على هامش الجزيرة العجيبة الغريبة، الأعجوبة المعزولة في بعض الأحيان حسب الظروف و الأحوال،و لكن دائما في إطار الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة، يمكن التساؤل ما جدوى الكتابة، و التلفزة على العموم راكدة لا تتحرك إلاّ من ضجيج عقيم و كل أسباب التخلف؟ أين هي البرامج الهادفة حول الثقافة و الكتب و الكتّاب في أوقات الذروة؟ أين هم الصحافيون من مساءلة الكتّاب و الكتب عن قضية التخلف؟ أين هي أسئلتهم المباشرة حول الثورة والنهضة؟ و هل أجهضت الثورة السلمية فعلا أم أنها لا زالت تقوم بالحركات التسخينية قبل الانطلاق القوي نحو المستقبل الأفضل؟ نعم، لا يمكن أن نطلب أو أن نطالب من مسؤولين يقتاتون من التخلف أن يعتزوا بالكتّاب الذين لا يحرك المال أقلامهم، و الذين لهم آراء نيّرة عاقلة من شأنها زعزعة الركود السائد في الوطن المتخلف عن الركب الحضاري و المتخبط في الريع و الرشوة و انعدام الضمير الحي الحر. ولكن يمكن أن نلتمس إزاحة كل ذي منصب قرر أن يحول بين الناس والثقافة الهادفة و ذلك بحجب الكتب الهادفة الخلاقة و الكتّاب النزهاء حتى لا يسود العلم النظيف في كل الأوساط . أيها الناس، لن يتقدم البلد بالضجيج و لن يتقدم بالسخرية السوداء و البيضاء، بما أن الكل أصبح يمتهن كذا سخرية مما جعل هذه التقنية تفقد كل معانيها و تبتعد عن أهدافها البناءة و تصبح وسيلة في يد المتخلفين أيضا يستعملونها لخلط الأوراق، و لو أن تمييع الأفكار من لدن الإعلام يعتبر آخر خندق يتخندق فيه المتخلفون قبل الانهزام التام...ولكننا نريد تقدما استثنائيا سلميا سليما... لقد تقدمت القارة العجوز (-و لو أنها على العموم في أخطائها العقائدية لازالت تتخبط...-) بفضل كتّابها الذين عاشوا حياة سعيدة لأنهم لم يكونوا يتوفرون على هواتف نقالة تزعجهم و تهدد سكينتهم برناتها و دبدباتها المقلقة، مما جعل أعصابهم هادئة و أفكارهم صافية، فتقدمت القارة العجوز...لم يكن الكتّاب الذين تقدمت بفضلهم القارة العجوز يكتبون لتحقيق الذات أو من أجل المجد و الشهرة، و إنما لتلبية نداء الكتابة من أجل تعميم الفائدة لبلوغ هدف التقدم، فتقدمت القارة العجوز رغم الإضطهاد و الظلم و جبروت المتخلفين...لقد تقدمت القارة العجوز لأن المتخلفين فيها كانوا بالقراءة يتمتعون فيتعلمون و يعلمون ثم رويدا رويدا، ينصفون... فالسؤال الوجيه إذا هو : هل المتخلفون ها هنا يحبون القراءة؟ و الجواب : طبعا لا، لأنهم لو كانوا يحبون القراءة و يتمتعون بها لتغدية عقولهم الجامدة لكانت التلفزة تحتفي بالكتب المعاصرة النزيهة الهادفة للخير و الصلاح في كل وقت و حين. يا معشر الكتّاب الشرفاء النزهاء، إنكم ها هنا تعانون من التهميش التلفزي وأيضا من التهميش الصحافي الورقي لأن ما كل المقالات الهادفة تنشر في الصحافة الورقية. يا معشر الكتاب النزهاء، إنها ربما لعنة السيطرة المحكمة على المؤسسات الإعلامية. نعم، في كل ربوع العالم المتقدم الصحافة مسيطر عليها من لدن أصحاب المال و النفوذ و لكن الفرق شاسع بين ها هنا و هنالك، ففي البلدان التي تقدمت كان أصحاب المال والنفوذ يقرؤون و يستمتعون بالقراءة رغم جشعهم في كثير من الأحيان ، رغم تضحيتهم بالحقيقة في سبيل الكسب، فيعلمون و يتعلمون ثم رويدا رويدا، ينصفون... أيها الناس، سيأتي يوم قريب ربما تشتد فيه الأزمة، و حينها سيلجأ المتخلفون لفتح التلفزة لجموع الكتّاب النزهاء الشرفاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، و لكن المشاهدين الذين سيكونون قد اقتنعوا (-عن علم أو عن جهل-) بأن كل مثقف يطل عبر الشاشة لا يمكن إلا أن يكون مسخرا لغرض ما يتنافى مع الصالح العام. وآنذاك لن ينفع في شيء المثقفون النزهاء، الذين لا يثيرون مثلا المشاكل العرقية المفتعلة و الذين لا يدافعون عن الباطل بصفة عامة و لو بطرق ماكرة و ملتوية مقابل المال. لن ينفع المثقفون النزهاء آنذاك في شيء سوى في فقدان مصداقيتهم لأن كل الأوراق ستكون حينئذ قد اختلطت بالكامل و هذا سيكون ربما آخر مؤشر الخطر، كل الخطر...و الله أعلم. لقد تقدمت الانترنت، و أصبحت هسبريس مثلا منبر من لا منبر له حيث بات بعض كتاب الآراء يتبادلون الرسائل الأدبية الهادفة على العلن في فضاء ثقافي راقي، متقدم ومزدهر. وتحمس الكتّاب و فرحوا بفضائهم الحر هذا و أصبحت كتاباتهم غزيرة و هادفة، كما أنهم أصبحوا يستفيدون من بعضهم البعض و يوشكون على تجاوز الأنانية التي ما زالت قابعة في الصدور، و لا عيب لأن الأنانية من الإنسانية، و لكن لا يجب ترك الأنانية تستفحل و تصبح هدف الكتابة والثقافة... و لكن، رغم هذا الكم الهائل من التفاؤل و الاحتفاء بالفضاء الحر الجديد المتاح للكتّاب و الأدباء و أيضا لكل ذي ضمير حي محايد غير مأجور بالمال أو بالسياسة، يجب الإقرار أن في البلد لا زالت التلفزة هي المسيطرة على أذهان الناس، و هي التي ستدفعهم إما إلى التفاؤل و الأمل أو إلى اليأس التام. وحذار من اليأس، إنه العدو الأكبر...حذار من يأس العامة...حذار من يأس الناس...و معلوم لدى العالمين أن نشر التفاؤل و زرع الأمل في النفوس لا يتم عبر إذاعة و تكثيف برامج الضجيج و التخلف، لأن سرعان ما ينقلب ذلك إلى حزن أسود عميق في الأوساط الشعبية كلما اقتربت أزمة من الأزمات... لقد انتشر الوعي و المظلومون أصبحوا يعلمون أنهم مظلومين. و الآن، إنهم ينتظرون الحلول الناجعة الحقيقية. أين هي إشارات رفع المظالم...؟ هل تغير شيء من الأشياء السيئة...؟ هل قام بعض المتحكمين بمراجعات صوب الإنصاف...؟ أم هو مجرد كلام في كلام لا يسمن و لا يغني من جوع...؟ و ماذا يقول الواقع الملموس...؟ الأزمة. إنها أزمة تفعيل الحلول. إنها أزمة التهميش. إنها أزمة الخوف من اتخاد القرار الصائب. إنها أزمة المسؤولية. إنها أزمة الثقة في نزاهة الشرفاء التي يهابها الظالمون الذين لا يفهمون كيف يمكن للمظلومين أن يسامحونهم على ظلمهم لهم، ربما لأن قلوب الظالمين لازالت غير متسامحة مع مقترفي النزاهة...الظالمون لا يعرفون من معنى لكلمة الشرف سوى أنها قد تنقلب ضدهم. لا يا سادة، كلمة الشرف لا تنقلب ضد أحد لأنها بكل بساطة كلمة شرف...أيها الناس، الأزمة عدوتنا وجب علينا محاربتها بكل ما أوتينا من قوة، فتكافل الجهود هو السبيل الوحيد لهزمها، إنه و الله لأمر ضروري و الحالة هاته متأزمة كارثية على كل الأصعدة. إن حال المظلومين يقول : يا من ألحقتم الضرر بنا و بالوطن، يا من همشتمونا و لم تعفوا عن النزاهة بعد، لقد عفونا عنكم لأن قلوبنا سليمة متسامحة، و لكن لا تنتظروا منا أن نستجدي منكم حقنا في المساهمة في بناء الوطن على أسس متينة بدون رشوة في جو من الصدق و الإخلاص، و إلا فلن يكون لتسامحنا تجاهكم أي معنى لأن الوطن في حاجة إلى المصداقية أولا و قبل كل شيء... و الحل أن تأتوا إلينا بحقنا هذا و تمنحوه إيانا. هذا امتحانكم حتى نصدق أنكم تغيرتم أو بالأحرى قمتم بمراجعات بكل تجرد و بكل صدق، آنذاك سنكون عند المقام بشعار عفا لله عما سلف بكل صدق. أما أنتم أيها المسؤولون، لقد صدقنا معكم فاصدقوا معنا يرحمكم الله. فلنبدأ بناء الوطن من فضلكم. لقد طال الانتظار.