انتقد الدكتور عبد العالي مجدوب، الباحث المتخصص في الشأن الإسلامي بالمغرب، "الغموض" الذي يجده العديد من المتتبعين والمهتمين في كيفية اشتغال عدد من المؤسسات الداخلية في جماعة العدل والإحسان، مشيرا إلى أن "الجماعة أخبرت الرأيَ العام بالنتائج التي أسفرت عنها مداولاتُ مجلس الشورى، ومنها اختيار محمد عبادي أمينا عاما للجماعة، لكن كثيرا من مكونات هذا الرأي العام كانت حريصةً أن تعرف ممّ يتكون مجلسُ الشورى؟ وما عددُ أعضائه؟ وهل هم أعضاء منتخبون أم معيّنون أم خليط من الاثنين؟ وكيف يعمل هذا المجلسُ، وكيف تجري فيه المشاورةُ، وكيف يتم اتخاذ القرارات النهائية؟ وعلل القيادي السابق في العدل والإحسان انتقاداته هذه، في حديثه مع هسبريس، بأن كثيرا من المهتمين والمتتبعين لشؤون الجماعة، وكثيرا من الصحفيين، لا يكتفون بالنتيجة التي قُرئت عليهم، بل يريدون أن يعرفوا أكثر عن كيفية تدبير الخلافات داخل الجماعة، وعن الإطار التنظيمي والقانوني الذي يُنظم التشاورَ والتحاورَ والتناقش". حجج واهية وتابع مجدوب تساؤلاته بالقول: "لماذا لا تعلن الجماعة للرأي العام عن القانون الخاص بمجلس الشورى؟ والقانون الخاص بمجلس الإرشاد؟ وعن صلاحيات هذه المجالس القيادية، وسلطاتها، وعلاقاتها بالمجالس الأخرى، وطنيا وإقليميا؟ وإلى متى ستظل قوانينُ هذه المجالس معلوماتٍ يحتكرها أفرادٌ معدودون داخل الجماعة؟، ثم كيف يُعقل أن يكون المرء عضوا في الجماعة، وهو لا يعرف عن قوانين المجالس القطرية القيادية شيئا؟ بل هناك مسؤولون محليّون لا يعرفون عن هذه القوانين شيئا" يجزم مجدوب. ودحض مجدوب ما تقدمه الجماعة من حجة تبرر بها عدم نشر كلَّ ما يتعلق بقوانين هياكل تنظيمها، وذلك حتى لا تصبح مكشوفة أمام مكائد المخابرات، وعيون السلطات الأمنية المتربصة، وحجتها تلك يردف الباحث تتمثل في ظروف الحصار والمنع والقمع، لكنها حجة لا تصمد أمام النقد، لأن الدولة بحكم خبرتها الطويلة وما تملكه من الوسائل المادية والبشرية، وبحكم تجاربها الطويلة والمتعددة في مواجهة الجماعة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، باتت تعرف عن الجماعة كلَّ شيء تقريبا، بل أكثر مما تتصور الجماعة"، وفق تعبير المتحدث. "الاحتجاج دائما بهذه الحجة، إنما هو إصرار على أن تظل الجماعة "شبه سرية"، لا يكاد يعرف الرأيُ العام عن شؤونها التنظيمية الداخلية شيئا، باستثناء بعض المعلومات الغامضة والناقصة، التي تتسرب من هنا وهناك، تكون دائما عرضة للتأويلات والزيادات، فضلا عن الإشاعات المغرضة والتلفيقات الباطلة" يورد القيادي السابق في الجماعة. واستطرد مجدوب بأنه "لو كان بين أيدي الناس، مثلا، القانونُ المنظم لمجلس الشورى، أو لمجلس الإرشاد، أو لغيرهما من مجالس الجماعة، لَمَا كثرت التأويلات في شأن طريقة اختيار المسؤول الأول في الجماعة، ولَمَا ذهبت الظنونُ والتخمينات إلى ما ذهبت إليه في ما نشرته كثير من المنابر الصحافية، التي عَمَدت إلى تجميع تصريح من هنا، ومعلومة من هناك، ورأيٍ من هذه الجهة، في غياب نص قانوني منشور متداول، يعرفُ به الناس حقائقَ الأشياء بَدَل التَيَهان في بيداء الظنون والإشاعات والتلفيقات والمعلومات اللقيطة". وانتهى مجدوب، في تصريحاته ذاتها للموقع، إلى أن "ما يحتجّ به مسؤولو جماعة العدل والإحسان لمنْع نشر قوانين الجماعة لم يعد اليوم مقبولا، وخاصة لدى شرائح واسعة من الرأي العام داخل الجماعة". اختيارات الجماعة لن تتغير وفيما يخص مضمون البيان الصادر عن الدورة الاستثنائية لمجلس الشورى لجماعة العدل والإحسان، يؤكد مجدوب بأنه يؤشر على كون "الجماعة، بعد وفاة مرشدها المؤسس رحمه الله، ماضيةٌ في خطها التربوي والسياسي الذي خطه الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله". وحول اختيار الأستاذ محمد العبادي أمينا عاما للجماعة، أفاد مجدوب بأنه "عمل تنظيمي عادي"، وقد كان متوقعا أن يقع الاختيار على السيد العبادي، لما يحظى به من قبول لدى جميع إخوانه، فضلا عن سابقة الرجل وربانيته وبلائه مع إخوانه من جيل المؤسسين" يفيد مجدوب. وأبرز مجدوب بأنه حسب اطلاعه ومعرفته وتجربته اختيار الأمين العام للجماعة لن يغير من اختيارات الجماعة شيئا، وخاصة في الجانب السياسي، حيث ستبقى الجماعةُ متشبثة بمنهاجها التربوي وباختيارها السياسي على الصورة الأصلية التي ظهر بها هذا المنهاجُ، وهذا الاختيارُ في اجتهاد المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله. ويرى مجدوب بأن "الجماعة لن تحقق تقدما في مسارها السياسي الاجتماعي التدافعي، إن هي بقيت جامدة على اجتهاد مرشدها"، متوقعا أن "تستمر الدولةُ المخزنية في سياسة "الاستنزاف" في التعامل مع الجماعة، ما دام أن الصراع المعلن بين الجماعة والنظام المخزني أصبح صراع وجود: إمّا أنا، وإمّا أنت، ولا يظهر في الأفق أن هناك حلا وسطا بين الطرفين؛ فمما قاله الأستاذ الشباني أخيرا في حوار له مع جريدة المساء: "نحن والنظام الحالي خطان لا يلتقيان". وخلص المحلل إلى كون "علاقات الجماعة بمكونات المجتمع السياسي المغربي ستظل محكومة في كثير من جوانبها بالتوتر والتنافر والشك والارتياب"، مشيرا إلى أن "تجديد الجماعة دعوتَها القديمة الجديدة للحوار والعمل المشترك، هو عمل لا يخرج عن نطاق الكلام والأماني ما لم تتبعْه سلوكاتٌ عمليّة ومبادراتٌ واقعية، ولقاءات ثنائية وثلاثية وجماعية، من أجل الخروج من دائرة الكلام والأماني إلى أرض الواقع والفعل" يختم مجدوب حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية.