عادت قضية "المُنصّرين"، الذين تم ترحيلهم من المغرب في مارس 2010 بتهمة تبشير واستمالة أطفال مغاربة لاعتناق الدين المسيحي في منطقة عين اللوح، إلى الواجهة بعد أن تم الكشف عن كون هؤلاء "المُبشِّرين" طالبوا الدولة المغربية بتعويض مالي يناهز 15 مليار سنتيم على خلفية الحكم الذي صدر قبل أسابيع قليلة من لدن المحكمة الإدارية في الرباط التي قضت ببراءة هؤلاء المُنصِّرين. وكانت المحكمة الإدارية قد أدانت في هذه القضية الدولةَ المغربية، في شخص عدة وزارات ومؤسسات أمنية، موصية برفع الاعتداء المادي الواقع على جمعية "قرية الأمل الخيرية" وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، مع "تحميل مؤسسات الدولة كافة المصاريف الناتجة عن قرار الطرد والحجز على مقر وممتلكات الجمعية المذكورة". وللتعليق على هذه خلفيات وتداعيات هذه القضية اتصلت "هسبريس" بالدكتور محمد السروتي، أستاذ الأديان بكلية الناظور والخبير في قضايا التنصير، الذي قال إن قضية عين اللوح التي أثارت زوبعة إعلامية قبل أكثر من سنتين تعود اليوم من جديد، مع تغير في المواقع، فبعد أن كانت إحدى الأطراف متهمة بالتنصير، أصبحت اليوم تطالب برد الاعتبار والتعويض. واستدرك السروتي بالقول إنه ليس بصدد التعليق على مجريات أو مسار قضية تُعرض الآن أمام القضاء أو في درجة من درجات التقاضي، لها ما بعدها، خصوصا أن الحديث عن الأمر يفرض ضرورة الإطلاع على حيثيات الموضوع وتفاصيله، أو انتظار حكم القضاء ليقول كلمته في النازلة، وهي التفاصيل التي تعذر الوصول إليها إلى حدود الساعة" بحسب السروتي. القيم والتنمية وقال السروتي إن "القضية، في طوريها الأول والثاني، تفرض اليوم ضرورة إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع قضية التنصير، فلا المقاربة الأمنية أثبت نجاعتها في التعاطي مع التنصير، ولا الحد من توغله في مختلف المناطق المغربية، ولا غض الطرف عن بعضها، أو إحاطة ملف المعطيات عن التنصير أثبت صحته". وتابع الخبير في قضايا التنصير بأن "هذه القضية تستدعي ضرورة التفكير في مقاربة تشاركية، منطلقها الأساس تمتين القيم المغربية السمحة وتعزيزها في المنظومة التربوية والثقافية، دون إغفال مواطن الهشاشة بإيلائها العناية والاهتمام الذي تستحق لتلتحق بركب التنمية". وأردف المتحدث بأنه "أصبح من العيب أن تنقطع مناطق معينة في المغرب بأكملها عن العالم الخارجي في مواسم محددة من كل سنة، ومن العيب أن نشهد ولادات أمام أبواب المستشفيات أو سيارات الأجرة، أو أن تُحمل الحوامل على الأكتاف مدة ليس بالقصيرة للوصول إلى نقطة طريق سالكة... وأبرز أستاذ الأديان بكلية الناضور بأن "أي حديث عن مقاربة ظاهرة التنصير في ظل هذه المنافذ هي مجرد صيحة في واد، سرعان ما ينمحي صداها بسرعة"، مشيرا إلى أن "أفضل مقاربة للظاهرة تكون بسد المنافذ التي يتم استغلالها؛ فإن استغل المرض، والجهل، والفقر... فعلى المعنيين تحسين جودة الخدمات الصحية، وتعميم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي، وخلق فرص العمل للشباب العاطل، فالفراغ هو العدو الحقيقي وعلينا ملئه، وإن تُركت هذه المساحات فإننا في الأفق القريب لن نتحدث فقط عن التنصير، وإنما عن أمور أخرى أيضا" وفق تعبير الباحث. لا للتعاطي الموسمي وشدد السروتي على أن "مقاربة ظاهرة التنصير في المغرب ينبغي أن تتعالى عن منطق التعاطي الموسمي الذي أصبحت سمة من سماتها الأساسية اللصيقة بها، حيث لا نكاد نسمع عن قضية التنصير إلا في مواسم محددة تتباعد وتتقارب زمنيا، بشكل يفرض التساؤل: "ألا يمكننا أن ننعتق يوما من دومة رد الفعل، وهل ننتظر دائما مجيء الوفود التنصيرية، أو اكتشاف المجموعات التبشيرية شمال المغرب أو جنوبه بوسائلها المتجددة، أو ننتظر إثارة قضية التنصير في إحدى المحاكم وصدور حكم ابتدائي أو "نهائي" لصالح هذا أو ذلك... "آنئذ تُقرع طبول المنابر الإعلامية وتشحذ الأقلام الصحفية وغيرها، وتخصص الملفات الإعلامية للحديث عن التنصير في المغرب" يورد السروتي الذي زاد بأنه "من خلال هذا المنطق نسقط في فخ رد الفعل، وقد لا يسعفنا سياق تعاطينا لهذه الظاهرة أن نكون منصفين أو موضوعيين، ولا حتى تقديم مقاربة شمولية للموضوع". وخلص السروتي إلى كون "أول الطريق في مسافة الميل هو خطوة فتح نقاش حول ظاهرة التنصير في المغرب، نقاشا يتجاوز منطقي التهويل والتهوين، ودون خوف أو وجل"، متابعا بأنه يستحضر كلمة عالم مغربي جليل حين سأله مرة أحدهم عن احتمال تنصره بالدخول إلى الكنيسة، فأجابه العالم "إذا كان دخول هذا الشخص إلى الكنيسة سيزعزع عقيدته، ويجعله يتنصر "فالله إيهنيه"، فلا حاجة لنا به، ولا بأي متذبذب ميال مع الريح أنّى مالت".