من الناحية الموضوعية لايمكن بأي حال من الأحوال أن ننكر الوضعية الكارثية التي أصبحت تتخبط فيها المنظومة التعليمية بالمغرب، فالاعتراف المبدئي بأن هذه المنظومة تعيش وضعية المحنة أو النكبة أو النكسة هي أوصاف في مجملها وفي مضامينها حقيقية و تعبر بشكل موضوعي وملموس على واقع الأزمة البنيوية المرضية التي تعصف بشكل جذري بأهم مقوم استراتيجي في بناء الدولة المغربية و تفعيل مشروعها المجتمعي و الحضاري. فلو تأملنا بشكل محايد وبرؤية ناقدة واقع هذه الأزمة المحدقة بكل تجلياتها و انعكاساتها التي أفقدت التعليم مصداقيته و بوصلته، كما أفرغت رسالته النبيلة و العظيمة من أية مضامين تنويرية وعقلانية فإننا سكتشف العديد الكبير من المفارقات التي تعري عن الاختلالات الخطيرة التي تحوم حول هذه المنظومة و تعبر من جهة ثانية عن انعكاسات هذه الاختلالات في إعطاب الزمن المغربي الذي لم يعد يحتمل الكثير من التوقفات الاضطرارية التي أصبحت السمة البارزة منذ فجر الاستقلال و إلى حد الآن بحيث أنه رغم الاصلاحات الترقيعية المتكررة لإخراج التعليم من عنق الزجاجة فإن واقع هذا التعليم الرديء لايزداد إلا استفحالا و تفاقما. إن للزمن سلطته وتأثيره في مجريات الواقع، و أن السباق مع الزمن أو ضده هو اختبار جدي و فعلي لمدى قدرة الانسان على ضبط هذا الوقت و تدبيره لصلاحه أو ضده، ولهذا يبقى الصراع بين الانسان و بين الزمن هو المجال الخصب من أجل تأكيد الحق الانساني في الكينونة و بالتالي القدرة على صناعة المستقبل وتقرير المصير الوجودي. وعليه ماذا أعدت منظومتنا التعليمية و التربوية المتذبذبة بخبرائها التربويين و بمنظريها الأكاديميين من تصورات ورؤى لمجابهة هذا الزمن العولمي المتسارع وخاصة إذا علمنا مركزية منظومة التربية و التعليم في نهضة و حداثة أي مجتمع من المجتمعات، و أيضا أهمية هذه المنظومة القصوى في استيعاب حركية هذا الزمن العولمي الذي لا يرحم دون مركبات نقص أو إحساس بالذونية!! وعليه إذا تأملنا الأعطاب الخطيرة التي تحدق بمظومتنا التعليمية المتهالكة فسجد أنها تتفرع إلى ثلاثة أعطاب بنيوية مترابطة وهي: - أول هاته الأعطاب هي عدم قدرة هذه المنظومة على الانخراط أو التأثير أو التفاعل مع منجزات العالم الأول الذي يسبقها بمئات من الزمن المبذول في البحث العلمي و التقني الرصين بينما نحن لا نزال نعيش على اجترار الزمن في ترديد المنظومات النحوية و الفقهية و نعمل بافتخار على ترسيخ مقولة بضاعتنا ردت إلينا. - ثاني هاته الأعطاب هي مساهمة هذه المنظومة المتهالكة من حيث لاتدري في فقدان الثقة و مدى أهميته في بناء المجتمع المغربي ما دامت تصر على استمرارية المناهج البالية و مادامت تمجد وتقدس المطية بالمقارنة مع منهج ومنطق هذا الزمن العولمي الذي يصر على الحركية و التجاوز، وعليه إذا تأملنا هذه المنظومة التعليمية من حيث ثقتها أو عدم ثقتها في استحضار الزمن المغربي بكل أبعاده الوطنية و الحضارية فسنجد أنها في موقف متذبذب يمكن تفسيره بشكل مباشر بعدم امتلاك تصور للمستقبل نظرا يعتمل داخل هذه المنظومة في زمننا الحاضر من مشاكل مستعصية يغذيها سوء الفهم لماهية الزمن و راهنيته في أية فلسفة تروم التغيير و الإصلاح. - ثالث هاته الأعطاب هو افتقار هذه المنظومة إلى وعي يخص الزمن يسهم في إدراك المسافة بين زمن تربوي و تعليمي تنويري يقوم على إشاعة قيم الحرية و تثبيت أسس المواطنة و ترسيخ أصول الحداثة وبين زمن تربوي و تعليمي محافظ لازال يصر على تأبيد الطاعة و تكريس الرعية و تمجيد التقليدانية التي تدور في فلك الاجترار البغيض. و أخيرا إذا لم ينتبه الساهرون على منظومتنا التعليمية و التربوية إلى هاته الأعطاب الثلاثة التي ذكرتها و محاولة البحث الدقيق عن طرق فعالة لمعالجتها بالطرق السليمة و الصحية فإن ايقاع الزمن المغربي سيستمر في النزيف ولقدر الله إلى المفاجئ المعلن عن الموت السريري هذا القطاع الحيوي، فمتى يستوعب صناع القرار الرسمي قيمة الزمن وراهنيته فيعملوا على تدبيره وحسن التصرف فيه بما يخدم مستقبل المغرب و أجياله القادمة!! سؤال يبقى معلقا إلى حين الوعي بالزمن الذي تم هدره في إصلاحات ترقيعية لم تأت بجديد.... [email protected]