نقلا عن جريدة"أخبار اليوم"،في إصدارها للخميس الماضي؛ صفحة « People » ،فان الكاتب الوطني لشبيبة العدالة و التنمية الأستاذ مصطفى بابا،قد صرح في الملتقى المنظم بطنجة بأن شبيبته بكاملها لاتضم أي عضو مدخن،مضيفا أن "التدخين حرام". بالطبع للصديق مصطفى ،حججه الشرعية على هذا التحريم القاطع، الذي لا يشوبه و لو خيط رفيع من الشك،و رغم أنني لست متحمسا للدخول في حكاية الحلال و الحرام في أمر مثل هذا،فنكاد لا نعثر على توجه فقهي حاسم في الموضوع؛بما في ذلك داخل الذاكرة الالكترونية لجريدة "التجديد" التي سبق لها أن نشرت أراء فقهية تحرم حديث الفتاة الى الفتى عبر الهاتف،و قص النساء لشعر الحواجب، بالإضافة الى تحريم العمل في شركات التأمين و ذهاب المسلمة عند الطبيب في مدينة بها طبيبة.أراء تعتبر التبول في الحمام يورث الوسواس ،وترى أن فؤاد البنوك يجب ان تخصص لإصلاح المراحيض ،كما أن المؤمن بإمكانه دفع الرشوة تم يستغفر الله بعد ذلك. الى غيرها من الآراء المنافية للقانون و للعقل و للعلم، التي سبق للصديق الأستاذ محمد الساسي أن تناولها بالتحليل في سلسلة من المقالات. في إحدى النصوصه الذكية لفيلسوفنا المقتدر محمد سبيلا-شافاه الله- حول "التدخين بين الفقه و القانون و السياسة"،سنعرف ان حربا فقهية كاملة ،قد رافقت دخول التبغ لبلادنا منذ نهايات القرن السادس عشر،وأنه ،فقط،في عهد السعديين –مثلا- تجاوزت التأليف المغربية حول الموضوع ،الثلاثين كتابا،فضلا عن عشرات الفتاوى و الأجوبة و المناظرات الشفوية. والى حدود ثلاثينات القرن العشرين،استمر هذا "الجدل" و دبجت عشرات من الكتب، ذات العناوين المليئة بالسجع و الغرابة من صنف :"سهم الاصابة في حكم طابة"لصاحبه العربي الفاسي،و"اللمغ في الاشارة الى حكم التبغ"لأحمد السوداني.غير أن التوجه العام لهذا التراكم كان يغلب عليه الجنوح نحو تحليل "الدخان". نقرأ كذلك،كيف ألف الفقهاء المغاربة-في عصور النهضة و زمن الأنوار-كتبا كاملة في تحريم صابون النظافة، والسكر المستورد،والمطبعة، وأخبار السلك(التلغراف)،فضلا عن تحريم الشمع و الاستماع الى القرأن من ألة الفونغراف،والسلام العسكري و المدافع،وكيف في"تحريم استباقي" لافت،حرموا"الدابة المنتظرة"(السيارة)حتى قبل اختراعها النهائي.لاشك أن هذا التاريخ "المجيد" قد يجعلنا نشعر بالسعادة، و نحن نتابع فتاوي الجزر و إرضاع الكبير. سهولة اللجوءالى خطابات التحريم ،لها تاريخ إذن، و هذا ما يجعل المثير بالنسبة الي على الأقل،هوالتصريح بأن الشبيبة بكاملها لاتضم أي عضو مدخن. نعم.لا أحد من عشرات أو مئات أعضاء شبيبة العدالة و التنمية ،تستطيع سيجارة اغراءه. ربما ،من باب القياس ،أن يسري على الحزب ما يسري على الشبيبة،فالاحصائيات حاسمة هنا:أكثرمن تسعين بالمئة من المدخنين تعلموا مغازلة السيجارة قبل سن العشرين. لابد من القليل من الأسئلة. هل الأمر دليل على إنسجام "هوية إجتماعية"يحقق المنتمون اليها احساسا كاملا بالتماهي الداخلي؟أم أن الأمر ببساطة مجرد مؤشر على انضباط تنظيمي حديدي،يتجاوز المواقف و القناعات الى دائرة المسلكيات الحميمية؟ما الذي يجعل من مئات الشباب يتشابه ،حد التطابق،بصدد سلوك شخصي يدخل في حيز الحياة الخاصة؟ لا شك أن سوسيولوجيا التنظيمات ذات الطبيعة " الايديولوجية الحادة"-من الماركسية الى الأصوليةالدينية-،تقدم العديد من الأجوبة و الفرضيات،حيث الانتماء الحزبي لا يصبح حدثا عابرا في حياة الفرد،بل لحظة لتحول هائل في هذه الحياة،بل يصبح طريقة للحياة ولرؤية العالم،و ليس مجرد بطاقة عضوية،أو حتى تموقع سياسي و فكري عائم.ان هذه القدرة على "التنميط الثقافي" لا تحتاج فقط الى تنظيم حديدي ،بل يحتاج الى "اسمنت" هذا التنظيم،و التي ليست سوى"اليوتوبيا الأخلاقية" المعبأة، و المشروع الذي لا يخفي "شموليته":السياسية فضلا عن التربية،الأفكار فضلا عن الأخلاق. بهذا المعنى يصبح الحزب-أكبر من مجرد تجمع مدني حول خط سياسي و قيادة- بمثابة " الأخ الأكبر" في الرواية الشهيرة لجورج أورويل،الذي لا يحرص فقط على تطابق الرؤى و التصورات الكبرى،بل وكذا على التشابه في التفاصيل الصغيرة:من الألوان المفضلة الى نوعية الموسيقى والأطباق و الهوايات .حيث لا حدود بين المجال العام والفضاءالخاص. في مثل هذه "الهويات الاجتماعية المنغلقة" لابد من التساؤل عن منسوب التسامح الممكن مع " المختلف" ومع "الأخر":دينيا،اجتماعيا،ثقافيا،فكريا ،سياسيا.. في مصرنتابع ،نقاشا حول حضور الأقباط داخل حزب العدالة و الحرية،الحزب لم يضع ولو قطبيا واحدا في لوائحه الانتخابية الأخيرة،ومع ذلك انتخب احد المفكرين الاقباط(رفيق حبيب) نائبا لرئيس الحزب،و هو الذي عينه الرئيس مرسي،بعد ذلك ضمن طاقمه الرئاسي،النقاش جعل البعض يتهم هذا الجامعي المشهور بلعب دور "مسيحي الخدمة" لدى حزب "الاخوان المسلمين". مغربيا،ظل قادة العدالة و التنمية(الداودي في 2007 و بنكيران في2010)،يصرحون بأنه ليس هناك ما يمنع من دخول اليهود للحزب. الى ذلك الحين،لننتظر فقط تسامحا أكبر مع المغاربة المسلمين المدخنين،ربما على غرار "التسامح" المدروس مع بعض النساء غير المحجبات في لوائحه النسائية . شخصيا لا أدخن،ولا أدعو الى "فتنة الدخان".لكنني أدعو الى التأمل في حالة ثقافية عنوانها:حزب كامل لغير المدخنين.