اعتبر الدكتور محمد السروتي، الخبير في قضايا التنصير، أن كل مُتنصِّر مغربي هو مشروع مُنصِّر، فالتنصير "الكامل" لا يتم إلا بنشر هذه الديانة واستقطاب أتباع جدد، مشيرا إلى أنه بالرغم من الاعتراف الرسمي بوجود حركات تنصيرية تنشط في البلاد، إلا أنَّه ليست هناك إحصائيات دقيقة عن التنصير. ولفت السروتي، في الجزء الثاني من الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن الفئة الأكثر استهدافا وعُرضة للخطاب التنصيري هي الشباب، لكونها أكثر الشرائح انفتاحا على الخارج، وأكثرها استعمالا للوسائط التقنية الحديثة، فضلا عن هدف المُنصرين في الوصول إلى نسبة 10% من المتنصرين في أفق سنة 2020. وبعد أن انتقد الطابع الموسمي لمناقشة ظاهرة التنصير، شدد السروتي على أنه يلزم اتخاذ موقف وسطي إزاء التنصير دون تهوين يوقع في الغَفْلة، ودون تهويل يوقع في اليأس، مبرزا ما ينبغي على علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي القيام به، وهي الأدوار التي ما تزال مُغيَّبة للأسف بخصوص بحث وفهم الحركة التنصيرية في المغرب. وكان السروتي، قد تحدث في الجزء الأول من الحوار الذي نشرته هسبريس، عن كون التنصير كما هو مُمارس على أرض الواقع لا يمكن أن يندرج ضمن الحرية الدينية"، موضحا بأن "التنصير الحقيقي يجري في القرى النائية، والمناطق التي تعرف أعلى مستويات الهشاشة الاجتماعية". أشارت وثيقة سابقة ل"ويكيليكس" إلى أن 90 في المائة من المغاربة المنصرين اعتنقوا المسيحية على يد مواطنيهم المغاربة، أو بتتبع القنوات الأجنبية عبر الأقمار الاصطناعية، بينما اعتنق 10 في المائة فقط المسيحية بفعل الحملات التبشيرية الأجنبية...إلى أي حد هذه المعطيات صحيحة ومنطقية؟ وهل لديكم معطيات أو إحصائيات تخص عدد المُنصرين بالمغرب، أو عدد الذين تحولوا من الإسلام إلى الدين المسيحي في المغرب؟ لا شك أن الجانب الأهم والأعْقَد في رصد دراسة ظاهرة التنصير هو توفر المعطيات والإحصائيات الدقيقة عن الظاهرة، للوقوف على حجمها، وطرق امتدادها أولا، وثانيا للحكم على المجهود المبذول للحد منها سلبًا أو إيجابًا... بيد أنَّ أول عقبة يواجهها الباحث هي غياب المعطيات الرسمية عن التنصير، لكن لن تمنعنا هذه العقبة من تناول ما هو متاح ومتداول؛ وعليه سأجيب على سؤالكم في مستويين: أولا: بعض التقارير بالفعل استندت إلى لقاءات أجريت مع بعض المنصرين، وأشارت بالفعل إلى أن اعتناق بعض المغاربة للنصرانية كان عن طريق لقائهم مع بعض النصارى المغاربة، وسماهم أحد هذه التقارير ب: "القادة المسحيين المحليين"، إضافة إلى إشارة مشروع:"ASM" الخاص بدعم ورعاية "الكنيسة الوطنية الصاعدة"، الشيء الذي يمكن معه القول أن كل متنصر مغربي هو مشروع منصر، فالتنصير "الكامل" لا يتم إلا بنشر هذه الديانة واستقطاب أتباع جدد، لذا لا يتوان بعضهم عن المحاولة بشتى الطرق والأساليب، ولو اقتضى الأمر التنقل بين مختلف المدن المغربية للقاء بعض المتنصرين الجدد... بيد أن هذا التقرير سجل في الوقت ذاته ما أسماه على لسان "القادة" اضطهادا وتضييقا ورقابة حكومية على شعائرهم. وهنا تظهر مفارقة عجيبة تدفعنا للتساؤل عن المصادر المعتمدة لإيراد هذه المعطيات التي تحدث عنها التقرير... أهم "القادة" المسيحيون المحليون؟ حقيقة بعض العبارات قد توحي بوجود فعلي لقادة مع تحمله كلمة "قادة" من إطار معرفي وأكاديمي تؤهل المرء حقا للقيادة والتخطيط.. في حين أن واقع الحال لا يدل على ذلك، فالمتتبع البسيط لظاهرة التنصير في المغرب، والقراءة السريعة للأوساط المستهدفة تبين أنها أوساط الأمية والجهل التي لا يمكن أن تنتج قادة، الشيء الذي يجعل من عبارة "قادة" في التقرير عبارة دعائية تتغيى تضخيم الوجود النصراني في المغرب لا غير. أما الإشارة إلى أن معظم معتنقي النصرانية من الأمازيغ، وربطها بالكنائس المنزلية بالجنوب، ففي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى بعض الأمور الأساسية... الأولى تتعلق بالكنائس المنزلية، باعتباره أحد الأساليب التي دعا إليها المنصرون في مختلف مؤتمراتهم التنصيرية، وتحديدا مؤتمر كلورادو في الولاياتالمتحدةالأمريكية، كآلية لتسهيل لاصطياد المنتصرين الجدد وعزلهم... وتشهد لهذا بعض الوثائق والأدبيات التنصيرية الوافدة، ويمكن التمثيل برواية "حميد: قصة من المغرب"، التي وصفت هذا الطفل الصغير برسول المسيح الصغير، الذي أخذ العهد على نفسه أن يبلغ "رسالة المسيح" لوالدته، لتنعتق من الظلام والبؤس الذي تعيشه في ظل الدين الإسلامي... والمستوى الثاني؟ هو ما أشرت إليه في مقدمة الإجابة عن السؤال بالإشارة إلى أنَّ أول عقبة يواجهها الباحث هي غياب المعطيات الرسمية عن التنصير، يدفعنا لمقاربتها من زاويتين: الأولى رسمية، والثانية غير رسمية. فبالنسبة للجانب الأول؛ فعلى الرغم من الاعتراف الرسمي بوجود حركات تنصيرية تنشط فوق التراب المغربي، إلا أنَّه ليست هناك إحصائيات ولا أرقام عن الظاهرة، ولم تقدم هذه المعطيات للرأي العام، على الرغم من مساءلة بعض الفرق النيابية لوزارة الأوقاف عن الظاهرة في أكثر من مناسبة، ولا شك أن غياب المعطى الرسمي يستند إليه البعض للتقليل منها لدرجة وصفها بالفقاعة الإعلامية التي تُحسِن بعضُ الأطراف إطلاقَها بين الفينة والأخرى إمعانًا في تقوقعها على الذات خوفًا وتوجُّسًا من الآخر، وفي نفس الوقت يترك المجال لتسرب أرقام ومعطيات تنقصها الدقة والموضوعية. وماذا عن الإحصائيات غير الرسمية؟ الجانب غير الرسمي وجد المجال مشرعًا أمامه في ظل الغياب التام للمعطيات والإحصائيات الرسمية لإيراد أرقام سمتُها الأساس عدم الدقة والاضطراب؛ فمثلاً تشير بعض الصحف المغربية إلى وجود حوالي 800 منصِّر بالمغرب، وحوالي 13 كنيسةً بالمغرب (150 من الطائفة الإنجيلية)، في حين تتحدَّث أخرى عن أنَّ عدد المنصّرين الأوربيين يقدر بحوالي 900 منصِّر، 500 منهم يوجدون بشكل دائم بالمغرب، و5 قساوسة من البروتستانت هم مسجلون رسميًّا في الكنيسة الإنجيلية، كما قدرت بعضها عدد الذين استبدلوا المسيحية بالدين الإسلامي بحوالي 7000 شخص، 2000 منهم في الدارالبيضاء فقط، في حين تشير أخرى إلى أكثر من30 ألفًا، ومَن قال بحوالي 45 ألفًا، وأخرى قالت ب 58 ألف مغربي تنصَّر. لا شكَّ أنَّ بعض هذه الأرقام متضاربة ومبالغ فيها، حتى أن البعض أشار إلى أن إيرادها يعطي مشروعية غير حقيقية لحجم وجودها في المغرب، لكنها في النهاية دالة ومؤشرة على وجود حقيقي وواقعي للظاهرة، وليست مجرد فقاعات إعلامية، كما أن الإحصائيات ليست وحدها الدالة على الظاهرة، بل إن الآليات والأساليب التنصيرية هي أيضًا مؤشر بالغ الأهمية. لعل سؤال المعطيات يقودنا رأسا للحديث عن الفئات المستهدفة من التنصير؟ الملاحظ أن الفئة الأكثر استهدافا وعرضة للخطاب التنصيري هم الشباب، وتحديدا الأقل مناعة منهم، ولعل استهداف هذه الفئة الاجتماعية راجع بالأساس لأهميتها ودورها في رسم مجموعة من الخيارات الاستراتيجية، لذا جعلته المنظمات التنصيرية مدخلا أساسيا من مداخل التنصير، ويمكن ربط هذا الاهتمام بهذه الفئة في المغرب، لأنها أولا من أكثر الفئات انفتاحا على الخارج، وأكثرها استعمالا للوسائط التقنية الحديثة التي تمكن من سرعة الاتصال والتواصل، ويمكن أيضا ربط هذا الاهتمام بالهدف المنشود وهو: للوصول إلى نسبة 10% من المتنصرين في أفق سنة 2020. وإن اعتبر الرقم في ظل الواقع ونتائج المنصرين ضربا من الخيال، بيد أن المتتبع لمنشوراتهم وأنشطتهم يدرك جيدا أنهم جادون في العمل وساعون لتحقيقه وإنجاحه بشتى السبل، وبمختلف الإغراءات التي تتضمن الدعم المادي وتوفير فرص للسفر والزواج، وتقديم مختلف الخدمات الاجتماعية والصحية والرياضية والترفيهية. بل إن الاهتمام بفئة الشباب ساهم في تطوير الوسائل التنصيرية التي كانت بالأمس القريب تعتمد فقط على دغدغة العواطف، إلى ظهور كتابات تخاطب فكرية ودينية مغلوطة عن الدين الإسلامي مستغلة المراهقة الدينية وفراغها من المعطيات الصحيحة وضعف تكوينها الديني الجيد، وهذا ليس بغريب على هذه المنظمات مادام شعار عملهم: إذا لم تستطع تنصير مسلم فلا تمكنه من أن يكون مسلماً حقيقياً، كما انبثقت أيضا مواقع ومدونات ومنتديات اليكترونية متعددة موجهة إلى الشباب المغربي خصوصا. من قيبل: "حب المغرب، أصدقاء، الكلمة، مركز أطلس..." لهذه الأسباب وغيرها تضع الحركات التنصيرية نصب أعينها فئة الشباب ضمن الأولويات، خاصة وأن هناك حديثا عن ضرورة أن تصبح النصرانية في المغرب هي الديانة الرسمية الثانية، وعن سعي جهيد لاستنبات أقليات نصرانية به، وفي هذا الصدد تم الإعلان عن نسخة جديدة من مشروع يسمى ب:"ASM" ''السنة الدولية للصلاة من أجل المغرب''An international year of prayer for Morocco" وانطلق هذا المشروع سنة 2002 ويرعاه اتحاد يضم عدة منصرين ومنظمات تنصيرية وبعض المسيحيين المغاربة، ويهدف إلى ''توحيد صلاة المؤمنين حول العالم من أجل احتياجات المغرب ومجموعاته الإثنية التي لم يصل إليها صوتنا ورعاية لكنيسته الوطنية الصاعدة''، وقد فتح باب التسجيل في ''المؤتمر المغربي الثامن'' ب''سياتل'' بولاية واشنطن، من أجل مناقشة قضية واحدة هي: فرص العمل "التنصيري" بالمغرب وتقييم الجهود المبذولة من قبل النصارى المغاربة والعمل من أجل مد شبكات تنصيرية في مختلف مناطق المغرب، وذلك تحت شعار: "انهض وتألق أيها المغرب". ما هي برأيكم الآليات العملية التي يجب اعتمادها لمقاومة التنصير، وعدم تضخمه حتى لا يصير مدا جارفا يزعزع بحق عقيدة المغاربة؟ لا شك أن سؤال ما العمل؟ هو حجر الزاوية في دراسة ظاهرة التنصير، والأمر الأساسي في نظري الذي ينبغي الانطلاق فيه لمقاومة ظاهرة التنصير هو تحديد الموقف من الظاهرة، وهو موقف لا يستهين بمخاطر المُنَصِّرين؛ ولكن دونما تهوين يوقع في الغَفْلة عنِ الخَطَر وهو حقيقي، ودونما تهويل يوقع في اليأس والقنوط، وفي إطار هذا الموقف الوَسَطي يُمْكِننا الحديث عنِ الآليَّات والوسائل لمُوَاجَهة الحركة التَّنصيريَّة، بمُتابعة ورَصْد الظَّاهرة، للوُقُوف على طبيعتها وتجليَّاتها في مُختلف المَنَاطِق، بشكل يمكننا من الوعي بحقيقة خريطة التنصير بالمغرب التي أصبحت معرفتها أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى، وشرطا أساسيا في أي مقاربة مندمجة لمواجهة هذا التحدي. ولا بد أيضا من أن تكون هذه المقاربة محل مدارسة كل الفاعلين الدينيين ضمن شراكة استراتيجية تروم أول ما تروم حماية الأمن الروحي للمغاربة ومنع أي محاولة لاختراقه. ولعل من أهم عناصر هذه المقاربة أن يتم الالتفات إلى دور العلماء وتقوية فاعليتهم في هذا المجال، خاصة في المناطق التي يركز عليها النشاط التنصيري. وماذا تقترح كآليات يمكن تطبيقها على الأرض في هذا السياق أستاذ السروتي؟ لا بد من عرض هذا الموضوع على أجندة التفكير المغربي، فهو على الأقل يسمح بمناقشة الموضوع من مقاربات متعددة تسهم في تقديم رؤية واضحة المعالم ومكتملة الأبعاد؛ فما المانع مثلاً مِن تشكيل مرصد أو خلايا بحث لِرَصد وتتبُّع تجليات الظَّاهرة تابعة لمؤسسة ما؟! خصوصًا وأنَّها تتغلغل بشكل منظَّم، وليست مجرَّد جهود فرديَّة. فلا يمكن البتة الحديث عن علاج للمرض في غياب شِبْه تامٍّ للتَّشخيص؟.. ومن الأمور الأساسية في نظري، عدم الانسياق وراء ردود الفعل المضادة، سواء كانت صادرة من أفراد أو مؤسسات خارجية فالمتأمل مثلا، لرد فعل بعض الدول الأجنبية على موقف المغرب بخصوص طرد الأجانب الذين ثبت تورطهم في التنصير، يصاب حقيقة بالاندهاش من المزايدة السياسية التي تقدم عليها بعض الدول التي تسمح لنفسها بالتدخل في شأن داخلي مغربي، وتريد أن تحجر على المغاربة، وتعلمهم كيفية التعامل مع قضاياها الداخلية. والحقيقة أنه ينبغي أن توضح لهذه الأطراف وغيرها، أن مسألة التعامل مع المنصرين شأن سيادي لا تملك أي جهة خارجية الحق أن تقرر فيه، ولا حتى مجرد أن تضغط للتأثير عليه، لاسيما وأن الإجماع منعقد على أن "الأمن الروحي" للمغاربة خط أحمر لا يمكن المساس به، ولا التهاون فيه. نعم، قد يكون واردا أن نناقش قضية التنصير بما فيها قرارات وزارة الداخلية داخل السقف المغربي، وقد يختلف النقاش داخليا حول شكل التعاطي بين الصرامة في تطبيق القانون، وبين اختيار أي قرار سيادي يمكن أن يضمن تحقيق الأمن الروحي للمغرب، لكن يبقى ذلك دائما ضمن السقف الوطني. يُطرح سؤال دائم بخصوص دور علماء الدين ومؤسسات العلماء بالمغرب في هذا الشأن؟ مِن التساؤلات الجوهرية المرتبطة بظاهرة التنصير هي تلك المتعلقة بالجهود المبذولة من الجهة الرسمية لمكافحة الظاهرة، ويدخل ضمن الجهة الرسمية مجموعة من الفاعلين، ولعل أبرزهم مؤسسة العلماء وغيرها من المؤسسات.. لكن عادة ما يتم الإشارة إلى مؤسسة العلماء بأسئلة مختلفة عن وجودها أو غيابها بمناسبة أو غير مناسبة، وكأنها المؤسسة التي تملك العصا السحرية لتجنيب العباد والبلاد مختلف الويلات، فقبل مطالبتها بأي دور، ينبغي ضمان كافة ظروف اشتغالها المعنوية والمادية، وتأطير كوادرها التأطير العلمي والديني الجيد لتكون المؤسسة في مستوى التحدي. بيْد أنني أجد الفرصة مناسبة لوضع بعض النقاط على الحروف في هذه المسألة، فمما لا شك أن مكافحة ظاهرة التنصير أمرٌ في غاية الأهمية يشترك فيها الجميع، ولا يقتصر فقط على ما يمكن أن تقدِّمه الدولة بمؤسساتها المختلفة في المجال، وإن كانت مساهمتها أساسية، وعليها يتوقف أمر الحد من تأثير هذه الظاهرة وتغلغلها؛ لأن الحد من ظاهرة التنصير يستدعي تضافر جهود الجميع،... ولكن يبقى الشيء الأبرز في هذا الصدد أن المؤسسة المعنية وجَّهَت في إحدى السنوات جَميع الخطباء والوعَّاظ لضرورة تخصيص خطب جمعة ودروس للتنبيه على ظاهرة التنصير وخطورتها في المغرب، كما شهدنا في السنوات القليلة الماضية صدور مذكرة توجيهية للمجلس العلمي الأعلى، وهي بادرة جيدة وعلى قدر كبير من الأهمية، غير أنها تظل غير كافية لتمتين الذات المغربية لمواجهة مثل الظواهر التي تعزف في الغالب الأعم على وتر الإغراءات المالية، والاحتياجات المادية. هذا في انتظار مؤسسات أخرى أن تسهم بدورها في المجال. وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن ظاهرة التنصير لم تحظَ قط باهتمام علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي، خصوصًا وأن هناك من يرى ضرورة محاربة التنصير اجتماعيًّا، ليس فقط لاعتباره يمس إحدى المستويات الحساسة التي يتحدَّد منها الجزء الهام من نسيج اعتقاد المغاربة المرتبط أساسًا بهويتهم الدينية والاجتماعية، ولكن أيضًا بفعل ما يمكن أن يطرحه التنصير من أسئلة حرجة ومقلقة تتعلق بمدى قابلية المجتمع المغربي في ظل شروطه الدينية والاجتماعية والاقتصادية الحالية لتتشكَّل فيه الطوائف المتعددة الولاء، والمدعومة خارجيًّا... خصوصًا أن هناك من تَساءَل عن مستقبل "إمارة المؤمنين بالمغرب" في ظل المد التنصيري؟، وهو بلا شك أمر سيدخل المغرب في احتكاكات نحن في غنًى عنها. برأيك لماذا تتجه قضية التنصير في المغرب نحو الطابع الموسمي ولا تشملها خطة أو استراتيجية دائمة؟ إننا نسجل بأسف تقاعُس جلِّ المعنيين بالأمر للحدّ من فاعلية الظاهرة، ولكننا في الوقْتِ ذاته لا نبخس جهود بعض المؤسسات التي أخذت على عاتقها التوعية بخطورة التنصير وتَجليَّاته وانعكاساته على الفرد والمجتمع، وكذلك مختلف المنابر الإعلامية التي خصَّتْهُ بملفات متميزة، بيد أن السمة المشتركة بين جل الجهود - على قلتها - رسمية كانت أو غير رسميَّة، أنَّها تشترك في كوْنِها لا تتجاوزُ الطابع "الموسمي" في أغلب الحالات، وبالتالي لا تعدو أن تكون سوى ردَّة فعل، سرعان ما يتم نِسيانه، وصيحة في واد سرعان ما يختفي رجع صداها. في حين نرى أنَّ مؤسَّسة متابَعة ورصد التنصير في المغرب أمرٌ بالغ الأهمية للحد من فاعليته وانتشاره، هذا في الوقت الذي يبقى فيه جلّ المشتغلين في تتبع ورصد الظاهرة يعتمدون على إمكانيات ذاتية تصطدم بعقبات وعراقيل لا حصر لها، تجعلهم أحيانًا بين مطرقة السلطة بصَمْتِها وسِنْدان الظاهرة بسريتها.. وعليه، فإن مقاربة ظاهرة التنصير في المغرب، ينبغي أن تتعالى عن منطق التعاطي الموسمي الذي أصبحت سمة من سماتها الأساسية اللصيقة بها، فلا نكاد نسمع عن قضية التنصير إلا في مواسم محددة تتباعد وتتقارب زمنيا، بشكل جعلني أكثر من مرة أتساءل "ألا يمكننا أن ننعتق يوما من دومة رد الفعل، هل ننتظر دائما مجيء الوفود التنصيرية، أو اكتشاف المجموعات التبشيرية شمال المغرب أو جنوبه بوسائلها المتجددة"؟ أو ننتظر إثارة قضية التنصير في إحدى المحاكم وصدور حكم ابتدائي أو "نهائي" لصالح هذا أو ذلك؟... آنئذ تقرع طبول المنابر الصحفية وتشحذ الأقلام الصحفية وغيرها، وتخصص الملفات الإعلامية للحديث عن التنصير في المغرب.. إننا بهذا المنطق نسقط في فخ رد الفعل، وقد لا يسعفنا سياق تعاطينا بهذا المنطق للظاهرة؛ لا أن نكون منصفين أو موضوعين، ولا حتى تقديم مقاربة شمولية للموضوع..لذا أعتقد أن أول خطوة في الطريق هي فتح نقاش حول ظاهرة التنصير في المغرب، نقاشا يتجاوز منطق التهويل والتهوين... ودون خوف أو وجل من الظاهرة.