بدأت القناة «الرابعة» قبل أشهر في بث دروس «تروم مساعدة التلاميذ على اكتساب المعارف الأساسية في المواد الدراسية المقررة في الامتحانات الإشهادية، بالإضافة إلى تكوين رصيد من الموارد البيداغوجية التي يمكن استغلالها في التعليم، و الرفع من جودة التعلمات باستعمال تكنولوجيا الإعلام والتواصل»، هذا ما جاء في منطوق بيان وزارة التربية الوطنية، غير أن المتتبع لهذه التجربة لا يمكن إلا أن يسجل أنه إذا كنا اليوم في زمن الجودة، فإن البرامج التعليمية التي تقدمها الرابعة تتنافى تماما مع معايير الجودة التعليمية فهي عملية إعلامية جوفاء خالية من المعايير التعليمية الصحيحة، وفي أفضل الأحوال فهي تنتمي لطرائق تدريس تقليدية ولت لغير رجعة.. وهذا ماسنبينه. من المعروف أن تجربة استعمال الوسائل السمعية البصرية في التدريس بالمغرب لاتزال متأخرة وتقابلها مجموعة من المعيقات، ولعل التجربة الجنينية «للرابعة» أو ما يسمى مجازا بالتلفزة المدرسية، خير دليل على هذا، لايزال المدرس محور الدرس، وما يرتبط بهذه الوضعية من طغيان التواصل العمودي سؤال/جواب، وكل الأجوبة بدون استثناء لا يحضر فيها التلميذ نهائيا، بل يظهر أن المدرس كان قد أجرى «بروفا» مع التلاميذ قبل التصوير الرسمي للحلقة، مما يعني أن الأجوبة معدة سلفا، وغالبا ما تخدم درسا نمطيا لا مهارة ولا إبداع فيه، لا من طرف المدرس ولا من طرف التلميذ، فطريقة بناء الدروس لا تحفز التلاميذ الحاضرين رغم أنهم منتقون بعناية، وبالتالي لا متعة فيها إطلاقا، كمثل حصة تم إدراجها قبل أسابيع في مادة الفلسفة تناولت درسا معقدا هو «النظرية و التجريب»، وهو درس خاص بالسنة الثانية سلك الباكلوريا، لجميع الشعب والمسالك، فرغم الطبيعة الإشكالية المعقدة لهذا الدرس، فإن الأستاذة التي قدمته حولته لدرس معرفي محض، ناهيك عن الاستناد لأطروحات فلسفية موجودة في كتاب مدرسي معين، قدمتها بطريقة مباشرة، فرغم أنها اعتمدت على التواصل مع التلاميذ فإن طريقة تواصلها، تعتمد على أسئلة متفق عليها قبلا، لذلك فكل الإجابات التي يقدمها التلاميذ يقرؤونها في أوراق أمامهم، وهنا يطرح سؤال بديهي، فإذا افترضنا أن التلاميذ استطاعوا ذاتيا أن يتوصلوا لأطروحات «غاستون باشلار» و«بيير دوهييم»، أفلا يجعلهم هذا في غنى عن هذا الدرس؟ ألا يجدر بنا اعتبارهم عباقرة لأنهم توصوا في حصة 02 دقيقة إلى ما توصل إليه فيلسوف على مدى عقود من البحث؟ يضاف إلى هذا أن الدروس بدون هوية، فلاهي بدروس ولا هي بدعم ولا هي بتغذية راجعة، ومن الناحية الديداكتيكية لاتزال الدروس تعتمد على السبورة والطباشير، وأحيانا تتم الكتابة على السبورة كيفما اتفق، والمدرس يطلب أحيانا من التلامذة الصعود للسبورة، وغالبا ما يكتب التلميذ ما يطلبه المدرس بدليل أنه لم يسبق لتلميذ أن توجه للسبورة وأخطأ، وأهل الاختصاص يعلمون علم اليقين أهمية الخطأ في التعلم الذاتي، فالوقت المخصص لكل مادة لا يخدم الاعتماد على الطرائق البيداغوجية الحديثة، وإذا تم اعتماد وسائط الاتصال فإن الدروس تصبح ترغيبية ،كأن تسمع المدرس يقول «عزيزتي التلميذة..عزيزي التلميذ عليك فعل كذا..لأن هذا مهم، وعليك تجنب كذا لأنه يسيء لكتابتك في الامتحان»، بينما يفترض في هذه المعلومات أن تكون نتيجة تعلم ذاتي..، لاحظنا هذا في دروس الفلسفة و التربية الإسلامية واللغة العربية و الاجتماعيات..والسؤال هو ما قيمة معلومات في تلفزة عمومية لا يستطيع التلاميذ ناهيك عن عموم المتفرجين ربطها بمعيشهم اليومي؟ إذن نحن إزاء تلفزة مدرسية ولكن بمعنى «سيكولائية»، تنتمي لزمن غير زمن التعليم المعاصر، تشحن العقول بالمعارف وتستهدف الذاكرة، ولا حضور لعوامل تساهم في التعلم كالوجدان والتنشيط و التحفيز، فمن تتبع درسا للرياضيات الأسبوع الماضي، حول «الأعداد العقدية»، وهو درس خاص بمنهاج العلوم التجريبية، مسلك علوم الحياة والأرض، سيصاب بالصدمة، نظرا للغة التي تستعملها الأستاذة في هذا الدرس، فلاهي بعربية و لا هي بفرنسية، بل إنها دارجة عامية لا تختلف عن الدارجة العامية التي يستعملها العامة في محلات الحلاقة أو أوراش البناء..من قبيل «بون دير هكا..حطها هنا..ألوغ كتعطينا هذي..أطونسيون ماتنساش تدير...»..، ولا وجود للاستدلال الرياضي كما هو متعارف عليه. هكذا تفشل دروس تلفزتنا في تبني ما تم التعاقد عليه في المدرسة المغربية المعاصرة، وخصوصا اعتماد طرائق تدريس تستهدف بناء الكفاية وربط التعلم بالمحيط، فلم يسبق لمدرس واحد في هذه الدروس التلفزية أن طرح سؤالا يستهدف خلخلة البداهة والحس المشترك عند التلاميذ، فهذه الدروس لم تفشل فقط في اعتماد بيداغوجيا الإدماج، بل يصعب حتى تصنيفها على أنها تتبنى بيداغوجيا الأهداف، والمنطق، يستدعي إعادة النظر في هذه الحصص المسماة دروسا، فإذا كان يتعذر ذلك فمن الأحسن إلغاؤها، لأن ضررها أكبر من نفعها، فما قيمة أن يتم إدراج دروس تحت إشراف وزارة التربية الوطنية، إذا لم تكن تراعي الحد الأدنى مما يتم اليوم الترويج له في هذه الوزارة كبيداغوجيا الادماج؟ ألا يفرض هذا الانفتاح على تجارب دولية وعربية رائدة في هذا المجال؟ ثم ما هي المعايير التي اعتمدتها الوزارة في انتقاء مدرسين بهذه الرداءة؟ إننا نتتبع دروسا يطغى عليها الكم و الهاجس المعرفي على حساب الكيف و البعد الكفائي، ناهيك عن كونها هزيلة وفاقدة لكل عناصر الجاذبية والمتعة، ليس من الناحية البيداغوجية وحسب، بل من الناحية الفنية أيضا..فعملية البث التلفزيوني للبرامج التعليمية في الرابعة ليست إلا بديلا رديء الصنع لاستكمال العملية التعليمية؛ لأنها ستنتج لنا في نهاية الأمر متعلمين يعانون من ضمور في الفهم تماما مثل الأغذية الصناعية أو ما يعرف باسم المحاليل إذا ما تعود عليها الجسم تتسبب في ضموره مع مرور الوقت..