أصبح العامل الإقتصادي في الظرف الراهن، يلعب دورا رياديا في تحديد المصالح و السياسات، و كذلك فإن البحث عن المصالح من الدائرة الوطنية إلى الدائرة الإقليمية يجعل الجغرافيا الإقليمية هي الوعاء الذي تتفاعل فيه المصالح الإقتصادية الإقليمية، فضلا عن المصالح الإجتماعية و السياسية. إلا أن الأولوية التي يحضى بها العامل الإقتصادي في التطورات الراهنة التي يشهدها النظام الدولي و التي تسير بإتجاه تعزيز النزعة العالمية في السياسات الخارجية للقوى العظمى و منها الولاياتالمتحدةالأمريكية و اليابان، لم تؤثر في النزعة الإقليمية في ضوء الواقع الجغرافي، حيث اتجهت الولاياتالمتحدة و هي تقود النظام الدولي الجديد إلى تعزيز علاقاتها الإقليمية مع كندا و المكسيك لإنشاء منطقة تبادل حرفيما بينهم ضمن إطار إتفاقية ألينا. و تدعو لإنشاء منطقة تجارية حرة للأمريكيتين، و تجعل من المحيط الهادي إمتدادا إقليميا لها من أجل الدخول مع بعض الدول الأسيوية و استراليا في تكثل جديد. أما أوروبا و بعد تحقيق الحكم الأوروبي الكبير و العمل على ضم كل دول أوروبا الشرقية، أصبحت تسعى لإستثمار العامل الجيوسياسي بإتجاه تحقيق الهيمنة على إفريقيا و خصوصا شمالها في إطار إتفاق أورو-متوسطي. أما بالنسبة لجنوب شرق آسيا فإن التكثل الذي كان يعتبر الأصغر و الذي يضم ( اليابان و النمور الأسيوية الثمانية) أصبح يشكل قطبا اقتصاديا عملاقا بمقدوره - إن بلغ مرحلة التكامل الإقليمي - ترك آثار واسعة على التوازنات الإقتصادية برمتها، حيث سترتفع نسبة احتكاره للإنتاج العالمي من الربع إلى النصف سنة 2040. إن ما سلف ذكره، يستند إلى افتراض مؤداه أن العلاقات التي تقوم بين دول عدة داخل إقليم محدد، هي في الغالب أكثر أهمية من تلك التي تقوم عن دول من خارج الإقليم. انطلاقا مما سبق، فإن المغرب و بحكم إنتماءه لمجموعة من الأنظمة الفرعية الإقليمية، فإنه يسعى لإستغلال كل الفرص المتاحة لديه لإقامة علاقات إقليمية إستراتيجية. و هكذا بعد نجاحه في الحصول على موقع متقدم في شراكته مع الإتحاد الأوروبي و في ضل الركود الذي يعيشه اتحاد المغرب العربي. فإن المغرب استغل و بطريقة جيدة المتغيرات الإقليمية التي حدثت في المنطقة العربية و التي زعزعت أركان مجموعة من الأنظمة التي اعتقدت و إلى وقت قريب أنها في منأى عن الثورات و الإنتفاضات، إضافة إلى ما تحمله منطقة الشرق الأوسط من صراعات و أزمات حدودية و مذهبية بين الدول الخليجية و إيران. وإذا كان المغرب عبر العقود الماضية ،هو المطالب بالإنضمام إلى نظام إقليمي معين كالإتحاد الأوروبي، أو مترجيا إحياء نظام فرعي إقليمي من قبيل اتحاد المغرب العربي فإنه علاقته بالتجمع الإقليمي لمجلس التعاون الخليجي، تعتبر مختلفة نسبيا عن الحالتين السابقتين، وبالرغم من ذلك فإن مجلس التعاون و بدون مفاوضات تمهيدية، أعلن في إجتماع له في السعودية قبوله لإنضمام المملكة المغربية و المملكة الأردنية. فإذا كان الإنضمام مطمحا و مسعا أردنيا، فإنه لم يكن كذلك بالنسبة للمغرب. فالعلاقات التجارية البينية بين الرباط و دول الخليج ليست بالجيدة، بعكس العلاقات السياسية حيث يعتبر المغرب أحد الدول القلائل التي عرفت سياستها الإقليمية تجاه دول الخليج استمرارية و توازنا. فمنذ الفترة التي عرفت فيها النظام الرسمي العربي سياسة المحاور، و التي صُنف المغرب فيها ضمن الدول المحافظة بمعية العروش الخليجية و بعض الدول العربية الأخرى، في مقابل الدول التقدمية و الإشتراكية القريبة من الإتحاد السوفياتي السابق و المتحالفة معه إقليميا و دوليا، هذا المحور تزعمته حينها مصر الناصرية و نظام العراق البعثي. فإن المغرب ضل وفيا لخطه السياسي في المجال الخارجي. و الذي رسمه منذ حصوله على الإستقلال. علاقة المغرب الوطيدة بالعروش و الملكيات الخليجية ، كانت متأثر بطبيعة العلاقات الشخصية التي نسجها الراحل الحسن الثاني مع قيادات تلك البلدان، سيما و أنه كان يعتبر أن السياسة الخارجية قطاع من قطاعات السياسة المحفوظة للإختصاص الملكي. هذه العلاقة كانت جد وطيدة مع جل الزعماء الخليجيين و خصوصا العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، حيثكان يرى الملك الحسن الثاني أنه يستحيل على المغرب أن يقف موقف مناقضا للسعودية، و لا يمكن له أن يصطف في وجهه لا يوجد بها الملك فهد بن عبد العزيز. هذا الترابط بين الوثيق بين المغرب و العروش الخليجية، تحول عبر السنين من علاقات شخصية بين الحكام إلى علاقات مؤسساتية و شعبية. إلا أنه مع رحيل الحسن الثاني و كذا بعض القيادات الخليجية التي عاصرته، برز نوع من الفتور مقارنة بحميمية العلاقات السابقة، سيما بعد أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية و التي تعامل فيها المغرب بحزم مع التيارات السلفية، و التي ترتبط فكريا و علائقيا ببعض العناصر السلفية بالسعودية. إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبح بمقدوره المراقب لتفاعلات العلاقات المغربية الخليجية، أن يرصد حقيقة، أنها شهدت نقلة نوعية هامة و مؤثرة خاصة منذ بزوغ الربيع العربي، حيث تمر بتطورات عميقة، بشكل تصاعدي و مدروس، و بإتجاه تأطير العلاقات و تنميتها و إعادة مأسستها عبر لجان و مؤسسات تابثة و متينة. و تندفع هذه العلاقات لإرتياد آفاق جديدة من التكامل و التنسيق و التعاون النشط في مجالات شتى، و مما لا شك فيه أن توافر الإرادة السياسية لتوليد هذا المناخ بتجلياته و مؤشراته الإيجابية و البناءة يؤدي إلى ترسيخ هذه العلاقات وسط سياق تفاعلات و تحديات إقليمية و دولية وتجسيدا لهذا التطور في العلاقات بين المغرب و الدول الخليجية، فإن الإستثمارات المباشرة الخليجية عرفت طفرة نوعية كما و نوعا، ولقد بلغ حجم التجارة البينية مع السعودية 2,8 مليار دولار سنة 2011 كما تزايدت الإستثمارات السعودية بنسبة 172,7 في المائة ما بين 2010 و 2011، و تنوعت هذه الإستثمارات خيث دخلت في السنوات الأخيرة إلى مجالات جديدة و رائدة كإستغلال الطاقة الشمسية عوض الإقتصار على الإستثمار في القطاعات العقارية و السياحية و البتروكيماوية. أما بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة فإن معدل التبادل التجاري الغير نفطي بين البلدين خلال سنة 2011 قد ارتفع بنسبة 226 في المائة، مقارنة بسنة 2010، و لقد كان الميزان التجاري لصالح المغرب حيث ارتفعت صادراته إلى دول الإمارات بنسبة 390 بالمائة، و بهذه الأرقام فإن الإمارات العربية شكلت الشريك التجاري الأول للمغرب بين دول الشرق الأوسط الكبير، أما قطر فلقد وقعت مع المغرب على إتفاقية لإنشاء صندوق للإستثمار المشترك بقيمة ملياري دولار بهدف مساعدة الرباط على تمويل المشاريع التنموية الكبرى، وكان ذلك في 24 نونبر 2011 . كما أنه بعد فتور مسألة انضمام المغرب إلى منظمة مجلس التعاون الخليجي و إتضاح صعوبة تنفيدها، إرتأت الدول الخليجية الإربع - السعودية، قطر، الإمارات العربية و الكويت - خلق صندوق مالي لمساعدة المغرب يحتوي على 5 مليار دولار ستقسم على خمس سنوات إبتداءً من هذه السنة إلى غاية 2016، بغية تطوير و تنمية مجموعة من القطاعات كالزراعة و الخدمات الإجتماعية و تقوية البنيات التحتية. في ظل هذا التطور الملموس جاءت زيارة الملك محمد السادس لدول الخليج، عكس ما روجت له له بعض الكتابات، أنها بهدف تأسيس نادي للملكيات العربية أو لاستجداء الدول الخليجية لمساعدة المغرب للخروج من أزمته الإقتصادية. بل في الواقع وما جرت عليه العلاقات بين الدول أن الواجب و كذا الأعراف الدبلوماسية تستدعي من قائد دولة تلقى الدعم والمساندة من أطراف معينة، القيام بزيارات ود و مجاملة لها و في هذا السياق تندرج هذه الزيارة التي تعتبر الأهم للملك منذ توليه العرش، إلا أن هذا لا يعني أنها لم تحمل أهدافا موضوعية و إستراتيجية مسطرة بدقة و يتبين ذلك من خلال الوفد الذي رافق الملك. فالمغرب يسعى لتسويق المشاريع التنموية المزمع إنشائها و الأوراش الإقتصادية المبرمجة في الخطط الآنية و المستقبلية، في الدول الخليجية ذات أكبر إحتياطي للنقد في العالم بعد الصين، هذا الإحتياط النقدي الذي راكمته خصوصا في السنوات الخمس الأخيرة التي عرفت إرتفاعا كبيرا في أسعار النفط وصل إلى 140 دولار للبرميل سنة 2008 بعدما كان في التسعينات يناهز العشر دولارات. وبناءً على ما أوردنا، فإن التطور الحاصل أمر إيجابي، إلا أنه يضل غير كافي لتطلعات شعوب الطرفين، حيث لا زال هناك ضعف واضح في الإندماج الأفقي لإقتصاديات المغرب و دول الخليج كما أنه وبالرغم من حجم الإستثمارات الخليجية فإنها لم تتعدى في أحسن الأحوال 30 بالمائة بل تقلصت في بعض السنوات إلى حدود 15 بالمائة. إضافة إلى أن المجال الصناعي و التصدير الفلاحي و الزراعي بالمغرب لا زال موجها نحو أوروبا، في حين أنه لحدود الآن لا توجد خطوط نقل بحرية منتظمة بين المغرب و دول الخليج. *باحث في العلاقات الدولية [email protected]