الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي أكدت صحيفة إيرانية طبقاً لمعلومات حصلت عليها من مصادر غربية أن اليهودي فيليب موريس الذي يملك أكبر مصانع لإنتاج السجائر في العالم أعلن عن تخصيص 12بالمئة من أرباح مصانعه والتي تبلغ 80مليون دولار في اليوم الواحد كمساعدات إلى الكيان الصهيوني.وذكرت صحيفة جمهوري إسلامي أن الاحصاءات تفيد بأن عدد المدخنين في العالم يبلغ حوالي مليار و 15مليون شخص 400مليون منهم من المدخنين المسلمين. وأضافت الصحيفة أن المبالغ التي يدفعها المدخنون المسلمون لقاء السجائر التي يستعملونها تبلغ حوالي 400مليون دولار يومياً وبالتالي فإن المدخنين المسلمين يساهمون دون أن يعلموا في تقديم مساعدات مالية الى الخزانة االصهيونية تصل الى 9ملايين و 600ألف دولار سنوياً. التدخين هل هو حلال أم حرام ؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آلة وصحبة ومن نهج نهجه (وبعد) ظهر هذا النبات المعروف الذي يطلق عليه اسم ( الدخان ) أو (التبغ) أو (التمباك) أو (التتن)، في آخر القرن العاشر الهجري، وبدأ استعماله يشيع بين الناس، مما أوجب على علماء ذلك العصر أن يتكلموا في بيان حكمه الشرعي. ويبدو لي أن الخلاف الذي نقلناه عن علماء المذاهب عند ظهور الدخان، وشيوع تعاطيه، واختلافهم في إصدار حكم شرعي في استعماله، ليس منشأه في الغالب اختلاف الأدلة، بل الاختلاف في تحقيق المناط. أعني أنهم متفقون على أن ما يثبت ضرره على البدن أو العقل يحرم تعاطيه. ولكنهم يختلفون في تطبيق هذا الحكم على الدخان. فمنهم من أثبت له عدة منافع في زعمه . ومنهم من أثبت له مضار قليلة تقابلها منافع موازية لها . ومنهم من لم يثبت له أية منافع، ولكن نفى عنه الضرر . وهكذا. ومعنى هذا: أنهم لو تأكدوا من وجود الضرر في هذا الشيء لحرموه بلا جدال . وهنا نقول:إن إثبات الضرر البدني أو نفيه في (الدخان )ومثله مما يتعاطى ليس من شأن علماء الفقه، بل من شأن علماء الطب والتحليل . فهم الذين يسألون هنا، لأنهم أهل العلم والخبرة . قال تعالى: (فاسأل به خبيرًا) (الفرقان: 59) .وقال: (ولا ينبئك مثل خبير). (فاطر: 14). أما علماء الطب والتحليل فقد قالوا كلمتهم في بيان آثار التدخين الضارة على البدن بوجه عام وعلى الرئتين والجهاز التنفسي بوجه خاص . وما يؤدي إليه من الإصابة بسرطان الرئة مما جعل العالم كله في السنوات الأخيرة ينادي بوجوب التحذير من التدخين. على أن من أضرار التدخين ما لا يحتاج إثباته إلى طبيب اختصاصي ولا إلى محلل كيماوي، حيث يتساوى في معرفته عموم الناس، من مثقفين وأميين. وينبغي أن نذكر هنا ما نقلناه من قبل عن بعض العلماء، وهو أن الضرر التدريجي كالضرر الدفعي الفوري، كلاهما مقتض للتحريم . ولهذا كان تناول السم السريع التأثير في الصدر والسم البطيء التأثير حرامًا بلا ريب. وعلى هذا القول:إن اختلاف علماء الفتوى في التحريم والإباحة في نبات الدخان إنما هو بناء على ما ثبت لدى كل منهم من الإضرار أو عدمه. أما ما يقوله بعض الناس: كيف تحرمون مثل هذا النبات بلا نص ؟ فالجواب: أنه ليس من الضروري أن ينص الشارع على كل فرد من المحرمات، ويبغي أن يضع ضوابط أو قواعد تندرج تحتها جزئيات شتى، وأفراد كثيرة . فإن القواعد يمكن حصرها، أما الأفراد فلا يمكن حصرها. ويكفي أن يحرم الشارع الخبيث أو الضار، ليدخل تحته ما لا يحصى من المطعومات والمشروبات الخبيثة أو الضارة، ولهذا أجمع العلماء على تحريم الحشيشة ونحوها من المخدرات، مع عدم وجود نص معين بتحريمها على الخصوص. على أن في ( التدخين ) نوعًا من الضرر يجب ألا يغفل، وهو ضرر يقيني لا شك فيه، وهو الضرر المالي . وأعني به إنفاق المال فيما لا ينفع بحال، لا في الدنيا ولا في الدين، سيما مع غلاء أثمانه، وإسراف بعض هواته في تناوله، حتى إن أحدهم قد ينفق فيه ما يكفي لإعاشة أسرة كاملة. أما ما يجده بعض الناس من راحة نفسية في التدخين، فليس منفعة ذاتية فيه، وإنما ذلك لاعتياده عليه وإدمانه له فهو لهذا يرتاح لاستعماله .شأن كل ما يعتاد الإنسان تعاطيه مهما كان مؤذيًا وضارًا غاية الضرر. التدخين إسراف وتبذير وقد قال الإمام ابن حزم في ( محلاه ) (المحلى: ج 7 ص 503، مسألة 1027) :السرف حرام . وهو: 1- النفقة فيما حرم الله تعالى، قلت أو كثرت، ولو أنها جزء من قدر جناح بعوضة. 2- أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة، مما لا يبقى للمنفق بعده غنى. 3- أو إضاعة المال وإن قل برميه عبثًا... قال الله تعالى: (ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين) ا ه . ولا يخفى أن إنفاق المال في التدخين إضاعة له. وقد أعجبني مما نقلته من قبل قول أحد العلماء: لو اعترف شخص أنه لا يجد في التدخين نفعًا بوجه من الوجوه، فينبغي أن يحرم عليه .من حيث إنه إضاعة للمال .إذا لا فرق في حرمة إضاعته بين إلقائه في البحر،وإحراقه بالنار،أو غير ذلك من وجوه الإتلاف. فكيف إذا كان مع الإتلاف للمال ضرر يقينا أو ظنًا ؟ .أي أنه اجتمع عليه إتلاف المال وإتلاف البدن معًا. فواعجبًا لمن يشتري ضرر بدنه بحُرِّ ماله طائعًا مختارًا. التدخين استعباد نفسي لايرتضيه عاقل وهناك ضرر آخر، يغفل عنه عادة الكاتبون في هذا الموضوع وهو الضرر النفسي، وأقصد به، أن الاعتياد على التدخين وأمثاله، يستعبد إرادة الإنسان، ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة . بحيث لا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة إذا رغب في ذلك يومًا لسبب ما . كظهور ضررها على بدنه، أو سوء أثرها في تربية ولده، أو حاجته إلى ما ينفق فيها لصرفه في وجوه أخرى أنفع وألزم، أو نحو ذلك من الأسباب. ونظرًا لهذا الاستعباد النفسي، نرى بعض المدخنين، يجور على قوت أولاده، والضروري من نفقة أسرته، من أجل إرضاء مزاجه هذا، لأنه لم يعد قادرًا على التحرر منه. وإذا عجز مثل هذا يومًا عن التدخين، لمانع داخلي أو خارجي، فإن حياته تضطرب، وميزانه يختل، وحاله تسوء، وفكرة يتشوش، وأعصابه تثور لسبب أو لغير سبب. ولا ريب أن مثل هذا الضرر جدير بالاعتبار في إصدار حكم على التدخين. مسك الختام بأن التدخين حرام ويتبين من هذا التمحيص الذي ذكرناه: أن إطلاق القول بإباحة التدخين لا وجه له، بل هو غلط صريح، وغفلة عن جوانب الموضوع كله، ويكفي ما فيه من إضاعة لجزء من المال بما لا نفع فيه وما يصحبه من نتن الرائحة المؤذية، وما فيه من ضرر بعضه محقق، وبعضه مظنون أو محتمل. وإن كان لهذا القول وجه فيما مضى، عند ظهور استعمال هذا النبات في سنة ألف من الهجرة، بحيث لم يتأكد علماء ذلك العصر من ثبوت ضرره، فليس له أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره، وسيّئ آثاره، وعلم بها الخاص والعام، وأيدتها لغة الأرقام. وحسبنا ما جاء في السؤال من إحصاءات، تضمنها تقرير أكبر هيئة طبية محترمة في العالم وإذا سقط القول بالإباحة المطلقة .لم يبق إلا القول بالكراهة أو القول بالتحريم. وقد اتضح لنا مما سبق أن القول بالتحريم أوجه وأقوي حجة .وهذا هو رأينا .وذلك لتحقق الضرر البدني والمالي والنفسي باعتياد التدخين. وإذا قيل لمجرد الكراهة، فهل هي كراهة تنزيه أو تحريم ؟ الظاهر الثاني. نظرا لقوة الاعتبارات والأدلة التي أدت إلى القول بالتحريم فمن أنزل الحكم عن الحرام لم ينزل عن درجة المكروه التحريمي. ومهما يكن فمن المقرر أن الإصرار على الصغائر يقربها من الكبائر .ولهذا أخشى أن يكون الإصرار على المكروه مقربًا من الحرام. على أن هناك ملابسات واعتبارات تختص ببعض الناس دون بعض، تؤكد الحرمة وتغلظها كما تؤكد الكراهة عند من قال بالكراهية، بل تنقلها إلى درجة التحريم. وذلك مثل أن يضر الدخان شخصًا بعينه، حسب وصف طبيب ثقة، أو حسب تجربة الشخص نفسه، أو حسب تجربة آخرين في مثل حاله. ومثل أن يكون محتاجًا إلى ثمنه لنفقته أو نفقة عياله، أو من تجب عليه نفقتهم شرعًا.(وينبغي أن يذكر هنا أيضًا أن ملايين من المسلمين يموتون من الجوع - حقيقة لا تجوزًا - على حين تنفق عشرات الملايين في شهوة التدخين). ومثل أن يكون الدخان مستوردًا من بلاد تعادي المسلمين، ويذهب ثمنه لتقويتها على المسلمين. ومثل أن يصدر ولي الأمر الشرعي أمرًا بمنع التدخين، وطاعته واجبة فيما لا معصية فيه. ومثل أن يكون الشخص مقتدى به في علمه ودينه، مثل علماء الدين، ويقرب منهم الأطباء. هذا وينبغي أن نضع في اعتبارنا ونحن نصدر حكمًا بشأن التدخين عدة أمور لابد من مراعاتها، لتكون نظرتنا شاملة وعادلة. توصيبات لابد منها الأولى:أن من المدخنين من يتمنى الخلاص من التدخين، ولكنه عجز عن تحقيق ذلك لتمكن هذه العادة من جسمه وأعصابه تمكنًا لم يجعل لإرادته قدرة على التحرر منه، بحيث يصيبه أذى كثير إذا تركه . فهذا معذور بقدر محاولته وعجزه، ولكل امرئ ما نوى. الثانية:أن ميلنا إلى تحريم التدخين لما ذكرنا من وجهة النظر والاعتبارات الشرعية، لا يعنى أنه مثل شرب الخمر أو الزنى أو السرقة مثلاً، فإن الحرام في الإسلام درجات، بعضها صغائر، وبعضها كبائر، ولكل حكمه ودرجته . فالكبائر لا تكفرها إلا التوبة النصوح، أما الصغائر فتكفرها الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصيام رمضان وقيامه، وغير ذلك من الطاعات، بل يكفرها مجرد اجتناب الكبائر. وقد جاء عن ابن عباس وبعض السلف أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة .ولكن هذا أيضًا غير متفق عليه. الثالثة:أن المحرم المختلف فيه ليس في درجة الحرام المتفق عليه .ولهذا يصعب أن ترمي فاعله بالفسوق، وأن تسقط شهادته، ونحو ذلك، وخصوصًا إذا كان مما عمت به البلوى. هذا، وقد تبين من هذه الدراسة:أن ما حكاه صاحب السؤال عن بعض العلماء:أنه أدار معظم الحكم في التدخين على المقدرة المالية وحدها، أو عدمها، فيحرم في حالة عجز المدخن عن مصاريف التدخين، ويكره للقادر عليه، فهو غير سديد ولا مستوعب ؛ فإن الضرر البدني والنفسي يجب أن يكون له اعتباره أيضًا، بجوار الضرر المالي. إعداد: عبدلاوي خلافة