(من مبعوث الوكالة سعيد الرفاعي) أكد المشاركون في ندوة "الإمام الشيخ أبي الحسن الشاذلي" أن هذا القطب الصوفي الكبير جعل التصوف المغربي غير بعيد عن الواقع والأرض والناس ، وربط بين الصوفية والدفاع عن الثغور المغربية. وأضاف المشاركون في الندوة، التي اختتمت أمس الأحد بشفشاون بزيارة خلوة الإمام الشاذلي بمسقط رأسه (إشتنواغن) وتلاوة "حزب الإخفاء"، أن أبا الحسن الشاذلي جعل مفتاح طريقته المحبة وليس المجاهدة فقط ، وجعل التصوف تواصلا بين الله والإنسان وبين الإنسان نفسه أي بين "الخلق والحق، وبين الخلق والخلق". وذكروا بأن حمل الشاذلي "للشاشية والخماسية" (شعارا التصوف والمقاومة) لم يقتصرا على وجوده في المغرب ضد الغزاة بل إنه شارك في الدفاع عن مدينة المنصورة المصرية والذب عن ثغورها إبان حصارها خلال وجوده بها مما يجعل من حضوره "إشراقا ورباطا". وخلال الجلسة العلمية الأولى، قدم الأستاذ أحمد الطريبق في مداخلة بعنوان "تاثير الصوفية المشيشية في الصوفية الشاذلية"، "نفثات وخطرات" عن الشاذلية من التأسيس إلى الامتداد من خلال كتاب "لطائف المنن" لابن عطاء السكندري باعتباره المصدر الأول في التعريف بأبي الحسن الشاذلي وكذا بتلميذه أبي العباس المرسي مشيرا، بالمناسبة، إلى أن الحجب المستورة رفعت عن الخطاب الصوفي ورجالاته في المغرب من خلال استحداث وحدات بحوث في الموضوع بكلية الآداب بتطوان بالخصوص. وأكد صاحب "الخطاب الصوفي في الأدب المغربي" أن الشاذلية امتداد للمشيشية، ونقل عن العلامة علال الفاسي تصنيفه في كتابه "التصوف في المغرب الإسلامي" عصوره إلى ثلاث هي "عصر أهل السنة وعصر أهل الحقائق، وعصر أهل الأخلاق والرقائق" وتأكيده أن "الحياة الروحية عند المسلمين نمت داخل المنظومة الإسلامية وليس خارجها" ودحضه مزاعم بعض المستشرقين أن هناك تأثيرات مسيحية وراء التصوف الإسلامي وأغاليط بعض الباحثين المشارقة. وتحدث عن عودة الشاذلية للمغرب وإحيائها بعد قرن من الزمان لتوظيفها في الدفاع عن العقيدة السنية وثغور البلاد مشددا على تجديد الشاذلي في طريقة أستاذه بن مشيش العلمي وعن التزامه بنصيحته له "الله الله ... والناس الناس " وذلك بعد عودته من مصر التي قصدها يبحث عن "شيخ الطريقة ومعالم الطريق" ليجدهما في بلاده. أما الأستاذ إدريس الفاسي الفهري فأوضح، في مداخلة بعنوان "المصطلح الصوفي عند الإمام الشاذلي"، أن "المصطلح لقب يطلق على مفهوم محدد في منظومة محددة" معتبرا أبا الحسن الشاذلي "قطب الأقطاب"، وحلقة من سلسلة منحدرة من رسول الله عليه السلام سلوكا وأخلاقا وعملا ومنهجا. وأضاف أن التصوف الشاذلي "تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية" وهما وجهان لحقيقة واحدة مفادها بأن "ما لله للعبد، وما للعبد لله" ، وأن نصيب المرء من التصوف صدقه في التوجه إلى الله وعدد الطرق إلى الله هي بعدد أنفاس الخلق، إذ أن لكل فرد مسلكه وتجربته وعلى أساسهما يكون تعريفه للتصوف. وفي مداخلة بعنوان "حياة وآثار أبي الحسن الشاذلي"، قال الأستاذ أحمد الزباخ أن تصوف الشاذلي أصبح عالميا باعتبار أنه لم يكن أبدا مغاليا بل ظل تصوفا وسطيا سنيا في مواجهة التصوف البدعي يحتوي على نظرة كلية للإسلام. وأشار صاحب "المنهج القرآني في تربية القيم الأخلاقية والاجتماعية"،إلى أن أبا الحسن الشاذلي عاش في أزهى عصور التصوف الإسلامي على الإطلاق (القرنان السادس والسابع الهجري) وسبقه صوفيون أجلاء كأبي حامد الغزالي الذي جعل التصوف في كتابه "إحياء علوم الدين" يستقي من مصادر ثلاث هي القرآن والسنة النبوية والأخلاق الإسلامية. ونقلا عن وثيقة للفقيه العياشي الزباخ، أبرز الشريف ولد باه الخبير الموريتاني لدى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، في مداخلته "رأي فيما قاله ابن خلدون عن الشاذلي"، وجود مراسلات بين ملوك المغرب ومصر حول الشيخ الإمام وإلى نسبة الشاذلي إلى المولى إدريس الأزهر، وإلى مصرع القطب ابن مشيش العلمي على يدي ابن أبي الطواجن. وأشار الشريف ولد باه، الذي حقق رواية الإمام الأصيلي لصحيح الإمام البخاري وأنجز دراسات في مجال حقوق الإنسان، إلى عدم وجود قرية باسم "اغمارة قرب سبتة" وإنما مجموعة قبائل بإقليم شفشاون حاليا. وفي مداخلة معنونة ب "الأثر العلمي والصوفي للشاذلي في محيط مسقط رأسه"، اعتمد الأستاذ عبد العالي العبودي على المؤرخين عزوز حكيم وزكي مبارك في كتابه "التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق" ليدقق في تسمية مسقط رأس الإمام الشاذلي وقريته والقبائل التي ينتمي إليها ملاحظا أن "حزب البر" للشيخ الإمام "غير متداول بين المثقفين كما هو متداول بين العوام". وخلال الجلسة العلمية الثانية، أكد الأستاذ عبد السلام شقور (جامعة عبد المالك السعدي بتطوان) أن الرحالة المغربي، الذي وصفه لسان الدين ابن الخطيب ب "قلة الطلب"، كان ذا منزع صوفي عريق وإن لم يكن قطبا صوفيا وكان ضمن الحاشية العلمية للسلطان أبي عنان المريني. وفي مداخلة موسومة ب"الشاذلي في رحلة ابن بطوطة"، أشار إلى أن هذا الأخير توقف في أكثر من موضع من كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار" عند الشاذلي لتحقيق نسبه كما رآه شخصيا على رخامة قبره بمصر، وذكره لأحزابه، وذكره لخبر موته مشيرا إلى أن الرحلة أصلا كانت تحققا لكرامة صوفية عند التقاء ابن بطوطة بالشيخ برهان الدين الأعرج. وأضاف صاحب "البعد الصوفي في حياة ابن بطوطة" و"ابن بطوطة بين زمنين" أن شح ابن بطوطة، الذي كان يحرص على زيارة الصلحاء أحياء وأمواتا أكثر من حرصه على زيارة العلماء، يعود إلى ظروف تحرير الرحلة الذي أمر به السلطان أبو عنان المريني وعلاقة المرينيين عموما بالمتصوفة والشرفاء بحثا عن توازنات سياسية وسعيا وراء التنظير لدولتهم. أما الأستاذ حسن الشاهدي (جامعة ابن طفيل بالقنيطرة) فقد تحدث عن مدينة الشاذلة المعروفة بتونس والتي ينسب إليها القطب أبو الحسن مشيرا إلى رواية تجعل لقبه "الشاد لي" أي "المنفرد في خدمتي" بمعنى مخاطبته الحضرة الإلهية دون حجاب مشيرا إلى إصابته بالعمى بتونس بعد فراقه شيخه ابن مشيش وقوله "انعكس بصري على بصيرتي فصرت كلي مبصرا". وأشار صاحب "أدب الرحلة بالمغرب في العصر المريني" في جزءين و"التصوف والأدب الصوفي" و"الكتابات الصوفية التنظيرية والشروح الصوفية"، إلى مراحل في حياة الشاذلي تتمثل في مرحلة التكوين والنشأة ببلده، ومرحلة السياحة الصوفية إلى أن قال له الشيخ أبو الفتح الواسطي ببغداد (شيخك في بلدك)، وأصول طريقته التي لا تقول بالخلوة وعدم التخلي عن الشرع، وووفاته في النصف الثاني من القرن السابع الهجري. وذكر الأستاذ عبد الله الترغي (جامعة عبد المالك السعدي بتطوان)، في مداخلته "امتدادات الشاذلية في المغرب" أن الشاذلية توجهت إلى المشرق ثم عادت إلى المغرب ببطء لاشتغال تلامذته بعلم الظاهر، وإن "كنا لا نجد تلامذة لأبي الحسن الشاذلي من المغاربة والأندلسيين" قبل أن تعود الشاذلية في القرن الثامن عن طريق سيرة الشيخ أبي الحسن في "لطائف المنن"، ويعرف عبد الواحد محمد ابن الطواح بالشاذلي وبطريقته. وأضاف الأستاذ الترغي، الذي ألف "فهارس علماء المغرب" و"الشروح الأدبية في المغرب" (العصر العلوي الأول) وحقق "أعلام مالقة" لابن عسكر و"النوادر والزيادات" لابن أبي زيد القيرواني، أن الرسائل الصغرى والكبرى لابن عباد الرندي النفزي مثلا فيها توجيه صوفي شاذلي فضلا عن الطريقيتن البونية والساحلية وما تبقى من طريقة أبي مدين الغوث التي ظلت الشاذلية تعايشها وتساكنها في القرن التاسع الهجري. وأشار الاستاذ الترغي أيضا إلى شيوخ الشاذلية بفاس من أمثل الشيخ أمغار الأزموري وكذا إلى "الشيخين سليمان الجزولي وأحمد زروق اللذين أسسا الشاذلية من جديد" مذكرا بأن الجزولية أيضا غلبت المحبة خاصة للرسول الأعظم وكثرت من الذكر والثناء عليه (دلائل الخيرات) كما غلبت الجانب الوجداني في تربية المنتفعين وطرق التعبير عن الأشواق. وبعنوان "شفشاون الشاذلية"، شدد الأستاذ علي الريسوني على كون التصوف (علم الحكمة) لدى عبد السلام بن مشيش يعني الصلاح والصدق وحسن التوجه إلى الله وكذا معرفة الأشياء عن طريق الذوق وليس العقل وحده بتطويع العاطفة والحس والشعور وغسل القلوب من محبة الدنيا وكان هدفه مواجهة الصليبيين والبرتغاليين (الطريقة البقالية مثلا). وأشار الأستاذ الريسوني إلى "أننا نحتاج التصوف، باعتباره ترجمة أمينة لمقام الإحسان كما ورد في حديث جبريل، للمزاوج بين العصر والهوية وترسيخ قيم التسامح والفضيلة أمام العالم" مذكرا بأن الندوة الحالية امتداد لندوتين سابقتين نظمتا بشفشاون حول الإمام أبي الحسن الشاذلي. يذكر بأن الجلسة الافتتاحية للندوة، التي حضرها بالخصوص عامل عمالة إقليم شفشاون السيد محمد عسيلة، شهدت مداخلات للسيد محمد السفياني رئيس المجلس البلدي، والسيد صلاح الزعيمي رئيس النادي الديبلوماسي، والسيد سعيد الأحرش (المركز الدولي للدراسات والتكوينات والاستشارات)، والسيد عبد العاطي عبد الجليل ممثل جمعية الدعوة الإسلامية العالمية لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).