نعيش الآن حالة من التخبط و الحيرة فيما يخص السياسة التعليمية بالمغرب، فالغموض و الارتجالية اللذان أصبحا يكتنفا قطاع التعليم ويهددان بمخاطر وشيكة يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونعلن عن حالة الاستنفار القصوى للخروج من تبعات الأزمة البنيوية التي تعصف بهذا القطاع الحيوي والذي ظل لعقود طويلة متذبذبا وعسيرا عن الحل الجذري، ففي ظل غياب استراتجية واضحة المعالم لمعرفة حاضر التعليم ببلادنا و معرفة المستقبل المأمول منه، وايضا في ظل الصورة النمطية التي أصبحت تميز واقع التعليم وما يعرفه من تردي ومن خلالها الصورة السلبية التي أصبحت تحوم حول رجال التعليم أنفسهم والذين أصبحوا في قفص الاتهام عن هذا الوضع الكارثي وذلك نظرا لتغييبهم لرسالة التعليم النبيلة، ولهذا كله فإنه يصبح من اللازم الإسراع وبكل روح وطنية خالصة لسياسة إصلاح شاملة لهذه المنظومة الاستراتجية وذلك من أجل كسب رهان مستقبل هذا الوطن الغالي ومستقبل أجياله القادمة. إن سؤال إصلاح التعليم بالمغرب هو سؤال مفرد، ولكنه سؤال مفرد بصيغة الجمع، وعليه لابد لهذه الأسئلة في مجموعها أن تكون دقيقة و واضحة و جريئة، فماذا نريد ونسعى إليه من إصلاح التعليم في ظل مجتمع طبقي حيث ظروف و مؤهلات التعليم غير متكافئة! و مهي أولويات الاصلاح! هل شكل التعليم أم مضمونه! ثم كيف يتسنى لن هذا الاصلاح وبأية وسائل ومناهج! هل نصلح انطلاقا من إمكانياتنا الذاتية ومن خلال أطرنا التربوية و التعليمية أم نستعين بالخبراء من خارج المغرب! ثم هل إصلاح منظومة الأجور لشريحة رجال التعليم هو الكفيل بإخراج التعليم من عنق الزجاجة! نرى هكذا أن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة هي القمينة بالإجابة الحقيقية على إشكالية التعليم بالمغرب، ولكن لن تكون لهذه الإجابة نجاعتها المنهجية و الإجرائية إلا من خلال حوار مفتوح و وطني يساهم فيه جميع المهتمين و الشركاء بهذا القطاع الحيوي في إطار مقارية تشاركية فعالة، وأيضا من خلال تشخيص موضوعي وشفاف لواقع التعليم. إن الإجابة عن سؤال ماذا نريد من إصلاح التعليم تفترض منا ابتداء امتلاك رؤية واضحة المعالم عن رهان المستقبل انطلاقا من فهم أبجدية هذا الحاضر و ما يكتنفه من غموض و ارتجالية و طبقية، وعليه ماذا من إصلاح التعليم في ظل التناقض الصارخ الحاصل داخل نسيج المجتمع المغربي حيث ظروف التعليم غير متكافئة، فكيف يمكننا أن نتحدث عن نمط والتعليم بين مركز المدينة كمدينة الرباط وبين هامش القرية في أعماق المغرب الغير النافع! وكيف يمكننا أن نقارن بين ظروف الدراسة و التحصيل بين أبناء عموم الشعب الذين تحتويهم المؤسسات التعليمية العمومية حيث الاكتظاظ و التكدس و مبين خاصة ابناء الأسر المتوسطة والعليا حيث المدارس الخصوصية و المعاهد المتخصصة وحيث المستقبل المضمون! إن سؤال الماذا هنا يقتضي بالضرورة تحقيق المساواة و الكفاءة كشرطين جوهريين في أي إصلاح مرتقب للمنظومة التعليمية. و أما عن سؤال أولويات الإصلاح هل شكل التعليم أم مضمونه فأعتقد بداهة أنه بات من الضروري البحث عن أشكال أخرى للتعليم ذات مضامين واقعية تستجيب و تتكيف مع سوق الشغل وبالتالي تجعل التعليم في صميم التنمية الشاملة، وبمعنى أخر أن نحاول أن نجيب عن سؤال أي شكل من التعليم نريده لتعليم أجيالنا، هل نكتفي بها التعليم النظري و التلقيني الذي يفرز لنا كل سنة الآلاف من الخريجين النظريين والذين كثيرا ما يصطدمون بصخرة هذا الواقع العنيد أم نبحث عن أشكال تعليمية أخرى ذات مضامين براغماتية ونفعية تنسجم وسوق الشغل وهذا ما يتطلب ايلاء الاهتمام للتعليم المهني و الفني. و في ما يخص كيفية إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب فإنه من اللازم الإشارة إلى أن قطاع التعليم هو القطاع الذي ظل المجال الأكثر خصبا لمختلف التجارب الإصلاحية من فجر الاستقلال وصولا إلى تجربة السيد روجرس كزافييه و التي أنفقت من أجلها مبالغ طائلة دون أي نتيجة ملموسة للخروج من الأزمة المستفحلة التي يتخبط فيها القطاع، وهنا يطرح السؤال الجوهري و المستفز في نفس الوقت،لماذا في كل مرة تفشل مبادرات إصلاح التعليم هل لأننا نحن بخبرائنا وأطرنا في مجالي التربية و التعليم لا نمتلك تصورا موضوعيا و واقعيا حول فلسفة الإصلاح و النابعة من الوعي بأصل المشكلة التي يدور في فلكها القطاع ذون أن ندري طبيعة الحل المناسب فنضطر على استيراد الحلول الأخرى والتي قد لا تتوافق مع نريده من إصلاح شامل و جذري، وهذا السؤال يبقى عالقا ويحتاج إلى إجابة جريئة وشجاعة. ثم هل إصلاح منظومة الأجور لشريحة رجال التعليم هو الكفيل لإخراج التعليم من أزمته البنيوية المستعصية! فالملاحظ أنه رغم الزيادات المضطردة و المهمة في أجور العاملين في قطاع التعليم ورغم الامتيازات و التسهيلات التي تم توفيرها والتي ساهمت في تحسين الظروف المعيشية لهذه الشريحة والتي أصبحت تعتبر طبقة متوسطة فإن جودة التعليم لم تتحسن و مردودية و خدمات رجال التعليم لم تصل إلى مستوى التطلعات الكبرى التي كان يصبو إليها جميع المغاربة،بل على العكس من ذلك أصبحت النظرة إلى بعض رجال التعليم نظرة سلبية وتشوبها كثير من السخرية و التهكم، فهناك من أصبح يصفهم برجال الأسمنت والأجور، وهناك من أصبح يصفهم بالانتهازية و الاستغلال حيث يلاحظ أن بعض رجال التعليم قد انصرفوا كلية إلى دروس الدعم والتقوية عوض الانصباب إلى تعليم أبناء الشعب بكل روح وطنية خالصة وهذه هي المهمة التي يجب أن يعطوها كثيرا من الجهد وكثيرا من التفاني في العمل. وأخيرا هذه جملة من الأسئلة المؤرقة التي تحتاج إلى كثير من النقاش العمومي، وتحتاج إلى كثير من الجرأة لإعادة الاعتبار لهذا القطاع ليكون اللبنة الأساسية في بناء المستقبل المأمول. [email protected]