تمهيد: تعتبر مواد اللقاءات الأولي أثناء استقبال أفواج الطلبة مصدر التصورات، التي تتشكل لدى المتعلم في جميع المستويات حول التعليم عموما، والمادة المدرسة خاصة، وشخصية المدرس أساسا في إذكاء الحماسة في توجيه المسار الدراسي عند الطالب. لذلك يعد التعاقد أساس حياة مدرسية ناجحة، يستثمر الأستاذ المهني حصص استقبال المتعلم، ليصحح بعض تمثلاته السلبية، التي من شأنها أن تعيق تحصيله الدراسي المتنامي. في هذا الإطار تنطلق الأرضية الوصفية الأولية الآتية من بعض ركائز الحصة الخاصة بتعاقدات مدرس (الثانوي) مادة التاريخ والجغرافيا مع متعلميه، يمكن أن يستأنس بها مدرسو باقي التخصصات. أولا: تهاني وأماني بالغة يقترن المدخل الأساسي والبداية السليمة للموسم الدراسي بالتركيز على التحفيز والرفع من المعنويات؛ ففي الوقت الذي يطغى فيه نفس التنقيص من أهمية التعليم، ويسود اليأس من نتائجه، والإحباط العام الذي ظل يتراكم لدى المتعلم... أصبحت تتمثل أولى مهام المدرس في إزالة تلك النظرات العابسة إلى التعليم والتعلم. ومحاولة شحنه بالمحفزات، والتسلح بالحذر من تزكية ما يحيط به من أفكار تثبط وسهام تنقص. وذلك من خلال جعل اللقاء الأول فرصة لانجاز مهام ضرورية من قبيل: تهنئة المتعلمين بالمستوى العلمي الذي وصلوا إليه، والتنبيه إلى أنه لم يعد يفصل بينهم وبين الشهادة العلمية غير سنوات أو أشهر قليلة. كما ينبغي تثمين شرف انتمائهم إلى أسرة التعليم، التي أشادت بها الأحاديث الشريفة والآيات والأمثال الشعبية والحكم والقوانين والمخططات... رافعة من شأن العالم والمتعلم. بهذه المناسبة تجذر الإشارة إلى أن الشباب قبل انهاء المسار الدراسي لا يليق به إلا التعلم؛ فهو لم يؤهل بعد للزواج، ولا يمتلك قدرات مزاولة العمل في الأوراش والمعامل... وإنما هو في سن لا يُحسَن بها إلا التعلم، لتكوين شخصيته المستقبلية. تعد الحصص الافتتاحية فرصة لبناء أقصى درجات التفاؤل، وتحفيز المتعلم، وصرف اليأس عنه، وإقناعه بأهمية مرحلة الشباب باعتبارها المسؤولة عن المستقبل؛ إذ أن الأمم تخصص للتعليم قسطا كبيرا من ميزانياتها، وتوظف فيه أطرها الأكثر كفاءة. ثانيا: أهمية تدريس المادة لكي نضمن إقبال المتعلم على حصص مادتي التاريخ والجغرافيا بحماس، فإنه لا بد من التمييز في الفائدة بين أمري اهميتها في النجاحين الشخصي والدراسي: أهميتها على مستوى الحياة الخاصة: تعين مادة التاريخ المتعلم على التعرف على الأمم السابقة، وتتبع مسارها الحضاري وتكويناتها الاجتماعية ومشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأساليبها المتبعة في حلها... بدون المعرفة والحكمة التاريخية يصعب على المتعلم حينما يصبح مسؤولا أن ينجح في حياته الخاصة؛ لأنه يصعب عليه المشاركة في النقاشات، وما لين يكون بمقدوره الانخراط في تحليل الأوضاع، خصوصا وان الكثير من الأحداث الحالية مرتبطة بصيرورة تاريخية يجب الوعي بها. نفس التقدير يليق بموضوعات الجغرافيا؛ فهي تعرفنا بنظام الكون الطبيعي بمناخه وتضاريسه ونبيته ووحيشه... كما تعرفنا بنظام الكون البشري بمكوناته العرقية والسياسية ومجالاته المستغلة وغير المستغلة وطرق الإعداد والاقتصاديات والتكتلات الدولية... باختصار، سيساعد تحبيب المادة على اقبال المتعلمين على امتلاك المناهج الجغرافية والتاريخية في مختلف الشعب والمسالك ، كما ستمكنه من مهارات تتبع الصراعات، وتوقع النزاعات، واستيعاب طبيعة الأزمات وتحليلها بسهولة... فالمادة حيوية وليست مادة جامدة كما يقال، وليست معزولة عن الحياة. أهميتها على مستوى الحياة التعليمية: تتعزز اهمية المادة بموقعها في الامتحان ومعاملاتها المهمة؛ إذ تساهم بشكل كبير في نجاح أو رسوب المتعلم. فإهمالها يعني إحراز نقط ضعيفة، تؤثر سلبا في المعدلات العامة خصوصا وان ولوج المعاهد والمراكز المتخصصة ينبني على التفوق. لذا، فإن الاعتناء بالمادة يعني الاهتمام بالمصير الدراسي. والكثير من المتعلمين أهلهم رصد نقط عالية في المادة لولوج معاهد ومدارس عليا ذات تكوينات تؤهل لإيجاد شغل، والعكس صحيح. ثالثا: عرض محتوى البرنامج لتسهيل عمل المدرس، يستحسن أن يأخذ المتعلم فكرة عن البرنامج المتبع مع منطلق الموسم الدراسي؛ فخلال الحصص الأولى يعرض الأستاذ الخطوط العريضة لمحتويات المقرر بشكل يعين المتعلم على تتبع الإيقاعات. وقصد وضع المتعلم في صلب العملية يركز الأستاذ على المهارات والكفايات التي تتوخى كل مجزوءة تحقيقها في نهاية السنة الدراسة. وفي هذا الصدد لا يتطلب العرض الميكانيكي العددي والجاف لمواضيع الوحدات. رابعا: طريقة تقديم المادة تكمن مشكلة تدريس المادة في طريقة عرضها على المتعلم؛ اذ أن الكثير من المدرسين يقدمونها كما وليس كيفا، ويركزون على الإملاء والحفظ. مما يشوه باستمرار المادة، ويكرس نفور المتعلمين، ويفوت عليهم الاستفادة العامة والخاصة. فالتاريخ والجغرافيا مادة رفيعة، تستحق أن تقدم في طابق شهي جذاب، يجهل المتعلمين متشوقين لحصتها. فكيف نقدمها ؟ الأكيد أنه إذا خيرنا المتعلم بين مادة مطولة تركز على التفاصيل، وتستخدم ملكة الحفظ، ومادة قصيرة تركز على المضامين، وتستخدم ملكة الفهم، فإنه سيفضل الطريقة الثانية. لذا فإن بلوغ هذا الأمر يتطلب منا جميعا المساهمة في بناء الدرس على الأسس الآتية: أولا: ضرورة توفر المتعلم على مقررات ومراجع مادتي التاريخ والجغرافيا، ولا يعذر أحد بدونها، لأن الدرس يبنى من المقرر. وإذا لم يحضر المتعلم كتابه فإن الوحدة لن تنجز، والمهارة والكفاية لن تتحقق؛ اذ لا درس بدون وثائق نقرؤها ونحللها ونستخرج منها الأفكار. ثانيا: ضرورة توفر المتعلم على أدوات انجاز التعلمات من دفتر مستقل خاص بمادة التاريخ وآخر خاص بمادة الجغرافيا، يثبت فيهما ما يستخلصه في الحين. ثالثا: توفير أدوات العمل الجغرافي كالأقلام والملونات وغيرها من ضروريات العمل التقني الجغرافي والتاريخي. رابعا: اعتماد الإعداد القبلي، حتى يسهل تناول الوثائق، وتتأتى السرعة في استخراج الأفكار داخل قاعة الدرس. خامسا: ضرورة الحضور المستمر، والحرص على عدم التغيب المتكرر عن الحصص لما له من انعكاسات على التحصيل خصوصا وأن الدروس مترابطة الإشكاليات والامتدادات. خامسا: مكونات التقويم يعبر التقويم الجيد عن أمرين هامين: يتمثل الأول في تشخيص قدرات تفاعل المتعلمين مع منهجية التدريس، وتقييم مدى تحقق الكفايات عند المتعلمين، وستتيح هذه العملية تصنيف المتعلمين وتعديل خطط التدخل. كما تعبر عن ديمقراطية التنقيط، وشفافية تقييم منجزات المتعلمين. ومن ثم إغلاق الباب أمام عمليات نفخ النقط، والتمييز بين المتعلمين دون معايير. في هذا الإطار يذكر الأستاذ بمكونات التنقيط التي تتركب وتتوزع حسب: الفروض الكتابية المحروسة الفروض الشفهية الأعمال المنزلية والإعداد القبلي الاعتناء بالمقرر والدفتر والانضباط المشاركة في بناء الدرس ومختلف الأنشطة الصفية. والأكيد أن التقويم جد مفصل على مستويات المُعامِل والعدد والبرمجة الزمنية... بمذكرات ينبغي على الأستاذ استيعابها ونقل محتوياتها بأمانة إلى المتعلمين. من خلال التجربة يتبين أن مستويات الصعوبات التي يواجهها المتعلمون والمتعلمات في الامتحانات الوطنية والجهوية ذات صلة كبيرة بمدى احترام هيئة التدريس لمعايير وضع الفروض والاختبارات كيفا وكما. سادسا: حوار مفتوح بعد الانتهاء من الكلمة الافتتاحية، يراعا في مبدأ التعاقد فتح حوار ليبدي المتعلمون آراءهم في النقط التي تم سردها، وتلقي اقتراحاتهم بصدر رحب، ومحاولة إقناعهم وحملهم بسلاسة على الالتزام ببنود خريطة طريق السير الدراسي. نقصد بالحوار المفتوح، ذلك التواصل المستمر، والروح المضيافة المستديمة، المصاحبة الفعالة طيلة الموسم الدراسي؛ تجعل من المدرس محتضنا للمشاكل التي يمكن أن يتخبط فيها المتعلم. فبعد اللقاء الأول يتعين على المدرس تحين الفرص لتذكير المتعلمين لترسيخ بعض البنود المتفق عليها. الأكيد أن معينات: صفحة التواصل الاجتماعي والبريد الايلكتروني ومواقع المؤسسات ولقاءات هيئات التوجيه والإرشاد وجمعيات الاباء... ستساهم في تقوية أواصر تواصل، يقوده المدرس المهني. إلا أن أهم ما ينبغي الإشارة إليه هو حساسية المتعلم، فهو يحتاج إلى قليل من الكلام مع كثير من التطبيق والانجاز. لذا فان الأستاذ الموجه هو أول من ينبغي له تحري التزام ما تم تسطيره، ليعطي النموذج القيادي الديمقراطي داخل الفصل الدراسي.