لقد انتشر التدخين في كثير من الناس وعمت فيهم بليته، فظهرت آثاره السيئة عليهم، مما جعل كثيرا من ذوي الغيرة علماء وأطباء ودعاة ومعلمين واجتماعيين وغيرهم يهتمون بذلك ويحرصون على التوعية فيه، والتوجيه إلى التحصن منه. وبظهور أضرار التدخين التي تمس الصحة والعقل والمال وغير ذلك، تأكد العلماء والفقهاء من الحكم الشرعي الذي ينطبق على التدخين وهو المنع، عملا بقاعدة أن الأصل في المضار المنع، وأن الأصل في المنافع الإباحة. وما يرشح هذه الظاهرة أو هذه الآفة لحكم المنع هي: انتشارها بكثرة، وعموم البلوى بها في الكبار والصغار، بل حتى في النساء، فقد صار بعض النساء يدخن كالرجال. وإذا كان التدخين في كثير من الأعراف يعتبر عملا منافيا للمروءة وكمال الفضيلة، فإنه في المرأة أشد. ومن ثم فإن تدخين النساء عمل لا يليق بهن لا شرعا ولا طبعا ولا خلقا ولا مروءة. فينبغي الوعي بهذه الحقيقة والمبادرة إلى علاجها بالإقلاع عن هذه البلية الضارة المتعارضة مع مكارم الأخلاق في كثير من أعراف الناس. والتدخين آفة يتناقلها المجتمع أفرادا عن أفراد، وجيلا بعد جيل، فلو كف الأب عن التدخين مثلا لما تأثر به ابنه ولا ابنته ولا غيرهما؛ وعلى الأقل لو تستر عنهم لما تأثروا به، وهذا ما يبين الحكمة والرشاد في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدنا بالاستتار إذا ابتلي بشيء من القاذورات: إذا ابتلي أحدكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر. فهذا الاستتار والتخفي عن الغير من شأنه أن يحبس ضرر البلية عن صاحبها، ويجعل أثرها قاصرا عليه. وأما المجاهرة بها فإنها تعدي ضررها وأثرها إلى الغير، ومن ثم فإن تدخين النساء إنما نشأ فيهن من تأثرهن بآبائهن ومباشري تربيتهن. فعلى الآباء المدخنين أن يعلموا ويعوا بمسؤوليتهم تجاه أولادهم فيما قد ينقلونه إليهم من مثل هذه الآفة الضارة والبلية الخطيرة، وخصوصا الفتيات، لسرعة وقوة تأثرهن بآبائهن، والمثل يقول: كل فتاة بأبيها مولعة. وتدخين المرأة أيضا لا يقتصر ضرره عليها، بل يتعداها إلى من يتأثر بها من النساء والفتيات، وإلى الجنين إذا كانت حاملا، فتدخين النساء الحوامل هو إضرار بهن وبأجنتهن، بحيث قد يتسبب ذلك في اختلال نمو الجنين وتشويهه وغير ذلك، مما يمكن أن يعتبر جناية عليه، وكل ذلك ممنوع شرعا لعموم قوله تعالى: ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين. إن خطورة آفة التدخين عامة غير خاصة، ومتعدية غير قاصرة، والمدخن يضر نفسه وجليسه، ويضر بيته ومجتمعه، فلا يحق له أن يمارس هذه البلية غير مكترث بحق نفسه عليه إن لنفسك عليك حقا، وحق جليسه وأسرته وبيته إن لأهلك عليك حقا، ومجتمعه ولا مبال بحرية الآخرين ولوازم آداب التعامل معهم. وبناء على ذلك، تجب المبادرة إلى التماس العلاج النافع والدواء الشافي، وهو ما يمكن استخلاصه من هدي الإسلام وحكمة تشريعه. وبالنظر في نصوصه وأصوله وقواعده ومبادئه العامة، يمكن تقرير الحلول التالية علاجا لهذه الآفة: 1 التوعية بأضرار التدخين وآثاره السيئة بالقدر الذي يحصل للمدخن، والوعي بحاله ومآله: أ الوعي بأضرار التدخين الصحية والنفسية والعقلية والأسرية والاجتماعية.. ب الوعي بما يترتب على التدخين من إضاعة المال على حساب الأولاد والزوجة، إذ أن المدخن يصرف ما يصرفه على التدخين من نفقات بيته ومؤونة أولاده وأهله، وهذا عمل لا يرضاه الشرع ولا العقل ولا العرف. ج الوعي بأن التدخين تنتقل عدواه إلى الآخرين، وينشر في الناس كانتشار النار في الهشيم. 2 اتباع قاعدة التدرج إذا لم يستطع المدخن أن يقلع فورا، فيبدأ أولا بالتحرج منه واستقذاره، ثم التقليل منه مع التزام الاستتار حتى لا يعدي غيره... وبمثل هذا عولجت ظاهرة شرب الخمر في الإسلام، حيث اتبعت فيه قاعدة التدرج، وكان من خطوات ذلك: إشاعة الوعي بقذارة الخمر وتغليب إثمها، مصداقا لقول الله عز وجل: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما.. ثم جاءت خطوة التحريم الموقوت للخمر في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون.. ثم لما ألف الناس البعد عنها في أوقات الصلوات وصاروا قادرين على تركها في بقية الأوقات نزل القول الفصل والحكم النهائي في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. فكذلك التدخين، يجب أولا استقذاره، واستشعار قبحه وضرره ومنافاته للمروءة في أعراف الناس، ثم التمرن على الابتعاد عنه، ثم الوصول إلى مرحلة الإقلاع عنه بالمرة. ويمكن الاستعانة على ذلك بالصيام، فهو وسيلة نافعة في التقليل منه والابتعاد عنه. 3 عدم ترويجه بين الناس، وعدم إغرائهم عن طريق الإشهار المثير، والدعاية المغرية، والإعلانات التي قد تجر بعض الناس إليه، أو تحرض المقلعين عنه إلى العودة إليه. 4 محاولة الانشغال بغيره مما هو مباح، وصرف النفس إلى التعود على بديل آخر من المباحات من مطعوم ومشروب أو غيرهما مما يحل استعماله والانتفاع به. 5 ومن الأدوية الروحية العقدية النافعة في ذلك: التوجه إلى الله تعالى بخالص الدعاء، فتوجه المدخن إلى ربه عز وجل وصدقه وإخلاصه في الدعاء، وإلحاحه في طلب تخلصه من هذه الآفة وإقلاعه عنها، علاج نافع من شأنه أن يقوي العزيمة ويزود النفس بطاقة إيمانية تعينه على الإقلاع والابتعاد، ولا سيما إذا باشر ذلك موقنا بالإجابة، واثقا في ذلك بما وعد الله سبحانه وتعالى حين قال: وقال ربكم ادعوني استجب لكم، وحين قال سبحانه أيضا: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان، فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون. والله المستعان.