فقط مع مصادقة المجلس الحكومي الخميس الماضي،على المرسوم المتعلق بتطبيق القانون التنظيمي رقم 02.12 الذي يهم التعيين في المناصب العليا، يمكن للنقاش الذي أثاره هذا النص أن يتوقف ليأخذ أبعادا أخرى،إذ شكل هذا القانون التنظيمي إحدى بؤر الحوار العمومي الذي واكب التجربة الحكومية الجديدة؛إنه أول قانون تنظيمي يتقدم في عهدها، ورابع قانون تنظيمي يناقش في ظل الدستور الجديد. في البداية تساءل المتتبعون عن "مكان " صياغة هذا المشروع،خاصة مع السرعة غير المفهومة في مسطرة تقديمه، إذ صادق عليه المجلس الحكومي والمجلس الوزاري في نفس اليوم !، عشرة أيام فقط بعد تنصيب الحكومة وشهرا تقريبا بعد تعيينها !؟، وبرمج خلال دورة استثنائية ذات جدول أعمال جد مكثف مرتبط بمشروع القانون المالي، وطلب من المجلس الدستوري البث على وجه الاستعجال في مدى دستوريته ،وهو ما جعله يصدر قراره في أقل من ثلاثة أيام !؟، لينعقد على وجه السرعة مجلس وزاري بمدينة وجدة ،للمصادقة على الصيغة المعدلة، ليعود مجددا إلى البرلمان، ثم يصدر المجلس الدستوري قراره في يوم واحد بعد الإحالة الثانية، لينشر أخيرا بعد ذلك في الجريدة الرسمية. ثم،وبشكل مفارق سيعود الزمن التشريعي إلى إيقاعه العادي بمناسبة إصدار المرسوم المرتبط بهذا القانون، وسيسمح الوزراء لأنفسهم- وهم الذين لم "يطلعوا" على مشروع القانون التنظيمي إلا ساعات قبل اجتماعهم بالمجلس الحكومي تم بالمجلس الوزاري، دون أن يناقشه أي منهم ،على أهميته الكبرى في باب تطبيق الدستور والدفاع عن صلاحيات الحكومة- أن يأخذوا وقتهم الكامل في مناقشة المرسوم ؛وخاصة صيغ اقتراح الكتاب العامون للوزارات ،مع قليل من تبادل الاتهامات حول: أين بالضبط تمت صياغة هذا المرسوم: داخل الحكومة أم خارجها؟ عموما ،لقد كانت مناقشة هذا القانون التنظيمي، مناسبة للتذكير بغياب المخطط التشريعي، وهو ما يعني غياب الرؤية السياسية لترتيب أولويات وأجندة إخراج أكثر من 15 قانون تنظيمي في حدود ما تبقى من هذه الولاية التشريعية. وضدا على ما جاء في التصريح الحكومي من ضرورة "التنزيل التشاركي للقوانين التنظيمية" اتضح أن الحكومة لا تتوفر على أي منهجية سياسية لصياغة هذه القوانين التنظيمية بنفس الروح التي صيغ بها الدستور، وهو ما يعني أن الحكومة ستحتكر التحكم في البعد شبه التأسيسي لهذه الولاية ،وستقذف بعيدا بالقوانين التنظيمية خارج الرحم التوافقي للدستور. نعم إن القانون التنظيمي رقم 02.12 يعتبر بحق قانونا مهيكلا، ؛إنه يقدم الصورة الجديدة لطريقة توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية. ومع الأسف فهذه الصورة تخالف كثيرا روح الإصلاح الدستوري لعام 2011 التي إنبنت على فكرة "المسؤولية" و "الحكومة المنتخبة". كما تخالف الخطاطة الأصلية لتوزيع الصلاحيات بين الملك والحكومة، كما جاءت في النص الدستوري. لقد تأسس القانون التنظيمي على هاجس تحويل جزء من الصلاحيات الحصرية للحكومة، إلى المجال المشترك بين المؤسسة الملكية و الحكومة،مغلبا بذلك القراءة الرئاسية لنظامنا السياسي على أي تأويل برلماني ممكن، عن طريق تمطيط مفهوم "المؤسسات الاستراتيجية"، خاصة مع غياب الأعمال التحضيرية التي قد توضح ما قصده المساهمون في صياغة الدستور من هذا الاصطلاح . اليوم، سيغلق ملف هذا القانون المثير للجدل. ننتظر باقي القوانين التنظيمية، فقط سنتذكر مشهدا مغربيا : المعارضة تطالب الحكومة بممارسة صلاحياتها ،لكن هذه الأخيرة تجيب بأنها تبحث عن الثقة وأنها لا تريد أن تتنازع مع الملك في سلطاته!