أجرى الزميل إدريس ولد القابلة رئيس تحرير أسبوعية المشعل هذا الحوار مع الباحث الاقتصادي إدريس بنعلي على خلفية تنحية سعد بنديدي من مجموعة "أونا" "" كيف تقرؤون التخلي عن سعد بنديدي من طرف مجموعة "أونا" في الظرف الراهن؟ الملفت للنظر هو أن المجلس الإداري لمجموعة "أونا" كلف أجانب بالقيام بدراسة دقيقة دون علم المدير العام لمجموعة (بنديدي) قصد إعداد مرتكز لإبعاده من "أونا". ربما قد تكون تلك الدراسة قد خلصت إلى أن برنامج بنديدي المتعلق ب "وانا" لا مستقبل له، لكن الغريب في الأمر أن القائم على أمور "وانا" هو كريم زاز الذي كان هو كذلك ضد سعد بنديدي. نعم، لقد قيل إن هناك اتفاقا مسبقا مفاده أن يتكلف سعد بنديدي بالتخطيط والاستراتيجية ويتكلف كريم بالقضايا التقنية؟ لكن هذا في حد ذاته مشكل، وأعتقد أنه بمثابة خطأ أصلي، وهذا يعني أن مجموعة "أونا" التي تعد من الشركات العملاقة لم تقو بعد على التخلص من مركزة القرار، إذ من المفروض أن يكون القائم على أمور "وانا" هو المسؤول على التدبير، في حين تتكلف "أونا" بالقضايا الشمولية، لأن كريم زاز هو أولا وقبل كل شيء مسير (un gestionnaire). وما ألاحظه بهذا الخصوص هو حدوث خطأ تدبير، ويتمثل أولا في عدم التخلص من مركزة القرار، وما يثير استغرابي هو أن مجموعة "أونا" مازالت تعتمد على المركزة المفرطة بخصوص القرارات. والقضية لا تقتصر على خطأ تدبير، وإنما هناك مشكل آخر، لأن "أونا" هي كذلك تدبير سياسي، وهنا يتدخل عامل آخر، هل قواعد التدبير السياسي تخضع لقواعد علم التدبير المحضة؟ وهذه قصة أخرى. فحتى منير الماجدي، الذي أصبح الرجل الأكثر تأثيرا ويقرر في الكثير من القضايا، استمد قوته من السلطة السياسية التي مكنته من الموقع الذي يحتله الآن. هل هذا مرتبط بعلاقة العامل السياسي بعامل التدبير؟ كما قلت، أعتقد أن هناك أمرين، خطأ تدبير (عدم التخلص من مركزة القرار)، وهذا أمر أول، والثاني هو أن العامل السياسي يتحكم في التدبير (MANAGEMENT). فلسنا أمام مشكل تدبير عادي يخص مقاولة عادية، وإنما الأمر يتعلق عموما بمجموعة "أونا" التي هي في حالة مالية جيدة، وهذا يعني أن إشكالية "وانا" هي التي انفجرت في وجه سعد بنديدي. والغريب كذلك هو أن رؤساء "أونا" في السنوات الأخيرة كان مآلهم سيئا رغم أن النتائج المالية ظلت جيدة، فمراد الشريف ذهب في وقت حققت فيه المجموعة نتائج جد مرضية. لماذا؟ وكيف تفسرون ذلك؟ بكل بساطة، هذا يعني أن هناك مقاييس غير قواعد التدبير والتسيير، قد يكون العامل السياسي كما قد يكون الأمر مجرد تصفية حسابات. وهذا يعني كذلك أن مجموعة "أونا" تعمل تحت الوصاية، إنها مقاولة تحت الوصاية، وفي هذه الحالة ستظل رهينة أمرين اثنين: إما أن على مديرها العام قبول الوصاية المطلقة، وبذلك سيكون، كما يقول الفرنسيون، بمثابة "حديدة الصاعقة" (قطعة حديد واقعية) (PARATONNERRE)، أي يلقى الرعد والصواعق، وحتى إذا تحققت نتائج إيجابية فإنها تحسب لغيره، وإن كانت هناك خسارة أو نتائج سلبية يتحمل عواقبها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن تدخل العامل السياسي يعارض منح الاستقلالية للمسير، ويتمثل هذا في مركزة القرار، وهو أمر يناقض تماما التسيير العصري لمقاولة كبيرة من حجم مجموعة "أونا". هل هذه هي الأسباب التي تفسر إبعاد سعد بنديدي بهذه الطريقة؟ إذا استثنينا حالة "وانا"، فإن مجموعة "أونا" قد حققت نتائج إيجابية في جميع القطاعات التي تنشط فيها. فكل قطاعات نشاط "أونا" بخير ما عدا "وانا" التي هي في وضعية سيئة. أنا لا علم لي بطبيعة الصراع الحاصل بين سعد بنديدي وأشخاص آخرين ومدى تدخل درجة تصفية الحسابات بين الطرفين، لكن ما أعرفه هو ما يتعلق بالتدبير والتسيير، فالنتائج جيدة عموما بالنسبة للمجموعة، وإذا كان لابد من المحاسبة بخصوص الحالة السيئة الوحيدة (وانا)، فالمعني الأول هو كريم زاز لأنه هو المسؤول على "وانا"، بل كان على سعد بنديدي أن يطلب من هذا الأخير تقديم استقالته اعتبارا للفشل الذريع المسجل، لأنه هو القائم عليها، وهو مسير ومدبر قبل أن يكون تقنيا. كيف تقيمون فشل "أونا" في قطاع الاتصالات؟ يجب الإشارة إلى مؤشر هام جدا، فإذا كانت مجموعة "أونا" تحقق نجاحات في مختلف القطاعات التي تنشط فيها، فإنها في طور تحقيق فشل بيّن في قطاع الاتصالات، وهو قطاع يشمل منافسين أقوياء ويخضع لقواعد اللعبة بشكل واضح وشفاف. فماذا يعني هذا؟ يعني الكثير، ومن ذلك، أن مجموعة "أونا" استفادت من الريع في مختلف القطاعات، لكن عندما ولجت قطاع الاتصالات وجدت نفسها في فضاء يمتاز بوضوح قواعد اللعبة، وبالتالي مازالت لم تتمكن بعد من التكيف مع مناخه. علاوة على أنها وجدت نفسها أمام شركات أجنبية أكثر حنكة وأكثر تنظيما وأكثر نجاحا منها، لأن "اتصالات المغرب" هي "فيفاندي"، و"ميديتيل" هم الإسبان. وهذا يعني أن هؤلاء يدبرون ويسيرون بطرق أحسن، ودقيقي الشعور والتأثر بقواعد اللعبة، إذ لا يمكن خرقها بأي شكل من الأشكال. إنها المرة الأولى التي تتعثر فيها "أونا" لأنها عملت في قطاع يمتاز بالمنافسة الحرة وقواعد اللعبة فيه مراقبة عن قرب من طرف جميع الفاعلين. أقول إنها المرة الأولى التي وجدت نفسها ملزمة باحترام قواعد اللعبة، علما أن قطاع الاتصالات قد أفلت من بين يديها، ولو لم تكن شركات أجنبية قد دخلت هذا القطاع بدفتر تحملات معروف وقواعد لعبة واضحة لكانت قد سيطرت عليه، لأن تسيير "أونا" شبه إقطاعي وليس مجال تدبير عصري. هذا، رغم أن "أونا" ظلت تسعى جاهدة منذ مدة للتمكن من ولوج هذا القطاع؟ نعم، لقد اعتقدت أنه بمثابة سوق ريّان، غير أنه قد يصل في أحيان كثيرة إلى درجة الإشباع، باعتبار أن الذين سبقوها إلى الميدان رسخوا مواقع أقدامهم من قبل. وللمرة الأولى ظهرت "أونا" (التي نراها ديناصورا في نسيجنا الاقتصادي) صغيرة أمام منافسيها في هذا القطاع. إضافة إلى كل ما ذكرتم، ألا تعتقدون أن هناك صراعات خفية، ساهمت هي كذلك في تنحية سعد بنديدي عن مجموعة "أونا"؟ أنا لا علم لي بما يجري ويدور بين أطراف هذا الصراع، ومن هم؟ فأنا أعرف بنديدي في الحياة العادية فقط، سيما عندما كان معنا في جمعية "بدائل" (ALTERNATIVES)، هذا علاوة على مثل تلك الصراعات، التي تحدث في دوائر مغلقة، لكن ما يمكن قوله، إن ما نعاينه في السياسة نجده في الاقتصاد، كما أن قواعد اللعبة في المجال الاقتصادي لازالت غير واضحة، وهناك أشياء كثيرة خفية. يقولون إن اقتصادنا اقتصاد ليبرالي وأنا لا أظنه كذلك، والسياسة مازالت تتدخل بقوة في هذا المجال. وهذا ما يجعل المرء، حتى لو كان يمارس عمله ويضطلع بمسؤولياته ويحقق نتائج، كما وقع لمراد الشريف وكذلك بالنسبة لسعد بنديدي، يكون مآله غير مفهوم وغير آمن. وحسب ما سمعت فإن مراد الشريف كان في صراع مع الماجيدي، كما قيل إن النقطة التي أفاضت الكأس، هو أن الأخير طلب، بواسطة الهاتف معلومات كان سيقدمها مراد الشريف أمام المجلس الإداري للمجموعة لكنه رفض منحها إياه قبل الأوان، لم يعجبه الأمر فخطط للتخلص منه. إذن مازال هناك تأثير كبير للسياسي على الاقتصادي رغم كثرة الكلام حول الليبرالية؟ كل ذلك كان مجرد كلام بالمغرب، باعتبار أن السوق لا تعلب إلا دورا هامشيا عندنا، وقواعد اللعبة لا تفرض إلا على الضعيف. فالليبرالية واقتصاد السوق مجرد كلام مناسبات، ودور السوق هامشي كما قلت وقواعد اللعبة غامضة، والمنطق السياسي لا زال يتحكم في المنطق الاقتصادي. هل هذا هو الذي يؤدي إلى التخلي عن أشخاص فجأة وبدون أسباب مقنعة؟ هذا أمر واضح، إضافة إلى التفريط المجاني في جملة من الأطر، ومجموعة "أونا" فرطت في عدد من الأطر والكوادر الجيدة، منهم بنمخلوف الذي التحق ب "لافارج" خارج المغرب، وهو من أحسن أطر "أونا".