من المقرر أن يختتم البرلمان بمجلسيه النواب والمستشارين اليوم الثلاثاء الدورة التشريعية الخريفية 2012 2013 بحصيلة تشريعية مهمة وغنية من حيث عدد القوانين المصادق عليها والذي من المنتظر أن يصل إلى 43 نصا تشريعيا بعد الدراسة والتصويت على مجموعة من النصوص التشريعية يوم الثلاثاء بكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل اختتام الدورة التشريعية. وإذا كان المتتبعون للشأن البرلماني يسجلون ما تمثله الاتفاقيات الدولية في هذا العدد من القوانين المصادق عليها والتي يتجاوز النصف، فإن هذا المعطى يجسد إرادة كل من الحكومة والبرلمان في تقوية الدور الذي يضطلع به المغرب في المجتمع الدولي وترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والشراكة وتطوير العلاقات الدولية الثنائية منها والمتعددة الأطراف والتشبث بالمواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة، وذلك انسجاما مع أحكام الدستور الجديد التي بمقتضاها تسمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، علي التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة. إن حصيلة العمل البرلماني خلال الدورة التشريعية تستدعي أكثر من ملاحظة وتطرح أكثر من تساؤل بعد مرور حوالي سنة ونصف على التجربة النيابية في ظل الدستور الجديدة. تبقي الدورة التشريعية تأسيسية بامتياز نظرا للدراسة ومناقشة والتصويت على أول مشروع قانون مالي أعدته الحكومة الحالية المنبثقة من الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر 2011 في ظل الدستور الجديد الذي بمقتضاه يسهر كل من البرلمان والحكومة على الحفاظ على توازن مالية الدولة كما ينص على ذلك الفصل 77، إعمال الديمقراطية التشاركية ؟؟ ورش إصلاح النظام الداخلي لمجلس النواب باعتباره مكملا للدستور وآلية أساسية لتفصيله، إعداد خطة استراتيجية لتأهيل العمل النيابي وتحديثه وتطويره وغيرها من الأوراش الإصلاحية التي عرفتها الدورة. كان بالإمكان أن تكون الحصيلة التشريعية للبرلمان غنية أكثر لولا نظام الثنائية البرلمانية المعقد الذي لم يعالجه الإصلاح الدستوري الجديد في غياب تنسيق محكم وعقلنة فعالة. عدم شروع البرلمان في ممارسة مهمته الدستورية الجديدة المتمثلة في تقييم السياسات العمومية وفقا لأحكام الفصل 70 من الدستور إلى جانب التشريع والمراقبة. الاشكالية الدستورية التي تطرحها وضعية مجلس المستشارين في إطار الفصل 176 من الدستور لازالت تلقي بظلالها على الممارسةالبرلمانية. هناك تحول جذري في مهام اللجان البرمانية من أدوات للتشريع إلى آليات لمراقبة العمل الحكومي سواء على مستوى المهام الاستطلاعية، أو على مستوى دراسة قضايا طارئة تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني رغم ضعف تفصيل أحكام الفصل 102 من الدستور التي بموجبها يمكن للجان الدائمة المعنية في كلا مجلسي البرلمان أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الادارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤليتهم. كما سجلت الدورة تطورا في حضور الوزراء جلسات الاسئلة الشفهية الاسبوعية والتعامل الايجابي مع الاسئلة الآنية التي يطرحها أعضاء البرلمان، ولكن بعض القطاعات الحكومية لم تستوعب بعد التوجه الجديد للاصلاح الدستوري. وسجلت الدورة أيضا عدم إصدارات أي لجنة نيابية لتقصي الحقائق طبقا لأحكام الفصل 67 من الدستور أمام تزايد إعمال المهام الاستطلاعية للجان النيابية الدائمة. كما سجلت الدورة كذلك عدم المصادقة على أي قانون تنظيمي أو قانون تأسيسي في إطار المخطط التشريعي في غياب رؤية واضحة وخطة محددة لتنزيل هذا المخطط الذي يبقى المدخل الرئيسي لتحقيق مضامين وتوجهات الاصلاح الدستوري الجديد. لماذا استمر التعامل السلبي مع مقترحات القوانين ضدا على أحكام الدستور الذي بمقتضاه يجب أن يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين عندما نجد أن الحصيلة التشريعية لاتتعدى 4 مقترح قانون: اثنان منها يتعلقان بالنظام الاساسي لموظفي كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين والآخران بالمفصل 475 من القانون الجنائي ومدونة الاسرة، مع العلم أن المسؤولية لاتقع على عاتق الحكومة كما كان في السابق، بل ترجع إلى أعضاء البرلمان بعدما ألغى النظام الداخلي إلزامية حضور الحكومة في مناقشته مقترحات القوانين. لماذا لم يطلب رئيس الحكومة من رئيسي مجلسي النواب والمستشارين عقد اجتماعات مشتركة للبرلمان للاستماع إلى بيانات تتعلق بقضايا تكتسي طابعا وطنيا عاما كما ينص على ذلك الفصل 68 من الدستور لإعطاء دينامية وحيوية للعمل البرلماني؟ لماذا لم يتم تفصيل أحكام الفصل 160 من الدستور التي بمقتضاها يجب على مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والجهات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديموقراطية التشاركية أن تقدم تقريرا عن أعمالها مرة واحدة في السنة على الأقل يكون موضوع مناقشة من طرف البرلمان؟ - لماذا لم يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة طبقا لمقتضيات الفصل 101 من الدستور؟ - وفي نفس السياق لماذا لم تتم مناقشة السياسة العمومية وتقييمها كما ينص على ذلك الفصل 101 من الدستور الذي بمقتضاه تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لهذه الغاية؟ - إلى أي مدى تجسد جلسات الأسئلة الشفهية المتعلقة بالسياسة العمومية التي يجيب عنها رئيس الحكومة كل شهر في إعطاء دينامية لهذه الجلسات والخروج من الصورة النمطية وتعكس بالفعل انتظارات المواطنين وتطلعاتهم في تقوية المراقبة البرلمانية ما دام الدستور الجديد لم يعتمد آلية الاستجواب كآلية لمراقبة العمل الحكومية على غرار العديد من الدول الديمقراطية؟ إن الحصيلة التشريعية للبرلمان تترجم إرادة الحكومة والبرلمان في التعاون المثمر والحوار البناء في إطار فصل السلط وتوازنها لتحسين الأداء البرلماني وتطويره، غير أن إعطاء الممارسة البرلمانية مدلولها الحقيقي يقتضي التعجيل بالتفعيل السليم للدستور تصبح معه المؤسسة التشريعية فضاء ديموقراطيا حقيقيا للنقاش المسؤول والحوار البناء بما يستجيب لمتطلبات التحول الديموقراطي بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة وإعادة النظر في المساطر التشريعية لتسريع وتيرة الإصلاح التشريعي لمواكبة مستجدات القانون البرلماني في ظل الأنظمة الديموقراطية المعاصرة.