هي تخريفات المهتمين والمنظرين للمنظومة التعليمية المغربية الرديئة و المتهالكة لا تكاد تنتهي وفي كل يوم تجود علينا بتخريفة جديدة ومطبوخة تنضاف إلى قائمة التخاريف التي استهلكت عقودا عقيمة من التطبيل والتزمير دون أن تغير شيئا من الواقع المرضي المستشري داخل المنظومة التعليمية، ولعل التخاريف ذي الصنعة المغربية كثيرا ما تحمل في ثناياها كثيرا من العجائبية و الغرائبية و ذلك نظرا لدلالاتها العريضة و لمدلولاتها المتافزيقية المتعالية و التي لايمكنها إلا أن تبهر السامع لفخامتها و لحرفية الجوقة من المطبلين و المزمرين التي تطبل لها صباح مساء. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تخريفة شعار" مدرسة النجاح" أخر اختراعات مهندسي الشعارات المغاربة الفطاحل فسيأخذك العجب العجاب إلى حدود لامتناهية، وستناوش فكرك وعقلك كثير من التساؤلات المستفزة و الاستفسارات المنطقية و المنهجية حول ماهية النجاح الذي يرنو إليه صناع القرار التعليمي في مغربنا الحبيب، هل تعني النجاح في الامتحانات و الحصول على شهادة التخرج ! هل تعني النجاح في إدماج المتعلمين في سوق الشغل! هل تعني النجاح في كسب رهانات المستقبل في عصر العولمة! هل تعني النجاح في بناء شخصية مغربية مواطنة أم بناء شخصية مغربية مؤمنة كما أشار إلى ذلك السيد أحمد عصيد!.... هي أسئلة جوهرية وتدعونا حتما إلى مساءلة موضوعة النجاح في إطار إشكالي انطلاقا من استيعاب النجاح كفلسفة ورؤيا مستقبلية، مرورا بالحفر في مقاييس و معايير هذا النجاح و انتهاء بتعداد منجزات هذا النجاح في فهم هذا الواقع و المساهمة في تغييره. إن هذه الأسئلة عن شعار" مدرسة النجاح" يبدو على الأقل في الوقت الراهن غير متساوق و واقع المنظومة التعليمية التي تعيش في أزمة بنيوية عميقة و أنه من السابق لأوانه الحديث عن هذا الشعار الكبير حيث المدرسة العمومية تتخبط في حالة من الفقدان الصريح لرسالتها التعليمية المقدسة و لمصداقيتها النبيلة. وتأسيسا على هذا فإن أي حديث في هذا المرحلة عن هذا الشعار هو حديث غير منطقي وغير واقعي وذلك نظرا لانتفاء الشروط المادية و المعنوية التي تكرس النجاح بمعناه الحقيقي المؤسس على فلسفة ذات رؤيا مستقبلية تستشرف مستقبل أجيال المغرب الصاعدة حيث أبناء الشعب الواحد متساوون في تلقي تعليم جيد ومفيد يسهر عليه جهاز تعليمي ذوكفاءة تربوية عالية وذو ضمير مهني يقدر رسالة التعليم المقدسة ويقدر أن مجهوداته هي في خدمة مستقبل هذا الوطن وليست في خدمة أي طبقة محظوظة أو أية أجندة مفروضة أو خلفية مبيتة، وحيث أيضا أبناء الشعب الواحد متساوون في تلقي التعليم في بنية تحتية محترمة تستجيب لشروط التدريس و اللائق سواء في مركز المدينة أو هامش القرية. لقد بات من المفيد إعادة النظر في شعار" مدرسة النجاح" لأنه شعار استهلاكي بامتياز يأتي في غير زمانه المناسب وغير مكانه اللائق يأتي في سياق عام يطبعه غياب شبه كلي لمشروع مجتمعي حقيقي لمغرب المستقبل ينبني على أسس ديمقراطية شعبية حقة تحدد ماهيتها ومشروعيتها من جهة أولى ديمقراطية اقتصادية توزيعية عادلة ومن جهة ثانية ديمقراطية اجتماعية مساواتية يتساوى من خلالها جميع أبناء الشعب الواحد الحقوق و الواجبات كما في المآل و المصير. إن استمرار المنظومة التعليمية في استهلاك الشعارات الطنانة و الفخمة في زمن الرداءة و العبث الذي يحتوي الزمن المغربي الذي يرتد كل يوم خطوة أو خطوتين إلى الوراء بالمقارنة مع دول أخرى في طريق النمو و التي استطاعت أن تتجاوز المغرب في كثير من الميادين والتي كان يعتبر المغرب نفسه رائدا فيها يعتبر مهزلة بكل المقاييس و نكسة بكل اللغات، وعليه والحال على هذه الوضعية الكارثية التي لا يحسد عليها كيف يمكننا أن نؤسس لتعليم حداثي و متنور ومبدع و مخزنة التعليم هي الاطار العام الذي يتحكم في تدبير و تسيير المدرسة العمومية! وكيف يمكننا أن نجعل من التعليم قاطرة في التنمية والتعليم لازال في المغرب تعليما نمطيا يجتر نفسه بشكل متكرر. هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة تحتاج فعلا إلى امتلاك قدر كبير من الشجاعة و الجرؤة للاجابة عليها بشكل صريح و مكشوف وبشكل نقدي بناء بعيدا عن الحلول الترقيعية التي زادت في استفحال وضعية المنظومة التعليمية، وعليه مالم تعلي منظومتنا التعليمية في مناهجها التربوية و التعليمية كما يقول فيلسوف التنوير ايمانويل كانط من شأن العقل في مقابل النقل ومنطق بضاعتنا ردت إلينا و مالم تخضع نفسها للنقد في مقابل الحماسة و مالم تسهم في إشاعة قيم الحرية في مقابل الاستبداد فإنها ستظل تعيد حلولها الترقيعية باستمرار باذج مع ما ينجم على ذلك من وضعية مهترئة تتهدد مستقبل المدرسة العمومية بالسكتة الدماغية.. [email protected]