بعد التصويت على دستور 2011، والانتخابات التشريعية ل25نونبر، سطر مجموعة من المتتبعين أن مغرب بعد هذين الحدثين سيعرف قفزات نوعية على مستويات عدة. والمتتبع للحياة السياسية والدستورية يلمس تغييرا على مستويات متعددة متناغما مع المدة الزمنية لعمر الزمن السياسي والدستوري منذ 1يوليو2011. والموضوع الذي سأتناوله متعلق بمجلس النواب الذي أسدل الستار على دورته الخريفية فبراير 2011. إذا كيف كان مساره خلال هذه المدة؟ ما مدى احترام مقتضيات الدستور في هذا المجال؟ هل هناك انعكاس للمرحلة السياسية على العمل النيابي؟ كيف هي العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ أشير أولا أن العمل البرلماني يحتاج إلى تدريب. والملاحظ أن الذين يأخذون المبادرة أولا من لهم التجربة. ويبقى تحرك بعض الفعاليات منذ البداية حاصلا إذا اقترن بالفقه الدستوري في المجال البرلماني..ومن المميزات التي يتصف بها مجلس النواب أن نسبة مهمة جدا من النائبات والنواب لهم مستوى عال من الدراسات العليا، إضافة إلى عنصر الشباب..وهذان مؤشران معبران على الوعي السياسي الذي بدأ يتصف به المشهد السياسي. ونلاحظ من خلال المناقشات داخل مجلس النواب صعوبة التمييز بين خطاب المعارضة والأغلبية. وهذا مؤشر على التكاملية بين السلطة التنفيذية وأغلبيتها. ومنهم من اعتبر هذا خروجا على المألوف. وقد يصنف في الايجابي أو السلبي حسب زاوية النظر. ومن المستجدات كذلك حضور المؤسسات العمومية لفتح الحوار بينها وبين المؤسسة. وقد كانت صعوبة في مراقبة هذه المؤسسات...ولا يمكن إهمال الدور الريادي الذي تقدمه النساء مساهمة منهن في هذا الحراك التشريعي/ التنفيذي. وبهذه الانطلاقة يريد مجلس النواب إثبات الوظيفة التشريعية والرقابية للمجلس ويتجاوز منطق التبعية للحكومة إلى المهنية البرلمانية في ظل مقاربة ديمقراطية..وعلى ضوء التعاون بين السلط . وتكريسا لهذا التوجه، ينتقل مجلس النواب من اقتراح قوانين عادية إلى قوانين تنظيمية مؤسسة كتقصي الحقائق ومبدأ الدفع الدستوري....مع الإشارة أن الحكومة لم تصدر إلا قانونا تنظيميا واحدا والمتعلق بالتعيينات في المناصب العليا...لكن الإشكال المطروح هو تحكم منطق المعارضة والأغلبية في المقترحات التشريعية..مما يعطل هذه الوظيفة خاصة عندما يقدم فريقان نفس المقترح...مما يدفع الحكومة إلى عدم التجاوب نظرا للإشكال السياسي المطروح...وفي تقديري ومن أجل تفعيل الوظيفة التشريعية لمجلس النواب من الواجب التنسيق بين كل الفرق باعتبار أن المجلس كتلة واحدة، وتبنى تشكيلاته على أساس نسبي. والتدافع السياسي يجب أن يحصل أثناء مناقشة البرامج والمشاريع الحكومية... ومن الأسباب التي تؤخر الوظائف النيابية هو انشغال مجموعة من أعضائه بالقضايا المحلية والمطلوب هو التوفيق بين المهمتين مع إعطاء الأسبقية لمجلس النواب. ومن الواجب أن نحل المشاكل العالقة بين مسؤولتي البرلمان والجماعات الترابية. وهذا يتطلب جرأة تشريعية تتجاوز الذات وتستحضر الحكامة البرلمانية والمجالية... عندما تحضر إلى اللجنة المالية أثناء مناقشة مشروع قانون المالية قد لاتستطيع التمييزيين الأغلبية والمعارضة . فهل هذا راجع لإثبات الذات النيابية التي تبرز تميزها عن التنفيذي؟ وفي هذه الحالة يجب التمييز بين الاجتهادات الفردية والمواقف الرسمية للفرق. خاصة وأن طبائع الأشخاص تلعب أدوارا في هذا المجال. ألم يتحدث ابن خلدون على طبائع العمران؟ وهل يمكن الحديث عن العمران بدون إنسان؟ هل هناك تقاليد بدأت تتفكك داخل البنية النيابية؟ لاشك أن مواقف الرأي العام وتحركات المجتمع المدني لهما أدوار فيما يجري. إضافة إلى طبيعة التشكيلة النيابية... ويمكن استحضار المناقشة كذلك التي همت تقرير اللجنة الاستطلاعية لسجن "عكاشة" كعينة للسجون المغربية...وحول الحسابات الخصوصية والتعويضات ووضعية المجالس... حيث يسود المشترك بين كل الأطياف النيابية..والإضافة النوعية داخل مكونات المجلس نذكر الشباب والنساء...الذين أحدثوا دينامية سياسية وإعلامية... يبلغ عدد النساء بمجلس النواب 67 نائبة وهذا ما أحدث تغييرا على مستوى الهياكل والحركية والحضور...رغم الحوار السياسي والدستوري حول مدة استمرارية اللائحة النسائية في علاقتها بالاختيار الديمقراطي..واللواتي أحدثن نقاشا سياسيا داخل المجلس خاصة فيما يتعلق بالشأن الاجتماعي بمفهومه العام...والقضايا المجالية والترابية...والحقوقية ..وقضايا المغاربة القيمين بالخارج.. يفتتح جلالة الملك بالجمعة الثانية لأكتوبر دورة البرلمان الخريفية. وتفتتح الدورة الربيعية في الجمعة الثانية من أبريل بدون الحضور الملكي. وهذا ما يعطي قيمة سياسية للخطاب الافتتاحي للملك الذي يلقيه بأكتوبر...ومنهم من يعتبره تأطيرا قيميا لعمل السلطتين التنفيذية والتشريعية.. لكن عمل البرلمان لا يتوقف خلال السنة خاصة بين الدورتين حيث تستمر اللجان وغيرها في الأنشطة...إضافة إلى استمرارية الإدارة البرلمانية في عملها العادي..أمام هذه المعطيات نطرح الأسئلة التالية: 1/ هل البنية الإدارية للمجلس متناغمة مع الوظائف البرلمانية؟ 2/ هل الجلسات العامة للمراقبة ملائمة لما عرفه المغرب من تغييرات؟ 3/ إلى أي حد تساهم لقاءات الفرق في تطوير العمل البرلماني؟ 4/ كيف يمكن تطوير ما يتداول داخل اللجان إعلاميا؟ 5/ كيف نجعل من مشروع القانون المالي محطة سنوية ينخرط فيها الجميع؟ 6/ هل هناك تفكير في تطوير ندوة الرؤساء مساهمة في صناعة الحكامة النيابية؟ 7/ ماهي الإستراتيجية التكوينية المؤهلة للموارد البشرية قصد تطوير المناقشة الرقابية والتشريعية والدبلوماسية؟ لسنا هنا بصدد الحديث عن الوظيفة التشريعية، بقد رما سنحاول ملامسة مجموعة من الإشكالات. غالبا ما تلعب الأغلبية الدور الحاسم في التأشيرة على المشاريع القانونية. ونادرا ما تؤخذ كل المقترحات بعين الاعتبار. نذكر أنه يصعب أخذ كل التعديلات ولكن لابد من الحرص على تجويد المشاريع إذا وجدت اقتراحات بنيوية ومؤسسة.وهذا يؤشر على الحالة الصحية للوظيفة التشريعية. وهذا التفاهم بين كل الأطراف يعطي نموذجا مثمرا . ويجب الحذر من أن يصبح التصويت بالعدد حلا سريعا . وللعبرة فمازلنا نخضع للقوانين وضعت منذ بداية القرن العشرين ولكنها تتمتع بالإتقان والمهنية رغم المدة الزمنية التي تفصلنا عنها. وتحتاج إلى ترميمات...ولا يجب أن تكون السرعة عاملا جوهريا في التسريع بإصدار المشاريع القانونية...نعم ترتيب الأولويات واجب، لكن مع استحضار المهنية والعلمية...ويبقى الدستور خارطة الطريق للمخططات التشريعية... ينطلق المسلسل الرقابي عبر مجموعة من الآليات نحو السؤال الشفوي والكتابي وعقد اللجان والزيارات الاستطلاعية ولجان تقصي الحقائق ....دون أن ننسى الجلسة الشهرية والسنوية المرتبطة بتقويم السياسة العمومية...لقد تعددت الآليات ولكن لابد من إعادة النظر في التخريجة والشكل حتى يظهر المجلس بصورة جديدة...ثم لماذا لا تفعل تقارير لجان تقصي الحقائق بناء على الدستور الجديد...وبذلك سنضمن الحضور المحترم للنواب كما يقع في جلسة رئيس الحكومة..ومن الواجب أن يحل المجلس تنقل النائبات والنواب من أماكن بعيدة...وهناك مجموعة من الدول التي وفرت الإقامة للنواب. لكن في نفس الوقت اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق الذين لا يقومون بواجبهم.... كما للبرلمان الدور الدبلوماسي كما هو معروف في الأعراف الدولية..ومن القضايا المشجعة في هذا الباب دسترة هذه العلاقات..لكن هذا الموضوع يحتاج إلى مجهود كبير وأن يستقل البرلمان بمواقفه دون أن يكون صدى للتنفيذي لأنه سيصبح تكرارا وليس إضافة نوعية...لأنه يبقى الإشكال مطروحا عندما نقارن بين البرلمانات الأوربية والبرلمان المغربي سواء من حيث البنية والاختصاصات ...وداخل البنية البرلمانية تطرح إشكالات في هذا المجال...ناهيك على المستوى الثقافي المطلوب في هذا المجال وللإشارة فالقانون لايشترط مستوى معين في هذا المجال..وتبقى المسؤولية ملقاة على الأحزاب السياسية سواء على مستوى الاختيارات أو التأهيلات...لذلك تطرح إشكالات في هذا المجال...وفي تقديري يجب تقويم هذه الوظيفة والتفكير في خريطة الطريق بناء على الدستور والأعراف الدولية... ويبدو لي أن مجلس النواب عاكف على وضع خطة من أجل تنمية العمل التشريعي. كيف ذلك؟ أولا لابد من تغيير العقليات وإحداث التناغم بين السياق الجديد والوظائف البرلمانية..انطلاقا من الاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من الثوابت الدستورية...خاصة وأن التشكيلة الموجودة في مجلس النواب مؤهلة لهذا التغيير إذا تم ضبط خطة عمل.. ومن أهم معالمها حسب تقديري ما يلي: - التنزيل الديمقراطي للمقتضيات الدستورية المتعلقة بمجلس النواب أما مجلس المستشارين فقد تجاوز المرحلة الانتقالية وأصبح مخالفا للدستورين معا الحالي والسابق... - إعطاء المؤسسة التشريعية الاستقلالية التامة والتحرر من المؤسسات الدستورية الأخرى وتفعيل العلاقات التي أجازها الدستور مع الهيآت والمجالس الدستورية حتى لاتفرغ من محتواها الدستوري.. - السعي إلى الحكامة النيابية والعقلانية انطلاقا من بسط معالم المهنية والعلمية بترشيد عمل الأطر والخبراء. واعتماد الرؤية الناظمة بين كل الفرق والمجموعات لأن المجلس بنية موحدة مع الاحترام للمواقف السياسية التي تفرضها العلاقة بين التنفيذي والتشريعي... - الشعور الدائم بأن النائبات والنواب يمثلون الشعب في إطار الديمقراطية التمثيلية، ومن تم يجب أن يعرف هذا المواطن مستجدات المجلس. ومن تم يتحتم عليه أن يوظف كل الآليات المتاحة من أجل تقديم الحصيلة ومن حقه القيام بلقاءات مباشرة مع المواطنين منظمة من أجل الوقوف على المشاكل على كثب إضافة إلى تبليغهم بالعمل النيابي مما يشجع مستقبلا على الاهتمام بالسياسة والاندماج في الشأن العام والمحلي.... - انطلاق التحضير لتهيئ البنية التحتية لاستقبال المبادرات التشريعية والرقابية مما سيدعم التواصل الدائم بين المجلس والمجتمع المدني....وهذه فرصة أتاحها الدستور يجب الاهتمام بها جيدا حتى لا تصبح عملا مفرغا من محتواها الدستوري... - حل الإشكال الإعلامي بإعلان القناة البرلمانية التي ستعتبر قفزة نوعية في إطار الديمقراطية. والتي لا تحتاج إلا للجرأة السياسية، شريطة أن تكون متعددة زوايا النظر طبقا لما جاء به الدستور المغربي.... - ومن أهم الأمور التي يجب أن نستحضرها هو منطق الحكامة البرلمانية والتي تتطلب الإجابة على الأسئلة التالية: - ما هي الآليات التي تعيق العمل البرلماني؟ - متى يتحلل المغاربة من مجلس المستشارين وانتخاب المجلس الجديد ضمانا للتنسيق والتجانس بين المجلسين؟ - كيف نحقق مبدأ فصل السلط والتوازن والتعاون؟ - كيف نرتب أولوياتنا التشريعية خدمة للمستجدات المطروحة؟ - كيف تتحرر الدبلوماسية البرلمانية من التبعية للمؤسسة التنفيذية إلى التكاملية؟ - كيف نجعل من الجلستين الأسبوعيتين محطات استقطاب كما هو الحال بالنسبة لجلسة رئيس الحكومة؟ في تقديري يجب أن يكون موضوع البرلمان خاضعا لنقاش عمومي، لأن هذا الحوار سيساعد في المساهمة في الوظيفة التشريعية والرقابية الشعبية وصناعة السياسات العمومية...لأن التنمية شأن عمومي...ولا غرو أن موضوع الثنائية مع الوضعية المعلقة اليوم أصبح بدون معنى يجب الاستدراك... ومن غريب الصدف أن تتكرر الأسئلة الشفوية مما يؤدي إلى الملل. لذلك كما قلت لابد من إعادة التخريج الشكلي حتى يتم التفاعل بين كل الأطراف...إننا أمام مجلس واحد بغرفتين..وليس برلمانيين منفصلين.. اعتمادا على ما ذكر يمكن مناقشة هذا الموضوع انطلاقا من القضايا التالية: التأهيل البرلماني- البرلمان بعد دستور 2011- التشريع والرقابة بين الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني- البرلمان والسياسات العمومية- وأخيرا نختم بقراءة متواضعة لحصيلة مجلس النواب خلال الدورة الخريفية: بلغت الحصيلة التشريعية 48 مشروعا و4 مقترحات..مع الإشارة أن عدد مشاريع المقترحات بلغ 62مشروعا وهذا مهم ويجب على المجلس اتخاذ التدابير اللازمة من أجل إخراجها للوجود. وبالمناسبة فقد تم التنافس على اقتحام القوانين التنظيمية والمؤسسة من قبل النواب نحو تقصي الحقائق..والمحكمة الدستورية..واللغة الأمازيغية..والذي يثير الانتباه أن المنافسة قائمة بين الأغلبية والمعارضة : 4 قوانين تنظيمية للأولى ونفس العدد للثانية... وبالنسبة للمقترحات فالأغلبية وضعت 38 مقترحا والمعارضة 21....وإذا كانت النسبية قد فرضت حوالي 964 سؤالا شفويا فإن الأسئلة الكتابية متواضعة 1326...ويبدو أن المعارضة في حاجة إلى تكثيف الجهود بالدرجة الأولى، حتى يتم التناغم والتوازن بين كل الأقطاب... نخلص مما سبق أن مجلس النواب مطلوب منه الاجتهاد أكثر لتكييفه عمله مع المقتضيات الدستورية الجديدة...وأول محطة إصلاحية النظام الداخلي للمجلس الذي تأخر أكثر من سنة ..ونظرا لأهميته فإنه يعرض على المجلس الدستور "المحكمة الدستورية مستقبلا" باعتباره مشروعا مؤسسا لمؤسسة نيابية دستورية تمثل المواطنين ولها وظائف مركزية على جميع المستويات...واعتماد تخريجة جديدة للوظيفة الرقابية..