ أن تدفعهم النجومية إلى اقتحام المجالات الخاصة بالعلماء دون توفر الشروط الضرورية لذلك. الحركة الإسلامية والدعاة الجدد على الرغم من الاختلاف الحاصل بين الإسلاميين المغاربة حول تفسير الظاهرة ومدى ارتباط نشأتها بالسياق الخاص الذي تعيشه الحركة الإسلامية، إلا أن هذا الاختلاف لا يؤثر على الموقف من هذه الظاهرة. يوضح محمد ضريف المختص في الحركة الإسلامية: ظاهرة الدعاة الجدد انصرفت إلى أحد أبعاد المشروع الحركي الإسلامي خ الشق التربوي والأخلاقي خ وهي بذلك تقدم خدمة للحركة الإسلامية، ولا يمكن بحال أن نعتبرها بديلا عنها. هي إذن حسب محمد ضريف: إعادة لإنتاج ظاهرة كشك لكن بنحو مختلف، فهؤلاء حددوا أهدافا لمشروعهم ونأوا به عن مناقشة قضايا الشأن العام والاحتكاك الصدامي بالأنظمة السياسية وعلى الرغم من أن الأستاذ المقرئ ابو زيد يذهب إلى أن سياق نشأة الدعاة الجدد يعبر عن أزمة تعاني منها الحركة الإسلامية على مستوى نفاذ مشروعها إلى شرائح المجتمع، إلا أنه ينفي أن يصبح هؤلاء الدعاة الجدد بديلا عن الحركة الإسلامية، فهؤلاء يقول أبو زيد: رسموا لأنفسهم خطا دعويا واقعيا وذكيا هو هداية الناس بصفتهم أفرادا وتحصينهم من موجة التغريب والعولمة والإفساد واستنقاذهم من تيار الاستهلاك المادي، وهذه بلا شك خطوة في إطار التحصين والبناء، وبدونها لا يمكن أن نتحدث عن مشاريع سياسية أو أطروحات تغييرية نهضوية هم فاعلون دينيون يقول محمد الحمداوي نحجوا في الوصول وتأطير مجموعة من الشرائح عجزت الحركة الإسلامية أن تصل إليهم بالطرق الدعوية السابقة، وبهذا الاعتبار فالضابط الذي نلتزم به في التعامل معهم هو نفس الضابط الذي يحكمنا في التعامل مع بقية الفاعلين الدينيين. هؤلاء معطى واقعي، ومن الضروري أن يحكمنا في التعامل معهم منطق التكامل وليس التنافي لكن هذا لا يعني السكوت على بعض أخطائهم وعثراتهم، فالضابط الذي يحكم علاقة الحركة الإسلامية ببقية مكونات الحقل الديني يضيف محمد الحمداوي: تلزمنا أن نقوم بدور الترشيد والنصح والتنبيه إلى بعض مواقع الخطأ في هذه التجربة وتحصينها من العثرات حتى تستمر كأداة دعوية فعالة في تحقيق أهدافها