يوسف أيت أقديم يكتب: هل تٌنذر إدانة مارين لوبان بنهاية الديمقراطية في فرنسا؟    الجيش الملكي يرفع التحدي أمام بيراميدز المصري في ربع نهائي الأبطال    أكثر من 1500 شخص يستفيدون من عفو ملكي بمناسبة عيد الفطر    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    انخفاض جديد مرتقب في أسعار الغازوال بداية أبريل    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط ويتقبل التهاني بهذه المناسبة السعيدة    مسيرة حاشدة في طنجة تُحيي عيد الفطر تضامناً مع غزة    الرئيسان الفرنسي والجزائري يؤكدان عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها بعد أشهر من التوتر    أكثر من 122 مليون قاصد للحرمين الشريفين في شهر رمضان للعام 1446    العفو الملكي يشمل عبد القادر بلعيرج بعد 17 عامًا من السجن بتهمة الإرهاب    الجيش يختتم الاستعدادات في القاهرة    منتخب الفتيان يستعد لمواجهة زامبيا    أكثر من 122 مليون مسلم اعتمروا بالحرمين الشريفين في شهر رمضان    عامل إقليم بولمان يؤدي صلاة عيد الفطر وسط حشود كبيرة من المصلين بمصلى ميسور    اختتام فعاليات الدورة الرابعة لملتقى تجويد وحفظ القرآن الكريم في اكزناية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    بعد إدانتها.. التجمع الوطني الفرنسي يطلق عريضة لدعم لوبان    الطقس غدا الثلاثاء.. سحب كثيفة وأمطار متفرقة    ارتفاع عدد الحجاج والمعتمرين إلى 18.5 مليون في 2024    الجزائر ترضخ للضغوط الفرنسية وتنهي أزمتها مع باريس    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    حادث خطير في طنجة يوم العيد.. إصابة شابين في اصطدام دراجة نارية بسيارة مركونة    في ظل تراجع الصادرات إلى المغرب.. مربو المواشي الإسبان يطالبون بفتح أسواق جديدة    تعزيزات مشددة ليلة عيد الفطر تحبط محاولات للهجرة السرية إلى سبتة المحتلة    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    الإمارات تقضي بإعدام قتلة "كوغان"    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    طواسينُ الخير    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    كأس إفريقيا.. المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يطيح بأوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم التدخين
نشر في أخبارنا يوم 13 - 11 - 2011


الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله.
شرب الدخان محرم وكذلك بيعه وشرائه وتأجير المحلات لمن يبيعه لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ودليل تحريمه قوله تعالى :" ولا تؤتوا السفهاء أ موالكم التي جعل الله لكم قياماً " ووجه الدلالة من ذلك أن الله تعالى نهى عن أن نؤتي السفهاء أموالنا لأن السفيه يتصرف فيها بما لا ينفع وبين سبحانه وتعالى أن هذه الأموال قيام للناس لمصالح دينهم ودنياهم ، وصرفها في الدخان ليس من مصالح الدين ولامن مصالح الدنيا . فيكون صرفها في ذلك منافياً لما جعله الله تعالى لعباده ، ومن أدلة تحريمه قوله تعالى :" ولا تقتلوا أنفسكم " ووجه الدلالة من الآية أنه قد ثبت في الطب أن شرب الدخان سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان فيكون متناولها قد أتى سبباً لهلاكه ومن أدلة تحريمه قوله تعالى " وكلوا وشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " ووجه الدلالة من هذه الآية أنه إذا كان الله قد نهى عن الإسراف في المباحات وهو مجاوزة الحد فيها فإن النهي عن صرف المال في أمر لا ينفع يكون من باب أولى . ومن أدلة تحريمه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ولا شك أن صرف المال في شراء هذا الدخان إضاعة له لأنه إذا صرف المال في ما لا فائدة منه فهذه إضاعة بلا شك . وهناك أدلة أخرى والعاقل يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما النظر الصحيح الدال على تحريمه فهو أن كل عاقل لا يمكنه أن يتناول شيئاً يكون سبباً لضرره ومرضه ويستلزم نفاد ماله في صرفه فيه لأن العاقل لابد أن يحافظ على بدنه وعلى ماله ، و لا يهمل ذلك إلا من كان ناقصاً في عقله وتفكيره . ومن الأدلة النظرية على تحريمه أيضاً أن شارب الدخان إذا فقده ضاق صدره وكثرت عليه البلابل والأفكار ولا ينشرح صدره إلا بالعودة إلى شربه ومن الأدلة النظرية على تحريمه أ يضاً أن شربه يستلزم ثقل العبادات على شاربه ولا سيما الصيام ، فإن شارب الدخان يستثقل الصوم جداً لأنه حرمان له من شربه من بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس وهذا قد يكون في أيام الصيف الطويلة فيكون الصوم لديه مكروهاً ، وحينئذ فإنني أوجه النصيحة لإخواني المسلمين عموماً والمبتلين به خصوصاً بالتحذير منه بيعاً وشراءً وشرباً وتأجير المحلات من اجل بيعه فيها ومعونة عليه من أي وجه كان.
الاختلاف في حكم التدخين

والاختلاف الذي نشأ بين الفقهاء عند ظهور التدخين ، ليس خلافا في أدلة الأحكام ، ولكنه خلاف حول ثبوت الضرر في التدخين أم لا، وثبوت الضرر في التدخين لا يرجع إلى الفقهاء ، وإنما يرجع إلى الأطباء، وقد أثبت الطب أضرار التدخين ، ومن هنا، فإن الخلاف في حكم التدخين يرتفع ، ليكون هو الحرمة ، لثبوت الضرر، ولاتفاق الفقهاء أن ما ثبت ضرره ، ثبتت حرمته.
هذه خلاصة ما أفتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ، وإليك نص فتواه :
الخلاف المنقول عن علماء المذاهب عند ظهور الدخان ، وشيوع تعاطيه ، واختلافهم في إصدار حكم شرعي في استعماله ، ليس منشؤه في الغالب اختلاف الأدلة ، بل الاختلاف في تحقيق المناط .
أعني أنهم متفقون على أن ما يثبت ضرره على البدن أو العقل يحرم تعاطيه ..
ولكنهم يختلفون في تطبيق هذا الحكم على الدخان .
فمنهم من أثبت له عدة منافع في زعمه . ومنهم من أثبت له مضار قليلة تقابلها منافع موازية له . ومنهم من لم يثبت له أية منافع ، ولكن نفى عنه الضرر . وهكذا .
ومعنى هذا أنهم لو تأكدوا من وجود الضرر في هذا الشيء لحرموه بلا جدال .
وهنا نقول : إن إثبات الضرر البدني أو نفيه في "الدخان" ومثله مما يتعاطى ليس من شأن علماء الفقه، بل من شأن علماء الطب والتحليل . فهم الذين يسألون هنا ، لأنهم أهل العلم والخبرة . قال تعالى:( فاسأل به خبيرًا ) الفرقان:59. وقال : ( ولا ينبئك مثل خبير ) فاطر:14.
أما علماء الطب والتحليل فقد قالوا كلمتهم في بيان آثار التدخين الضارة على البدن بوجه عام، وعلى الرئتين والجهاز التنفسي بوجه خاص. وما يؤدي إليه من الإصابة بسرطان الرئة مما جعل العالم كله في السنوات الأخيرة يتنادى بوجوب التحذير من التدخين .
على أن من أضرار التدخين ما لا يحتاج إثباته إلى طبيب اختصاصي ولا إلى محلل كيماوي ، حيث يتساوى في معرفته عموم الناس ، من مثقفين وأميين.
وينبغي أن نذكر هنا ما نقلناه من قبل عن بعض العلماء ، وهو أن الضرر التدريجي كالضرر الدفعي الفوري ، كلاهما مقتض للتحريم . ولهذا كان تناول السم السريع التأثير في الصدر والسم البطيء التأثير حرامًا بلا ريب .
وعلى هذا القول : إن اختلاف علماء الفتوى في التحريم والإباحة في نبات الدخان إنما هو بناء على ما ثبت لدى كل منهم من الأضرار أو عدمه .
أما ما يقوله بعض الناس : كيف تحرمون مثل هذا النبات بلا نص ؟
فالجواب : أنه ليس من الضروري أن ينص الشارع على كل فرد من المحرمات ، وينبغي أن يضع ضوابط أو قواعد تندرج تحتها جزئيات شتى ، وأفراد كثيرة . فإن القواعد يمكن حصرها ، أما الأفراد فلا يمكن حصرها .
ويكفي أن يحرم الشارع الخبيث أو الضار ، ليدخل تحته ما لا يحصى من المطعومات والمشروبات الخبيثة أو الضارة ، ولهذا أجمع العلماء على تحريم الحشيشة ونحوها من المخدرات، مع عدم وجود نص معين بتحريمها على الخصوص .
وهذا الإمام أبو محمد بن حزم الظاهري ، نراه متمسكًا بحرفية النصوص وظواهرها ، ومع هذا يقرر تحريم ما يستضر بأكله ، أخذا من عموم النصوص . قال : وأما كل ما اضر فهو حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله كتب الإحسان على كل شيء .. فمن أضر بنفسه أو بغيره فلم يحسن، ومن لم يحسن فقد خالف كتاب( أي كتابه) الله الإحسان على كل شيء) (انظر:المحلىج7ص504-505، المسألة 1030ط.الإمام.)
ويمكن أن يستدل لهذا الحكم أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم :(لا ضرر ولا ضرار). كما يمكن الاستدلال بقوله تعالى :(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا ) النساء:29.
ومن أجود العبارات الفقهية في تحريم تناول المضرات عبارة الإمام النووي في روضته قال:
( كل ما أضر أكله كالزجاج والحجر والسم ، يحرم أكله. وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل أكله إلا المستقذرات الطاهرات ، كالمني والمخاط. فإنها حرام على الصحيح .. إلى أن قال : ويجوز شرب دواء فيه قليل من سم إذا كان الغالب السلامة ، واحتيج إليه .
ومن الناس من يتمسك هنا بقاعدة : الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما نص الشرع على تحريمه .
والرد على هؤلاء أن من علماء الأصول من عكس ذلك فقال : الأصل في الأشياء الحظر إلا ما جاء الشرع بإباحته ..
والصحيح من قول هؤلاء وهؤلاء التفصيل . فالأصل في المنافع الإباحة ، لقوله تعالى في معرض الامتنان على عباده :( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ) البقرة :29 ولا يمتن عليهم بما هو محرم عليهم .
وأما المضار ، وهي : ما يؤذي البدن أو النفس أو هما معًا . فالأصل فيها الحظر والتحريم .
على أن في (التدخين) نوعًا من الضرر يجب ألا يغفل ، وهو ضرر يقيني لا شك فيه ، وهو الضرر المالي . وأعني به إنفاق المال فيما لا ينفع بحال ، لا في الدنيا ولا في الدين ، ولا سيما مع غلاء أثمانه، وإسراف بعض هواته في تناوله ، حتى إن أحدهم قد ينفق فيه ما يكفي لإعاشة أسرة كاملة .
أما ما يجده بعض الناس من راحة نفسية في التدخين ، فليس منفعة ذاتية فيه ، وإنما ذلك لاعتياده عليه، وإدمانه له . فهو لهذا يرتاح لاستعماله . شأن كل ما يعتاد الإنسان تعاطيه مهما كان مؤذيًا وضارًا غاية الضرر .
وقد قال الإمام إبن حزم في "محلاه"( المحلى :ج7ص503،مسألة 1027.): السرف حرام . وهو :
1. النفقة فيما حرم الله تعالى ، قلت أو كثرت ، ولو أنها جزء من قدر جناح بعوضة.
2. أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة ، مما لا يبقى للمنفق بعده غنى.
3. أو إضاعة المال وإن قل برميه عبثًا…
قال الله تعالى: ( ولا تسرفوا ، إنه لا يحب المسرفين ) اه . ولا يخفى أن إنفاق المال في التدخين إضاعة له .
وقد أعجبني مما نقلته من قبل قول أحد العلماء : لو اعترف شخص أنه لايجد في التدخين نفعًا بوجه من الوجوه ، فينبغي أن يحرم عليه . من حيث أنه إضاعة للمال . إذًا لا فرق في حرمة إضاعته بين إلقائه في البحر ، وإحراقه بالنار ، أو غير ذلك من وجوه الإتلاف .
فكيف إذا كان مع الإتلاف للمال ضرر يقينًا أو ظنًا ؟ . أي أنه اجتمع عليه إتلاف المال وإتلاف البدن معًا .
فواعجبًا لمن يشتري ضرر بدنه بحر ماله طائعًا مختارًا .
وهناك ضرر آخر ، يغفل عنه عادة الكاتبون في هذا الموضوع وهو الضرر النفسي ، وأقصد به ، أن الاعتياد على التدخين وأمثاله ، يستعبد إرادة الإنسان ، ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة . بحيث لا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة إذا رغب في ذلك يومًا لسبب ما . كظهور ضررها على بدنه ، أو سوء أثرها في تربية ولده ، أو حاجته إلى ما ينفق فيها لصرفه في وجوه أخرى أنفع وألزم ، أو نحو ذلك من الأسباب.
ونظرًا لهذا الاستعباد النفسي ، نرى بعض المدخنين ، يجور على قوت أولاده ، والضروري من نفقة أسرته ، ومن أجل إرضاء مزاجه هذا ، لأنه لم يعد قادرًا على التحرر منه .
وإذا عجز مثل هذا يومًا عن التدخين ، لمانع داخلي أو خارجي ، فإن حياته تضطرب ، وميزانه يختل، وحاله تسوء ، وفكره يتشوش ، وأعصابه تثور لسبب أو لغير سبب .
ولا ريب أن مثل هذا الضرر جدير بالاعتبار في إصدار حكم على التدخين .
ويتبين من هذا التمحيص الذي ذكرناه : أن إطلاق القول بإباحة التدخين لا وجه له ، بل هو غلط صريح ، وغفلة عن جوانب الموضوع كله ، ويكفي ما فيه من إضاعة لجزء من المال فيما لا نفع فيه وما يصحبه من نتن الرائحة المؤذية ، وما فيه من ضرر بعضه محقق، وبعضه مظنون أو محتمل .
وإن كان لهذا القول وجه فيما مضى ، عند ظهور استعمال هذا النبات في سنة ألف من الهجرة ، حيث لم يتأكد علماء ذلك العصر من ثبوت ضرره ، فليس له أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره ، وسيء آثاره ، وعلم بها الخاص والعام ، وأيدتها لغة الأرقام .
وحسبنا ما جاء في السؤال من إحصاءات ، تضمنها تقرير أكبر هيئة طبية محترمة في العالم .
وإذا سقط القول بالإباحة المطلقة . لم يبق إلا القول بالكراهة أو القول بالتحريم .
وقد اتضح لنا مما سبق أن القول بالتحريم أوجه وأقوى حجة . وهذا هو رأينا . وذلك لتحقق الضرر البدني والمالي والنفسي باعتياد التدخين.
وإذا قيل بمجرد الكراهة ، فهل هي كراهة تنزيه أو تحريم ؟ الظاهر الثاني .
نظراً لقوة الاعتبارات والأدلة التي أدت إلى القول بالتحريم فمن أنزل الحكم عن الحرام لم ينزل عن درجة المكروه التحريمي .
ومهما يكن فمن المقرر أن الإصرار على الصغائر يقربها من الكبائر . ولهذا أخشى أن يكون الإصرار على المكروه مقربًا من الحرام .
على أن هناك ملابسات واعتبارات تختص ببعض الناس دون بعض ، تؤكد الحرمة وتغلظها كما تؤكد الكراهة عند من قال بالكراهية ، بل تنقلها إلى درجة التحريم .
وذلك مثل أن يضر الدخان شخصًا بعينه ، حسب وصف طبيب ثقة ، أو حسب تجربة الشخص نفسه ، أو حسب تجربة آخرين في مثل حاله .
ومثل أن يكون محتاجًا إلى ثمنه لنفقته أو نفقة عياله ، أو من تجب عليه نفقتهم شرعًا(وينبغي أن يذكر هنا أيضًا ملايين من المسلمين يموتون من الجوع -حقيقة لا تجوزًا- على حين تنفق عشرات الملايين في شهوة التدخين.)
ومثل أن يكون الدخان مستوردًا من بلاد تعادي المسلمين ، ويذهب ثمنه لتقويتها على المسلمين .
ومثل أن يصدر ولي الأمر الشرعي أمرًا بمنع التدخين ، وطاعته واجبة فيما لا معصية فيه .
ومثل أن يكون الشخص مقتدى به في علمه ودينه ، مثل علماء الدين ، ويقرب منهم الأطباء .
هذا وينبغي أن نضع في اعتبارنا ونحن نصدر حكمًا بشأن التدخين عدة أمور لابد من مراعاتها ، لتكون نظرتنا شاملة وعادلة .
الأولى : أن من المدخنين من يتمنى الخلاص من التدخين ، ولكنه عجز عن تحقيق ذلك لتمكن هذه العادة من جسمه وأعصابه تمكنًا لم يجعل لإرادته قدرة على التحرر منه ، بحيث يصيبه أذى كثير إذا تركه. فهذا معذور بقدر محاولته وعجزه ، ولكل امريء ما نوى .
الثانية: أن ميلنا إلى تحريم التدخين لما ذكرنا من وجهة النظر والاعتبارات الشرعية ، لا يعني أنه مثل شرب الخمر أو الزنى أو السرقة مثلا ، فإن الحرام في الإسلام درجات ، بعضها صغائر ، وبعضها كبائر ، ولكل حكمه ودرجته . فالكبائر لا تكفرها إلا التوبة النصوح ، أما الصغائر فتكفرها الصلوات الخمس ، وصلاة الجمعة ، وصيام رمضان وقيامه ، وغير ذلك من الطاعات ، بل يكفرها مجرد اجتناب الكبائر .
وقد جاء عن ابن عباس وبعض السلف أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة . ولكن هذا أيضًا غير متفق عليه .
الثالثة : أن المحرم المختلف فيه ليس في درجة الحرام المتفق عليه . ولهذا يصعب أن ترمي فاعله بالفسوق، وأن تسقط شهادته ، ونحو ذلك ، وخصوصًا إذا كان مما عمت به البلوى .
هذا ، وقد تبين من هذه الدراسة : أن ما حكاه صاحب السؤال عن بعض العلماء : أنه أدار معظم الحكم في التدخين على المقدرة المالية وحدها ، أو عدمها ، فيحرم في حالة عجز المدخن عن مصاريف التدخين ، ويكره للقادر عليه . فهو غير سديد ولا مستوعب . فإن الضرر البدني والنفسي يجب أن يكون له اعتباره أيضًا ، بجوار الضرر المالي .
إن الغني ليس من حقه أن يضيع ماله ، ويبعثره لما يشاء . لأنه مال الله أولا ، ومال الجماعة ثانيًا .
وإن ما يقال من أن كثير من علماء الدين يدخنون ، فإن هؤلاء العلماء لم يدَّعوا لأنفسهم العصمة ، وكثير منهم ابتلوا به في مرحلة الشباب والطيش ، ثم ضعفت إرادتهم عن التخلص من نيره، ومنهم من أفتى بحرمته رغم أنه مبتلى بتعاطيه .
وقد رأينا من الأطباء أيضًا كثيرين يؤمنون بأضرار التدخين ، ويتحدثون أو يكتبون في ذلك ، ومع ذلك لم يقلعوا عن التدخين .
وإذا كان التدخين مذمومًا في شأن الرجال ، فهو أشد ذمًا في شأن النساء ، لأنه يشوه جمال المرأة، ويغير لون أسنانها ، ويجعل رائحة فمها كريهة . مع ما يجب أن تكون عليه الأنثى من حسن وجمال.
ونصيحتي لكل مدخن ، أن يقلع عن هذه الآفة ، بعزيمة قوية ، وتصميم صارم ، فإن التدرج فيها لا يغني .
ومن كان ضعيف الإرادة ، عليه أن يقلل من شرها ما استطاع ، ولا يحسنها لغيره ، ولا يغري بها أحدًا ، كأن يقدمها للآخرين ، أو يلح على زواره بتناولها ، بل ينبغي أن يبين لغيره أضرارها المالية والبدنية والنفسية ، وأقرب هذه الأضرار أنه أصبح عبدًا لها ، بحيث لم يستطع أن يتخلص منها ، وعليه أن يسأل الله تعالى أن يعينه على التحرر من نيرها .
ونصيحتي للشباب خاصة ، أن ينزهوا أنفسهم عن الوقوع في هذه الآفة ، التي تفسد عليهم صحتهم، وتضعف من قوتهم ونضرتهم ، ولا يسقطوا فريسة للوهم الذي يخيل إليهم أنها من علامات الرجولة، أو استقلال الشخصية .ومن تورط منهم في ارتكابها يستطيع بسهولة التحرر منها ، والتغلب عليها وهو في أول الطريق ، قبل أن تتمكن هي منه ، وتتغلب عليه ، ويعسر عليه فيما بعد النجاة من براثنها إلا من رحم ربك .
وعلى أجهزة الإعلام أن تشن حملة بكل الأساليب على التدخين ، وتبين مساوئه .
وعلى مؤلفي ومخرجي ومنتجي الأفلام والتمثيليات والمسلسلات ، أن يكفوا عن الدعاية للتدخين، بوساطة ظهور "السيجارة" بمناسبة وغير مناسبة في كل المواقف.
وعلى الدولة أن تتكاتف لمقاومة هذه الآفة ، وتحرير الأمة من شرورها ، وإن خسرت خزانة الدولة ملايين من العملات ، فصحة الشعب الجسمية والنفسية أهم وأغلى من الملايين والبلايين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.