منطلق هذا التحليل سيكون من كرونولوجية المد الصوفي بالمغرب خلال المرحلة الانتقالية بين الأسرتين المرينية والسعدية وتجاذب الزعامة الروحية بين البحث عن تبرير المشروع السياسي بمبررات دينية ( إحياء المرينيين لعيد الميلاد النبوي الشريف وتقريب الشرفاء..) وبين أصحاب المشروع المجتمعي الذي يستند على النسب الشريف ( الأسرة السعدية) ..هذا المعطى الجديد الذي يدشن لمغرب العصر الحديث، تزامن مع تسونامي قوي للفكر الصوفي وبقنواته المتعددة أبرزها القناة الجزولية- الشاذلية والتي تغذت من عجز بني وطاس عن حماية السواحل الأطلسية للبلاد من الغزو العسكري والاقتصادي البرتغالي، مما دفع بالزوايا إلى اختيار أسرة شريفة مغمورة من أعماق البادية المغربية لقيادة مشروع الدولة الجديدة الرافضة للمشروع الاستعماري الأيبيري وهي الأسرة السعدية، ومن الزوايا التي ستدعم المشروع السعدي، الزاوية الشرقاوية بابي الجعد. فكيف يمكن حماية الحقل الصوفي ببلادنا؟ وهل يمكن استثمارا لتصوف في حقول أخرى منها الجوانب السسيو اقتصادية وبشكل خاص توظيفه في السياحة الثقافية مثلا؟ سوف ننطلق من حالة مدينة أبي الجعد للإجابة على هتاته الاشكاليات باعتبارها إحدى القلاع الروحية بالمغرب بالإضافة إلى امتداداتها التاريخية التي تعود إلى بداية العهد السعدي، وهي المعطيات أهلتها لان تحضى بالاهتمامين الرسمي والشعبي وحتى من طرف السسسيولوجيين الكولونياليين ( شارل دو فوكو) ومن الانتربولوجيين البنيويين ( دايل أيكلمان) وكذا من الباحثين المغاربة من أبنائها ( الدكاترة حبيب المالكي وكمال عبد اللطيف و احمد بوكاري . . وحسب حبيب المالكي فكل بجعدي خارج مسقط رئسه فهو شرقاوي بالانتماء . وهو ما انتبه إليه الاتحاديون من بداية التسعينيات من القرن الماضي، وقدموا أثناء المحطات الاستحقاقية المتعاقبة بالمدينة والدائرة، فسطروا برنامجا تنمويا متميزا بمرجعية حزبية اتحادية، يروم ولأول في تاريخ المدينة منذ تأسيسها قبل أزيد من 500 سنة، تجاوز ما أصبح يعرف حتميا بظاهرة هامشية أبي الجعد: هذا البرنامج التنموي الذي انطلق من واقع المنطقة في تمثله، بدا من مرحلة أولية للتفكير والتشخيص لمظاهر تلك الهامشية وذلك في إطار التنسيق بين المجلس البلدي والبرلماني الاتحاديين مع جامعة محمد الخامس بالرباط بتنظيم أيام دراسية ولمدة ثلاثة أيام متتالية بحضور كمي ونوعي وطني وازن ومن خلال ورشات عمل عبارة عن خلايا تقنية للتفكير في كيفية تجاوز النظرة الماضوية التي ترهن مستقبل تنمية المدينة والمنطقة. إن إحداث بنية تحتية جديدة وعصرية لأول مرة لمدينة أصيلة كابي الجعد تطلب من الاتحاديين البحث عن موارد قارة وتابثة لمنطقة جد فقيرة من حيث خصوصياتها الاقتصادية وغنية بمواردها البشرية، فكان الاتجاه نحو إبرام اتفاقية شراكة تاريخية مع الحكومة في إطار خطة مندمجة تجاوزت تكلفتها 70 مليار سنتيم ، فانطلقت اوراش البناء والتحديث في كل مناحي الحياة بالمدينة مع الأخذ بعين الاعتبار الطابع التاريخي والصوفي لحاضرة منطقة الشاوية ورديغة، وضمن صيرورة هذا التحول ، حضي الجانب الجمعوي والثقافي باهتمام اتحادي كبير ، كما تجسد ذلك أيضا في الاهتمام الرسمي بالمنطقة تمثل في العطف الملكي السامي بالزيارة التاريخة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس للمدينة وبتوالي زيارات الحاجب الملكي لضريح مؤسس المدينة سيدي بوعبيد الشرقي وما تحمله من هبات ملكية لحفدة الزاوية. واتخذ الحضور الثقافي المرتبط بتنظيم الموسم الديني والروحي لهذه المرجعية الدينية، بعدا وطنيا إذ ولأول مرة بالمدينة يتم تنظيم فعاليات المهرجان الوطني الأول لجمعية الشعلة ،كما استقطب هذا الموسم الإذاعات الوطنية بالرباط والدار البيضاء ومراكش و استضاف الزميل سعيد كوبريت العديد من الرموز الفكرية والدينية في برامجه الليلية باداعة طنجة للتعريف بالمخزون الروحي والثقافي للمنطقة.. بالإضافة إلى استقبال عدة مجموعات ورموز فنية وإبداعية مثل ناس الغيوان ولمشاهب ومسناوة وتكادة والحسين بنياز والطيب الصديقي وثريا جبران وداوود أولاد السيد.. ليضع بذلك الاتحاديون بذلك حدا لتظاهرات الجدبة والرعونة وثقافة التضبيع... وكل هذا كان يستهدف الذات البجعدية داخل وخارج هذا الفضاء الروحي ابي الجعد لأنه حسب حبيب المالكي فكل بجعدي داخل وخارج مسقط رأسه فهو شرقاوي بالانتماء الروحي . أول دراسة ميدانية علمية للمدينة القديمة انتبه الاتحاديون في البرلمان وفي المجلس البلدي عن منطقة أبي الجعد) إلى أن تنمية المدينة يقتضي وضع برنامج إجرائي يمكن من توظيف المخزون التاريخي والصوفي للزاوية الشرقاوية من اجل خلق شروط التنمية المستمدة من الواقع المحلي ومن منطلق أن تاريخ المنطقة هو احد روافد التاريخ الوطني، وان أي سياحة ثقافية لابد وان تنطلق من خصوصيات المنطقة سيما وان بعض الصناعات والحرف التقليدية اندترث أو كانت في طريق الاندثار بسبب الإهمال كالدباغة والخزف والنسيج ... لذلك اتجه البرنامج الاتحادي في هذا السياق إلى الإعلان وطنيا عن المنافسة لانجاز أول دراسة علمية بأبعادها السسيو-اقتصادية لمحيط الزاوية الذي يحتضن اغلب تلك الأنشطة المدرة للدخل ، الدراسة استقرت عند الخبير المغربي إبراهيم وازي الذي اعد بالفعل دراسة علمية من المستوى الاحترافي راعت الخصوصية الفكرية والعلمية للزاوية المدينة،هذه الدراسة اتجهت إلى التركيز على ثلاثة محاور بنيوية هي جمعية أبي الجعد 2001 تم الأخذ بعين الاعتبار تقوية النسيج الجمعوي إيمانا منه بالدور التنموي والاستراتيجي الذي يمارسه في الواقع وخاصة الذي يشتغل على الملفات الثقافية والعلمية والمعمارية كجمعية أبي الجعد 2001 التي يعد حبيب المالكي رئيسها الشرفي والأستاذ عبد السلام الشرقاوي الإطار الاتحادي الخبير في المعمار الأصيل رئيسها الفعلي، فكانت الانطلاقة من ضرورة الاحتكاك بالتجارب الوطنية والدولية من خلال ثلاثة محاور وهي : توقيع اتفاقية تعاون وشراكة مع وكالة تنمية مدينة فاس ثم الشروع في تطبيق برنامجها الإشعاعي والميداني بتنظيم سلسلة من اللقاءات الوطنية والدولية بمدينة أبي الجعد للتعريف بالمنتوج التاريخي وكيفية استثماره وذلك بتزامن مع ترميم الصابات والمنازل التاريخية الآيلة للسقوط بتعاون مع المجلس البلدي الاتحادي و تكريم الرموز الوطنية والتاريخية بالمدينة. ومن أبرزهم العلامة سيدي احمد العالم الشرقاوي اسموني، وأخيرا الاتجاه إلى المشاركة في اللقاءات الدولية كان أخرها بمدينة فلانسيا الاسبانية. تبني ملف تصنيف ابي الجعد تراثا وطنيا كانت الخلاصات التي تمخضت سنة 1994 عقب اليوم الدراسي الذي نظمه المجلس البلدي مع جامعة محمد الخامس بالرباط، كافية لان تشكل المنطلق الحقيقي الهادف إلى تكريم العاصمة الروحية لجهة الشاوية ورديغة وهو تكريم أيضا لكل حفدة الفاروق عمر بن الخطاب من سلالة العالم والصوفي الكبير سيدي بوعبيد الشرقي، وتكريم أيضا لكل سكان المنطقة وهذا تطلب التحرك التالي: المستوى الأول: وكان ورائه الأخوين حبيب المالكي وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي وقتها ومحمد الأشعري وزير الثقافة سابقا الذين تبنيا شخصيا ملف الترتيب التراثي والدولي لأبي الجعد. المستوى الثاني : وتضمن الجانب التقني واللوجيستيكي لهذا الملف تحت إشراف الإخوة في المجلس البلدي برأسة سعيد سرار. أما المستوى الثالث فيخص مكنز مات التنسيق والعمل الدءوب بين كل هذه الإطراف ، وهو الدور الذي تكلفت به جمعية أبي الجعد 2001 . وتوجت كل الأشغال بتنظيم لقاء علمي مشترك بين هذه الأطراف بتعاون مع اللجنة الوطنية المغربية للتربية والعلوم والثقافة بقصر بلدية أبي الجعد يوم السبت 19 ماي 2007 ولأول مرة في تاريخ المدينة بحضور منظمات دولية كاليونسكو والايسيسكو تمهيدا لتوقيع اتفاقية التصنيف العالمي بعد تصنيفها تراثا وطنيا، وذلك بين المجلس البلدي ووزارة الثقافة.. تكريم الضريح اعتزاز بصاحبه لم ينس الاتحاديون أن رد الاعتبار للمنطقة من الضروري أن يمر عير الاعتزاز بالمعلمة المعمارية المتميزة وطنيا وهي ضريح القطب الصوفي الشهير سيدي بوعبيد الشرقي ومحيطه الجغرافي، فقرروا التدخل لدا كل الجهات ولأول مرة للانخراط في صيانة وتطوير تلك المعلمة التي تعتبر استمرارا للهوية البجعدية، وقد نجحوا بالفعل في جهودهم الحثيثة بتخصيص 58.633.768,70 درهما لبناء قبة محمدية بضريح سيدي بوعبيد الشرقي وترميمه وقد انتهت الأشغال بع فعليا، وتعزيزا لنفس الاهتمام الاتحادي ، تم التدخل لدى الجهات المعنية ببناء مسجد العيون ، وتوج التدخل أيضا بتدشين بناء مدرسة للتعليم العتيق بمبلغ يتجاوز 600 مليون . وكلها إجراءات تروم التوجه نحو المستقبل بتوظيف التراثي ليصبح قاطرة تنموية وأن يصبح الموسم السنوي الديني لهذا القطب محطة للتشخيص وطرح الأفكار التنموية وتوظيف المخزون الفكري والعلمي والصوفي كمحطات للاستثمار الاقتصادي والاجتماعي خاصة وأن الصيغة الجديدة التي ينظم بها الموسم الحالي لا ترقى إلى القيمة العلمية والروحية للقطب الديني أبو عبيد الله محمد الشرقي.. وهو ما تمكن الاتحاديون محليا من تجاوزه باستحداث مواسم ثقافية جادة موازية للموسم السنوي( ناس الغيوان- لمشاهب- الطيب الصديقي- الحسين بنياز- ثريا جبران..) كل هذه التحولات الدينية والثقافية والتنموية بعد حبيب المالكي ابن المدينة مهندسها الحقيقي ومترجمها على أرض الواقع فكل الاعتمادات المالية الضخمة لإعادة هيكلة طبوغرافية المدينة والضريح ساهم هو شخصيا في توفيرها وبدون مزايدات انتخابوية او مواقف انتقامية حاقدة وجاهزة كتلك التي تتبناها بعض الجهات . إن مرجعية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تتجه بشكل عام نحو المستقبل من خلال تبني مجمل قضايا العدالة الاجتماعية ببلادنا، فان ذلك لم يمنعها من تبني مشروع إنساني متكامل بتمظهراته الفكرية والعلمية والاقتصادية مما أهله ? كما أسلفنا ? ليكون وبامتياز حزب انتاج مختلف النخب الدينية ( المرحوم الحبيب الفرقاني) والعلمية الأكاديمية (محمد جسوس نموجا فقط)، وبالتالي فليس من العجب أن يتجه الحزب إلى تكريم علمائه ومنظريه ومفكريه ورجال الدين وفنانيه ومثقفيه وهي الحالة التي قدمنا لها من خلال العاصمة الفكرية والروحية لجهة الشاوية ورديغة أبي الجعد. فقد حان الوقت لتجاوز تاريخ مغبون ومنسي في الوثائق المندثرة، بل من الأكيد العمل على إعادة رد الاعتبار للموروث الصوفي الكبير والغني بالمنطقة والاتجاه به نحو المستقبل.