يشكل انتهاء الدورة الخريفية للبرلمان المغربي، فرصة مناسبة لتقييم التجربة النيابية لما بعد الربيع العربي، بعد مرور نحو سنة ونصف من ممارسة المؤسسة التشريعية للوظائف التي منحها إياها دستور المملكة الجديد. وإن كان من الإجحاف الحكم سلبا على تجربة البرلمان في السنة الأولى من عمره، على اعتبار أنه في مرحلة الاستئناس مع الوظائف الجديدة التي خولتها له الوثيقة الدستورية لفاتح يونيو 2011، إلا أن ذلك لا يمنع من مساءلته وهو يدنو من سنته الثانية حول حصيلته في سنة تشريعية حاسمة، تتسم بإكراه تنزيل مقتضيات الدستور الجديد. فهل تمكنت المؤسسة التشريعية من التخلص من الأعطاب التي رافقته منذ نشأته على مستوى التشريع والرقابة؟ على الرغم من الصلاحيات التي خولها دستور المملكة الجديد للمؤسسة التشريعية، ممثلة في التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، وكذا التكلفة المالية التي وصلت إلى ما يربو عن 77 مليون درهم، همت تعويضات عن الحضور إلى جلسات المجلسين، لم يتمكن البرلمان بمجلسيه من رفع إنتاجه التشريعي، إذ أغلق دورته التشريعية الخريفية الثلاثاء الفائت، على حصيلة تشريعية هزيلة، حيث لم يتعد عدد القوانين التي صادق عليها مجلس النواب خلال دورة أكتوبر 52 نصا قانونيا، و45 على مستوى مجلس المستشارين. ولئن كان دستور المملكة الجديد قد منح للمؤسسة التشريعية سلطة التشريع لتجاوز العوائق التي اعترضت عملها في ظل الدساتير السابقة، ولاسيما فيما يخص التعامل السلبي مع مقترحات القوانين التي يتقدم بها البرلمانيون، وهي العوائق التي حولت المؤسسة التشريعية إلى مجرد غرفة لتمرير مشاريع القوانين التي تحيلها الحكومة على مجلسي البرلمان، إلا أن ما ميز الممارسة خلال الدورة الخريفية الماضية، هو استمرار نفس النهج في التعامل السلبي مع المبادرات التشريعية التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، حيث يبدو لافتا من خلال حصيلة الدورة أن مجلس النواب لم يصادق في نطاق ممارسة وظيفته التشريعية سوى على 4 مقترحات قوانين تتعلق بالنظام الأساسي لموظفات وموظفي مجلسي النواب والمستشارين، وبتعديل بعض مقتضيات القانون الجنائي، وكذا تعديل مادة في المسطرة الجنائية بهدف تعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة. بالمقابل بلغ عدد مقترحات القوانين قيد الدرس 62 مقترحا، منها 38 للأغلبية و21 للمعارضة، فيما تم لأول مرة بعد إقرار الدستور الجديد تقديم مقترحات قوانين تنظيمية من قبل النواب بلغ عددها 8 مقترحات مناصفة بين فرق الأغلبية والمعارضة. وحسب المتتبعين، فإن الحصيلة الضعيفة لمقترحات القوانين المقدمة من قبل المؤسسة التشريعية تسائل البرلمان لا الحكومة، بعد أن ألغى النظام الداخلي إلزامية حضور الحكومة في مناقشة مقترحات القوانين، كما تطرح الحاجة المسيسة إلى إعادة النظر في المساطر التشريعية لتسريع وتيرة الإصلاح التشريعي، وكذا البحث عن الوصفات الكفيلة بتحسين الأداء التشريعي لمشرعي الأمة في اتجاه الرفع من حصة مقترحات القوانين. وقبيل افتتاح الدورة الخريفية، كان كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، قد كشف أن ثلاث أولويات سيتم تسطيرها خلال تلك الدورة، أولها القوانين التنظيمية وتنزيلها، وثانيها: النهوض بالعمل البرلماني وعمل مجلس النواب، وثالثها: الإنكباب على القوانين التي ستعرضها الحكومة على المجلس في إطار تفعيل المخطط التشريعي الذي تضعه. لكن تبين أن البطء ظل ميزة لصيقة بالعمل التشريعي، وأن الكثير من تلك الأولويات غابت على مستوى التجسيد، مقابل طغيان قاموس عالم الحيوانات على أشغال الجلسات الأسبوعية للأسئلة الشفوية والجلسات الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة، بعد أن أثثت مصطلحات جديدة من قبيل «الحلوف» و«الغول» و«تماسيح وعفاريت» عبد الإله بنكيران، فضلا عن مشاهد «التعري»، المشهد البرلماني المغربي لما بعد دستور الربيع العربي. وعرفت الدورة التشريعية المنتهية تطورا في مقترحات القوانين مقابل مشاريع القوانين التي هي في غالبيتها معاهدات أو اتفاقيات دولية، غير أن اللافت أن حصيلتها سارت في نفس منحى سابقتها بتكريس قاعدة «قليل من تطبيق الدستور وكثير من مساءلة الحكومة». بل الأكثر من ذلك، وجدنا أن التنافس بين المعارضة والحكومة وأغلبيتها على تقديم مقترحات قوانين، تحول إلى مناسبة لتصفية الحسابات ووضع «العصا» في عجلة التشريع، حيث شهدنا كيف عملت حكومة بنكيران وأغلبيتها على سحب البساط من تحت أقدام فرق أحزاب المعارضة، بمناسبة تقديمها مقترحي قانونين مهمين، يخص الأول لجان تقصي الحقائق، والثاني يهم الحق في الحصول على المعلومات، بعد أن تقدمت بمقترحات قوانين مضادة عطلت عجلة التشريع وروح المبادرة. وإن كانت العديد من نقط الضعف تسجل على الأداء التشريعي للبرلمان في السنة الثانية من الولاية البرلمانية، إلا أن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى نقط مضيئة في عمل المؤسسة التشريعية، من أبرزها التحول الجذري الذي حدث في مهام اللجان البرلمانية، إذ تمكنت خلال هذه الدورة من مساءلة عدد من مسؤولي المؤسسات العمومية وشبه العمومية وإرغامهم على الحضور إلى البرلمان. وكان لافتا خلال ممارسة البرلمان لوظيفته الرقابية تزايد معدل اللجان الاستطلاعية إلى عدد من المؤسسات، في مقابل تجميد واضح لعمل لجان تقصي الحقائق المنصوص عليها في الفصل 67 من دستور 2011. وفيما لم ترق حصيلة المؤسسة التشريعية، من حيث ممارسة وظيفتها التشريعية والرقابية، إلى المستوى المطلوب، في ظل ما يخصها به دستور المملكة، عجزت تلك المؤسسة عن ممارسة المهمة الدستورية الجديدة التي منحتها الوثيقة الدستورية، والمنصوص عليها في الفصل 70 بعبارة: «يمارس البرلمان السلطة التشريعية، وصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية». وإذا كانت جلسات الأسئلة الشفوية الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة قد حققت نسب متابعة مهمة من قبل المواطنين، بعد أن فطن بنكيران إلى أهميتها لتوجيهه رسائله مباشرة إلى «خوتي لمغاربة» دون وسيط، إلا أن المؤسسة التشريعية فشلت في تفعيل مقتضيات الفصل 101 من الدستور، التي تنص على عرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة ومناقشة السياسة العمومية وتقييمها. وفي انتظار أن تستدرك المؤسسة التشريعية نقاط ضعفها في المجال التشريعي والرقابي وتقييم السياسات العامة، تبقى مسؤولية الأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة على السواء، قائمة في مدى قدرتها على تجاوز حساباتها السياسية والعمل على الأوراش التشريعية الكبرى، التي يدفع تأخيرها إلى المزيد من تعثر عجلة الإصلاح.