ينطلق في الأسبوع المقبل، بمدينتي طنجة وتطوان وجبل العلم بإقليم العرائش، أول ملتقى عالمي للطريقة المشيشية الشاذلية ، الذي تنظمه نقابة الشرفاء العلميين بالمغرب، بتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، في ما يبدو أنه محاولة من المغرب لاستعادة إشعاعه الصوفي واسترجاع رموزه الروحية بعد عقود. ولم تخف بعض المصادر، على علاقة بالملتقى، أن يكون الهدف من هذا اللقاء، الذي ينعقد لأول مرة في المغرب، منافسة مصر على الطريقة الشاذلية وإعادة الطابع المغربي إلى الطريقة، خصوصا وأن المصريين دأبوا على الحديث عن الشاذلية دون ربطها بالطريقة المشيشية «بهدف إفراغ الطريقة من الإرث المغربي»، علما بأن أبا الحسن الشاذلي هو التلميذ الأوحد للمولى عبد السلام بن مشيش، وتلقى عنه الطريقة بجبل العلم، حيث ضريح بن مشيش حاليا، قريبا من العرائش. ومن المنتظر أن يشكل الملتقى، الذي يستمر خمسة أيام ويشارك فيه مدعوون من المغرب وفرنسا والولايات المتحدة وبلدان إفريقية، مناسبة للإعلان عن تأسيس «المنتدى العالمي للمشيشية الشاذلية»، بحسب بلاغ صادر عن نقيب الشرفاء العلميين، عبد الهادي البركة، والدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، توصلت «المساء» بنسخة منه، ويلاحظ أن البلاغ قلب التسمية المعروفة لدى المشارقة، التي تضع عبارة الشاذلية قبل عبارة المشيشية، في إشارة إلى تصحيح وضع تاريخي ورد الأمور إلى نصابها،على اعتبار أن المشيشية هي الأصل. وسيشكل هذا الملتقى العالمي، في نفس الوقت، إطارا دوليا لتجميع كافة الزوايا الصوفية بالمغرب، لكونها جميعا خرجت من تحت مظلة أبي الحسن الشاذلي، الذي ولد بالمغرب ودفن بمصر إثر وفاته بها في طريقه إلى الحج. ويأتي الملتقى بعد أيام قليلة من إحياء الذكرى السنوية لشيخ الطريقة المشيشية بجبل العلم، وأشار البلاغ إلى أن المنتدى سيضم سنويا نخبة من الرموز الروحية والفكرية بالمغرب وباقي دول العالم «من أجل التبادل الفكري والتناظر حول طائفة من القضايا الجوهرية التي تمس مصير الإنسان المعاصر، قصد الإسهام في النسج التأسيسي لوشائج السلام والتعارف والتعايش المشترك بين أفراد الأسرة الإنسانية الممتدة». وأوضح عبد الهادي البركة، نقيب الشرفاء العلميين، في اتصال مع«المساء»، أن هذا الملتقى هو الأول من نوعه يعقد في المغرب، بحضور مفتي الأزهر الشريف علي جمعة وعلماء من سوريا ولبنان والأردن وليبيا والجزائر وتونس وباكستان وأندونيسيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة. وحول المنتدى العالمي للشاذلية الذي سيتم الإعلان عن تأسيسه خلال الملتقى قال البركة إن هناك لجنة علمية اشتغلت على هذا الموضوع مدة طويلة ووضعت برنامج المنتدى وهيكلته، وقال إن الهدف من إنشائه هو التعريف بقطبي التصوف المغربي، الشيخين عبد السلام بن مشيش وأبي الحسن الشاذلي، ومعرفة عدد أتباع الشاذلية عبر العالم، مشيرا إلى أن عددهم في مصر وحدها تجاوز 16 مليونا، وينتمي إليها عدد كبير من العلماء والمفكرين والمشايخ في مصر. وقال الدكتور أحمد عبادي، أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء، في تصريحات ل«المساء» أمس إن الغرض من اللقاء ومن تأسيس منتدى عالمي للمشيشية الشاذلية ليس هو التجميع «وإنما الغرض هو التداول والنظر المشتركان حول قضايا بالغة الأهمية تهم مصير الإنسان فوق هذا الكويكب بمعزل ومنأى عن الإكراهات السياسية والاقتصادية والتجاذبية»، مضيفا أن أحد أهداف اللقاء «تيسير فضاء يكون فيه التداول والنظر المنفكان عن هذه الإكراهات التي تحد من سعة إمكان وجود حلول أمثل لهذه المشاكل». وحول وجود أي منافسة مغربية مصرية على الطريقة الشاذلية، قال عبادي: «ليست هناك منافسة مع أحد»، مشيرا إلى أن الغاية هي العمل في إطار من التكامل والتعاون «مع الغير من أجل الخير». من هو أبو الحسن الشاذلي؟ ولد أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، شيخ الطائفة الشاذلية، عام 571ه بقبيلة الأخماس الغمارية، أخذ الفقه والتصوف في تونس، وسكن مدينة (شاذلة) فنسب إليها، وتوفي الشاذلي بصحراء عيذاب متوجهًا إلى الحج في أوائل ذي القعدة 656ه. يعتبر الشاذلي التلميذ الأوحد للشيخ عبد السلام بن مشيش الذي قتل عام 622 للهجرة بسبب محاربته لابن أبي المطاحن الذي كان يدعي النبوة، وسئل بن مشيش عن اتخاذ الشيخ الشاذلي تلميذه الأوحد يوما فقال: «شجرة معتنى بها خير من بستان مهمل».