أثناء بداية الثورة السورية، كنت في إحدى الإجتماعات وشرفنا بالحضور أحد كبار علماء، وأثناء الحديث حول الربيع العربي سُئِل الشيخ سؤالا استغربت منه وأنكرته على سائله، فقد كان مضمون السؤال أن الرئساء بدؤوا بالتساقط واحدا تلو الأخر كسقوط أصنام الكعبة يوم الفتح، فمتى يأتي الدور للإسقاطكم؟. ومع مرور الايام بدأت أفهم ما كان يقصده السائل فمع الربيع العربي تكشفت لنا حقيقة كثير من رجال الدين الذين كنا نحسبهم من العلماء، حيث انهم وقفو ضد مصالح شعوبهم وطالبو ببقاء الطغاة في كراسيهم، والغريب انهم أبانو عن خسة لامثيل لها فبمجرد سقوط الطاغية حتى تغيرت مواقفهم وصارو في صف الثورة وما حدث في مصر خير دليل. والدارس لتاريخ الطغاة في جميع الامم والملل سوف يلاحظ العلاقة الحميمية التي كانت تجمع الحاكم برجال الدين، فقد كانت العلاقة بينهم مبنية على مصالح متبادلة. فالحاكم يضمن لرجل الدين لقمة عيشه مقابل ان يبقي رجل الدين العامة بعيدا عن شؤون الدولة والحكم. وقد بدأت معنا نحن المسلمين هذه العلاقة المقيتة مباشرة بعد سقوط الخلافة وتولي معاوية أمر المسلمين. فمنذ أيام بني أمية بدأت حاجة الملوك لرجال الدين من أجل توطيد حكمهم العضوض وتوريثه لأبنائهم. فقد كان دور رجل الدين الذي أسند اليه من طرف ولي نعمته اي الملك هو ان يقنع الناس بأن الحاكم وحاشيته قضاء الله وقدره، وأنه يولى علينا من هو مثلنا وبالتالي لايجب ان ننشغل بهم بل علينا ان نكون نحن اولا صالحين كي يصلح حكامنا، ويأتون لك بأحاديث مكذوبة عن رسول الله أو أسيئ فهما تحرم الخروج على الحاكم ومعارضته وإن جلد ظهرك وأخذ مالك. بينما نجد أيات وأحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحذرنا من الظالمين ومساندتهم. فصدقت الامة رجال الدين وعاشت تحت رحمة الطغاة اكثر من 13 قرنا، حتى أتى الربيع العربي ليزعزع أركان هاته المؤسسات الحاكمة والكهنوتية. وحتى أكد كلاكمي هذا سوف استحضر مثالين حتى تتضح الصورة، المثال الأول عن حادثة جرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب مداعبته لطفل مات طائره، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ. فقد أعد ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري ان بعض العلماء استخرجو أكثر من ستين فائدة من هذا الحديث، لكن الذي صدمني هو أن قوله تعالى في سورة هود: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ. وقوله صلى الله عليه وسلم: سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وارد علي الحوض. لم يجرأ أحد من العلماء على إستخراج ولافائدة واحدة، حتى أنك ترى الكراهة في وجوه بعض العلماء اذا بدائو بشرح تلك الأيات والأحاديث ويأولونها تاويلا ينحرف عن المقصد الحقيقي للأية أو الحديث. والمثال الثاني هو كلام وزير الأوقاف في سياق تبريره مسألة الركوع في مراسيم عيد العرش فيأتي لنا بأدلة ووقائع لكي يبرر ما يصبو اليه هوا أسياده، فيقول لك ان البيعة والركوع في عيد العرش مثلها مثل بيعة الرضوان ''كبرت كلمة تخرج من فمك'' ومن هنا أود أن أسأل السيد الوزير هل كان المبايعون في العقبة يسلمون على رسول بصفقة يمينهم أم كانو يركعون له، وهل المبايعون يأتون بدعوة سلمت لهم من طرف رجال السلطة ام أنهم أتوا طواعية وانهم هم من أرادو مبايعة رسول الله، وهل كان النبي يغضب ممن يرفض مبايعته ويحرم عليه رزقه ويطرده من المدينة، وهنا سأسأل السيد الوزير مجددا ما مصير من يرفض الحضور ولا يريد المبايعة وخاصة من الائمة والعلماء؟ أقل ما سيحدث هو قطع راتبه الشهري - الذي لايتجاوز عشر معشار مما تتقاضاه في راتبك - وطرده من الخدمة وبالتالي أرى انه كفى من الكذب على رسول الله وعلى المسلمين فقد قال رسول الله من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وكفى من التدخل في المساجد فالشعب يريد تحرير الأئمة والمساجد من التحكم.