لم أكتب مقالا إلا من خلال مراجع معتبرة ومعتمدة، رغم عدم إثقال القارئ بها على أعمدة الصحف، لكني فضلت أن يكون ما أكتبه اليوم مفهرسا للمزيد من الدقة، ف"أحرضان" وردت لفظا كاملا في شرح سفر نحميا الآية 61، الإصحاح السابع باسم "حارة أدان" أو أدون في رواية أخرى لعبيد سليمان عليه السلام الثلاثة مائة واثنين وتسعين، وهم من خدم السلطان ورجحوا تقول الرواية خدما له وللهيكل ( المعبد)، وفي دعوة عزرا، أن يكون من يحمل الاسم خادما لمن يحكم، "يبني له ولا يكون له العرش" وفي كتاب عزرا، الآية 59 الإصحاح الثاني، إن الاسم "حارضان" أو "حروضان" أو "أحروضان" مكان لحمل اليهود إلى بابل (1). والدال كما هو معلوم لم تتحول ضادا إلا في العربية المتأخرة. وبين إطلاق الاسم على حارة أو مكان "خدم" سليمان عليه السلام، وبين مكان نقلهم إلى بابل، يبقى الاسم توراتيا بامتياز، وعبري وآرامي خالص، كما نطقته ساكنة المغرب في القرن الثاني قبل الميلاد (يراجع كتابنا، الأمازيغية والأمازيغ في 26 لغة). ولا يزال اسم "أحرضان" في أقصى شمال بابل في القرن الخامس قبل الميلاد، مكانا للخدمة وتواجد من هم على شريعة موسى وخدمة سليمان الرسول و"الملك". وآدم، إن نسب إلى الأرض (أدوماه) ومنه في العربية المتأخرة "أديم" الأرض أي وجهها، فإن أدن "خدم آدم"، وحارتهم "حرضان"، وقبل "الدار" استخدمت اللغات السامية: حار ( ومنه حارة للمكان المكشوف) وغار للمكان العميق في الجبال، وتأسس اصطلاح:أمغار، على أم/غار أي العائلة الأميسية التي تقودها الأم، وتسكن الأماكن الساترة، أما استخدام دار "العربية" فمن هناء المنزل، فكان آذار شهر ربيع أي الربيع أي السعادة التي تسكن البيت، والدار أو "أدار" حدود المسكن كما أوردت الآية الثالثة الإصحاح 15 من سفر هيوشاع، والدار جمعه دور كلمة عربية وسامية في الأصل نقلتها اليونانية "دور، دورا" واختزلتها الإنجليزية إلى "باب البيت" فقط. ومن صفات من يسكن "حرضان" ( حارة دان) البياض المشموم بالحمرة إن كان "حار دام" (حارة من يحملون الحمرة الناصعة البياض)، وفي تمييز اللون ما يثبت الخادم من المخدوم كذلك بين المساكن، ف"دون" التي تعني تحت إلى الآن في العربية تقصد "مساكن الخدم" والدور تقصد المخدومين، والدور المنازل "الراقية" (2) أو ما يسكنه المرء عموما (3). وفي هذا التحول اللغوي بالقرن الأول قبل الميلاد، أصبح "حرضان" مسكن "سيد القوم" أو الجماعة وليس الملك. ويحاول أحرضان أن يقدم الأمازيغية ب"الفرنسية"، وليس من أصولها وإطارها دون تمييز وتأطير لأن حرف "تيفناغ" من الشرق ولا يمكن الدفاع عنه من مرجعية أخرى بعيدة عنه، ولا يثبت أركيولوجي حاليا الأمازيغية خارج الأصول السامية، وفي قولنا أن الأمازيغية لغة كل المغاربة والمغاربيين وأجزاء من أفريقيا، ما يشفع للجميع القول، أن لا كلمة أمازيغية واحدة خارج أرامية القرن الثاني عشر. ولأن أحرضان استفهام على تمثيل سيد القوم لشعبه، كما في استخدامات القرن الثالث إلى الثاني قبل الميلاد، فإن قلب أحرضان ليس "فسيحا"، وقد نقلت المصرية "دورو رحوب" أي المسكن الرحب، إلى استعمالاتها (4) وإطلاقها على أمكنة في شمال أفريقيا دون أن تستقبل لفظ "حرضان"، لأنها دلت على "المغارة الضيقة" وبعض الأمازيغ أفرطوا في ذلك قديما وحديثا. تقول إيضاحات سفر "المطرقة" أن الفنيقيين والعبريين أطلقوا لفظ "دور" على "سيد المكان" (5) و"دون" على "زعيم القوم"، لكن بقي الأول بمعنى آرامي بحت، وانتقل الثاني إلى أقصى المغرب، حيث "دانييل"، والأمازيغية لغته بلغة المتأخرين ( الجغرافي الإدريسي وليون الأفريقي في الشروح على متونه في أكثر من موقع ). وهي آرامية مكتوب بها في لغات أخرى، أطلق كلمة "حرضان" على المضياف، لأن عند الخدم يكون الجو مريحا وبه أكل لذيذ، وانتقلت الكلمة إلى اللاتينية، واستقرت في الانجليزية ( دينتي Dainty) لوصف أسلوب اللياقة والضيافة الحارة، “خصوصا لآخر ضيف”. وفعلا لاحظنا أحرضان، من حيث يدري أو لا يدري، يتحدث بلغة آخر ضيف على المغرب ( الفرنسيون المستعمرون ) ليصب جام غضبه على لغة أبناء عمومته الأقربين، الناطقين بجذور لغوية واحدة: على اعتبار أن العرب ولغتهم في نظر زعيم الحركة الشعبية خطر ولعنة، ونقلت اللغات الأخرى (دان) إلى هذه الدلالة، فنقول في الفرنسية Damner والانجليزية Damn لعن ودعا بالهلاك الأبدي، ومنها أيضا حكم، كما حكم سيد القوم على أفراد من رعيته. ومن الدقيق في اللغات أن أحرضان الذي استطاع أن يحاكم مواطنيه من العرب، ليس حكيما، إلا إن رآهم من أهل البيت ومن مالكيه، وشركاء الوطن حاليا لا يجب أن يقل تعاملهم عما أورده التاريخ عن تميز بين من يستقبل الناس بقلب كبير وبين من يطلب أن يتحدثوا لغته إن أكرمهم، وأطلق الأقدمون تفصيلا بين "تل" دور (6) وبين "تل" دون، أي المكان الذي يسع الجميع على رأس التل أو الجبل، وبين من يدخلون التل "دونا" أي غير مرغوب فيهم. وللعلم انتقل هذا التمييز إلى الحضارة الهلينية (7)، وكتبته تيفناغ (8) أي بالحرف الذي ينادي به "أحرضان" لكتابة الأمازيغية، ووردت في الكنعانية على الأصول (9) مما يجعل ما عند الأمازيغيين حاليا ما كان عند الكنعانيين في حينه، مؤصلا ومعتبرا. وكي لا نكون مجرد "أغنام" في حارة يقودنا زعيمها "حرضان" أو في الحارة "دون"، فإن عبادة المغاربة للكبش شئ متقدم ومتأخر، فمن لفظ "الغنم" كسيب في العبرية والآرامية، ومنه كساب، وأيضا "قصبة" حظيرة الأغنام التي تحولت إلى مسكن في الصحراء للمستقرين، وكلها إطلاقات سامية آرامية، لا تكاد تجزم بغير معنى واحد: أن حرضان سيد الأكباش أو سيد الحارة التي يسكنها من يعبد الكبش. ومن المصادفة أن الكتاب الذي نشره المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، وعنوانه تاريخ المغرب: تحسين وتركيب، يعترف بعبادة المغاربة للكبش، ولهذا تعزز لديهم، فيما بعد، عيد الأضحى لبقايا هذا الطقس الوثني، وقد أطلق بعضهم "حار ضان" على العبادة والعبد والمعبود مرة واحدة. وإن قرر كتاب المعهد هذه العبادة المتعلقة بالكبش، فإنه لم يستطع تفكيك لغز: لماذا بقي أحرضان في أسبانيا والريف يواجه القوات الحكومية، فيما دعي "ثورة الريف" أو الثورة الأمازيغية الثانية في 1959 بعد الأولى مع عبد الكريم الخطابي. ومن الصادم، أن نعرف أن فرانكو اتصل بالحسن الثاني من أجل عودة كل من أحرضان والخطيب إلى المغرب، وتسليمهم حزبا كي لا ينجح عبد الله إبراهيم في إعادة عبد الكريم الخطابي من مصر إلى المغرب، وقد استقبل غيفارا في الرباط. ورغم أن عبد الله إبراهيم وولي العهد آنئذ ( الحسن الثاني ) دخلا الحسيمة "المحررة" في 16 يناير 1959 بعد قمع "قاس" فإن عودة الخطابي التي عمل عليها رئيس الحكومة ( عبد الله إبراهيم ) فشلت لوجود "فيتو" فرنسي – إسباني ضد هذه الشخصية الريفية التي قادت أول "جمهورية أمازيغية في التاريخ" ضربها الأسبان بالقنابل الكيمائية لمحوها من الخارطة. بل طلبت مدريد صراحة أن يكون "أحرضان" بديلا موضوعيا لمحاورة الأمازيغ عوض عبد الكريم الخطابي، وتحقق للأطراف الثلاثة: فرنسا، إسبانيا، المغرب إقالة حكومة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في نهاية المطاف. شخص أحرضان الذي تمحورت حوله "المسألة الأمازيغية" لم يكن نتيجة موضوعية لأرض الريف، والقضية الأمازيغية بقدر ما كان "رقم" التوافقات الأول من الجيش الفرنسي إلى وزارة الدفاع في المغرب، ومن الحركة الشعبية إلى تأسيس "اليمين المخزني" الذي أراد شيئا واحدا أن يقرر الملك وحدة ومستقبل الأمازيغية، بما يرتضيه الأمازيغ، وليس كل الشعب المغربي الذي ينطق أكثر من لغة، فالسلاح الذي حمله الأمازيغ حمله أيضا الصحراويون، ولا يزال مشكلهم قائما دون حل متقدم. وفي كل الأحوال يرغب الريف أن يكون له حكم ذاتي على شاكلة ما سيحصل في الصحراء، ولباقي المناطق والجهات مستقبلا، وعلى العرش أن ينتقل سريعا وبحنكة إلى ملكية ثانية، لا ممركزة، كما في مشروع عزيمان قبل أن تعدله الوثيقة الدستورية. كل الاختلافات مقبولة في حضن الوطن الواحد، لكن أن يتجرأ أحرضان على المغاربة بالحديث معهم حول قضية جوهرية تخصهم بالفرنسية فتلك إهانة للعربية، شقيقة الأمازيغية في التراب والإنسان والوطن. إن الخطاب "الراديكالي" الذي وصل إلى محاكم شعبية باسم الأمازيغية في الجامعات، وحديث أحرضان بالفرنسية عن مشكلة داخلية، لن يوصل إلى حل، بل سينزل بنا إلى الدرك الأسفل. لم يرد المغاربة في القديم أن يكونوا "حرضان" ولا يريد المتنورون المغاربة أمازيغ وعرب أن يكونوا منظرين للفشل "الوطني" عندما يخاطب قائد حزبي بلغة آخر مستعمر للبلد. لن يحس أحرضان بهذه الكلمة، لأنه خدم في الجيش الذي قتلنا ودمر بيوتنا. لا نريد لأحرضان أن يهين شهداء الاستقلال، ولن نقبل منه باسم الدم الذي سال على هذه الأرض طلبا للحرية، أن يخاطب شعبنا بلغة القاتل السفاح. لو اختار أحرضان الأمازيغية، سنكون له شاكرين، لأنها لغتنا جميعا، لكن أن يخاطب أحفاد الشهداء بلغة المستعمر، فتلك ليست عقيدة الشعب، وهذه الحركة خارج الإطار، فالأمازيغ والعرب أبناء وطن واحد، وعمومة وأصول واحدة وجغرافيا واحدة، وتلك قصة أخرى غير قابلة للطعن. 1- Répertoire géographique des textes cunéiformes, VIII, 154.319 2- J.Garstang, Tanturah (dora) Part I – II, Historical Notes and archedogical Resuts, Bulltin of the British School Of Archeology in Jérusalem, n°4, 1924 p :35-34. 3- H.L.Ginsberg, King of Kings and lord of kingdoms, American journal of semetic languages and literatures, n°57, 1940 p :71-74. 4- B.Mazar, Dor and Rehob in an Egyptien Tropographical List, yediot bahaqirat Eretz Israël, n°27, 1963. 5- F.M Abel, Eclaircissements de quelques passages des Maccabées Revue biblique, n°55, 1958 p :191. 6- R.Rosenthal –Heginbohom, Notes om Hellenistic Braziers from Tell Dor, Qadmoniot,n° 14, 1981 p :110. 7- D.T Ariel, a group of stam ped Hellenistic Storage – Jar hanles from Dor, Israël Exploration journal, n° 25, 1975. 8- E.Sterm, A Favissa of a phoenician sanctuary from Tel dor, journal of Jewish Studies, n° 33 , 1982 p :35. 9- S.Ahitw, Canaanite toponyms in Ancient Egyptian Documents, Jerusalem, 1984 p :88.