ترى ما هي خلفيات جلسة "عرابي" مجموعة "أونا" التي أطاحت برئيسها سعد بنديدي؟ هل للأمر علاقة "بغياب استراتيجية استثمارية واضحة للمجموعة"، كما يذهب البعض، أو أن ثمة كواليس صراع مخزني عتيق بين كبار المتنفذين في مصير أكبر مجموعة اقتصادية ملكية، كما يقول البعض الآخر؟... يمكن أن يذهب المرء ما شاء له، ضمن نفس سياق التساؤل، وذلك بالنظر إلى حقل الألغام المديد، الذي يحف عادة بكل المسؤوليات في "حظائر" المؤسسات المخزنية، كبر شأنها أم صغر. ولا يخفى أن الصرف غير اللطيف لواحد من أنجح وأكفأ أطر التسيير والتدبير بالمغرب، ونقصد به سعد بنديدي من على رأس مجموعة "أونا" يطوي بين دلالاته، العديد من التفسيرات، غير أن المنظور منها أكثر من "المستور"، لذلك ذهب الكثيرون شتى المذاهب في تفسير الحدث. لملمنا من خلال مواد غلاف هذا العدد، ما تسنى لنا الحصول عليه، من معطيات عن زلزال القمة في المؤسسة التي يصدق عليها لقب "كنز الملكية".. كما استقينا آراء محللين مختصين وأساتذة باحثين في مجالات المال والاقتصاد والتدبير، فكانت هذه الحصيلة. بنديدي الكُفء.. بنديدي العديم الكفاءة ظل سعد بنديدي حتى مرور قرابة ساعتين من الاجتماع الماراطوني ليوم الجمعة الماضي، مطمئنا إلى أنه سيظل في مكانه رئيسا للمجموعة الاقتصادية "أونا" وذلك بدليل أنه طالب، عند الحديث التفصيلي، عن المصاعب المادية التي تواجهها شركة الاتصالات الوليدة "وانا" بمبلغ خمسة ملايير درهم لدعم ما أسماه "باستراتيجية جديدة للشركة على مدى الخمس سنوات القادمة"، غير أن المساهمين الرئيسيين في الشركة، ومنهم منير الماجيدي وبنهمو كانا يتحسسان بثقة وغضب، المعطيات التي تسلماها خُفية من أربع خبراء افتحاص دوليين، وضعت شركة "وانا" في موقع "انعدام الفعالية" و "التنافسية الضعيفة". الخسارات واضحة، لكن هل يُمكن القول إن الرئيس المدير العام سعد بنديدي، هو المسؤول عن فشل واحدة من الشركات الموازية لمجموعة "أونا"، ولماذا لم يتم الاستغناء عن خدمات كريم زاز المدير المباشر لشركة "وانا"؟ ثم لماذا انقطعت سُبل التواصل بين الماسكين بأسهم الشركة الوطنية للاستثمارات، المتحكم الحقيقي في مصير الشركات المُلحقة بمجموعة "وانا" والرئيس المدير العام لهذه الأخيرة، أي سعد بنديدي؟ كثيرة هي الأسئلة التي تُطرح بمناسبة التخلي "المفاجىء" عن الرجل الذي كان يعتبر إلى حدود الأيام القليلة الماضية، واحدا من أندر أطر التسيير المالي والاقتصادي بالمغرب المشهود لها بالكفاءة، حيث يقف سجل نجاحه الباهر قبل تاريخ دجنبر من سنة 2004 في جعل مجموعة "فينانس نيوز" للثري عثمان بنجلون، شاهدا على ذلك، لدرجة يُقال معها في محيط هذا الأخير إنه لم يبتلع أبدا، الطريقة المخزنية العتيقة، التي اعتمدها كاتب الملك منير الماجيدي في تجريده من الإطار الأكثر كفاءة في مجموعته البنكية والمالية. الذين اطلعوا على الدقائق العصيبة للساعات الست الأكثر طولا في الحياة المهنية لسعد بنديدي، ونقصد بذلك المدة التي استغرقها اجتماع يوم الجمعة الماضي، أكدوا أن نية التنكيل بالرجل كانت مُدبرة بليل، بين صفوة المتحكمين في قدر مجموعة "أونا"، وهم مالكو اغلب أسهم شركتي "سيجر" و "الشركة الوطنية للاستثمارات". حيث كانت المناسبة أكثر من "مواتية" لرد الصاع بأكثر من صاعين للذراع الأقوى سابقا في مجموعة "فينانس كوم" المُنافسة. وإلا كيف يُمكن تفسير إلحاح الماجيدي وصُحبُه على التلويح بتهمة "إخفاء المعطيات السلبية لشركة وانا عن المساهمين الرئيسيين"، وهي تُهمة جنائية خطيرة؟ وبذلك تحول الاجتماع إياه إلى مُحاكمة للرجل على الطريقة المخزنية العتيقة: المباغتة و مُضاعفة الضربات إلى غاية انهيار الخصم.. وبالفعل انخرط سعد بنديدي في سلسلة اعترافات بمتاعب شركة "وانا" وكأنه كان بصدد عملية انتحار "هاراكيري" تحت الضغط. وفي هذا السياق يُمكن فهم التزام الرجل الصمت حين قذف قرار التخلص منه بشكل قاس. فحسب محللين اقتصاديين وماليين، فإن المسؤولية السياسية لفشل "وانا" المُلوح به ليس إلا عرضا لأسباب جوهرية. ما هي هذه الأسباب؟ يُجيب المعنيون، ومنهم ذ نجيب أقصبي، انظر نص حوارنا معه في مكان آخر من صفحات الغلاف: "الخطأ الأساسي، الذي يكمن وراء المتاعب المالية والاقتصادية لمجموعة "أونا"، يتمثل في غياب إستراتيجية استثمارية، تأخذ بشكل عقلاني مسألة تحديد ما يُسمى في المجال ب "المِهن الأساسية" (لي ميتيي دو باز)"، وبالتالي حسب رأي المعنيين فإن سعد بنديدي كما رؤساء "أونا" الذين سبقوه، ليسوا سوى مشاجب عُلِّقت عليها تلك الأسباب الحقيقية". وبهذا الصدد فإن ثمة معطيات متوفِّرة تفيد أن المتاعب المالية لمجموعة"أونا" بلغت حدا حرجا، حيث وصلت مديونيتها للشركات المُساهِمة حدودا غير مسموح بها في هذا المجال. واليوم فإن ذات الخطاب الإطرائي يُرافق "زفة" الرئيس المدير العام الجديد معتصم بلغازي إلى كرسي قيادة مجموعة "أونا"، حيث يتم الحديث عن نجاحاته في أكثر من مجال مالي وتدبيري، غير أن ذلك لا يُمكن أن يُخفي حقيقة أن الرجل، أي بنغازي، محسوب على "لاكليك ديال الماجدي وبنهمو".. لكن السؤال يظل قائما، هل ذلك سيكون كافيا ليتمكن الرجل من "وضع استراتيجية تخطيط ناجعة لفترة الثلاثة أشهر القادمة" كما طُلِب منه؟ المستقبل القريب سيأتي بالجواب، غير أن المُؤكد هو أن الكفاءة وحدها، كما يقول أحد المتخصصين في التدبير الاقتصادي، لم تكن أبدا هي العامل الحاسم في أن يُعمِّر كل الذين تعاقبوا على أكبر كرسي اقتصادي في المملكة، والأدلة في هذا الإطار لا تعوز. الماجيدي يقطع رأس بنديدي ما الذي حدث و "برَّر" كل تلك الشراسة التي استعملها محمد منير الماجيدي، في اجتماع يوم الجمعة 11 أبريل 2008، للتخلص من أحد أكبر أطر القطاع المالي والبنكي، الذي كان إلى أمد قريب يُضرب المثل السيار بنجاحاته، ونقصد بطبيعة الحال سعد بنديدي؟ لحد الساعة فإن هذا الأخير يلتزم الصمت، واكتفى بالإجابة بلباقة، لكن بحسم، على الأسئلة التي تقاطرت عليه من الصحافيين، بأنه لا تعليق لديه على ما حدث، غير ان أحد الذين احتكوا به في أكثر من ملف تدبير مالي، يقول "إن الرجل مظلوم، فلقد تم تعليق كل سلبيات التدبير في أونا على كتفه، وسيضطر للصمت لاعتبارات تتصل بشخصيته الأميل للمهادنة، سيما انه يعلم أن الساحة التي عُرِض فيها شخصه للتنكيل هي تابعة للكبار، وبالتالي فإن أية نوبة غضب أو فلتة لسان ستكلفه غاليا"، مضيفا: "سيصمتُ إلى حين ثم سيستأنف مساره المهني على رأس مؤسسة اقتصادية أو بنكية كما جرت العادة، لذا فالصمت بالنسبة إليه هو الأجدى". غير أن هذا لا يمنع من القول بأنه لم يحدث أبدا، حتى حينما كان على رأس اونا صِهر الملك الراحل الحسن الثاني ، ونعني به فؤاد الفيلالي، نجل الوزير الأول السابق عبد اللطيف الفيلالي على رأس "أونا" أو مراد الشريف ثم جاي الحوكيمي، أن تم التعريض ب" لا كفاءة" الرئيس المدير العام المُتنحي عن منصبه، ففؤاد الفيلالي كان قد تنحى بشكل عاد، ليأخذ الأمر طابع "نهاية المهمة" بالمعنى الذي تحيل عليه العبارة الفرنسية "فان دو ميسيون".. وحدث ذلك أيضا حينما تم التخلي عن خدمات مراد الشريف بالرغم من الحصيلة السيئة لفترته من الناحية التدبيرية، كما سلفت الإشارة، أما خلفه باسم جاي الحوكيمي فقد تم الإبقاء عليه في منصب تدبيري بعد إعفائه، وذلك بإسناد مهمة إدارية إليه ضمن نفس المجموعة، وهو ما لم يحدث من قبل أبدا، حيث كان يتم إعفاء المعني بشكل نهائي من أية صلة بالشركة، وقد قيل حينها بأن مهمة الحوكيمي التي كانت متمثلة في إعادة تنظيم المجموعة، والقيام بعملية مَركزة جديدة لأنشطتها وفق المِهن التجارية الأساسية، قد تمت بنجاح، وإن المرحلة الموالية كانت تقتضي اقتحام "أونا" لمجالات استثمارية جديدة ترتبط بالتقنيات المعلوماتية والاتصالات. وحسب المعطيات التي تسربت من اجتماع يوم الجمعة الماضي فإن كاتب الملك، وراعي ثروة عائلته منير الماجيدي، كان يحمل في جيبه قرار إعفاء سعد بنديدي، لاعتبارات تتصل بفشل مراهنة "أونا" على الاستثمار في شركة" وانا" للاتصالات، وبالتالي هذا التساؤل: لماذا بدرت كل تلك الشراسة من منير الماجيدي، اتجاه إطار مالي وبنكي فعل المستحيل من اجل "سرقته" من ضفة استثمارية مُنافسة، ونعني بها "فينانس كوم" لصاحبها عثمان بنجلون؟ حيث وصل الأمر إلى التلويح في ذات الاجتماع العصيب، بتهمة "إخفاء معطيات مهمة عن الحالة الخطيرة التي وصلت إليها استثمارات المجموعة في قطاع الاتصالات"، وهي التهمة التي يُعاقب عليها القانون المُنظم.. هذا فضلا عن أسلوب التشنيع المُستخذم، وتسريبه إلى وسائل الإعلام؟ يقول نفس المصدر المقرب من سعد بنديدي، إن هذا الأخير "لم يستجب لإستراتيجية كاتب الملك وصديقه منير الماجيدي، في جعل رئيس "أونا" مجرد مُنفذ لسياسة " سيجر"، وهو ما لم يعتد عليه بنديدي، الذي كان يضع من قبل، الإستراتيجية التنافسية الناجحة لمجموعة بنجلون المالية والبنكية"، مضيفا: " وقد انضاف إلى هذا العامل أن ثمة تضاربا في مزاجي الطرفين" مما حتَّم مسألة الاصطدام، وبالتالي إنهاء مهمة الرجل - أي بنديدي - على ذلك النحو العاصف. هكذا "سرق" كاتب الملك ألمع إطار من مجموعة عثمان بنجلون لم يكن يعلم السيد سعد بنديدي، حين توصله بمكالمة هاتفية خاصة جدا يوم 24 دجنبر من سنة 2004 ، تُخطره باستعجالية الالتحاق بمدينة مراكش لأمر على درجة كبيرة من الأهمية، أن الأمر يتعلق باستقبال له من طرف الملك محمد السادس، لتعيينه في واحد من أهم وأخطر المناصب التدبيرية في بلاد الأيالة الشريفة، ونقصد به منصب رئيس مؤسسة "أونا" خلفا لباسم جاي الحوكيمي. غير أن المفاجأة لم تكن بهذه الدرجة من القوة التي تبدو عليها، ذلك أن حربا حقيقية كان قد خاضها الكاتب الخاص للملك، وراعي مصالح الأسرة الملكية في المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى بالمغرب، من أجل أن "يسرق" الإطار البنكي اللامع في المجموعة الاقتصادية الضخمة لعثمان بنجلون "فينانس كوم". كانت الحرب من الشراسة، التي قال عنها البعض حينها، إنها لم تُراع فيها أدنى قواعد التنافسية الاقتصادية، حيث إن مجموعة "أونا" كانت بصدد تدبير الالتحام البنكي بين وافا بنك، الذي قدمه لها رجل الأبناك سعد الكتاني على طبق من ذهب، مع قطب الرحى في الاستثمارات البنكية للعائلة الملكية، ونعني به "البنك التجاري". وبالنظر إلى التنافسية التي كانت بين هذا الأخير والمجموعة البنكية لإمبراطور المال والأعمال عثمان بنجلون، فقد قيل أيضا بأن الضربة التي وُجِّهت لهذا الأخير كانت من القوة بما يُهدد القدرة التنافسية لمعاملاته التجارية والبنكية، ذلك لأن إطاره التدبيري السابق سعد بنديدي، يعرف دقائق أركان نُقط قوة وضعف معاملاته، غير أن رغبة الملك التي نقلها كاتبه الخاص كانت أقوى، وتم بالفعل الاستقبال الملكي للسيد سعد بنديدي الإطار البنكي اللامع الذي صنع مجد مجموعة عثمان بنجلون. إستراتيجية "أونا" "خرجت من الخيمة مايلة" كانت مراهنة القصر على إصلاح حال شركة "اونا" منذ بداية سنة 2006 . وذلك باعتبار هذه المؤسسة أخطبوطا اقتصاديا وماليا مهما جدا، تملك العائلة الملكية القسط الأوفر من أسهمه، من خلال مراقبتها ل تجمعات شركات "هولدينغ"، مثل شركة سيجر التي تملك مباشرة نسبة 5 بالمائة من "أونا" و67 بالمائة من الشركة الوطنية للإستثمار، وهذه الأخيرة تُراقب مباشرة 33 بالمائة من شركة "أونا"، وهو ما يمنح نسبة الثلث من النسبة الإجمالية لمعاملات البورصة المغربية. وحسب المعطيات فإن الحالة الصحية لهذا التراث المالي والإقتصادي الضخم كانت على اسوأ حال خلال مرحلة رئاسة رئيسها السابق مراد الشريف في الفترة ما بين 1999 و 2002 . كيف ذلك؟ عُين هذا الأخير رئيسا ل "أونا" في شهر أبريل من سنة 1999 ، أي قبل زهاء ثلاثة اشهر من وفاة الحسن الثاني، وحسب المعطيات التي تسربت حينها فإن الرجل، أي مراد الشريف، كان مدينا بمنصبه الكبير ذاك لعلاقته "الجيدة" مع وزير الداخلية السابق إدريس البصري، غير أن هذا الأخير، لم يتورع فيما بعد عن وصفه ب" الوغد" وذلك بدون شك لأنه تنكر له بعدما أفل نجمه - أي البصري - السياسي. كان كبار أطر "أونا" قد لقّبوا مراد الشريف ب "مراد الثاني" كناية عن الخليفة العثماني مراد الأول، وذلك بالنظر إلى العجرفة الشديدة للرجل، حيث كان "شاوش" مكتبه يُعلن عن قدومه بصوت مرتفع كلما ترجَّل من المصعد الخاص الذي كان يستعمله لوحده، هذا بينما كان مساعدوه ينتظرونه واقفين وكأن الأمر يتعلق بشخص الملك. حيث يُحاول كل واحد منهم (أي معاونو مراد الشريف) إثارة انتباهه، ولم يتورع مرة عن ترك مسيري شركة "دانون" التابعة ل "أونا" ينتظرون لمدة ساعتين كاملتين، وذلك بدون شك، مقتديا بولي نعمته الحسن الثاني الذي كان يفعل الشيء نفسه مع ضيوفه. فما هي حصيلة إدارة مراد الشريف ل "أونا"؟ فبالإضافة إلى هذه التصرفات الأقرب إلى شيخ زاوية،منها إلى رئيس شركة تمنح مظاهر العصرنة، على الأقل من خلال المجالات التي تستثمر فيها، فإن الرجل راكم العديد من الأخطاء الإستراتيجية التي كان يحسبها له المقربون من الملك الجديد، آنذاك، محمد السادس، حيث كان مطلوبا حينها، في وقت العولمة والتنافسية الشرسة، أن تتوفر "أونا" على صِلات كبريات المجموعات الاقتصادية العالمية. وكانت فرنسا هي أول وِجهة باعتبارها "الصديق" والشريك السياسي والاقتصادي الأول، وبالتالي أن تحظى الشركات الفرنسية بامتياز الشراكة الاستثمارية الأولى مع "أونا". وهي المهمة التي كرَّس لها مراد الشريف وقته منذ مجيئه إلى مقر "أونا" القديم في زنقة الجزائر بالعاصمة الرباط ( قبل أن يتحول إلى الدارالبيضاء )، وهكذا قام ببيع شركة "أكسا" التي كانت تُعتبر واحدة من أفضل مؤسسات التأمين ( الإفريقية للتأمين ) التابعة ل "أونا" حيث طفق (أي مراد الشريف) بالتفاوض مبتدئا من نقطة الصفر على أساس حصة الأقلية بالنسبة ل "أونا"، وهكذا تنازل عن حصة هذه الأخيرة في شركة التامين المذكورة للفرنسيين مقابل مبلغ أقل بكثير مما كانت تُساويه حقا في السوق، لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل قام أيضا بتفويت بضع عشرات من أسواق "مرجان" الممتازة لمجموعة "أوشان" الفرنسية بمبلغ مالي ضئيل مقارنة بقيمتها الحقيقية. كان واضحا أن إستراتيجية عمل مراد الشريف على رأس "أونا"، تتمثل أساسا في منح الأفضلية للمصالح الاقتصادية الفرنسية، وهي الإستراتيجية، التي كان قد وضع عجلات سيرها من قبل مستشار الحسن الثاني في الاقتصاد أندري ازولاي، لفائدة الشركات الفرنسية "أكور" و"فيفندي" و"بوبليسيس". وفي مقابل سلسلة البيع "بالرخا" كما نقول بالدارجة، انطلق مراد الشريف في عمليات شراء باهضة باسم "أونا"، كان من بينها شركة "بيمو" التي منح مقابلها مبلغا ضخما جدا لا يقل عن 440 مليون درهم، وكذلك مقاولة مغمورة متخصصة في الحلويات والفستق المعلبة، اسمها "ليدفود"، هذا دون الحديث عن توقيعه لعقد مُراقبة "أونا" للشركة الوطنية للاستثمارات وفق شروط مالية بالغة الضخامة، وذلك فقط بغاية الإلتفاف على الشهية المتعاظمة لرجل المال والأبناك المنافس عثمان بنجلون. والنتيجة أن شركة "أونا" راكمت من الديون أضعاف ما كان عليه الأمر قبل مجيء مراد الشريف على رأسها. وحصل أن النتيجة المباشرة لهذا التسيير المُرتجل هي الخسارة البينة، حيث إن مسار التواجد المالي ل "أونا" في بورصة الدارالبيضاء انهار بنسبة 40 بالمائة خلال سنة 2001 . ولم يكن بالإمكان انتظار أكثر من ذلك لإقالة الرجل المتعجرف مراد الشريف من منصبه، حيث تم تنظيم حفل وداع له خلال سنة 2002 بالعاصمة الغينية كوناكري، وذلك وِفق مبرر "باذخ" للتخلص منه. غير ان الرجل فاوض بشكل جيد ذهابه من على رأس "أونا"، حيث حصل على أزيد من 6 مليون درهم لترك مكتبه الفخم، وامتيازاته الإمبراطورية. محمد منير الماجيدي يُراقب "أونا" من موقع رئاسته ل "سيجر" حينما عيّن الملك محمد السادس كاتبه الخاص، محمد منير الماجيدي، رئيسا مديرا عاما لمجموعة (هولدينغ) "سيجر" التي تُراقب "أونا"، كان واضحا أن مرحلة أخرى قد بدأت في تاريخ هذه الأخيرة منذ أن "استردها" الحسن الثاني من الفرنسيين، وِفق شروط ما زالت غير معروفة، وفي هذا الإطار تذهب بعض الافتراضات غير المسنودة بدلائل، إلى حد القول بأن الملك الراحل منح للفرنسيين ضمانات بالتنازل عن مصالح المغرب الترابية في موريتانيا، مقابل أن تضع المؤسسة الملكية يدها على شركة "أونا". إذ لأول مرة لم يعد منصب الرئيس المدير العام لشركة "أونا" التي انتقلت من كبار إشراف بعض عتاة التدبير الفرنسيين إلى مغاربة، هو الحاسم بل إن صاحب إدارة مجموعة "سيجر" المُستحدثة هو الذي يُراقِب الشركات الموازية ( فيليير) نظير "اونا" و الشركة الوطنية للاستثمارات إلخ. غير أنه حسب محللين مُختصين، فإن هذا لم يُمكِّن التراث الاقتصادي الضخم للعائلة الملكية، الذي تمت بعثرته وِفق شروط التنافسية الجديدة، من رفع تحدي عقلنة مجالات الاستثمار، بل ظلت ذهنية المغامرة غير المحسوبة النتائج، هي سيدة الموقف، ناهيك عن أسلوب التسيير التقليدي، ومنه مثلا أن عراب ثروة العائلة الملكية الجديد (أي الماجيدي) لم يتورع عن استعمال النفوذ المخزني أكثر من مرة، مثلما حدث عند تقاطع مصالح شركة لوسيور التابعة ل "أونا" مع الطموحات الاستثمارية في نفس المجال، مع الشركة السعودية "سافيولا" ومنتجاتها الزيتية الأكثر جودة وتنافسية في السعر، فكان أن تم عرض القضية على المحكمة، ليكون الحكم "بطبيعة الحال" أو بالأحرى بقوة الأشياء لفائدة "لوسيور". إذن يُمكن اعتبار منير الماجيدي رجل المخزن الجديد في حظيرة بيت مال وأعمال العائلة الملكية، الذي لا يتردد في إعمال السلطة السياسية لأولياء نِعمته من أجل لي ذراع المنافسين، وكذلك لتدليل صعاب سوق التنافسية التي لا ترحم. رهانات الملك على سعد بنديدي كانت المهمة التي على بنديدي إنجاحها تتلخص في كلمة فضفاضة لا تقل عن "تنمية" المجموعة. حيث لا أحد حدد له ما الذي يجب عليه "تنميته" مما ترك المجال شاسعا لكل الاحتمالات". وفي الحقيقة كانت المهمة دقيقة للغاية، سيما أن الرئيس الجديد الذي حل حينها مكان جاي الحوكيمي، كان عليه ملء فراغ كبير في المجموعة بعد إعادة الهيكلة الذي تعرضت له. حيث كانت مهمة الحوكيمي المتمثلة في تدعيم ثقل الشركة الوطنية للاستثمار، التي تمثل أحد أقوى أذرع المجموعة، قد انتهت ومن ثم حل الدور على خلفه بنديدي، ليمنح مجموعة "أونا" دفعة استثمارية جديدة، سيما أن هذه الأخيرة كانت قد فقدت بعضا من أهم مواقعها في سوق المال والأعمال، لذا فإنه كان مطلوبا من الرجل – أي بنديدي – أن يُحقق نوعا من إعادة الانتشار، ومن هنا تم الرسو عند قطاع الاتصالات باعتباره حصان طروادة جديد بالنسبة للمجموعة التي كانت تُركز أكثر فأكثر على الصناعات الغذائية ( الزيوت والسكر والبيسكوي ... إلخ ) والقطاع البنكي. لقد كانت المراهنة قائمة على أكثر من ذلك، وتتمثل في نوع من إعادة الانتشار الاستثماري لمجموعة أونا لتجنيبها التراجع الحثيث الذي كانت تُسجله. وحسب الأسباب التي أوردها خصوم سعد بنديدي، فإن هذا الأخير لم يقتصر فحسب على الفشل في المهمة التي اُنيطت به، بل إنه كََبَّد المجموعة خسائر منظورة في أفق التوازن المالي للمجموعة، لا يقل عن تقارب من نصف إجمالي الاستثمار الذي خُصِّص لمشروع "وانا"، وهو للتذكير 6.5 مليار درهم، وذلك بسبب الفشل على الرهان الأولي الذي كان يتوقع استقطاب ثلاثة ملايين مشترك، في حين انه تم التوصل بالكاد إلى 1.5 مليون مشترك أي نصف ما كان متوقعا،وبالتالي فإن العائدات عن كل زبون لم تتعد نحو 37 درهما بحصيلة لم تتجاوز مع نهاية سنة 2007 مبلغا إجماليا هو 775 مليون درهم، وبالتالي استحالة تغطية تكاليف المشروع التي هي 6.5 مليار درهم في أفق سنة 2010. ومن هنا خطورة الوضع المالي لمجموعة "أونا" التي أرادتها مجموعة أونا ان تكون حصان طروادة في إعادة الانتشار الاستثماري. وهكذا تمخض الجبل فولد فأرا كما يقال. حسب بعض المعطيات التي جمعناها من أكثر من مصدر فإن "سعد بنديدي" لم يكن سوى ذلك "الحجام " الذي طُلِب تعليقه بعدما سقطت الصومعة، حسب إفادة المثل الشعبي البليغ. كيف ذلك؟ تفيد المعطيات المومأ لها أن القصر، وبالتحديد الملك محمد السادس، كان قد أصبح منذ مدة غير يسيرة مشغولا بسلسلة الفشل التي تُحالف استثمارات مجموعة "أونا". ومن ثم فكرة إعادة الانتشار الإستثماري التي اختير لها واحد من أفضل أطر مجموعة "فينانس كوم" المنافسة لصاحبها عثمان بنجلون. غير أن النهاية غير السعيدة لتعامل الطرفين، كما أفاد بذلك الصرف غير الظريف لبنديدي من منصبه على رأس "أونا" الذي يفيد أن وراء الأكمة ما وراءها. المعتصم بنغازي: أيهما أثقل، الكفاءة التدبيرية أم صداقة الماجيدي؟ المعتصم بلغازي، حائز على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية، وعلى دبلوم الدراسات العليا في التدبير، ودبلوم مركز الدراسات المالية والاقتصادية والبنكية بمرسيليا، وعضو شرفي في مركز التحليل الاقتصادي بكلية الاقتصاد التابعة لجامعة (بول سيزار أيكس أون بروفانس) بفرنسا، وقد شارك في تأليف منشورات وتحليلات عدة، لصالح منظمات دولية، وعلى الخصوص البنك العالمي. وقد تدرج بلغازي في العديد من المناصب الوزارية، منها مدير وزير التعليم السابق الحبيب المالكي، وللإشارة فإنه من أقرباء هذا الأخير، ومراكز إشرافية أخرى مرتبطة بمجال اختصاصاته الاقتصادية، أبرزها تقلده منصب الرئيس المدير العام للمجموعة الإماراتية المغربية "صوميد"، وهي شركة قابضة برأسمال قدره 950 مليون درهما. تعمل منذ نشأتها سنة 1982، في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية. غير أن ما صنع المسار المُوفَق للرجل حسب معطيات متوفرة عنه، إحداثه سنة 1996 لمؤسسة متخصصة في منح القروض الصغرى للنساء الناشطات اقتصاديا في القرى والبوادي، لكن أساس أدائها، أي المؤسسة، كان معقلنا، حيث كان عرابها بلغازي لا يمل من القول لمساعديه في هذا المجال "لا نريد تمويل البؤس". ولعبت المؤسسة أدوارا طلائعية في فتح ورشات صغرى لفئات كبيرة من المستفيدين من خدماتها الاجتماعية، مما حذا بالمجلة الأمريكية الشهيرة "فوربس" إلى منحها مرتبة "أفضل جمعية قروض صغرى بالمغرب والخامسة عالميا". وغني عن البيان أن مجال التنمية الاجتماعية يُعتبر نقطة ضعف "العهد الجديد" سيما عقب النتائح الهزيلة لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فضلا عن التصنيف الكارثي للمغرب في مجال التنمية البشرية مؤخرا، لذا كان "طبيعيا" ان تتحول الأنظار إلى بسرعة عقب ورود فكرة البحث عن بديل لسعد بنديدي على رأس مجموعة "أونا". وهو ما يؤكد أن قرار التخلص من هذا الأخير، كان جاهزا منذ فترة غير قصيرةّ. لقد عرف المعتصم بنغازي كيف يجمع بين التمظهر السياسي من خلال إشرافه على أكثر من ورش حكومي، إبان عمله إلى جانب قريبه الاتحادي الحبيب المالكي حينما كان هذا الأخير على رأس وزارتي الفلاحة ثم التعليم ( ولا يخفى ما لحسنة الجمع بين القرابة العائلية للشخصيات السياسية والمهارات التدبيرية في رحلة سلم الصعود). لذا يُمكن القول إن الرجل عرف كيف يوفر أسباب النجاح لكل الملفات التي اضطلع بها، فكان أمر الالتفات إليه تحصيل حاصل. وللاشارة في ذات السياق فإن معتصم بلغازي يحمل في سجله أيضا، الاضطلاع في إطار رئاسته لمجلس إدارة شركتي "فيني بروسيت" و"زليجة" التابعتين للمجموعة ذاتها(صوميد)، تأمين تدبير عصري لورش مسابك "زليجة" التي تأسست منذ ما يزيد عن ستين سنة، وجعلها واحدة من أهم مسابك المنطقة الأورو إفريقية، مستغلا في ذلك تموقعها بشمال شرق المغرب، بالقرب من الميناء المتوسطي للناظور، كنقطة مثالية اتاحت لها التزود من مجموعة مناطق أمريكا، وأوربا وشمال إفريقيا، والشرق الأدنى والشرق الأوسط. مما جعل طاقتها الإنتاجية تقدر حاليا ب 60.000 طن في السنة من الرصاص اللين (99,99%) المسجل ببورصة لندن للمعادن (London Metal Exchange) تحت علامة "PZ-Maroc". كما كانت له عضوية بمجلس إدارة "صوبروليف" المنتجة لزيت الزيتون، وهي المؤسسة التي لم تلتهب أسعار زيوتها كما هو حال أخواتها ، "لوسيور - كريستال" التي رفعت من الأرقام المتعلقة بصافي أرباحها لسنة 2007، جراء الزيادات المتتالية التي طبقتها في أسعار زيوتها. وتمكن معتصم بالتالي بحكم تواجده بالمكتب الإداري لنادي اتحاد الفتح الرياضي من وضع لمساته الخاصة على مشروع فريق الفتح، الذي تمت الموافقة عليه من قبل مجلس مدينة الرباط، لفائدة الفريق الربا طي . إنها بعض من مؤهلات المعتصم بنغازي، فهل ستفيده في ربح رهانات الصعوبات التدبيرية التي تتخبط فيها مجموعة "أونا"؟ إن الكفاءة وحدها لا تكفي في بؤرة تدبير تعج بالفخاخ من كل الأنواع، بقدر ما ستسعف الرئيس المدير العام الجديد لمجموعة "أونا" علاقته الوطيدة، الخاصة بصديق الملك وكاتبه الخاص محمد منير الماجيدي، المتحكم الحقيقي في مآل الأشياء داخل أكبر وأضخم مؤسسة اقتصادية في بلاد الأيالة الشريفة. الحرب الضروس بين الماجيدي وبنديدي كثيرون هم الذين تذكروا تفاصيل اجتماع يوم الاثنين 18 شتنبر الذي مرّ منذ 3 سنوات خلت، يوم الجمعة 11 أبريل 2008، الذي تزامن مع اجتماع خلية أزمة بمقر " أونا"، انتهى بقرار تنحية سعد بنديدي عن قيادة " أونا" على خلفية، كما قيل، تخبطه الاستراتيجي في نهج تدبيره لأهم مجموعة اقتصادية بالنسيج الاقتصادي المغربي، وبدعوى وجود اختلالات جدية في التخطيط والقيادة وإستراتيجية التدبير وعدم توفره على خطة واضحة المعالم ومحددة المقاصد ومضبوطة الأهداف، لمواجهة تحديات المستقبل القريب، لاسيما في قطاع الاتصالات، وهو القطاع الذي تراهن عليه مجموعة " أونا" كثيرا منذ نهاية التسعينات. ففي 18 شتنبر 2005 غادر رشيد سليمي كرسي قيادة "أونا" والدموع في عينيه من أجل ترك كرسي القيادة لسعد بنديدي، في حين حدث يوم الجمعة 11 أبريل 2008، أن غادر بنديدي مقر " اونا" بصمت وثبات مصطنعين بعد أن تلقى حماما "باردا" من حيث لم يحتسب. يوم 18 شتنبر 2005، لم يكن يخفى على أحد أن سعد بنديدي كان قد استهدف إسقاط رأس رشيد سليمي باعتباره أقرب رجال مجموعة " أونا" لمنير الماجيدي. في نفس الفترة كان خالد الودغيري قد أفلت من شباك منير الماجيدي، الذي كان يرغب جاهدا في إبعاده عن دوائر المسؤولية، لكنه أخطأ حساباته، فانقلب السحر على الساحر، إذ ساهم عبر مواجهته في تمكينه من الفوز بالحظوة والجلوس على كرسي قيادة مجموعة التجاري وافا. في ذلك اليوم ( الاثنين 18 شتنبر 2005) عاين الماجيدي على مضض تنحية أحد رجال ثقته وتألق نجم أحد المتعاونين الذي ندم على دعمه إلى أن تمكن من التموقع على رأس الذرع المالي لمجموعة " أونا" (الودغيري)، وهذا ما لم يستطع "هضمه"، وها هو يوم الجمعة 11 أبريل 2008، يتخلص بامتياز من أحد المنافسين، بعد أن تحين الفرصة السانحة، وذلك بدعم أغلب أعضاء "خلية الأزمة"، التي أتقنت "الغرزة" بعد أن مكنت أجانب من القيام بدراسة دقيقة بخصوص حالة "وانا"، الشيء الذي مكن منير الماجيدي من شدّ سعد بنديدي بقوة من الذراع التي تؤلمه، وبذلك تمكن من تصويب الضربة القاضية له، بعد أن فشلت خطة " الضربات تحت الحزام". علما أن المواجهة بين الماجيدي وبنديدي ظهرت معالمها بجلاء عندما أصر الثاني على استقالة رشيد سليمي، القائم على الشؤون القانونية والمنظومات المعلوماتية بالمجموعة، إذ تأجج هذا الصراع بين الرجلين بعد شهور من التحاق بنديدي ب " أونا"، آنذاك لم يكن الماجيدي يتوفر على هامش كاف للتحرك، لاسيما وأنه تعاقب على "أونا" وقتئذ 3 رؤساء، لذلك قبل بالتفريط في رجل ثقته، رشيد سليمي بعد أن هدد سعد بنديدي بتقديم استقالته، وبذلك تحمل الماجيدي خسارة معركة وبدأ الاستعداد لربح حربه ضد بنديدي، عملا بالمثل القائل " للي فدا دقتو على عام يتسمى زربان"، وشكل قطاع الاتصالات وفشل"وانا" المتواصل الفرصة ليحسم الماجيدي حربه ضد بنديدي، علما أن هذا القطاع لازال مؤهلا لإسقاط رؤوس أخرى بعد الودغيري وسعد بنديدي. سعد بنديدي ومراد الشريف نفس المآل حققت مجموعة " أونا" نتائج طيبة سنة 2007، وحالتها المالية الحالية جيدة، باستثناء قطاع الاتصالات، ورغم ذلك تم التخلي بشكل "غير لائق" عن سعد بنديدي الذي يعتبر من الأطر المشهود لها بالكفاءة العالية، وقد سبق وأن برهن عن ذلك عبر مشواره الوظيفي، إذ ترك بصماته في أكثر من مؤسسة مر بها، وكذلك كان الأمر مع مراد الشريف، إذ رغم تحقيق نتائج طيبة من طرف مجموعة " أونا" التي كان على رأسها، اتخذ قرار التخلي عنه، نوعا من أنواع الطرد. بالرجوع إلى المؤشرات المالية والاقتصادية التي لا يعثر المرء على سبب وجيه من شانه تفسير التخلي عنه، وكذلك الأمر بالنسبة لسعد بنديدي حاليا، إذا نحن استثنينا قطاع الاتصالات " وانا"، باعتبار أن هناك أسبابا أخرى تفوق ما اتفق على إبرازه كسبب للتخلي عنه، أي فشله في بلورة رؤية وإستراتيجية مجدية لإخراج " وانا" من الوضعية التي تعيشها، فهل الأمر مرتبط بحسابات خاصة لا تمت بصلة للمعطيات والعوامل الاقتصادية والمالية ولا بنهج التدبير؟ أم أن القضية وراءها أسباب سياسية أو اعتبارات ذاتية محضة؟ إن القاسم المشترك بين حالة مراد الشريف وسعد بنديدي، هو عدم رضا الماجيدي البين عن الشخصين وتكهرب العلاقات بينه وبين كل واحد منهما، وقد اتضح ذلك بجلاء قبيل تنحيتهما، رغم أن الأول غاب عن الصورة " حسي مسي"، في حين تم الإعلان الرسمي عن عزل الثاني مع الإشارة إلى الأسباب التي دعت إلى اتخاذ القرار من طرف المجلس الإداري في اجتماعه الأخير، على حين غرة، وبسرعة فائقة، علما أن الوحيد الذي لم يكن على علم بما ينتظره هو سعد بنديدي، في حين وحسب أكثر من مصدر مطلع، كثيرون كانوا على علم مسبق أن اجتماع يوم الجمعة عقد بالأساس للنطق بحكم الإعدام على مشوار سعد بنديدي بمجموعة "أونا". الاتصالات قطاع استعصى على العملاق " أونا" يبدو أن قطاع الاتصالات كان فأل شؤم على مجموعة " أونا"، فهو القطاع الذي فشلت فيه أكثر من مرة، والذي كان بشكل أو بآخر، سببا في العصف ببعض الرؤوس. فقد نال من الودغيري، وها هو الدور الآن قد رسا على سعد بنديدي، والبقية آتية لا محالة. على امتداد ما يناهز 15 سنة، ظلت مجموعة " أونا" تبحث عن سبيل لولوج قطاع الاتصالات الذي كانت ترى فيه مجالا واسعا لتحقيق أرباح طائلة، إنه قطاع أسال لعابها لكنه أفلت من بين يديها، ولم تنتبه إلى الأمر إلا بعد فوات الأوان، وحينما ولجته استعصى عليها أكثر بفعل طبيعة العاملين فيه، وكلهم عمالقة، وكذلك بفعل وضوح قواعد اللعبة وحرص الفاعلين على احترامها، وهذا أمر ما زالت المجموعة المذكورة لم تتعود عليه بعد، والدليل على ذلك الحالة التي هي عليها الآن " وانا"، الشركة التي تعمل في قطاع منظم تنظيما صارما تحت حراسة فاعلين عمالقة، لكنها لا تتوفر على إستراتيجية واضحة المعالم ومحددة المقاصد وذات جدوى من شانها الحفاظ على جزء من السوق، وتمكين أصحابها من مواجهة المنافسة القوية. وفي هذا الصدد، اعتبر الكثيرون أن القائمين على أمور " أونا" عملوا في البداية على خفض وتيرة تحرير القطاع إلى حين توفر الشروط الملائمة لتمكينها من نصيبها من "كعكة" السوق، لكنها حصدت الفشل تلو الفشل، قبل أن تصل إلى إحداث "وانا". ومن هذه "الفشلات" نذكر أنه سنة 1990 حاولت " اونا" الاقتراب من مجموعة " فرانس تيليكوم" للتمكن من ولوج قطاع الاتصالات لكن المفاوضات فشلت. وكانت محاولة أخرى سنة 1998 مع المجموعة الأمريكية " أمريكان توتش كومنكايشن"، إلا أنه في خضم المفاوضات استطاعت مجموعة "فودافون" من سحب البساط من تحت أقدام "أونا" وذلك بابتلاعها للمجموعة الأمريكية. ومنذ سنة 2000 قررت " اونا" الاعتماد على نفسها، لكنها سنة 2003 حصدت فشلا آخر عندما تم عرض 16 بالمائة من رأسمال " اتصالات المغرب" للخوصصة، وقتئذ حاولت "أونا" خلق شراكة مع بعض الجهات الأجنبية، منها المجموعة السعودية "دلة بركة" والمجموعة الإماراتية " اتصالات" والمجموعة اللبنانية " أو. جي كروب"، لكن مرة أخرى طارت الفرصة من بين يديها، إذ فازت مجموعة "فيفاندي" بالصفقة. وأعادت "أونا" الكرة سنة 2004، إذ حاولت التفاوض مع أحد أكبر المساهمين في رأسمال " ميديتلكوم" لاقتناء نصيبه، لكنها فشلت في مسعاها. ولم تتمكن من الفوز بصفقة ثالثة إلا بعد الشراكة مع "ماروك كونيكت" سنة 2005، وبعد ذلك تمكنت " أونا" من ولوج سوق الهاتف، وهي الآن تعيش وضعية فشل لم يسبق أن عاينتها على امتداد مشوارها الطويل. ""