لجأ إثنان من العمال الذين تعاقبوا على عمالة إقليمالجديدة في الآونة الأخيرة إلى إحداث أسواق القرب من أجل التصدي ومحاربة الباعة الجائلين الذين أحكموا قبضتهم على أهم الشوارع والطرقات بالمدينة. ففي عهد العامل معاذ الجامعي تم إحداث "سويقة ابن باديس" بجوار المقبرة الجديدة فوق أرض كانت تستعمل كمصلى، غير أنها ظلت شبه فارغة، مادام أنها لم تشمل الباعة الجائلين الحقيقيين الذين طالما انتشروا بمحيط سوق "بئر إبراهيم" أو المعروف لدى العامة بسوق"للازهرة" ، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول طريقة توزيع أكشاكها وكذا المستفيدين منها في إطار الريع والعلاقات التي تربط بين مسؤولين عن عملية التفويت وبعض المحظوظين من المستفيدين. كما تم على عهد العامل نفسه، والذي عين مؤخرا واليا لجهة فاسمكناس، إحداث سوق "نموذجي" حمل اسم "أحفير" يطل على المحطة الرئيسية لوقوف حافلات النقل الحضري، ويضم عدة عربات تم توزيعها على أصحاب عربات بيع الأكلات السريعة المنتشرة بساحة الحنصالي وشارع الزرقطوني، ويبدو أن فشل السلطات المعنية في اختيار المكان المناسب لهذا السوق ساهم في فشل هذا المشروع منذ بدايته، حيث أدى خلو الفضاء من المارة والزبناء ومشكل الربط الكهربائي والمائي، وانتسار المنحرفين والجانحين بهذا المكان وتحوله إلى مرحاض في الهواء الطلق، إلى هجران أصحاب "السندوتشات" عرباتهم الممولة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نحو "أرض الله الواسعة". الأمر ذاته ينطبق على عربات بيع "الخبز" والأكلات الخفيفة التي تم توزيعها في إطار سوق ببوشريط "الكرمة" إذ لم يرق هو الى مستوى التطلعات، ما جعل في حالة احتضار منذ عدة سنوات. وسار خلف معاذ الجامعي، العامل محمد الكروج، على نفس المنوال، إذ أحدث سوقين للقرب بكل من حي السعادة وحي السلام، بغرض الحد من ظاهرة الباعة الجائلين التي تفاقمت بشكل كبير حتى غزت جميع شوارع وطرقات وأسواق عاصمة دكالة، ودائما بتمويل من أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. هذان السوقان تحولا في غفلة من العامل الكروج إلى فضاءات مهجورة بل وأصبحا عبارة عن مطرح للأزبال والنفايات وملاذ آمن للمنحرفين والمتشردين. وترى فيدرالية جمعيات الأحياء السكنية بالجديدة أن جهات خططت لإفشال ما اعتبرته مبادرة إحداث أسواق القرب، قبل أن تحمل المسؤولية للسلطات المحلية التي لم يتسم عملها حسب ذات الفيدرالية ب "الصرامة في أداء واجبها من أجل تحرير الملك العمومي من سطوةالباعة الجائلين". وبذلك تكون السلطة المحلية قد تواطأت في تقديم خدمة لأصحاب المخازن السرية للخضر والفواكه بمدينة الجديدة والذين "يتحكمون في سوق التجارية العشوائية وبضاعتهم غير خاضعة للمراقبة الصحية، بل ولا تستفيد ميزانية الجماعة من مداخيلها" حسب ذات الفيدرالية. وأضحى بعض التجار من ذوي السيارات كبيرة الحجم يزودون الباعة الجائلين أصحاب العربات المجرورة والمدفوعة وكذا أصحاب الدراجات ثلاثية العجلات، بشتى أنواع الخضر والفواكه التي بجهل مصدرها مادامت لا تمر عبر القنوات التجارية الرسمية لسوق الجملة، وهو ما ساهم في تناسل الباعة الجائلين بمختلف شوارع وحواري ومحيط الأسواق بعاصمة دكالة، مما أثر سلبا على المستفيدين من أكشاك أسواق القرب الذين فضلوا العودة إلى التجارة العشوائية التي تطبع عمل الباعة الجائلين. لقد التهمت أسواق القرب ميزانية ضخمة من الأموال العمومية المرصودة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالجديدة، دون أن تحقق الغاية من إحداثها، ما يلزم فتح تحقيق حول قيمة الأموال "الضائعة" لاسيما في ظل الابحاث التي تباشرها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بخصوص اختلالات رصدها تقرير أسود للمفتشية العامة لوزارة الداخلية حول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعاصمة دكالة، وكذا معرفة أسباب فشل هذه الاسواق، وتحديد المسؤوليات من أجل ترتيب الجزاءات في حال ثبت أن جهات ما سعت لإفشال وليس فشل الأسواق ذاتها.