تحت عنوان حالة ثقافية لحزب كامل لغير المدخنين كتب الصديق المناضل الاتحادي المحترم حسن طارق مقالا يضع فيها تحت طائلة النقد الثقافي والسياسي تصريحا للأخ المناضل مصطفى بابا الكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية نسب اليه فيه انه قال بان شبيبة العدالة والتنمية لا تضم اي مدخن لان التدخين حرام . ورأيت ان أناقش مضمونه بعد تعديل في مضمونه وعنوانه ونقض المنطق الذي بني عليه وبيان تهافته مع الاحتفاظ بكامل الود والصداقة والتقدير لكاتبه الأخ الاتحادي بدا متضايقا جداً من تعبير التحريم الذي استخدم الاخ بابا وقام بجولة استحضر من خلالها بعض المقتطفات من بعض الموافق الفقهية من بعض مستحدثات ومستجدات الحداثة سواء في بعدها السلوكي الاخلاقي أو في بعدها التقني والتي من منطلق الرفض او التحفظ او الدفاع الهوياتي المسكون بالخوف من الاختراق الثقافي او السياسي تعاملت بلغة التحريم او الإباحة من التدخين وطابا تارة ومن السيارة او الهاتف وغير ذلك ، متسائلا في صيغة الاستنكار : " كيف يمكن ان يبنى حزب سياسي على عضوية متجانسة تفرض على أعضائه شروطا اقرب ما تكون الى الجندية حيث خلص الصديق العزيز الى التساؤل " هل الأمر دليل على إنسجام "هوية إجتماعية"يحقق المنتمون اليها احساسا كاملا بالتماهي الداخلي؟أم أن الأمر ببساطة مجرد مؤشر على انضباط تنظيمي حديدي، يتجاوز المواقف والقناعات الى دائرة المسلكيات الحميمية؟ ما الذي يجعل من مئات الشباب يتشابه، حد التطابق، بصدد سلوك شخصي يدخل في حيز الحياة الخاصة؟ . ولم يقف الامر عند ذلك فان الاخ العزيز حسن الذي بدا في البداية وكانه قد توشح لباس العالم السوسيولوجي والمحلل الموضوعي سرعان ما تخلى عن تلك الجبة وانغمس في خطاب محمل بالأحكام الأجهزة والمقاولات التنميطية، فلم نلمس منه على الاقل ذلك الخطاب الذي كان قد تبلور لدى المدرسة الفكرية الاتحادية وعل. الاقل لدى بعض رموزها الذين نحثوا مفاهيم من قبل التحليل الملموس للواقع الملموس كمنهجية تميز الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومن قبيل الكثلة التاريخية ومعقولية النص الديني وغير تلك من المفاهيم التي منعت تلك المدرسة مدرسة اتحاد ايام زمان من ان تقع فريسة الدوغمائيات الماركسية المختلفة التي كانت موضة العصر آنذاك . وهكذا وفي لغة لا تتوافق مع تلك المنهجية التي درسناها وحاورنا من خلالها الدكتور عابد الجابري وقضينا معه في رحابها ليالي بيضاء فاجأني صديقي بلغة غريبة عن المنطق المذكور واقرب الى السهولة والمكابًرة والفقر النظري حيث يقول " لا شك أن سوسيولوجيا التنظيمات ذات الطبيعة " الايديولوجية الحادة"-من الماركسية الى الأصوليةالدينية-،تقدم العديد من الأجوبة و الفرضيات،حيث الانتماء الحزبي لا يصبح حدثا عابرا في حياة الفرد،بل لحظة لتحول هائل في هذه الحياة، بل يصبح طريقة للحياة ولرؤية العالم،و ليس مجرد بطاقة عضوية، أو حتى تموقع سياسي و فكري عائم.ان هذه القدرة على "التنميط الثقافي" لا تحتاج فقط الى تنظيم حديدي ،بل يحتاج الى "اسمنت" هذا التنظيم،و التي ليست سوى"اليوتوبيا الأخلاقية" المعبأة، و المشروع الذي لا يخفي "شموليته":السياسية فضلا عن التربية،الأفكار فضلا عن الأخلاق. بهذا المعنى يصبح الحزب-أكبر من مجرد تجمع مدني حول خط سياسي و قيادة- بمثابة " الأخ الأكبر" في الرواية الشهيرة لجورج أورويل،الذي لا يحرص فقط على تطابق الرؤى و التصورات الكبرى، بل وكذا على التشابه في التفاصيل الصغيرة:من الألوان المفضلة الى نوعية الموسيقى والأطباق و الهوايات .حيث لا حدود بين المجال العام والفضاءالخاص. في مثل هذه "الهويات الاجتماعية المنغلقة" لابد من التساؤل عن منسوب التسامح الممكن مع " المختلف" ومع "الأخر":دينيا،اجتماعيا،ثقافيا،فكريا ،سياسيا..". وهكذا ففي نص قصير عدد كبير من الدعاوى ( او القضايا بالمعني المنطقي ) التي تحتاج الى بناء واستدلال ، يتم قصف القارئ بها . اما المستند في ذلك فليس أدبيات الحزب المعتمدة ولا حتى ممارساته العملية المشهودة من قبيل ممارسته الديمقراطية المشهودة التي تجعله يحافظ على مواعيد استحقاقاته الداخلية ، ولا حتى كلام ثابت صادر عن الاخ مصطفى بابا وانما صحيفة نقلت عن المعني بالأمر تصريحا ربما لا يعرف سياقه و لا قصده. أما عن الدعاوى فكلام مطلق من قبيل : التنظيمات ذات الطبيعة الأيديولوجية الحادة ! التنظيم كرؤية للعالم وليس مجرد انتماء !التنظيم باعتباره الاخ الاكبر! التشابه في التفاصيل لا صغيرة من الألوان الى الموسيقى المفضلة والاطباق والالوان والهوايات ! انعدام الحدود بين المجال العام والمجال الخاص! الهوية الاجتماعية المنغلقة! منسوب التسامح الممكن مع المختلف اجتماعيا وثقافيا وفكريا وسياسيا. وحيث انني أزعم انني قد درست ودرست شيئا من الفلسفة والعلوم الانسانية ، وحيث انني كنت قد درست عن الوضعية المنطقية تمييزها في المنطق بين قضايا حقيقية وعن أشباه قضايا اي تلك القضايا التي يحمل محمولها الى موضوعها شيئا، وحيث انني منذ ان كان حزب العدالة والتنمية في صيغته الجديدة وانا عضو فيه ، فإنني بدات اقلب في ما اسمعه من موسيقى وما البسه من كساء واكله من طعام وما يقدم في بيتي من أطباق وما اميل اليه من ألوان في ذلك كله مما جعل شرطا من شروط العضوية. لم أجد للعدالة والتنمية طعاما مأثورا غير الكسكس بجميع أصنافه المغربية ومن أطباق محبوبة في العقيقة لديهم غير " الًرفيسة" تقدم لنفسائهم مثلهم في ذلك مثل باقي المغاربة، وصرت استقصي في أذواقهم فوجدتهم يعشقون الحريرة والحلو ة الشباكية في رمضان وفي الغناء الموسيقى الإندلسية والأملاح النبوية ويحبون مثل المغاربة الغيوان وجيلالة وروائع عبد الهادي بالخياط وانسانيات الدالي وغيرها من روائع الإبداع المغربي .... ووجدتهم يختلفون كما هو شان عدد من المغاربة ولا يتذوقون الغناء حين يكون همه منحصرا تحت الحزام او ممجدا للتفسخ والانحلال او يعيش دون قضية أو رسالة. ووحدتهم يعشقون الشاي ولا يقربون البيرا والوسكي كما الغالبية الغالبة من المغاربة ومنهم الفريق الاكبر من الاسرة الاتحادية التى كان ولا يزال للتدين والغيرة الدينية فيها نصيب معتبرلأنهم بكل بساطة يعتبرونها حراما دينا وعقلا اللهم ما نذر من قبيلة شابان والناذر لا حكم له، كان المغاربة كذلك ولا يزالون وكذلك كان نظر الغالب من اهل العقل والرأي وغالب تنظيماتهم السياسية قبل ان تبدأ حداثة كاذبة خاطئة في اختراق بعض من نخبرهم المعزولة، وكانوا ولا يزالون يفتخرون بان الله من عليهم بحفظهم من قرب ام الخبائث ويدعون لمن يدخن بالتوبة حتى والمدخن منهم يسال مدخنا اخر ان يمده بعود ثقاب فانه يقول له " الله يتوب عليك " ، ولم يروا في في يوم من الايام ذلك ان مجتمعهم قد تحول بسبب ذلك الى مجتمع ستاليني. وتأملت في مسار الحركة الام ومسار حركة العدالة والتنمية فوجدت حزبا أعضائهم يمارسون حريتهم في أبهى صورها ويختارون قيادتهم بكامل الديمقراطية وينتقدونها بكامل الجرأة ويعبرون عن آرائهم التي قد لا تلتقي مع الاجتهاد المعتمد الى الحد الذي اصبح الحزب متهما بازدواجية الخطاب ، وهو اتهام لا يصدر الا ممن لا يتصور الحزب الا ثكنة عسكرية وانتماء حديديا او في المقابل ملل ونحل وشيع متناحرة. وتساءلت بعد ذلك عن علمية المصطلحات التي فاضت من قلم صديقي الاتحادي العزيز وسالت الحد الذي حمل المعاني من الكلمات مثل يحمل السيل من الزبد الرابي كان من الممكن ان نقف اكثر كي نبحث عن الإضافات التي يمكن أن تكون المحمولات قد إضافتها الى الموضوعات في القضايا التي أنشأها صديقي طارق ، لكني وجدتها أشباه قضايا كما علمتنا الوضعية المنطقية والأدهى من ذلك ان المقدمة الكبرى التي بنا عليها كل تلك النتائج تصريح صحفي ينبغي ان يثبت اولا وينيغي عند ثبوته التساؤل عن صلاحيته كي يهدر في البناء عليه وقت الصديق طارق اللهم اذا كانت في نفسه حاجة كما في نفس يعقوب . لقد ختم صديقي الاتحادي بعد ان حصرنا في خانة من يتبنون "الهويات الاجتماعية المنغلقة" اساسا للانتماء الحزبي متسائلا عن منسوب التسامح الممكن مع " المختلف" ومع "الأخر":دينيا، اجتماعيا، ثقافيا، فكريا، سياسيا.. ولم يفته أن يعرض عندما وجدنا أمثلة مضادة من قبيل تعيين مرسي لاحد المفكرين الأقباط نائبا لرئيس حزب الحرية والعدالة ، وضمن الطاقم الرئاسي فلم يجد مخرجا الا التقليل من هذا التوجه بإيراد ما يروج من اتهامم بلعب دور "مسيحي الخدمة" لدى حزب "الاخوان المسلمين". كما أنه حين لم يجد بدا من الاقًار بما ظل قادة العدالة والتنمية(الداودي في 2007 و بنكيران في2010)،يصرحون بأنه ليس هناك ما يمنع من دخول اليهود للحزب ختم مقاله بالقول : ".الى ذلك الحين، لننتظر فقط تسامحا أكبر مع المغاربة المسلمين المدخنين،ربما على غرار "التسامح" المدروس مع بعض النساء غير المحجبات". لا فائدة إذن فقد اصدر صديقنا المسلح ب " موضوعية " السوسيولوجي " واستشهادات "المؤرخ " حكما لا راد له يقول في المنطوق وبالمفهوم : نحن امام حالة ميئوس منها ، حزب من فصيلة الاحزاب المبنية على هوية اجتماعية منغلقة ، حزب لا تسامح فيه مع المدخنين ، تسامح مدروس مع غير المحجبات اي أنهن غير محجبات او سافرات الخدمة لدى حزب الاخوان .ولله في خلقه شؤون. أعوذ في النهاية واثبت ما قاله زميلي مصطفي بابا . من الفخر ان تجلس في مقر حزبي ولا تجد فيه مدخن انها الحالة الثقافية الاصلية والطبيعية وعكسها هو الذي كان ينبغي ان يكون محل استنكار. نفخر وإن لم نجعل من الامتناع عن الدخان أو حتى عن الالتزام بأداء الصلوات شرطا في عضوية الحزب أن الغالب من أعضائه يكفون تلقائيا عن التدخين في الاجتماعات وقليل ما هم والأكثر منهم يتخلى عنه تلقائيا . ونفخر ان عددا من المناضلات دون ان يكون الحجاب شرطا من شروط العضوية ولا مفروضا على المناضلات وكيف يكون الامر كذلك ولا يملك المرء ان يفرضه على اقرب قريباته ما لم تقتنع به . اقول نفخر ان كثيرا منهن يرتدينه بإرادة حرة وتأثر إيجابي . بهذا المعنى نفخر بهذه الحالة الثقافية الواعية الجماعية التلقائية فما بالك ان كان لبعض تلك المظاهر السلوكية علاقة بدائرة التحريم ً. نفخر ما دام الممنوع الديني يلتقي بالممنوع الوضعي حيث انه في دولة الحداثة هناك طائرات دون مدخنين وأسواق كبرى دون تدخين ومطاعم ومقاهي بدون مدخنين بل أيضاً دون خمور او مخمورين . أما لماذا هذا الانزلاق في القفز على قضايا تافهة وحشر النقاش في متاهات ضيقة فتلك قضية اخرى لها علاقة بالتموقع السياسي الجديد في المعارضة ورحلة التيه والبحث عن الذات الحزبية المعارضة لكن من المنطلق الخطأ وفي الطريق الخطأ أَي من خلال التموقع الأيديولوجي وليس من خلال التموقع التاريخي ومقتضيات اللحظة التاريخية . ولعل الوقت يسمح بالعودة بالتفصيل إلى هذه القضية..