بعيدا عن التراكم الهائل من التنظيرات و المؤلفات و الإقتباسات و الترجمات التربوية و التعليمية حول المنظومة التعليمية بالمغرب، و عن طبيعة المدرسة العمومية و آفاقها و التي توزعت بين تنظيرات مختلفة و متباينة منها من يرى أن المدرسة المغربية لن تقوم لها قائمة إلا إذا كانت تستشرف المستقبل ولهذا أطلقوا عليها مدرسة المستقبل، و منها من يرى أن المدرسة المغربية لن تكون ذات مردودية و عطاء إلا إذا كانت مدرسة مبدعة و خلاقة ولهذا نعتوها بمدرسة الإبداع، و الحق يقال أن المدرسة المغربية لاهي مدرسة المستقبل و لاهي مدرسة الإبداع بل هي مدرسة ثابثة في زمانها و مستكينة في مكانها تجتر مناهجها البالية و تعيد تكرار بيداغوجها المتعثرة بكل اطمئنان باذج وهذا ما يجعلها تنحو منحا خطيرا يهدد مستقبلها بسكتة قلبية وشيكة، ولعل الحصص المتتالية من العلاجات الكيماوية لن تفيد كثيرا في استعادة هذه المنظومة لعافيتها مادام المرض الخبيث قد استشرى في كافة الجسد، و ما دامت مشروعية المدرسة قد فقدت مصداقيتها نظرا للضربات المتتالية التي أصابتها في عمقها التنويري و الحداثي وفي أهدافها الوطنية و الشعبية. فمدرسة الشعب التي كانت حتى الماضي القريب مصدرا لانتاج قيم الحداثة وتأهيل كل من الفرد و المجتمع لمجابهة كل التحديات التي تحيط بهما في أفق بناء الذات الوطنية و تحصين الهوية المغربية الأصيلة من الذوبان و الإنقراض في ظل التيار العولمي الجارف أصبحت اليوم مشروعا فاشلا ينظر إليها الجميع نظرة سلبية وساخرة وذلك نظرا لاخفاقها في رسالتها النبيلة و أهدافها الأخلاقية و القيمية. ولهذا إذا كانت لكل مجتمع فائض قيمة تبعا للتحليلات المادية الجدلية يمثل مجهودات أبناءها و نباهة عقولها في إشاعة قيم العقلانية و التحرر فإن فائض القيمة هنا و الذي تمثله المدرسة المغربية فهو فائض سلبي و ارتكاسي يجسد في الوقت الراهن ردة فضيعة و تراجعا خطيرا يهدد المجتمع المغربي في عمق الاجتماعي وفي سلمه المجتمعي، وفي هذه حالة إذا لم تنتبه حكومة السيد عبد الاله بكيران ومن خلالها السيد محمد الوفا وزير التربية الوطنية إلى هذا الوضع الكارثي فإن شبح استعادة احتجاجات 23 مارس 1965 ضد وزارة التربية و حلولها الترقيعية وما خلفته من احتقان و توتر وما أسفرت عنه من قتلى و جرحى و معتقلين هو سيناريو قابل للإعادة في أي وقت وحين ودون سابق إشعار. إن حديثنا عن هذا المستقبل الغامض و الكارثي الذي يتهدد المدرسة العمومية ليس من قبيل التهويل و التخويف الغير مبني على أسس واقعية و موضوعية بل هو بل هو حديث مؤسس على مؤشرات ملموسة وإحصائية يثبتها الواقع التعليمي المتضعضع، وأول هذه المؤشرات هي الصورة المغلوطة التي تحاول من خلالها وزارة التربية الوطنية استغفال الرأي العام وذلك باستثمار نتائج الامتحانات و أعني بذلك المعدلات المرتفعة لبعض التلاميذ و اعتبارها دليلا على نجاح المدرسة المغربية، والحق يقال أن التطاول بهذه المعدلات المرتفعة و التباهي بها هي في صميمها ايذان بخراب التعليم تماشيا مع نظرية ابن خلدون التي تذهب إلى أن التطاول في العمران هو ايذان بخراب الدول والأمم، و للمقارنة بين فترة السبعينات و الثمانينات التي أنتجت الأطر المغربية الحقيقية فإن المعدلات كانت معقولة ومهما اجتهد أنجب النجباء في تلك الفترة فلن يتجاوز سقف معدله 14 فمابالك بمعدلات الآن التي فقد فيها التعليم مصداقيته حيث المعدلات خيالية بحيث وصل السقف إلى 18 و إلى 19 فهل هذا فعلا دليل حقيقي على العقلية القياسية التي أصبحت تميز الزمن المغربي الذي أنتج بعبقريته أكبر طبق كسكس وأكبر تاج و أكبر شبكة كلمات متقاطعة وهاهو في هذه المرة ينتج أكبر المعدلات، فهل هذا دليل على الاندحار أم التفوق! سؤال يبقى معلقا ويحتاج إلى إلى أكثر من إجابة. و ثاني هذه المؤشرات أن التعليم في المغرب أصبح عنوانه الأبرز هو محو الأمية بحيث أننا إذا ما قمنا باستقراء واقع التعليم بالمغرب الآن وبالمقارنة مع التعليم بالأمس فسجد أنه رغم الاعتمادات الضخمة و المجهودات الجبارة التي قامت و لاتزال تقوم بها وزارة التربية الوطنية لتحسين جودة التعليم و الرفع من مردوديته فإن نتيجة هذا التعليم لا تعدو أن تكون تعليما لمحو الأمية لاغير وذلك نظرا لاقتصار التعليم على اجترار المضامين والأشكال بشكل ببغائي بدون شرح أو استيعاب و أيضا اعتماد مقاربة التقويمات على نظرية بضاعتنا ردت إلينا، الشيء الذي أدى إلى استفحال ظاهرة الغش في الامتحانات وهذا الأمر هو ما أدى إلى افتقاد الطالب المغربي إلى أية قدرة على الابداع أو قدرة على مناقشة الأفكار الكبرى بكل موسوعية. وثالث هذه الموشرات أن إشكالية المغرب الطبقي تلقي بظلالها على نمط التعليم الذي يتلقاه أبناء الشعب الواحد بحيث أن ما يتم توفيره لأبناء الطبقة المحظوظة في القطاع الخصوصي سواء من المناهج الدراسية أو الفضاءات التربوية أو الإمكانيات و المعنوية يختلف جذريا لما يتم توفيره في القطاع العمومي فحتى الطباشير لا يوجد في بعض المرات. وهذا الوضع الطبقي المصطنع و ما يشكله من إهدار للكرامة الإنسانية يؤثر بالتالي على مستوى تطلعات أبناء الشعب الواحد لتحقيق نفس الطموحات و الوصول إلى نفس المرامي و المراتب. فكيف إذا الحل لفك هذه المعضلة الطبقية التي تيخبط فيها التعليم بالمغرب! و ماهي الاستراتجية التي سيستثمرها السيد محمد الوفا لإصلاح ما أفسده الوزراء المحترمون من قبله خاصة و أن القطاع التعليمي لايحتاج إلى كثير من تضييع الوقت. تبقى نقطتان يجب أن همس بهما للسيد محمد الوفا، أولهما سلبية وهي أن حرمانه لجميع المجازين من اجتياز مباريات التعليم يعتبر انتهاكا خطيرا لمبدأ الكفاءة و المساواة و الحكامة الرشيدة و لاداعي للدخول في حيثيات هذا الموضوع فالنتائج النهائية للناجحين المنتقين تثبت أن مسألة الانتقاء على أساس كشف النقط غير عادلة و غير منطقية، وثانيهما ايجابية وهي أن القرار المتخذ من قبل وزارتكم و المتعلق بالفصل بين التعليم الخصوصي و العمومي فيعتبر قرارا تاريخيا ستتم من خلاله تصفية الأجواء التي خيمت على المدرسة العمومية وجعلتها في موقع اللامبالات التي يغذيها عبث بعض المدرسي و المدراء و المفتشي بالزمن التعليمي المغربي.. [email protected]